رسالة مفتوحة إلى معالي وزير الزراعة...أنقذوا مرج إبن عامر
إن جولة في حقول الوطن، وبالتحديد جنين، ومروجها، ونظرة سريعة على صور المدينة قبل 40 و30 وحتى 20 سنة سيجعلنا نُصاب بالصدمة والذهول، ففي كل يوم نوسّع حجم الزحف على أرضنا، ولسوء الطالع لم تعد جنين تصدر القمح أو البطيخ إلى الدول المجاورة، ولا حتى الأسواق المحلية، بل استبدلت ذلك بمجسم من المعدن للبطيخ على أحد دوارات المدينة، وكذلك تحفة إسمنتية لسنابل القمح، أما السمسم الذي كانت تشتهر به، فقد أصبحت شريحة كبيرة من الأجيال الجديدة للأسف، لا تعرف شكل نباته أو لون زهرته أو طريقة جمعه!
ننتظر تدخلكم يا معالي الوزير، قبل فوات الأوان، ونتمنى الانتصار للقانون ونصوصه، ووضع خط أحمر يعتبرُ المس بالأرض الزراعية المتبقية جريمة كبرى، فالأرض كما يقول المثل الهندي الأحمر ( لم نرثها من أسلافنا، بل نوفرها لأحفادنا).
|
معالي وزير الزراعة
د. سفيان سلطان المحترم
تحية الأرض وبعد،
بوصول هذه الرسالة إلى معاليكم تكون دونمات أخرى من الأرض الزراعية الخصبة في محافظات الوطن، وبالتحديد في جنين وحقولها: مرج ابن عامر، وسهل عرابة قد تحولت أو في طريقها إلى أن تتحول إلى بنايات إسمنتية، وخسرنا معها جزءًا من أحلامنا بحقول ممتدة، توفر لنا الحد الأدنى من الأمن الغذائي.
|
وزير الزراعة الفلسطيني الدكتور سفيان سلطان |
معالي الوزير،
قرأت نصوص قانون الزراعة رقم (2) لسنة (2003) عشرات المرات، وتوقفت مطولاً عند الفصل الثاني منه، وأكرر نشر المادة (11) منه دائمًا لأصدقائي، وأحاور به من أشاهده يُدمر في الأرض الخصبة، وصرت أحفظه عن ظهر قلب:" يحظر إنشاء أية مبان عامة أو خاصة أو منشآت صناعية أو تجارية أو حرفية في الأراضي الزراعية أو البور أو اتخاذ أية إجراءات في شأن تقسيم الأراضي لإقامة مبان عليها إلا في الحالات التالية: 1- الأراضي الزراعية التي تبلغ مساحتها 5 آلاف متر مربع، يجوز لصاحبها إقامة بناء وحيد عليها، بقصد خدمة الإنتاج الزراعي على مساحة لا تزيد على مائة وثمانين متراً مربعاً ومن طابقين فقط. 2- الأراضي الزراعية التي تزيد مساحتها عن 5 آلاف متر مربع، يجوز لمالكها إقامة بناء وحيد لكل خمسة آلاف متر مربع منها، بقصد خدمة الإنتاج الزراعي، على مساحة لا تزيد على مائة وثمانين متراً مربعاً ومن طابقين فقط. 3- الأراضي الزراعية المساعدة التي تبلغ مساحتها 2500 متر مربع يجوز لمالكها إقامة بناء وحيد عليها بقصد خدمة الإنتاج الزراعي وعلى مساحة لا تزيد على مائة وثمانين متراً مربعاً ومن طابقين فقط. 4- الأراضي الزراعية المساعدة التي تزيد مساحتها عن 2500 متر مربع يجوز لمالكها إقامة بناء وحيد لكل 2500 متراً مربعاً منها، بقصد خدمة الإنتاج الزراعي وعلى مساحة لا تزيد على مائة وثمانين متراً مربعا ومن طابقين فقط. 5- الأراضي الزراعية والبور التي تقيم عليها الدولة مشروعات ذات نفع عام أو تخدم الإنتاج الزراعي أو الحيواني. 6- منشآت لخدمة المزرعة أو التوسع العمودي في الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني. وفي جميع الأحوال، يشترط الحصول على ترخيص قبل البدء في البناء أو الإنشاء من الجهة المختصة بالتنسيق مع الوزارة."
|
|
الزحف الاسمنتي دون توقف في مرج ابن عامر |
التمدد الاسمنتي العشوائي في مرج ابن عامر خلافا لقانون الزراعة |
يا صاحب المعالي،
كمثال على الزحف العمراني العشوائي، كنا في طفولتنا نذهب إلى مرج بن عامر، ونشاهد الحقول الممتدة على مد النظر، وكانت جنين ومبانيها وشوارعها بعيدة عنا، وبالتدريج صار الأمر في الثلاثين سنة الأخيرة يتدهور، لدرجة أن المباني الاسمنيتية صارت تتغلغل في الأراضي الخصبة كالسرطان الخبيث، وأصبحت تحدق بالبساتين من كل جهة، ومعها شوارع عريضة، وخطوط كهرباء، وهواتف، وهناك أيضًا منطقة صناعية قيد الإنشاء بدعم تركي، وقبلها بعقود دُشنت منطقة صناعية في جهة أخرى من المرج، وعلى طول شارعي جنين- الناصرة، وجنين حيفا، وفي الطريق الرابط بينهما( العسكري كما يطلق عليه)، تمتد المنازل والمصانع والمتاجر، وتحوّل المزيد من الأراضي إلى إسمنت، ولا زلنا نحتفظ بتسمية حي البساتين، الذي صار أحد شرايين المدينة بالخرسانة والإسفلت.
|
|
غول التمدد الاسمنتي يحاصر ما تبقى من أراض زراعية في مرج ابن عامر |
غول الإسمنت يأكل الأخضر واليابس في مرج ابن عامر |
وسبق أن تابعت الأمر مع معالي وزراء الزراعة السابقين خلال زياراتهم لجنين: حكمت زيد، ووليد عساف، ووليد عبد ربه، ورفيق النتشة، وإبراهيم أبو النجا، ومحمود الهباش، وإسماعيل دعيق، وكلهم أجمعوا حينها أن الأرض الزراعية خط أحمر، ولن يُسمح بالمساس به، ولكن على الأرض كان زحف الإسمنت متواصلاً. وكررت قلقي على مستقبل المرج في حوار مع ثلاثة من رؤساء البلدية السابقين، دون جدوى.
|
|
زحف اسمنتي متسارع يدمر ما تبقى من أراض زراعية في مرج ابن عامر |
تمدد اسمنتي عشوائي في الأراضي الزراعية بمرج ابن عامر |
معالي الوزير،
من متابعاتي الصحافية طوال 20 سنة، كنت أسمع أجوبة رسمية تقول إنها "تحترم القانون، وتمنع البناء في الأراضي الخصبة". وكانت الكُرة تنقل تارة من طاولة بلدية جنين وتوضع في ملعب وزارة الحكم المحلي؛ باعتبار أن إصدار التراخيص خارج حدود البلديات من صلاحيات الحكم المحلي. لكن في النهاية، نشهد المزيد من التدمير. وتكفي الصور الفوتوغرافية والخرائط الجوية أن تقارن بين المرج اليوم، وغيره من الأراضي الزراعية في محافظات الوطن وتثبت أن الأرض تُلتهم بالمباني والشوارع، وبسرعة مجنونة، دون الاكتراث بالعواقب.
أقترح يا معالي الوزير عليكم تنفيذ جولة ميدانية في أقرب فرصة تتيحها ظروف عملكم، لمشاهدة الدمار الذي يصنعه الاسمنت بالإرث الزراعي على أرض الواقع، وهو دمار لا يخالف نصوص القانون فحسب، بل يهدد أمننا الغذائي، ويساهم في تدمير ثروة طبيعية، ويدفن تراثنا الزراعي، ويصادر أحلام الأجيال القادمة.
إن جولة في حقول الوطن، وبالتحديد جنين، ومروجها، ونظرة سريعة على صور المدينة قبل 40 و30 وحتى 20 سنة سيجعلنا نُصاب بالصدمة والذهول، ففي كل يوم نوسّع حجم الزحف على أرضنا، ولسوء الطالع لم تعد جنين تصدر القمح أو البطيخ إلى الدول المجاورة، ولا حتى الأسواق المحلية، بل استبدلت ذلك بمجسم من المعدن للبطيخ على أحد دوارات المدينة، وكذلك تحفة إسمنتية لسنابل القمح، أما السمسم الذي كانت تشتهر به، فقد أصبحت شريحة كبيرة من الأجيال الجديدة للأسف، لا تعرف شكل نباته أو لون زهرته أو طريقة جمعه!
وختامًا، ننتظر تدخلكم قبل فوات الأوان، ونتمنى الانتصار للقانون ونصوصه، ووضع خط أحمر يعتبرُ المس بالأرض الزراعية المتبقية جريمة كبرى، فالأرض كما يقول المثل الهندي الأحمر ( لم نرثها من أسلافنا، بل نوفرها لأحفادنا).
|
|
مرج ابن عامر عام 1890- مكتبة الكونغرس |
مرج ابن عامر عام 1890 - مكتبة الكونغرس |
|
|
مرج ابن عامر في ثلاثينيات القرن الماضي- مكتبة الكونغرس |
مرج ابن عامر عام 1908- مكتبة الكونغرس |
واقبلوا فائق الاحترام
عبد الباسط خلف