غزاة البحر المتوسط وتهديد التنوع الحيوي
قناديل البحر
إن كانت التغيرات المناخية تهدد دول الوطن العربي بتحولات جذرية تشمل ندرة المياه وتصحر الأراضي وغزو الأحياء النباتية والحيوانية للمنظومة الايكولوجية المحلية، فإن لظاهرة الاحتباس الحراري أثاراً سلبية محققة تتأكد يوماً بعد يوم بإرتفاع درجات حرارة المياه، ما يهدد بانقراض التنوع الحيوي في البحر الأبيض المتوسط الذي يتعرض إلى غزو أنواع حيوانية ونباتية معظمها وافد من البحر الأحمر، حيث باتت تفرض واقعاً مغايراً وتهديداً مباشراً للتنوع الحيوي الذي ميزه منذ الأزل.
قناة السويس الطريق الأسرع للأنواع الغازية:
منذ افتتاح قناة السويس سنة 1869، أصبح من الممكن الربط ملاحياً بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وأصبح كذلك من السهل لكائنات البحر الأحمر أن تشق طريقها إلى البحر المتوسط وأن تنتشر وتتكاثر على حساب الكائنات المحلية، ومع ارتفاع درجة حرارة مياه البحر نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري، بات انتشار الأنواع الغازية وتكيفها أيسر من السابق، وباتت تزحف تدريجياً نحو غرب المتوسط، وقد ساهمت هذه الأنواع الغازية بتشكيل التنوع الحيوي في المنطقة، حتى إن بعضها قد تكيف تماماً في الموطن الجديد وغزا مساحات شاسعة من القيعان البحرية ليحل مكان الأنواع المحلية ويتكاثر على حسابها في بيئتها.
غزاة في البحر المتوسط:
يقدر عدد الأنواع الغازية في البحر الأبيض المتوسط بـ 1000 نوع على الأقل تشمل طحالب وقشريات وأسماك، نستعرض لائحة الأنواع الغازية الأهم للبحر المتوسط:
- طحلب ( Caulerpa taxifolia) يتواجد في المحيط الهندي بالتحديد في شواطئ أستراليا الجنوبية، أطلق بصفة عرضية في البحر الأبيض المتوسط عن طريق اكواريوم دو موناكو سنة 1984 ومنذ ذلك التاريخ، نجح هذا الطحلب في الإنتشار في مساحة تقدر بـ 1 مليون كم ² مزيحاً الأنواع المحلية من الطحالب الأخرى.
- السلطعون الأزرق ( Portunus pelagicus ) تسبب هذا السلطعون في أضرار جسيمة للصيادين، فهو يقتات من الأسماك التي تقع في شباكهم إضافة إلى تمزيق تلك الشباك، ويطلق عليه الصيادون في تونس لقب سلطعون داعش تندراً على صفاته المتوحشة، وترجع منطقة انتشاره الأصلية إلى جنوب شرق اسيا.
- السمكة الأرنب ( lagocephalus) تسببت هذه السمكة في مصرع العديد من الأشخاص بعد تناولها في قطاع غزة ومصر منذ ظهرت عام 2012.
- قناديل البحر اللاسعة المتنقلة ( Rhopilema nomadica ) لوحظت مؤخرا في الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط وربط بعض الباحثين تواجدها بتوسعة قناة السويس، وتسببت هذه القناديل في تعليق السباحة في بعض شواطئ فلسطين المحتلة.
إن كل تدهور في المنظومة الايكولوجية يرجع بالأساس إلى أنشطة الإنسان غير المسؤولة، وقناة سويس كغيرها من المشاريع العملاقة أنجزت دون توفر الوعي البيئي آنذاك، كذلك ساهمت ظاهرة الاحتباس الحراري في تسريع تدهور النظم الايكولوجية في البحر المتوسط، فهل سيشهد القرن 21 أكبر عمليات إنقراض لمنظومته الايكولوجية ؟