هل تفكر في الاصطياف بمستنقع من الأوبئة والأمراض؟...إذن تعال إلى غزة
إنها الحقيقة المرة التي يدركها الجميع بقطاع غزة، ألا وهي أن 115 ألف كوب (115 مليون لتر) من المياه العادمة الخام وغير المعالجة تُضخ في البحر موزعة على طول الشاطئ، وذلك بين مصبات رئيسية وأخرى فرعية، هذه الأرقام المرعبة تشكلُ كارثةً حقيقية لأكثر من 60% على طول ساحل قطاع غزة البالغ نحو 41 كم، ففي منطقة الشيخ عجلين فقط يتم ضخ حوالي 65 ألف كوب يومياً من المياه العادمة .الأزمة في تزايد وقطعت مرحلة الخطورة بمراحل طويلة، ولا يخفى علينا أننا نعيش في كارثة بيئية عميقة تحتاج سنوات لحلها والتخلص منها في حال كانت كل الظروف المادية واللوجستية والبنية التحتية جاهزة لحلّ المشكلة.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية

تشكل البيئة الصحية السليمة للفرد والمجتمع الاستقرار النفسي والأمني للعيش في صحة وسلام، دون وجود عقبات أو أزمات عابرة أو متراكمة تهدد بقاء أو استمرار الإنسان على هذه البقعة الجغرافية أو تعريض حياته للخطر من خلال التلوث البيئي بكافة أنواعه.
فلسطين بوجه عام وقطاع غزة بوجه خاص، من الرقع الجغرافية التي تتعرض لأزمات عابرة ومتراكمة وكوارث بيئية متلاحقة بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ عشر سنوات وأكثر، إضافة إلى ما يتعرض له القطاع من قصف وتدمير للبنى التحتية والمقدرات الفنية بطريقة ممنهجة، تهدف إلى وضع الغزي في بيئة غير صالحة مطلقًا للحياة أو الصمود أو إعادة البناء، في ظل منع الاحتلال إدخال مواد إعادة الإعمار.
في مقالتي هذه، سأخصص حديثي حول التلوث البيئي لساحل البحر الأبيض المتوسط الممتد على طول الحدود الغربية لقطاع غزة وآثاره على سكان القطاع، إذ يعاني منذ سنوات من أزمة بيئية، لكن أشدها إرهاقا ما يتعلق بمتنفس الغزيين الوحيد في ظل إغلاق المعابر والحدود، إذ من المتعارف عليه، أن تلوث شاطئ البحر يحدث منذ سنوات طويلة بشكلٍ تراكمي، ويزداد في حال انعدام التيار الكهربائي عن غالبية المناطق، ما يعني العيش تحت رحمة تيار يصل البيوت مدة أربع ساعات مقابل 20 ساعة قطع يوميا، في الوقت الذي يحتاج فيه قطاع غزة إلى 600 ميجا واط لتغطية الكهرباء بشكل كامل، منها 70 ميجا واط لقطاع المياه وتشغيل محطات الرفع ومحطات تحلية مياه البحر ومحطات معالجة المياه العادمة وغيرها، والتي يشكل مجرد توقفها لساعة واحدة مكرهة صحية، في حين يتسبب توقفها لست ساعات إلى تشكيل كارثة صحية، فما بالكم بتوقف الكهرباء ليوم كامل أو يزيد.
60% من مياه البحر ملوثة بالمجاري
إنها الحقيقة المرة التي يدركها الجميع بقطاع غزة، ألا وهي أن 115 ألف كوب (115 مليون لتر) من المياه العادمة الخام وغير المعالجة تُضخ في البحر موزعة على طول الشاطئ، وذلك بين مصبات رئيسية وأخرى فرعية، هذه الأرقام المرعبة تشكلُ كارثةً حقيقية لأكثر من 60% على طول ساحل قطاع غزة البالغ نحو 41 كم، ففي منطقة الشيخ عجلين فقط يتم ضخ حوالي 65 ألف كوب يومياً من المياه العادمة عبر أنبوب 20 إنش حاملاً كل مخرجات مدينة غزة وما حولها والمتصلة بمحطة الشيخ عجلين.
هنا قد يقلل البعض من حجم المشكلة بقولهم أن البحر متجدد، لكن عليهم أن يعرفوا بأن المياه العادمة تُضخ مباشرة الى الشاطئ الذي يسبحون فيه، بينما علمياً من المفترض أن يُضخّ عبر أنابيب ومضخّات تمتد لأكثر من 600 متر داخل البحر.
لا يَخفى على أحد من العامة أو المثقفين أن المياه العادمة الخام والمعالجة هي مستودعٌ لآلاف الأمراض والأوبئة والفيروسات والبكتيريا والطفيليات التي تنتقل إلى المصطافين بمجرد السباحة أو ملامسة المياه، ومن هذه الأمراض: أمراض الجهازين الهضمي والتنفسي، والأمراض الجلدية، وأمراض العيون، وحمى التيفوئيد وغيرها من التهاب السحايا والالتهابات الفيروسية والبكتيرية وأنواع لا تعدُّ ولا تحصى من الأمراض.
السباحة أمِ الصحة ؟!
حصار جديد، يمكن أن نطلقه على كارثة بحر غزة، إذ تتحالف الطبيعة مع غياب المعدات وانقطاع الكهرباء وغياب البنية التحتية لتحاصر الغزي مجدداً في البحر الذي يقضي فيه صيفه وبالعادة يستحم بمياهه الملوثة، ويلعب صغاره برمله الأصفر المخلوط بمخلفات المياه العادمة، فالرحلة التي يود منها الغزّي الترفيه قد تصبح خطراً على صحته، ولها تبعات مادية كبيرة متعلقة بالأدوية والمستحضرات الطبية التي قد تحتاجها العائلة بعد هذه الرحلة.
الأزمة في تزايد وقطعت مرحلة الخطورة بمراحل طويلة، ولا يخفى علينا أننا نعيش في كارثة بيئية عميقة تحتاج سنوات لحلها والتخلص منها في حال كانت كل الظروف المادية واللوجستية والبنية التحتية جاهزة لحلّ المشكلة، أما غير ذلك، فعلينا أن ندق جميعًا أجراس الخطر ونطالب كل المجتمعات والدول المحيطة ومنظمات الدفاع عن البيئة دعمنا، وذلك باعتبارها كارثة قد تمتد أو امتدت أصلا خارج حدود غزة.
وعلينا كأفراد نعاني من الكارثة، أن نحاول قدر المستطاع تجنب السباحة أو الاصطياف قريباً من مصبات المجاري المباشرة، إضافة إلى عدم الاقتراب من الأماكن التي تحمل لون مياه داكنة أو مملوءة بالطحالب، كونها دلالة واضحة على تلوث المياه.