كارثة مرعبة تحدق بالقطاع وسكانه... ولا أحد يكترث
أطفال حي الزيتون في غزة يواجهون وحدهم كارثة الغرق في المياه العادمة- تصوير علي جاد الله
خاص بآفاق البيئة والتنمية
ألقى انقطاع التيار الكهربائي بظلاله على كافة مناحي الحياة في قطاع غزة بصورة عامة وعلى البيئة الفلسطينية بصورة خاصة، وبات وصول الكهرباء لساعات لا تتجاوز الست كل "18" ساعة بمثابة "ضيف عزيز" على الغزيين سيما وان حياتهم اصبحت تمضي وفق جدول الكهرباء الذي تحدده الجهات المختصة، إلا ان البيئة لا تعرف جدولا للكهرباء فهي قد مضت من قاموس اهتمامات الكل دون استثناء.
واصبح الشلل لكافة مرافق الحياة في غزة امراً اعتاد عليه المواطنون، فآهاتهم وصرخاتهم لا تتوقف عن مطالبة المسؤولين بوصول التيار الكهربائي مع المياه، الا ان الامر مازال يراوح مكانه، فمواعيد الكهرباء لا تتوافق ووصول المياه. ولم تقتصر المعاناة عند ذلك الحد، بل باتت محطات معالجة مياه الصرف الصحي تشكل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة وهو ما حذر منه عدد من المختصين في الشأن البيئي.
وتوقفت صباح الأول من نوفمبر الماضي محطة توليد الكهرباء في غزة عن العمل كلياً، وذلك بسبب نفاذ الوقود اللازم لتشغيلها، الامر الذي خلف آثاراً خطيرة على الأوضاع الإنسانية لسكان القطاع، بسبب تفاقم العجز في الطاقة التي يحتاجها سكان القطاع يومياً.
وقد اضطرت شركة توزيع الكهرباء في القطاع إلى زيادة ساعات قطع التيار الكهربائي عن المنازل والمنشآت الحيوية من 8 ساعات إلى 12 ساعة يومياً. وأصبح نظام العمل بتوصيل الكهرباء لمدة ست ساعات وصل و12 ساعة قطع، الأمر الذي أدى إلى مزيدٍ في تدهور الأوضاع الإنسانية لسكان القطاع.
|
|
الدفاع المدني يعمل على إنقاذ حي الزيتون بغزة من الغرق بالمياه العادمة- تصوير علي جاد الله |
الدفاع المدني الفلسطيني يعمل على إنقاذ شوارع حي الزيتون بغزة من الغرق بالمياه العادمة- تصوير علي جاد الله |
الكهرباء والمياه "عزيزتان" ولكن..!!
تقول السيدة اعتدال جابر: "اصبحت لا أنام الليل وانا انتظر قدوم المياه حتى اتمكن من تشغيل ماتور المياه (...) لأن الكهرباء والمياه لا يلتقيان الا كل ثلاثة ايام مرة واحدة، وذلك في الفترة الليلية".
وتحرص الخمسينية جابر على ان تكون "براميل" المياه التى تعلو منزلها ممتلئة سيما وان افراد العائلة "12" فرداً وهم بحاجة الى المياه على مدار الساعة.
وتشير في حديثها مع "افاق البيئة والتنمية" أن الحياة باتت مستحيلة في ظل انقطاع الكهرباء لساعات طويلة وكذلك انقطاع المياه وصعوبة شراء المياه، خاصةً وأن الكوب من المياه يصل الى"30" شيكل أي ما يعادل 8 دولارات .
فيما ترى المواطنة سعاد احمد أن الامر يزداد صعوبة كل دقيقة، سيما وأنها تقطن في الدور السابع وباتت المياه عزيزة جدا حيث لا تراها الا ما ندر، فهى "عزيزة كشقيقتها الكهرباء" تقول سعاد.
وتشير سعاد الى انها عملت على شراء ماتور مياه بقيمة "900" شيكل لسحب المياه في الجالونات الخاصة بشقتها، وتحرص على ان تبقي احد ابنائها بجوار صنبور المياه الخاص بالبلدية اسفل البرج، حتى يتم تشغيل الماتور واستثمار الكهرباء، حتى لو كان الالتقاء بين المياه والكهرباء ساعة فقط.
وتضيف الأربعينية سعاد، لقد تعبنا كثيرا فحياتنا باتت حلبة صراع جريا وراء المياه والتيار الكهربائي، ولا حلول في الأفق.
|
|
إنقاذ أطفال حي الزيتون في غزة من الغرق في المياه العادمة- تصوير علي جاد الله |
حي الزيتون يغرق بالمياه العادمة جراء شلل محطات معالجة المياه العادمة بسبب الحصار- تصوير علي جاد الله |
حكاية محطة
بدوره يقول المواطن حسين محمود: "الحياة قاسية والكهرباء اصبحت ضيفة قلما تحلّ (...) لكن الاخطر ان مياه الصرف الصحي باتت تهدد حياتنا واصبحنا نعاني من تلوث حقيقي في الكثير من الامور والقضايا".
وينوه الى ان منزله وافراد اسرته مهددون بالكثير من الاخطار جراء محطة الصرف الصحي القريبة منهم والتي تطفح في اي لحظة لعدم ضخ المياه منها الى البحر، بسبب غياب السولار لتشغيل المحطة وغياب التيار الكهربائي لساعات وساعات.
بدورها قالت المواطنة ام محمد "55" عاماً: "اصبحت أقضي كافة المستلزمات المنزلية من عجين وغسيل واستحمام ايضا وتنظيف المنزل والأواني وفق جدول الكهرباء وليس وفق مقدرتي".
وتتابع مع مجيء التيار الكهربائي منتصف الليل، أهب فزعة من اجل الغسيل على الغسالة العادية فوداعا للأتوماتيك، لأنها تحتاج الى وقت اطول والكهرباء لا تنتظر ولا ترحم، كما انني اقوم بالعجين، وقديما كنت اعد خبزاً يكفي ليومين اما اليوم فأنا أعد حاجة البيت لأسبوع، كما انني احرص على ان يستحم افراد الاسرة فإنها فرصة لا تعوض ان تأتي الكهرباء والمياه في نفس اللحظة".
لا تكفي القطاع
فيما يؤكد الخبير الاقتصادي د. ماهر الطباع أن تشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة لن يحل ازمة الكهرباء في القطاع، مطالبًا بضرورة شراء الكهرباء من دولة اخرى لحل هذه الازمة.
ويشير الطبّاع انه حينما تم انشاء محطة توليد الكهرباء قبل عشر سنوات تقريبًا، كان تعداد سكان قطاع غزة اقل من 1.5 مليون نسمة وكانت غزة تحتاج إلى 240 "ميجا واط" من الكهرباء فقط يوميًا، اما اليوم فتعداد سكان القطاع يقترب من المليونين ويحتاج إلى 350 "ميجا واط" كهرباء يوميًا، أي أن هناك عجز 110 ميجا واط".
وينوه انه كان يتم تعويض غزة بالكهرباء من خلال شراء 120 "ميجا واط" من الاحتلال من خلال خط كهربائي يصل إلى غزة، و120 "ميجا واط" من الطاقة التي تولدها المحطة في حال عملها بالكامل فكانت تكفي القطاع في حينه. وأكد انه حتى لو عملت محطة التوليد بكل طاقتها فلن تعطينا إلا 100 "ميجا واط" يوميًا هذا بالإضافة إلى التكلفة العالية لتشغيلها.
ويقول الطبّاع: "نحن نحتاج 450 ألف لتر سولار يوميًا لتشغيل المحطة وسعر اللتر بخمسة شواكل ونصف الشيكل أي دولار ونصف الدولار تقريبًا، نكون بذلك نحتاج يوميا إلى حوالي 700 الف دولار من اجل تشغيل المحطة، وفي النهاية لن تعطينا كهرباء على مدار الساعة".
ويشير إلى ان آخر سبع سنوات اصبح هناك نمو سكاني كبير في قطاع غزة والذي يبلغ تعداده الان نحو 1.85 مليون نسمة، اي ان عدد سكان القطاع زاد 350 الف نسمة منذ انشاء المحطة، بالإضافة إلى التوسع العمراني وبناء الابراج والمحال التجارية والمصانع والمستشفيات، وهذا يجب ان يأخذ بعين الاعتبار.
وتؤكد بلدية غزة ان اجزاءً من المدينة قد تغرق في مياه الصرف الصحي، اذا ما استمر انقطاع التيار الكهربائي في ظل انقطاع المحروقات من الاسواق جراء هدم الانفاق من قبل الجيش المصري.
|
|
غرق شوارع حي الزيتون بغزة جراء طفح محطة المياه العادمة جراء انقطاع التيار الكهربائي- تصوير علي جاد الله |
غزة تحولت إلى حفرة كبيرة من المياه العادمة- تصوير علي جاد الله |
تحذيرات ومناشدات
وشهد عدد من شوارع حي الزيتون شرق مدينة غزة حالات غرق جراء طفح محطة 7 بي الواقعة جنوب الحي، والتي تضخ نحو 35 ألف لتر مكعب من مياه الصرف الصحي يومياً في الحوض المركزي في منطقة الشيخ عجلين.
رؤساء البلديات في قطاع غزة، حذروا في اتصالات هاتفية مع "افاق البيئة والتنمية" من بقاء الوضع على حاله ووجهوا نداءات عاجلة إلى مسؤولي الهيئات الدولية والعربية والأجنبية، والاتحاد الأوروبي، بضرورة التحرك العاجل لإعادة إمداد غزة بالوقود وذلك لتسببها في كارثة بيئية.
ويقول مدير عام الصرف الصحي في بلدية غزة، م. سعد الدين الأطبش: "ما يحدث أننا نصرخ وننادي من شهر ونصف، بأن الوقود الاحتياطي على وشك النفاد، نحن نعطي أولوية لهذه المحطة، لكن الكهرباء صارت تنقطع حوالي 18 ساعة، وتوقفت محطة توليد الكهرباء عن العمل".
وتابع ان البلدية تعاني في ظل انقطاع الكهرباء، عدا أنها لا تتمكن من شراء الوقود الإسرائيلي؛ "كون المواطن ما عاد يدفع ثمن الفاتورة، وتوقفت حركة العمران للبلدية، وحدث عجز في مدخولها، كما أن شراء تشغيل هذه المحطة التي تُضَخ منها مياه الصرف الصحي يحتاج إلى 100 لتر وقود إسرائيلي في الساعة".
ويكمل بأن المحطة التي توقفت – محطة حي الزيتون-، "تقع في أخفض منطقة في غزة، وتصلها المياه العادمة من مناطق متعددة؛ كأحياء الصبرة والزيتون والشجاعية والمناطق المحيطة، ومنها يتم ضخ تلك المياه لأحواض المعالجة في حي الشيخ عجلين، قبل أن يتم ضخها عادةً في البحر".
ويلفت الانتباه الى أن شركة الكهرباء تعاونت مع البلدية في زيادة عدد ساعات التيار الكهربائي لمحطة الصرف الصحي من 6 الى 8 ساعات وبذلك زيادة في عدد ساعات الضخ، ويضيف:" نحن نعمل من اجل ايصال الكهرباء للمحطة، حيث سنعمل على تمديد كيبل بقيمة 130 الف دولار، يضمن وصول التيار الكهربائي على مدار الساعة لأن المحطة تستقبل باستمرار مياه الصرف الصحي.
ويضيف اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فإن كارثة بيئية محدقة بالمدينة وسكانها، لافتا الى ان ثلاث محطات تلقي حمولتها مباشرة على البحر، وبذلك فإن مياه البحر اصبحت ملوثة دون أدنى اهتمام انساني عالمي بالكارثة.
ويشير الى وجود ثلاث محطات داخل المدينة قد تنفجر في اي لحظة اذا لم تتوفر الكهرباء، لافتا الى ان محطة الزيتون اخطر محطة.
رئيس بلدية غزة رفيق مكي، يؤكد على أن انقطاع التيار الكهربائي المتواصل عن قطاع غزة تسبب في توقف معالجة مياه الصرف الصحي التي ملأت الأحواض، الأمر الذي أدى إلى فيضانها تجاه البحر.
ويقول: "إن عدم وجود انفراج في أزمة الوقود سيتسبب بكوارث بيئية في الوقت الحاضر. كما انه فاقم من الأزمة، حيث تعذر وصول مياه الشرب إلى الكثير من المناطق ولفترات طويلة، بسبب توقف المضخات نتيجة انقطاع الكهرباء".
ويوضح أن معظم آليات البلدية توقفت عن العمل ما زاد في تكدس النفايات الصلبة، ودفع البلدية إلى استخدام الدواب في إزالة تلك النفايات، وهي لا تستطيع أن تجمع كمية 7 أطنان من النفايات يومياً.
|
|
غزة تواجه وحدها كارثة الغرق في المياه العادمة أمام سمع وبصر العالم الحر والأنظمة النفطية الجالسة على بحار من النفط- تصوير علي جاد الله |
هذه ليست البندقية في إيطاليا إنها غزة تغرق في المياه العادمة- تصوير علي جاد الله |
محطات مهترئة
رئيس سلطة جودة البيئة د. يوسف إبراهيم، يقول أن انقطاع التيار الكهربائي ونقص كميات الوقود اللازمة لتشغيل محطات الصرف الصحي، زاد من حجم الضرر البيئي.
ويشير في حديث خص به المجلة أن انقطاع التيار الكهربائي من الأسباب الرئيسية التي جعلت المحطات غير قادرة على معالجة المياه الواردة إليها"، إلا أنه أكد أن حل مشكلة الكهرباء والوقود، لا يعني أن إلقاء هذه المياه في البحر سوف يتوقف.
وأرجع ذلك إلى عدة أسباب منها زيادة الكثافة السكانية التي جعلت كمية المياه الخارجة من البيوت والمؤسسات وغيرها، تفيض عن قدرة وطاقة محطات المعالجة على استيعاب هذه الكميات، مضيفاً: "لا يمكن لمحطة أقيمت قبل 30 عاماً أن تستوعب الكميات الكبيرة من مياه الصرف الصحي الواردة من منازل المواطنين في هذه الأيام".
وبيّن أن هذه المحطات ذات كفاءة ضعيفة بسبب الحصار الإسرائيلي على القطاع الذي عرّضها للهلاك دون تجديد، وأضاف: "أصبحت المحطات المعالجة غير قادرة على معالجة كميات المياه الواصلة إليها، وبالتالي أصبح هناك زيادة في كفاءتها".