تمتلك منطقة البحر الأبيض المتوسط مناخاً معتدلاً مائلاً للدفء يجعله يمتلك تنوعاً بيولوجياً مميزاً. تعاني المنطقة المتوسطية كما مناطق العالم أجمع من الآثار السلبية للتغير المناخي، والتي كانت في ارتفاع درجات الحرارة وقلة الهطولات بالإضافة لعدم استقرار نظام الهطل المطري في المنطقة. يمكن التخفيف من هذه الاضرار عن طريق إدارة حكيمة للموارد الطبيعية المتاحة لتغطية الآثار البيئية الناجمة عن التغير المناخي والهدف الأساسي هو تغطية الاحتياجات الغذائية والمائية (الأمن الغذائي والأمن المائي). لكن هناك مشاكل أخرى قد تكون مدمرة نابعة من الأخطاء الإدارية والتغير المناخي.
الأخطاء الإدارية والتخطيط قد يجر الموارد الطبيعية الموجودة إلى منحدر نهايته الفناء ككم وكنوع. قد رأينا في الفترة الأخيرة انتشاراً لبعض الأنواع في المنطقة المتوسطية آتية من مناطق أخرى من العالم. هذه الأنواع الأخيرة كانت نتيجة أخطاء إدارية وإدخال لأنواع هي في الأساس أنواع غازية إلى المنطقة كأنواع للزينة، وهنا نذكر نبات زهرة النيل ذي الموطن (حوض الأمازون) الذي يغزو الكثير من المسطحات المائية في المنطقة المتوسطية ويسبب خسائر مباشرة بتقليل نوعية المياه وتخريب التجهيزات المرتبطة بالموارد المائية، وخسائر غير مباشرة بجعل الوسط المائي غير مناسب للأنواع المحلية.
هذا النبات (الشكل 1) أعتبر منذ فترة في منطقة فلوريدا وكاليفورنيا (الولايات المتحدة الأمريكية) كنبات ممنوع، وذلك لأنه نبات غازٍ ومؤذي. للملاحظة؛ كاليفورنيا من المناطق التي تمتلك مناخاً مشابهاً للمنطقة المتوسطية. في مناطق أخرى قد لا تكون مشابهة تماماً مناخياً للمنطقة المتوسطية لكن قريبة بشكل كافي للمناخ المتوسطي، وهي بيئات المسطحات المائية في العراق التي لم تسلم من هذا الغازي الصامت والذي سبب أزمةً كبيرة في البلد؛ حتى تم الإعلان مؤخراً عن القضاء عليه ووضع النبات ضمن لائحة النباتات الممنوعة في العراق.
النبات والبيئة
التجربتين السابقتين (كاليفورنيا وفلوريدا والعراق) هي مثال عن إدارة بيئية وهنا اقصد منع النبات في البلاد، وعلى هذا السياق يجب الانتباه لعدد كبير من الأنواع النباتية والحيوانية التي قد تدخل المنطقة المتوسطية وتجد مناخاً ملائماً لها خاصة مع التغيرات المناخية التي تجعل المكان مناسباً للاستقرار والتطور، خاصة وأنه لا يجد عدواً حيوياً قد تطور معه في نظام بيئي متوازن.
في سورية وهي إحدى الدول التي تمتلك مناخاً متوسطياً؛ أجتاح النبات السابق العديد من المسطحات المائية وتم اتخاذ عدد من الإجراءات بحقه خاصة الميكانيكية. لكن للأسف هذا النبات لا يمكن ازالته بالطرق المتنوعة وخاصة الميكانيكية دون آثار سلبية ومنها الجهد والمال إن كانت الطريقة المستخدمة ميكانيكية أو تلوث الموارد المائية إن كانت الطريقة المستخدمة تقوم على أساس المبيدات الكيميائية. ومن الآثار السلبية أيضاً إدخال أنواع من الأعداء الحيوية (كعثة أو حشرات هي عدو له)، دون التنبؤ بسلوكها المستقبلي ضمن نظام هي لم تنتمِ في أي وقت سابق له.
حين ننظر إلى الجانب الآخر للقضية؛ فيمكننا الاستفادة من النبات أو بعبارة أخرى تسخيره لمنفعتنا، بالطبع دون أن ننسى أن الموارد المائية هي الأهم وهي قضية لا يمكن التخلي عنها. أحد الحلول هو الاستفادة من النبات في انتاج الوقود الحيوي وطبعاً نعود هنا إلى أن الموارد المائية هي الأهم ولا يمكن أن نتخلى عنها مقابل وقود حيوي، فهذا الحل غير عملي في هذه الحالة. الحل الأنسب هو الاستفادة من النبات بالمقدار الذي يسببه من ضرر. كحل مناسب وعملي؛ إعادة نشر بعض الحيوانات التي اختفت من المنطقة كالجاموس الشكل (2). الجاموس يعيش ويحب أن يبقى في مناطق قريبة من المسطحات المائية، وفي سورية كان الجاموس موجوداً ثم اختفى لعدم الاهتمام به من قبل المزارعين، واهتمامهم بالزراعة بعد تجفيف الأراضي والمستنقعات لامتلاكها كمكان خصب لأي نوع من الزراعات.
كثير من الدراسات التي أجريت في الفلبين والهند أثبتت ارتفاع معدل الوزن عند إضافة زهرة النيل إلى أعلاف الماشية. بهذا يمكن إجراء أبحاث في إمكانية التغذية المباشرة من قبل الجاموس على النبات مسبب المشكلة، خاصة أن البيئة مثالية لتواجد الجاموس، وهو كان جزءاً من نظام بيئي ساد في المنطقة سابقاً(كما في منطقة سهل الغاب في سورية).
بعد ذكر القسم الأول المتعلق بالإدارة يجب أن نذكر المشاكل التي تواجه المنطقة حالياً. وهي استقبال وفود من الأنواع التي غيرت مناطق تواجدها بسبب الاجهاد البيئي الناتج عن التغير المناخي. هذه الأنواع بدأت بالاتجاه إلى مناطق أكثر ملاءمة لتواجدها وكثير من الأنواع النباتية مثال عليها، حيث بدأت خطوط توزع الأنواع (خطوط العرض والارتفاع) بالانزياح للخطوط الأبرد. هذه الأنواع قد تسبب مشاكلَ لنظم بيئية لم تكن متواجدة فيها قبلاً.
من المشاكل الأخرى التي ظهرت مؤخراً؛ ظهور أنواع من الحشرات التي لم تكن موجودة في المنطقة سابقاً. هذه الأنواع غالباً هي أنواع استوائية أو مدارية تحتاج إلى دورة حياة لا تقل فيها الحرارة عن مقدار معين، وكانت متكيفة مع المناطق التي جاءت منها والنظم البيئية التي كانت فيها، وامتلكت نوعاً من التوازن مع الأعداء الحيويين الموجودين في مناطقها الأصلية.
هذه الأنواع الحشرية التي لم تكن تستطيع العيش في البيئات المتوسطية لوجود فصل نسبياً بارد يمنع أو يقتل أحد أطوار تطورها. لكن مع الارتفاع في درجات الحرارة العام للكرة الأرضية والمنطقة المتوسطية خاصة، أصبحت البيئة ملائمة لنموها الكامل وتطورها لعدد من الأجيال يسمح بزيادة أفراد مجتمعاتها بشكل هندسي قد يكون غير قابل للسيطرة في مرحلة ما. هذه الحشرات لا تمتلك العدو الحيوي في المنطقة المتوسطية الذي يكبح الفورة في نموها ويحقق التوازن مما قد يكون باعثًا لحالة قد تصل لأزمة وقد تصل إذا استمرت إلى فاجعة. هذه الفاجعة إما أن تكون مباشرة من قبل هذه الأنواع إن كانت مؤذية للماشية أو الانسان، أو غير مباشرة عن طريق تدمير المحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة والغابية.
هذه المشاكل تمتلك آثاراً على المجتمعات المعنية من الناحية الاجتماعية والاقتصادية إضافةً للبيئية. الآثار المترتبة عنها قد تصل لحد المجاعات والفقر وتردي مستويات الحياة بشكل عام. المشاكل المطروحة يجب أن تقابل بنوع من النظرة الاستباقية والوقائية واستقبال هذه المشاكل التي قد لا تكون قابلة للسيطرة من حيث حدوثها أو عدمه بنوع من السرعة في تحضير أنواع حيوية نباتية أو حيوانية محلية، ومنها أنواع من الحشرات لتدريبها على مجابهة هذه الأنواع الغازية. حالياً مازال مفتاح الحل ضمن المتاح كإدارة بيئية ويجب استغلال هذه الفرصة سريعاً، لأن التغير المناخي لا يمتلك نظام تغير محدد وحتى الآن هو غير قابل للتنبؤ، وقد يكون العام التالي بدرجات حرارة كما السابق؛ فيكون كافياً للتخلص من بعض القضايا، لكن لا يمكن أبداً الاعتماد على مناخ صعب التنبؤ نتيجة عوامل مختلفة متغيرة وغير ثابتة، مما يسبب عدم امتلاكها لنظام تكرار معين يساعد على التنبؤ بها.
 |
 |
 |
الشكل (1): صور مختلفة لنبات زهرة النيل، المصدر مذكور في الصورة |
 |
 |
الشكل (2): صور مختلفة للجاموس في أحد الأحواض المائية، مصدر الصورة الانترنت |