مبادرات بيئية مبشرة في المدرسة المغرّدة خارج سرب التمويل الإسرائيلي "دار الطفل العربي"
مؤسسة دار الطفل العربي، هي المدرسة التي ارتبط اسمها أواخر أربعينيات القرن الماضي بالناشطة المقدسية "هند الحسيني" التي أوت يتيمات مذبحة دير ياسين في بيتها الذي مهّد لاحقا لتأسيس دار لليتيمات من كل فلسطين، ومن ثم توسع ليصبح مدرسة ابتدائية وثانوية. في أكناف هذه المدرسة العريقة يمتزج التاريخ والذكريات مع الخضرة والمبادرات الصديقة للبيئة الظاهرة للعيان في ساحات وأروقة هذه المؤسسة. تم إنشاء حديقة ترفيهية خضراء في مدخل المدرسة بعد أن كانت أرضا جرداء غير مستغلة، كما تضم المدرسة الموشاه بالخضرة، أشجارا عديدة تعدى عمر بعضها السبعة عقود، منها المثمرة ومنها غير المثمرة، إضافة إلى الأشجار النادرة. وفي داخل المدرسة تمارس عملية تعميق الروابط بالطبيعة، فتتنوع النشاطات بين زراعة نباتات ورقية وخضراوات، تعليم الطالبات طرق صناعة السماد العضوي، إعادة تدوير الشمع، الورق، صناعة الصابون البلدي، والتأسيس للطاقة النظيفة من خلال وحدات الطاقة الشمسية.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
بستان الأطفال الغني بالأشجار في مدرسة دار الطفل العربي |
لا يمكن الحديث عن الصمود الفلسطيني في ظل حملات الأسرلة والتهويد في القدس المحتلة، دون الإشارة بشكل أساسي إلى مؤسسة دار الطفل العربي، المدرسة التي ارتبط اسمها أواخر أربعينيات القرن الماضي بالناشطة المقدسية "هند الحسيني" التي أوت يتيمات مذبحة دير ياسين في بيتها الذي مهّد لاحقا لتأسيس دار لليتيمات من كل فلسطين، ومن ثم توسع ليصبح مدرسة ابتدائية وثانوية للتعلم خرّجت آلاف الطالبات منذ عام 1948 حتى يومنا هذا. من هناك، حيث يمتزج التاريخ والذكريات مع الخضرة والمبادرات الصديقة للبيئة الظاهرة للعيان في ساحات وأروقة هذه المؤسسة، كان التقرير التالي:

غرفة هند الحسيني في متحف دار الطفل العربي بالقدس المحتلة
حول السمة الأبرز للمدرسة وهي "فلسطينيتها الخالصة"، قالت رئيسة مجلس الإدارة الثمانينية "ماهرة الدجاني" التي تقطن في بيت جد الراحلة "هند الحسيني" وتمارس كل مهامها الإدارية في هذا المنزل. "لن نقبل أن نأخذ من أعدائنا لنبقى، الكل يتباهى بنا لأننا مصرون على موقفنا في ظل كل الصعوبات المالية والضغوطات، من تضرر وتأذى من الاحتلال صعب أن ينسى".
 |
 |
ماهرة الدجاني وهند الحسيني في رسم لفنان فلسطيني |
ماهرة الدجاني مديرة مدرسة دار الطفل العربي في القدس المحتلة |
السؤال الذي يتبادر للكثيرين، كيف تصمدُ دار الطفل مع غلاء المعيشة وتحديداً في ظل احتلال مذلّ، تجيب الدجاني بنبرة قلق، بأن مشاكل كبيرة تواجه المؤسسة في مسألة التمويل، فهم كجمعية خيرية يعتمدون على تبرعات أهل الخير من الفلسطينيين في الوطن ودول الاغتراب، ولديهم لجنتان في الأردن والسعودية لتوفير جزء من الدعم، مشيرةً إلى وجود 83 يتيمة في المعهد، 14 منهن يقِمن في السكن الداخلي.
يذكر أن دار الطفل التي تتألف من مدرسة وحضانة ومتحف ومركز أبحاث "إسعاف النشاشيبي" عُدّت المكان الأول لإيواء اليتيمات من الضفة وغزة، فقبل أن تنصب الحواجز ويمنع أهالي الضفة وغزة من الوصول للقدس، بلغ عدد اليتيمات المقيمات في السكن الداخلي 300 طالبة، أما اليوم، فقد قلّ العدد كثيراً.
 |
 |
أشجار الصنوبريات في حديقة مدرسة دار الطفل العربي |
نصب تذكاري للمربية والناشطة هند الحسيني محاط بالأشجار |
تعليم وخضرة
تفتخر الدجاني التي استلمت رئاسة المدرسة منذ عام 1995 بأنها ساهمت من خلال صديق لشقيقها تبرع قبل سنوات بمبلغ 35 ألف دولار عن روح ابنته سلوى، في إنشاء حديقة ترفيهية خضراء مدخل المدرسة بعد أن كانت أرضا جرداء غير مستغلة، الحديقة اليوم بمثابة متنفس ومكان للورش والأنشطة التعليمية والثقافية المدرسية.
تضم المدرسة الموشاه بالخضرة، أشجارا عديدة تعدى عمر بعضها السبعة عقود منها غير مثمر كالسرو والصنوبر، وأخرى مثمرة كاللوز والاسكدنية، الليمون، البوملي، الجوز، العنب، الخروب، الزيتون، زهور وأشجار للزينة، أشجار نادرة كالزنزلخت ونباتات عطرية كالياسمين.

شجرة الخروب المعمرة وهي الأقدم في مدرسة دار الطفل العربي
تعترف الدجاني أن توسيع مرافق المدرسة تطلب اجتثاث بعض الأشجار بحكم محاصرة الاحتلال لأي امكانيات للتوسعة خارج حدود المدرسة، لكن ما بقي أكثر مما تم إزالته، وهذا يبدو واضحاً للزائرين من اتساع الرقعة الخضراء في المدرسة.
"علمتني معلمتي الراحلة زليخة القطب حب الزراعة، حيث كانت تخصص حديقة مدرسة المأمونية لزراعة البصل والثوم والبقدونس والنعنع، وكنا خلال الدوام نستأذنها بالجلوس في الحديقة لاستنشاق تراب الأرض المعطاءة". تقول الدجاني التي عملت مرشدة رياضة أشرفت على عشرات المخيمات الكشفية في ربوع فلسطين والأردن في خمسينات وستينات القرن الماضي.
عزيز الوعي البيئي لدى الطالبات
تسعى المدرسة لتعزيز الوعي البيئي من خلال عدة أنشطة، ومع أنها بدايات خجولة تجد فسحة لها بين زخم المنهاج الدراسي الصارم، إلا أنها مبشرة لإسهامها في تعميق مفاهيم البيئة لدى الطالبات حيث تبدأ من الاستمرار في تعميق الروابط الوطنية بفلسطين التاريخية من خلال رحلات علمية وترفيهية لأكناف الطبيعة، وفي داخل المدرسة تتنوع بين زراعة نباتات ورقية وخضراوات، تعليم الطالبات طرق صناعة السماد العضوي، إعادة تدوير الشمع، الورق، صناعة الصابون، والتأسيس للطاقة النظيفة من خلال وحدات الطاقة الشمسية.

مدرسة دار الطفل العربي بساحاتها الخضراء أصبحت أكثر جاذبية لطالباتها
- الحديقة النباتية، وتعزيز قيم النظافة
تحرص المعلمة ماجدة الغول -التي عملت لسنوات طويلة في لجان العمل الصحي ومدارس حكومية وخاصة- على أهمية رفع الوعي البيئي لما له من آثار ايجابية على الصحة والبيئة، فمنذ استلمت عملها في المدرسة قبل 3 سنوات عملت مع الطالبات على مشاريع إعادة الاستخدام والتصميم، عبر تدوير الورق والبلاستيك إلى مواد فنية وأخرى مفيدة للاستخدام، كما سعت لتعزيز قيم الإحساس بالبيئة والصحة العامة من خلال حملات تنظيف الصفوف والساحات والمرافق العامة.
وتركز الغول من خلال استيفاء بعض المتطلبات في ملف "انجاز" أو التوجيهي سابقاً الذي يُدمج مع شهادة الطالبة كقيمة مضافة لشهادتها الدراسية، على مواضيع الصحة والبيئة والمدرسة الخضراء، من خلال مشاريع تحسين بيئة المدرسة.
تعمل الغول حالياً مع الطالبات على إنشاء حديقة نباتية تعليمية تضم النباتات الموجودة وأخرى سيتم زراعتها وذلك بداية الربيع من العام المقبل.
مشروع الشمع كان لإدرار دخل بسيط يعود لصندوق المدرسة، هدفه التقليل من آثار مادة البرافين المضرة بالبيئة، عبر إعادة استخدامها، بقوالب مختلفة وألوان وروائح جديدة، بحيث يتم بيعه مع منتجات أخرى للطالبات.
" الشمع عالم جميل، هو فن ووسيلة لإعادة التدوير في ذات الوقت تهوى الطالبات صنعه" تقول الغول.
 |
 |
صابون عضوي من زيوت الزيتون والبابونج إنتاج طالبات دار الطفل العربي |
تصنيع الصابون البلدي في مدسة دار الطفل العربي في القدس المحتلة |
في ذات الطابق للصفوف الثانوية، تحدثت معلمة العلوم "بسمة جفّال" عن فكرة تصنيع مادة الصابون من مواد عضوية كزيت الزيتون على الطريقة الباردة الأكثر أمانا من التسخين الحراري، بدأت الفكرة من تنكات زيت متوفرة في المدرسة "السكن الداخلي"، في البداية تم توزيع المنتوج على المعلمات والطالبات، وبعد استحسان الجميع لجودته تم التفكير بمشروع مستدام تعود أرباحه لصالح صندوق المدرسة.
"يباع الكيلو المؤلف من 7 قطع بـ 25 شيكل، ويسوق من خلال المدرسة لأهالي الطالبات أو من خلال المعارض للمجتمع المحلي". تقول الجفّال
تؤكد المعلمة التي التقت بسيدات كبيرات في السن لتعليمها طريقة الصابون البارد حتى تقوم بالمشروع على أتمّ وجه، أن هذه الصناعة الصديقة للبيئة كان لها الأثر الجيد على الطالبات حيث تعلمن صناعة تقليدية عمرها مئات السنين، وكيفية استغلال الزيت القديم لأمور نافعة، وتعزيز مفاهيم صديقة للبيئة.
تنتج المدرسة حالياً بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP مئات القطع المصنعة من الزيت والبابونج والقهوة ومستقبلاً سيتم تطويره عبر إضافة صبغات وأعشاب طبيعية.

الخلايا الشمسية لإنتاج الكهرباء على سطح مدرسة دار الطفل العربي
توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية
كانت الفكرة بعد قراءة إعلان في الجريدة قبل سنوات عن دعم مشاريع طلابية في مجال الطاقة الشمسية، اهتمت المدرسة بالأمر وتعاونت مع أستاذ الفيزياء والعلوم "محمد سراج" ومهندس من شركة الكهرباء "إيهاب طوطح" للإشراف على بحث علمي تقوم به طالبات الصفوف العليا، بعد دراسة إمكانية تطبيق الأمر على المدرسة ومدى احتياجها حسب المساحة المتوفرة، تبين أن المدرسة بحاجة فعليا إلى 100 كيلوواط شهري، ولكن المتاح من حيث المساحة ما يغطي 35 كيلوواط فقط، وقد تم الحصول على دعم من شركة الكهرباء لـ17 كيلو واط شهري على أن يتم تركيب ذات الكمية مستقبلاً.

محمد سراج أستاذ الفيزياء والعلوم وناشطات بيئيات أمام خلايا الطاقة الشمسية في مدرسة دار الطفل العربي بالقدس المحتلة
يتابع سراج وعدد من الأساتذة عملية إدماج الطالبات في الإشراف على مشروع الطاقة الذي أطلق عام 2016 تحت شعار: "مدرستنا تعمل بطاقة صديقة للبيئة". ويلفت إلى أنه وبعد تركيب الوحدات، تم دعوة الطالبات اللواتي اعددن الدراسة وقد تخرجن وأصبحن الآن في الجامعات لرؤية ثمار ما مهدن له نظرياً، وقد كانت فرحتهن كبيرة.
تفكر المدرسة، كما يفيد سرّاج، بتوفير وحدات تغطي 60 كيلو بايت من خلال تظليل ساحة المدرسة ومواقف السيارات بخلايا شمسية، مؤكداً أن استخدام تلك الخلايا سيخفض ثلث فاتورة استهلاك المدرسة في وقت الذروة أي الشتاء، وقد تنخفض للصفر في أوقات الصيف والعطل المدرسية.
مدرسة ذائعة الصيت لتاريخها المرتبط بالنكبة وما تلاها من آلام عاشها الفلسطينيون، ذكرتها الأدبيات وكتب التاريخ، وحتى السينما في فيلم "ميرال"، مدرسة ما زالت تكافح من أجل البقاء، ومن بين كل المسؤوليات والتحديات، لا يتم استثناء الأفق الأخضر حيث تختم الدجاني حديثها: "المدرسة في طريقها نحو تطوير الجوانب البيئية بأنامل طالباتها، عليهن أن يمارسن الزراعة والسلوكيات البيئية ليؤثرن في مجتمعهن، وهذا ما نصبو له".