سحب سوداء ضخمة وروائح كريهة... النفايات تخنق الباذان والمواطنون يتظاهرون
حمل مساء الثامن من حزيران تحركًا عفويًا بمشاركة مئات المواطنين من قرية الباذان شمال شرق نابلس، بعد أن وصلوا إلى المكب، الذي تجمع بلدية نابلس النفايات فيه منذ عام 2001، قبل نقلها إلى مكب زهرة الفنجان في جنين. وقطع محتجون المياه عن نابلس، مطالبين بلديتها ومحافظها بوقف تحويل حياتهم إلى جحيم؛ وبخاصة أن أشخاصا كرروا إضرام النار بالإطارات المطاطية، وتشكيل سحابة سوداء فوق القرية ( 3 آلاف نسمة) ما استفز الأهالي، ونقل إليهم شعورًا بالاستخفاف بأرواحهم فهبوا إلى المكب، وطردوا عمال البلدية وسائقي الجرافات التي تعمل فيه، وأطلق نداءٌ بالمساجد وتجمّع المئات حتى ساعات الفجر.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
احتجاجات في قرية الباذان ضد مكب الصيرفي |
أشعلت حرائق مكب "الصيرفي" احتجاجات واسعة في قرية الباذان، شمال شرق نابلس، وخرج المواطنون في تظاهرة حاشدة، مطالبين بإغلاق المكب، ووضع حدٍ لعمليات الحرق فيه.
وحمل مساء الثامن من حزيران تحركًا عفويًا بمشاركة مئات المواطنين، بعد أن وصلوا إلى المكب، الذي تجمع بلدية نابلس النفايات فيه منذ عام 2001، قبل نقلها إلى مكب زهرة الفنجان في جنين. وقطع محتجون المياه عن نابلس، مطالبين بلديتها ومحافظها بوقف تحويل حياتهم إلى جحيم.
صلاحات: نشعر بالاستخفاف بأرواحنا
وقال رئيس مركز شباب الباذان أثير صلاحات، أنه بعد الوعود و"حقن" التخدير بخصوص المكب ومنع تكرار عمليات حرق النفايات والإطارات، تمت الدعوة العلنية مساء الـ 8 من حزيران إلى تحرك عاجل، وعقد لقاء مع محافظ نابلس اللواء أكرم البكري، ورئيس البلدية عدلي يعيش ومدير الشرطة طارق الحاج، وتم الاتفاق على وقف نقل النفايات إلى المكب، ومتابعة عمليات الحرق من الشرطة، وأن تبحث البلدية عن مكان آخر بسرعة.
وأضاف: "أضرم أشخاصٌ النار بالإطارات المطاطية، وتشكلت سحابة سوداء فوق القرية ( 3 آلاف نسمة) ما استفز الأهالي، ونقل إليهم شعورًا بالاستخفاف بأرواحهم فهبوا إلى المكب، وطردوا عمال البلدية وسائقي الجرافات التي تعمل فيه، وأطلق نداءٌ بالمساجد وتجمّع المئات حتى ساعات الفجر، وجرى قطع المياه عن نابلس، وتواجدت قوات الأمن وتعاملت بحكمة وانتهى التجمع ووصلت الرسالة".

احتجاجات واسعة في قرية الباذان ضد مكب الصيرفي
المحافظ البكري: الحل نقل المكب
وأقر محافظ نابلس اللواء أكرم البكري لـ (آفاق) بمشكلة إستراتيجية في وجود المكب، الذي يحتاج إلى خطة كي لا يبقى في المنطقة. وقال: "ناقشنا نقله مع رئيس بلدية نابلس الحاج عدلي يعيش، ومجلس محلي الباذان، وأشرنا بصراحة إلى أن الموضوع لا ينتهي بيوم أو يومين ولا شهر وشهرين، ويحتاج إلى وقت لعل وعسى نصل إلى حل استراتيجي على مستوى المحافظة. ولا نستطيع تحديد وقت لحل المشكلة، ولكن مجرد طرحه على المستوى الإستراتيجي من أجل أن يكون هناك حل له علاقة بتدوير النفايات، خطوة إلى الأمام، ونتمنى أن ننجح في توفير الدعم والأموال لإيجاد مصنع تدوير في المحافظة".
ووفق البكري، فإن الأمر السريع الواجب معالجته هو عمليات الحرق التي تجري في الباذان. وقد تعمد أن يجري الاجتماع بحضور مدير الشرطة في الاجتماع الذي عقد بداية حزيران الماضي، وناقش الموضوع، وتوصل إلى قرار بضرورة اتخاذ الإجراءات السريعة بحق كل من يشعل النار في الإطارات داخله.
وأشار المحافظ في اتصال هاتفي إلى وجود مجموعات تُحضر إطارات مطاطية إلى المنطقة، ويضرمون النار فيها، على اعتبار أنها مكب للنفايات، والخطورة استمرار النيران فيه لمدة طويلة.
وأضاف البكري: "اتفقنا مع بلدية نابلس تفعيل الحراسات في المنطقة، ومنع حدوث أي عملية حرق، كما توصلنا مع مجلس محلي الباذان، أنه وفي حال وجدت أي ملاحظات فيجب التواصل مع الشرطة والبلدية، لأجل وضع حد لهذا التدهور الخطير المتعلق بعمليات الحرق، كما عقدنا لقاءات وجلسة مع مجلس محلي الباذان لهذه الغاية، ومعنيون بطمأنة الناس وفي الوقت نفسه اتخاذ إجراءات على الأرض".
 |
 |
الحرائق في مكب الصيرفي والغازات السامة التي حولت حياة أهالي قرية الباذان إلى جحيم- مجلس محلي الباذان |
الحرائق الليلية في مكب الصيرفي- مجلس محلي الباذان |
بلدية نابلس: الحرق مقصود ونسعى لحل
بدوره، قال مدير بلدية نابلس عمر الدبعي لـ (آفاق): "بعد استلام المجلس الحالي مهامه أخذ خطوات عملية لحل مشكلة المكب، الذي كان يتكدس بالنفايات، وكانت من أوائل المهام هي عملية تفريغ الموقع بشكل يومي أو بما يتناسب مع حجم النفايات".
وأضاف: "أفرغنا المكب، ولكن بعد 4-5 أيام تفاجأنا بوجود حالات إحراق مقصودة للنفايات في الموقع، وتفاقمت الأمور مع القرى المجاورة بسبب الدخان المنبعث جراء الحرق المتعمد".
وتابع الدبعي: "نشعر بوجود أمر مقصود ومبيت وخفي للدخول في أزمة المكب، وسنتخذ الإجراءات القانونية في حال توفر معلومات أكيدة عن الفاعلين".
وأشار الدبعي إلى أنه في الوقت الحالي لا توجد بدائل متوفرة للمكب، والمتسبب بالأزمة الراهنة هي كميات أكبر من النفايات المخطط لها في الموقع، جراء وجود مشكلة فنية لدى المتعهد أخّرت الترحيل، وبالتالي انبعثت الروائح، وما صعد الأزمة الراهنة وفق الدبعي هو حرق النفايات المتعمد في مكب الدفن.
ولفت إلى وجود اعتراضات في السابق على وجود محطة فصل وتكرير النفايات، والأصل أن لا تبقى النفايات فيها لفترات طويلة، ولكن لأسباب فنية أخّرت في نقلها إلى مكب زهرة الفنجان تراكمت النفايات، ولكنه ذكر وجود مجموعة أفكار لحل الأزمة من جذورها، كفرز النفايات، وإنشاء محطة حديثة لحرقها بطريقة لا تؤثر على البيئة، وإنتاج الطاقة.
وأكد الدبعي أن البلدية لا تميز بين ساكن في المنطقة الشرقية أو ساكن في المنطقة الغربية، وستنفذ إجراءات عملية في الفترة القادمة، لتوفير بدائل وحلول عملية لموضوع مهم جدًا.
وأشارت بيانات بلدية نابلس أن المدينة وبعض القرى المجاورة تنتج ما يقارب 250 طنًا من النفايات يوميا، وتزاد الكمية خلال المواسم والأعياد، فيما يستغل مهربون نقطة الترحيل، ويلقون نفايات ومخلفات بناء وغيرها.
 |
 |
المكب العشوائي في الباذان |
الحرق في مكب الصيرفي- مجلس محلي الباذان |
مجلس الباذان: لم يعد متاحًا لنا الجلوس في منازلنا
وقال رئيس مجلس الباذان عماد صلاحات إن أزمة المكب أزلية، ومرتبطة بوجود محطة الصيرفي ومجاري نابلس، لكن المشكلة بدأت تتفاقم خلال الأسبوعين الأخيرين، وتفاجأنا بعمليات حرق مستمرة للنفايات الصلبة، ومن ضمنها مواد بلاستيكية وإطارات مطاطية، لدرجة أن الدخان كان يغطي الباذان كلها، وبدأت حالات اختناق وأزمات، ولم يعد متاحًا للمواطنين الجلوس في منازلهم.
ووفق صلاحات فإن أكثر من 30 حالة سرطان تم اكتشافها مؤخرا في قريته، عدا عن حالات الربو والأمراض الجلدية بسبب البعوض ومياه المجاري الملوثة.
وأضاف: "أعدنا فتح الملف قبل أسبوعين، وأجّلنا نقاشه بسبب إضراب الأسرى، ولكن على مدار ليلتين متواصلتين بدأ حرق الإطارات، التي صارت تخنق الباذان، فتواصلنا مع المحافظ لتطويق الأزمة، وطلبنا باجتماع طارئ مع البلدية والمحافظ ومدير الشرطة، واستجاب المحافظ".

أغنام ترعى في محيط مكب الباذان
وتم الاتفاق وفق صلاحات على ثلاثة بنود رئيسة: الأول، وقف عمليات الحرق بشكل كامل، وأن تحاسب الشرطة الفاعلين أيًا كانوا. والثاني، توقف العمل في المكب العشوائي والاكتفاء بنقطة التجميع، والثالث، أن تتم معالجة نقطة الترحيل بشكل جيد، وأن لا يسمح لعصارة النفايات بالوصول إلى الشارع، وأن يتم وضع حد لتراكم النفايات على الشارع.
وتابع صلاحات أن رئيس بلدية نابلس طلب مهلة شهر لتأمين مكان بديل لنقطة الصيرفي، الواقعة في مدخل المدينة والمنطقة السياحية والباذان، فوافقت المحافظة على ثلاثة أشهر كمهلة، ولكن في اليوم التالي تم مشاهدة عمليات طمر للنفايات، وحرق، وفي ليلة الخميس ( 8 حزيران الماضي) نُظمت فعاليات شعبية عفوية بعد حرق سيارة كبيرة محملة بالإطارات، وخرج المواطنون إلى الشوارع وصولاً إلى المكب، ولولا تدخل الأمن لوصل الأمر إلى صدامات.
وقال صلاحات: "لا أعتقد أن بلدية نابلس ستلتزم بالاتفاق، والحل أن يُزال المكب، ونحن لسنا مسؤولون عن أي أحد يحرق الإطارات، فذلك من مهام البلدية، ولولا وجود نقطة "الصيرفي" لما بقي هناك مبرر لإشعال الإطارات".
وأضاف صلاحات أنه ومن خلال تواصلهم مع بلدية نابلس، أكد رئيسها أن الأخيرة مسؤولة عن المكب، وسيتم وضع كاميرات للمراقبة وحراسات، والحل عدم تجميع النفايات في مدخل المنطقة، والبحث عن مكان منعزل.
 |
 |
تلال من النفايات العشوائية في الباذان |
النفايات العشوائية في الأراضي الزراعية بمحيط قرية الباذان |
 |
جريمة الحرق المتواصل في مكب الصيرفي والتي لوثت حياة أهالي قرية الباذان- مجلس محلي الباذان |
الفارس: مخلفات طبية ونفايات خطرة في المكب
من جانبه، قال د. عقيل الفارس رئيس اللجنة الأهلية في الباذان أن حل الأزمة في إزالة نقطة ترحيل الصيرفي، وقد استطاعوا في السابق وقف تشغيل مصنع التدّوير، ولكن نقطة الترحيل ومنطقة الردم أصبحت تزداد يومًا بعد يوم، وتحولت إلى جبل بارتفاع 30 مترا عما كان الحال عليه قبل سنتين وثلاثة، ولديهم أي اللجنة الأهلية صور قبل النقطة وبعدها تظهر ذلك.
وأضاف: "تم توثيق إلقاء مخلفات طبية، وحرق سيارات تُجلب من بيت لحم، وصحيح أن حالات السرطان زادت في المنطقة، لكن لا نعلم درجة ارتباطها بالحرق".
وأوضح: "ما يحدث أن المنطقة الشرقية كلها من بداية روجيب وحتى مفرق بيت فوريك، ومفرق سالم، وحتى قبر الشهيد في الباذان أصبحت كأنها "مزبلة عامة"، ويجري فيها إلقاء حيوانات نافقة، والسبب مكب"الصيرفي" الذي حوّل المنطقة إلى مكب كبير، ابتداءً من المساكن وحتى عين شبلي، مرورًا بالنصارية، فالمكب والمياه العادمة تنتشر فيها".
من تأكيدات الفارس، فقد انتشرت مؤخرًا عمليات حرق إطارات مطاطية بغرض جمع الأسلاك منها، وغالباً يحدث الحرق بجوار الردم، ويتم تجميع 200-300 إطاراً تحرق حتى انخماد النيران فيتم حينها جمع الأسلاك، لكن النيران امتدت إلى الحفرة المجاورة، وبقيت طوال أسبوع مشتعلة، وتزامن وتكرر هذا الأمر مع استلام مجلس نابلس البلدي الجديد مهامه.
وأضاف الفارس: "الأمر خطير، ففي أحداث (8 حزيران) خرج عشرات الشبان عفوياً بعد صلاة التراويح، احتجاجًا على استمرار الحرق، وحطموا ممتلكات للبلدية، ونخشى في المرات القادمة وقوع احتكاك بين الأهالي وعمال المكب، وأبلغنا المحافظ أن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة، واتهمنا الشبان بعدم التوصل إلى حل، وهذا ما نكرره منذ أربع سنوات".
وأشار إلى حصولهم على وعد لحل المشكلة في غضون شهرين، وقد وعد المحافظ بحضور مدير الشرطة بالمتابعة الفورية وبخاصة لحارقي الإطارات، ووعد بحل مشكلة نقطة الترحيل خلال مدة أقصاها ستة أشهر.
وأوضح: "ما حدث مؤخرا من نداءات عبر مكبرات المساجد، وتجمع للمواطنين، لم يهدف إلى إغلاق الطريق، ولكن لوضع حد للحرق وللمكب، وإيجاد مكان بديل لمحطة الترحيل، وقطعنا وعدًا بعدم تشغيل مصنع التدوير (الواقع قبالة نقطة الصيرفي) تحت أي ظرف؛ لأنه سيجلب لنا الويلات".
وأشار الفارس إلى وجود مخطط خفي لاستهداف المنطقة، فكل الأراضي في نابلس والوطن يرتفع ثمنها، إلا في المنطقة الشرقية؛ بسبب النفايات والمجاري.

جبال النفايات التي شوهت ودمرت المشهد الطبيعي الخلاب في وادي الباذان
الناشط الشبابي صلاحات: الوضع لا يطاق
وأكد الناشط الشبابي عصام صلاحات أن المشكلة في نقطة تجميع نفايات الصيرفي، كما يعاني المواطنون من مجاري نابلس، التي تنزل على مياه الباذان، وتدمر المنطقة السياحية، ومؤخرًا ظهرت حالات سرطان وأمراض رئة، وازداد الأمر سوءًا وفق صلاحات.
ولفت:" تفاجأ المواطنون بعد الإفطار بإشعال إطارات تحولت إلى غيوم سوداء، وانفجر الوضع وخرج المواطنون بطريقة عشوائية، وتوجهوا إلى الموقع، ووقع بعض الاحتكاك على سيارات البلدة والموقع، وتم محاولة السيطرة على الوضع، وبدأت تتدخل القرى المجاورة كعزموط وسالم والمساكن الشعبية والأغوار وطلوزة، واستمر الوضع حتى الساعة الرابعة فجرًا، ولم يجد المحتجون وسيلة ضغط على بلدية نابلس سوى بقطع المياه عن المدينة، وتدخل المحافظ، واستطاع احتواء الأزمة بعد وصول قوة أمنية كبيرة للمنطقة، واجتمعنا لبحث آلية حل".
وحسب صلاحات، فإن لسان حال الناس عدم قبول أي حل مؤقت، وإنما يكون حلاً جذرياً، فهناك 15 مسنًا موجودون في المستشفيات، إضافة لحالات سرطان، ومدرسة ابتدائية وسط الباذان تتعرض يوميًا للدخان.
وتابع: "مهمة حلّ الأزمة بيد البلدية، ولو أن السيد عدلي يعيش يقيم في الباذان فسيكون أول المحتجين، لقد حصلنا على وعود منذ 10 سنوات لحل مشكلة مجاري نابلس، وننتظر منذ 3 سنوات حل مشكلة المكب".
وختم مستنكراً ما آل إليه حال الباذان والتي تعد من المناطق السياحية المميزة في الوطن، جراء مياه المجاري التي تسير كنهر تخترق الباذان، وتمر من أسفل المنازل، مساهمةً في نشر ذبابة أريحا، والخنازير في المنطقة، عدا عن ويلات فصل الشتاء حين تجرف السيول أكوام النفايات، وتغمرُ الأشجار والبيوت والحقول.