باص المدونين البيئيين التابع لمجلة آفاق البيئة والتنمية يرصد تدهور البيئة البحرية في قطاع غزة
انطلق في أيار الماضي باص المدونين البيئيين الصديق لمجلة آفاق البيئة والتنمية وهو يحمل على متنه مجموعة من الشباب الخريجين الجدد والناشطين البيئيين والإعلاميين والحقوقيين. وتخصصت جولة المشاركين في ساحل قطاع غزة، فرصد الأخيرون ووثقوا المشاكل البيئية الخطيرة للبحر من شمال القطاع إلى جنوبه، وتلوث الشواطئ بالمياه العادمة غير المعالجة والمقدرة بنحو 120 ألف كوب يوميا، وبخاصة التلوث البحري الناتج عن تدفق المياه العادمة عبر وادي غزة إلى البحر.
ورصد المدونون البيئيون الذين واظبوا على بث مشاهداتهم وانطباعاتهم وتعليقاتهم بثا حيا ومباشرا في وسائل التواصل الاجتماعي- رصدوا تآكل وانجراف الشواطئ، والأزمة البيئية الناجمة عن ميناء غزة، وتلوث الثروة البحرية بالوقود ومركبات الصيادين. كما زار المشاركون مشاريع الاستزراع السمكي ورصدوا آلية عملها والتجاوزات المقترفة. ورصد المدونون أيضا محطة تحلية مياه بحر جنوب قطاع غزة وآلية عملها.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
انطلق باص المدونين البيئيين (Environmental BlogBus) أحد أنشطة الشبكة التفاعلية للتغيير البيئي(PYNEC) التابعة لمجلة آفاق البيئة والتنمية، في صباح يوم الخميس الموافق الثامن عشر من أيار 2017 وكان يحمل على متنه مجموعة من الشباب والخريجين من إعلاميين وبيئيين وحقوقيين ومهتمين يرأسهم الدكتور أحمد حلس والمنسقة الأستاذة أمل شيخه.
|
المشاركون في باص المدونين البيئيين |
المحطة الأولى:
أنطلق الباص من مقر مركز العمل التنموي/ معا متجهاً إلى شاطئ بحر غزة وكانت أولى محطاته شاطئ البحر في أقصى الشمال على الحدود مع الاحتلال الإسرائيلي غرب بيت لاهيا. في هذه المنطقة بالتحديد، يعد التلوث في أدنى مستوياته كون هذه المنطقة بعيدة عن مصبات مياه الصرف الصحي، والنشاط البشري فعدد السكان فيها قليل جدا، حيث أن هذه المنطقة لا تبعد كثيراً عن الحدود الشمالية لشاطئ البحر مع الاحتلال، الأخير الذي رفض توصيل خطوط الصرف الصحي إليها لقربها من شواطئه المحتلة.
تم انشاء محطة معالجة المياه العادمة في المنطقة الشرقية لبيت لاهيا والبعيدة عن الشاطئ، والعمل على مشروع أحواض ترشيح للناتج عن المحطة لتغذية الخزان الجوفي عوضًا عن ضخها إلى البحر، وللأسف لا يزال المشروع متوقفاً بسبب العديد من العقبات، وحتى الآن تعاني القرى والأحياء المحيطة بالمحطة الأمرين بسبب الأحواض العملاقة الممتلئة بالمياه العادمة غير المعالجة.
شاطئ أقصى شمال قطاع غزة الأقل تلوثا
المحطة الثانية:
أما عن المحطة الثانية فكانت في منطقة الثلث الأول من مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وما تم ملاحظته هو تآكل الشاطئ بشكل كبير بسبب الإنشاء غير العلمي لميناء غزة البحري، ما أثر على المنازل بسبب وصول مياه البحر لمسافات قريبة منها، ممّا تطلب قيام البلديات بوضع شباك وردمها كوسائل لصد المياه عن المنازل، وحرمان سكان المنطقة من التمتع بشاطئ البحر لضيق المسافة الرملية.
وأوضح د. حلس أيضاً أن سبب ارتفاع نسبة تلوث مياه البحر، ترجع إلى تصريف المياه العادمة غير المعالجة نهائيا بشكل مباشر يومياً.
ساحل معسكر الشاطئ غرب مدينة غزة شديد التلوث
المحطة الثالثة:
أما عن المحطة الثالثة، فكانت في ميناء مدينة غزة حيث يعدُّ المرفأ الوحيد في القطاع، ويلجأ إليه سكانه من المصطافين والصيادين.
غير أن حوض الميناء يستقبل كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي، الأمر الذي يهدد صحة الحوض وينذر بكارثة بيئية كبيرة فيه. وتُضخ مياه الصرف الصحي على مدار الساعة كميات كبيرة من المياه العادمة من الناحية الشمالية للحوض، ومن المخاطر التي قد تنتج عن ذلك تناقص الأكسجين المذاب في الماء وتزايد نمو الطفيليات والبكتيريا.
وبالإضافة إلى ضخ مياه الصرف الصحي، يعاني الحوض من تراكم الزيوت والوقود الناتج عن السفن ومركبات الصيد المتواجدة داخل الحوض، ويشكو أيضاً من انعدام عمليات تكرير المياه وعدم وجود مصافٍ للمياه.
ميناء مدينة غزة
المحطة الرابعة:
تابع باص المدونين البيئيين جولته إلى باقي المناطق الساخنة على شاطئ بحر القطاع، واستمر د.حلس في شرحه، مشيراً إلى وصولنا إلى المحطة الرابعة، وكانت الأصعب "محطة الشيخ عجلين "البيدر".
في تلك المحطة، يتحول لون مياه شاطئ بحر غزة إلى اللون الداكن (بني محمر)، ونلاحظ تركيزا مرتفعا من العكارة والعوالق التي تحجب الرؤية مسافة تقلُّ عن الذراع، ونستنشق رائحة "زنخة"، مع بعض الطحالب الخضراء أو الميتة، ويُرى الزبد كرغوة الصابون.
هذه المشاهد، هي دلالات دامغة ومؤشرات قاطعة دون الحاجة الحقيقية لفحوصات مخبرية تثبت تلوّث الشاطئ بكميات هائلة من مياه الصرف الصحي غير المعالجة، والتي لم يتمكن البحر من هضمها لضخامة حجمها.
يكفي كل ما سبق، لتحذيرنا من أن الاقتراب من مثل هذه الشواطئ، وحتى من التربة الجافة والتي تحمل بين حبيباتها من الميكروبات أمراً بالغ الخطورة.
هذا الواقع البيئي المتدهور في محطة الشيخ عجلين، يعكس ضخ ما يزيد عن 115 مليون لتراً من المياه العادمة غير المعالجة يوميا إلى شواطئ قطاع غزة. أشار د.حلس أيضا إلى أن شواطئ قطاع غزة الملوثة قد تسبب أمراضاً عديدة للمصطافين هناك، حيث تعتبر المياه العادمة مستودعاً للأمراض الوبائية وتلك المتعلقة بالجهازين الهضمي والتنفسي والأمراض الجلدية وأمراض العيون.
تلوث شاطئ غزة بكميات هائلة من مياه الصرف الصحي غير المعالجة
المحطة الخامسة: الاستراحة
وضمن رحلة المدونين البيئيين، تم التوقف في استراحة قصيرة عند مسمكة البحار، حيث أوضح أحد العاملين في المزرعة التالي:
" مع اشتداد الفقر في الثروة السمكية لدى القطاع بدأ أهله بالتفكير في البدائل وتعويض احتياجات السوق من الأسماك، فكانت مشاريع إنشاء أحواض لتربية الأسماك وبيعها لدى التجار، ومن ثم إيصاله إلى الأسواق المحلية. ويطلق على مثل تلك المشاريع "الاستزراع السمكي" حيث سارع الكثير من المزارعين من جميع أرجاء القطاع إلى البدء في تأسيس أحواض لتربية الأسماك بجانب مزارعهم، وتعلم كيفية إنتاج أكبر قدر ممكن من كميات الأسماك وإرساله إلى الأسواق".
وعلى مقربة من شاطئ بحر المنطقة الوسطى أنشأ أحد الصيادين المخضرمين الملقب بالحاج العديد من برك المياه المالحة لتربية الأسماك مستخدماً وسائل حديثة حيث اعتمد على مياه البحر التي هي البيئة الأفضل للأسماك، واعتنى بها من خلال تغيير المياه ثلاث مرات يومياً داخل الحوض للمياه القديمة واستبدالها بمياه جديدة، مما كان له الأثر في نجاعة مزرعته.
وأضاف الحاج أن المشروع بدأ يسلك طريقه صوب النجاح من بداياته وذلك لتعطش السوق للأسماك الكبيرة وهي المتوفرة في المزرعة، ويصعب على الصيادين اصطيادها مثل سمك: "الدانيس، شبار، بوري، والجرع البلطي"، وهي أصناف مفضلة لدى المستهلك ويكون الطلب عليها يوميًا بكثرة. وأشار إلى أن "مصدر أسماك مزرعته يتم استيرادها من (إسرائيل) كبذرة صغيرة وزنها 1جرام فقط ويتم وضعها في الأحواض تمهيدًا للتفريخ، ويتم إطعامها بالجمبري الصغير والأعلاف، لافتًا إلى أن من أهم أسباب نجاح مزرعته خلو مياهها من المجاري.
وعن جودة الأسماك الموجودة في الأحواض، أكّد أن جميع الأسماك مطابقة للمعايير الدولية في التربية السمكية، حيث يتم تغيير المياه المالحة من الأحواض يوميًا ويتم ضح 200 كوب من مياه البحر عن طريق مضخات يتم تخصيصها لإدخال وإخراج المياه من وإلى البحر. وأوضح أن أزمة انقطاع وضعف التيار الكهربائي، أولى الصعوبات التي تواجه تربية الأسماك، فبدون كهرباء لا يمكن لأي مزرعة أن تستمر، بالإضافة لجملة معوقات تتمثل فى نقص الأدوية، وقلة الدعم المادي من أجل تمكين المزارعين من تلبية الاحتياجات الكبيرة لعملية "الاستزراع السمكي".
استزراع سمكي في غزة
المحطة السادسة:
أما المحطة السادسة فتمثلت بكارثة منطقة وادي غزة، والذي تحول من محمية إلى مكرهة وكارثة بيئية. ينبع وادي غزة من جبال الخليل حيث يبلغ طوله من المنبع للمصب 110كم، وطوله القاطع لقطاع غزة حوالي 9كم، ويبلغ ارتفاع الوادي عند الحدود الشرقية 80م. ويصل صفر عند المصب في البحر المتوسط.
تحولت منطقة وادي غزة جنوب مدينة غزة من محمية طبيعية إلى مستنقع ومصرف لـ 16 الف متر مكعب من المياه العادمة غير المعالجة، إضافة إلى مكبٍ للنفايات. رغم ما نصّت عليه المادة رقم 23 من قانون البيئة الفلسطيني لعام 1999 على الآتي: "يحظر إلقاء أو معالجة أو حرق القمامة والمخلفات الصلبة إلا في الأماكن المخصصة لذلك، ووفقاً للشروط المحددة من قبل الوزارة بما يكفل حماية البيئة". ومع ذلك نجد تجاوزات واضحة من قبل السكان، لذلك على الحكومة القيام بواجباتها تجاه البيئة الطبيعية في غزة.
محمية وادي غزة وقد تحولت إلى مكرهة صحية
المحطة السابعة:
أما عن المحطة قبل الأخيرة، فكانت محطة تحلية مياه البحر في المناطق الجنوبية حيث أوضح د. ماجد حمادة أنه تم إنشاؤها لحل مشكلة شح مياه الشرب في قطاع غزة، حيث تم إنشاء مشاريع محطات تحلية ومنها محطة التحلية المركزية في خانيونس، و يتم سحب مياه البحر والتي يبلغ تركيز مجموع الأملاح فيها 42000 ملجم/لتر عن طريق آبار الشاطئ"beach wells" قدرة الواحد منها 220 كوباً في الساعة، يتم تحليتها باستخدام "RO membranes" حسب نظرية التناضح العكسي منتجة من 6000-7000 كوب يوميا بتركيز مجموع املاح 170 ملجم/لتر، يتم خلطها بمياه جوفية وثم يتم توزيعها الى السكان، في حين الماء المالح "brine"الذي يحمل مجموع املاح بتركيز 85000 ملجم/لتر يتم اعادة ضخهِ الى البحر بواسطة خط ناقل، ولكن هذه المحطة حالياً متوقفة ولا تعمل بسبب العديد من العوائق والمشاكل التي تقف أمامها.
المحطة الثامنة:
أما عن المحطة الأخيرة فقد أنهى باص المدونين البيئيين جولته في خيمة الاعتصام للتضامن مع الأسرى في سجون الاحتلال
محطة تحلية مياه البحر جنوب قطاع غزة
الاسرائيلي المسبب الأول للكوارث البيئية في بلادنا المحتلة، وذلك امتثالاً لواجبنا الوطني تجاه أسرانا البواسل في اليوم الثاني والثلاثين من إضراب الكرامة، والذي انتهى في الـ27 من أيار بالتوصل إلى اتفاق يحقق بعضاً من مطالب الأسرى.
بعض المشاركين في باص المدونين البيئيين بغزة
وفي نهاية رحلة المدونين البيئيين تمت التوصية على الآتي: نشر الوعي البيئي في المجتمع، لتوسيع آفاق المواطنين ومداركهم حول البيئة والتلوث البيئي، والتعاون في مواجهة هذا الخطر لما فيه صالح الفرد والمجتمع، بل والعالم أجمع. فالله قد خلق لنا الكون كله، وأبدع لنا الطبيعة من حولنا، فهي أمانة بين أيدينا، واستغلالها يجب أن يقترن بقدر تحقيق المنفعة الخاصة بالحفاظ على المصلحة العامة والاستدامة للأجيال من بعدنا.
#باص_المدونين_البيئيين
#Environmental_BlogBus #EBB #Environmental_Blogbus
#PYNEC