تراجع الطلب على النفط سيؤدي إلى تآكل كبير في ثروة دول مجلس التعاون الخليجي المقدرة بأكثر من تريليوني دولار وستصبح بالتالي من الدول المدينة
القاهرة/خاص: حذّر تقرير حديث أصدره "صندوق النقد الدولي" من أن تراجع الطلب على النفط قد يؤدي بحلول عام 2034 إلى تآكل الثروة التي تملكها الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، والتي تقدر بنحو تريليوني دولار.
وقال أنه إذا لم تتحرك هذه الدول- التي توفر حوالي 20% من الإنتاج العالمي من النفط الخام- سريعا لإصلاح اقتصاداتها القائمة على الطاقة الهيدروكربونية (النفط والغاز)، فسوف تصبح من الدول المدينة.
وبالطبع، أثار التقرير تكهنات بأن تبخُّر الثروة النفطية العربية من شأنه أن يؤدي إلى عواقب غير محمودة بالنسبة للتنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي في هذه المنطقة، التي تعاني بالفعل من الاضطرابات.
الأثر الأكبر على الخليج
أما خارج مجلس التعاون الخليجي، فإن تراجع أسعار النفط سيعيق التقدم في دول عربية غنية بالخام وذات كثافة سكانية، ولكنها لا تزال نامية، مثل العراق والجزائر، وهي دول سيتعين عليها إعادة ترتيب اقتصاداتها ومجتمعاتها لتتحول إلى قطاعات منتجة، بدون رفاهية الثروة النفطية التي حصلت عليها خلال سنوات الازدهار، وذلك حسب تحليل للدكتور عمرو عدلي، أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعة الأميركية في القاهرة، أوردته وكالة أنباء "بلومبرغ" الأمريكية.
لكن تراجع أسعار النفط وتضاؤل الاحتياطات النقدية من ورائه لا يشكلان بالضرورة أنباء سيئة للاقتصاد السياسي في المنطقة العربية كلها.
المنتجون سيكونون الأكثر تضررا… وغير المنتجين قد يستفيدون
وبادئ ذي بدء، يقول عدلي أن الأكثرية الساحقة من الشعوب العربية لا تعيش في دول غنية بالنفط، وأن الدول العربية الأكثر كثافة سكانية هي دول فقيرة نفطيا، والعديد منها مستورد للطاقة، ويمتلك هياكل اقتصادية وقطاعات خارجية متنوعة.
وتضم هذه الدول مصر، والمغرب، وتونس، والأردن، ولبنان، وسوريا، التي مزقتها الحرب. وبالنسبة لهذه الدول، فإن انخفاض أسعار النفط، سيؤدي إلى خفض تكاليف الإنتاج، وتحسين أوضاع موزاينها التجارية.
وأوضح التحليل أن انخفاض الثروة النفطية سيعزز الحافز لمزيد من السعي لأجل تحقيق التنوع الاقتصادي، في دول مثل مصر، والأردن، ولبنان، وهي دول استفادت من إيرادات النفط لدول مجلس التعاون الخليجي بطريقة غير مباشرة، وذلك عبر التحويلات النقدية لعمال الدول الثلاث في الخليج، وكذلك من خلال المساعدات والقروض التي قدمتها هذه الدول الغنية النفطية.
وفي رأيه فإن تراجع أسعار النفط بالفعل سيؤدي إلى تعزيز الآفاق من أجل إعادة تحديد وضع الدول العربية ذات الكثافة السكانية المرتفعة في التقسيم الدولي للعمل على المدى الطويل.
وتمتلك مصر، والمغرب، وتونس، والأردن بالفعل هياكل تصديرية متنوعة. وتشكل السلع غير النفطية الجزء الأكبر من صادراتها. كما أقامت هذه الدول علاقات تجارية واستثمارية وسياحية متينة مع شركاء أقوياء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وبالنسبة للمغرب وتونس، فإن تراجع أسعار النفط سيعزز من وضع الدولتين في مجال استيراد الطاقة، وأيضا كمُصدِّرَين للسلع المصنعة.
وعلى النقيض من ذلك، فإن التوقعات بالنسبة لمصر أكثر قسوة على نحو ملموس، في ظل علاقات البلاد القوية مع دول مجلس التعاون الخليجي. ولكن نصيب العائدات المرتبطة بالنفط في إجمالي الناتج المحلي لمصر، متضمنا عائدات المصريين العاملين في الخارج، والمساعدات الأجنبية (التي تأتي بصفة رئيسية من دول المجلس الخليجي)، تشهد تراجعا على نحو متواصل منذ تسعينيات القرن الماضي.
وفي رأي الباحث الأكاديمي المتخصص أنه يتعين عدم إلقاء اللوم على الثروة النفطية بالنسبة لكل الصراعات التي يشهدها العالم العربي. ومع ذلك فإنه يرى أن هذه الثروة لعبت دورا محوريا في تعميق الأعمال العدوانية، وإطالة أمدها. فالثروة الآتية من مصادر الطاقة الهيدروكربونية منذ صدمة النفط في عام 1973 أسهمت في زيادة الصراعات في منطقة الخليج، وكان لها تداعيات على بقية العالم العربي. وتعد حروب الخليج الثلاث، والتوترات الحالية بين إيران وبين تحالف يضم الولايات المتحدة وعدة دول عربية، شاهدا على ذلك. وبعيدا عن منطقة الخليج، جرى توظيف عائدات النفط لإذكاء سباقات التسلح والصراعات المدنية عبر دعم ميليشيات محلية على أسس عرقية طائفية.
ومن ثم، فإن تراجع أسعار النفط على المدى الطويل، قد يضعف قاعدة الموارد المالية التي تستخدم لتأجيج الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بشكل مباشر أو عبر وكلاء. ويري عدلي أنه قد لا يكون من قبيل المصادفة أن تونس كانت صاحبة قصة النجاح الوحيدة للانتقال الديمقراطي في أعقاب "الربيع العربي"، وهي دولة ليست فقط فقيرة في النفط بل صغيرة لدرجة أنها لم تجذب انتباه الدول الغنية بالنفط. ومن شأن تراجع فرص الحصول على الأموال بسهولة كبح جماح الصراعات الجارية، أو على الأقل خفض حدتها.
بعض الصراعات سيطول أجلها
يشار إلى أن نهاية الحرب بين العراق وإيران خلال ثمانينيات القرن الماضي قد عجلت بها وفرة الإمدادات النفطية التي شهدها العالم في عام 1986، وما نجم عن ذلك من تراجع عائدات النفط بالنسبة للطرفين المتحاربين، والأطراف الراعية لكل منهما في المنطقة.
ويرى أستاذ الاقتصاد السياسي أن الصراعات المدنية أكثر تعقيدا من نظيرتها الدولية، ومن المرجح أن يطول أمدها حتى في ظل تراجع عائدات النفط، كما هو الحال في سورية وليبيا واليمن. ورغم ذلك، فإن تراجع موارد التمويل قد يعجل بوضع نهاية لهذه الصراعات، أو على الأقل، الحد من نطاقها وضراوتها.
واختتم عدلي تحليله لواقع ومستقبل النفط والسياسة في المنطقة بالقول "بالنسبة لمعظم العالم العربي، وخاصة في الدول التي شكلت فيها عائدات البترول لعنة لفترة طويلة، ربما يكون تراجع الثروة النفطية التي وصفها تقرير صندوق النفط الدولي ضارة نافعة".