"مستدام"... ممارسات الثقافة المستدامة من خلال شاب فلسطيني طموح
خاص بآفاق البيئة والتنمية

أحد الطلبة المستفيدين من تدريبات مستدام
"مستدام" هو مشروع الشاب الفلسطيني محمد صالح، الذي ومنذ ست سنوات تولد لديه شغف جديد جعله يبتعد عن العمل في مجال دراسته في علم النفس والموسيقى لينقل الثقافة المستدامة لتحريك المجتمع باتجاه الإكتفاء الذاتي.
محاولة إيصال محمد لفكرته إلى الناس بدأها مع شركة "مستدام للتصميم البيئي" والتي من خلالها يقدم التعليم، الاستشارة وتصميم حدائق منزلية ومزارع بيئية وتدريب مهني من خلال دورة مع شهادة في مجال الثقافة المستدامة والتي تعرف بـ "البيرما كلتشر".
بالنسبة لمحمد "البيرما كلتشر" هي ثقافة وطريقة تفكير وحياة شمولية وليست مجرد أسلوب زراعة، جاءت لتكون رفيقة للفلاحة الطبيعة بل هي طريقة تفكير وعنوان لأي ممارسة بيئية ومستدامة، ويصفها محمد بالمنظومة القادرة على حل كل شيء مهما كان معقدا، فهي مزيج من إدارة الموارد، التصميم الناجع والتقنيات العملية. كما أن إعادة التدوير محور اساسي ، فيؤمن محمد أنه لا وجود للفضلات في حياتنا بل هي كلها موارد.

غابات الطعام إحدى طرق الزراعة المستدامة- عمل لمحمد صالح
الزراعة المستدامة، مبادئ وقيم وأخلاقيات
بالنسبة لمحمد هناك مبادئ الزراعة المستدامة، لا بد من الالتزم بها إلى جانب بعض الأخلاقيات، فهذه المبادئ جاءت لتكون قابلة لتطوير الاستخدام المستدام للأرض والموارد والتعايش التكافلي مع الطبيعة، وهي مبادئ عالمية يمكن تطبيقها على المجتمعات والسياسات والاقتصاد، البعض يرى الموضوع فلسفيا ولكنه مربوط كل الترابط مع الفعل والتنفيذ.
أما القيم والأخلاق فهي التي تقود السلوك البشري في المجتمعات، وكلما تركزت هذه القيم والأخلاق في المجتمع، كلما كان هناك ضمان ثقافي على المدى البعيد يؤسس للبقاء البيولوجي، ويمكن تلخيص هذه الأخلاقيات بنقاط ثلاث رئيسية.
تتمحور النقطة الأولى حول أهمية رعاية الأرض، وهنا نقصد إدارة التربة والغابات والماء، في حيت ترتكز النقطة الثانية على رعاية الأفراد والبشر، والاهتمام بالأنفس وذوي القربى، في حين تؤكد النقطة الثالثة على ضرورة أن تكون الحصة عادلة، من خلال وضع حدود للاستهلاك، وإعادة الإنتاج ومشاركة الفائض.
"اذا، البيرما كلتشر تحاول أن تساعدنا على عيش حياة أخلاقية، لذلك عند تصميمنا لحديقة تعتمد على الزراعة المستدامة هناك مبادئ أيضا لا بد من مراعاتها" يقول صالح.
أما مبادئ الزراعة المستدامة فهي متعددة، أولها الملاحظة والتفاعل، فمحيطنا يعبر عن نفسه والطبيعة خير استاذ، أما المبدأ الثاني فيتعلق بإلتقاط الطاقة وتخزينها، ويتبعه مبدأ ضرورة الحصول على العائد وتطبيق التنظيم الذاتي والتغذية الرجعية.
ويتمثل المبدأ الخامس باستخدام وتقدير الموارد والخدمات المتجددة، وجعل الزراعة المستدامة وسيلة إنتاج لا تبديد وتضييع للموارد، والدمج بدلاً من الفصل، يضاف إليها التصميم من النماذج الزراعية، واستخدام الحلول الصغيرة والبطيئة، وتقدير قيمة واستخدام التنوع والحواف وتثمين الأطراف، في حين ينصُّ المبدأ الأخير على الاستخدام الخلاق والاستجابة للتغيير.
 |
 |
محمد صالح أثناء تصميم إحدى الحدائق المعتمدة على الزراعة المستدامة |
محمد صالح خلال إحدى تدريبات البيرما كلتشر مع الشباب |
تصميم الحدائق
قبل سبع سنوات تقريبا، انتقل محمد إلى تركيا مع زوجته لتستكمل دراستها الجامعية، ساقته الصدفة البحتة إلى إدارة مركز بيئي تعليمي بعيدا عن المدينة، مساحته 10 دونمات، يضخون فيه المياه من النهر ويولدون الكهرباء من الشمس والهواء، طعامهم طبيعي من إنتاج الزراعة العضوية، يستضيفون الناس المهتمين بالتعلم البيئي من أنحاء العالم، ويصف هذه التجربة بالإنقلاب ذي الأبعاد المختلفة التي وضعت محمد على أول طريق شغفه وهو الزراعة المستدامة.
عند تصميمه لأي حديقة تعتمد على المبادئ البيئية، يقوم محمد بقراءة شاملة للمكان الذي سيعمل فيه، فهو يريد أن يلبي طلب "الزبون" ولكن بطريقة صديقة للبيئة ليخلق نظاما بيئيا شاملا، هو لا يزرع نباتات للزينة فقط بل يجب ان تكون مفيدة ولها وظيفتها لصاحب الارض والنباتات الأخرى إلى جانب أهميتها الجمالية.
في أي حديقة يريد محمد تصميمها على طريقة الزراعة المستدامة، جهز استمارة خاصة بأصحاب المنزل أو الجهة التي سيصمم لها، فهو يريد أن يدرس بالتفصيل لمن سيصمم، فالموضوع ليس مجرد تصميم بل هو يريد للأفراد أن يتعاملوا مع الحدائق على أنها عنصر مهم يساعد في تحسين جودة الحياة.
ويقدم محمد لنا في هذا التقرير جزءاً من أسرار البيرماكلتشر، وسيساعد قراء المجلة على تعلم طرق لري النباتات على طريقة الزراعة المستدامة، بأقل التكاليف والكميات الممكنة، فالبيرما كلتشر هي مفتاح لحياة مستدامة اقتصادياً.
وهذه الطرق هي:

وعاء سريان الماء
1. قواوير الريّ الشافطة
هو وعاء للنباتات فيه مخزون احتياطي من الماء في الجانب السفلي حيث يتم سحب الماء باتجاه سطح التراب من خلال تناضح التربة الطبيعية أو ما يعرف بالخاصية الأسموزية- خاصية فيزيائية يتم بواسطتها انتقال الماء من الأسفل إلى الأعلى-، أو من خلال جذور النباتات داخل الوعاء.
كل ما تحتاجه لاستخدام هذه الخاصية في الري هو أنبوبة بلاسيتيكية ومقص ومسمار وقطن وحصى وتراب والنبتة ذاتها.

سرير سريان الماء
2. الأحواض/المصاطب الشافطة
سرير من البلاستيك المضاد للماء، فيه كمية إضافية من الماء في الجزء السفلي وينتقل الماء إلى السطح بالخاصية الإسموزية، أو من خلال جذور النباتات.
ما تحتاجه من مكونات بسيطة في هذه الخاصية يتمثل بحاوية أو سرير من البلاستيك له جوانب مسدودة، ومقص وقطن وأنبوب بلاستيكي بطول الحاوية، وقطعة قماش تمنع التربة من العبور وتسمح للماء بذلك عبر حصى وتراب النبتة ذاتها.

الري بالأوعية الفخارية
3. الري بالأوعية الفخارية (التعبئة السريعة والإفراز البطيء)
هي أسلوب قديم للري معدّل عليه، وتستخدم الطبيعة المسامية للأوعية الفخارية لإتاحة المجال للضغط الإسموزي بأن يقوم بعملية شفط للماء إلى الأماكن المطلوبة داخل التربة وإلى موقع النباتات، وفي هذه الطريقة يتسرب الماء بشكل بطيء من خلال الحائط الفخاري داخل الوعاء ويتم الري بشكل مباشر للتربة مع نمو الجذور، حيث تبدأ لاحقا الجذور بالالتفاف حول بعضها في حين تقوم النباتات بشفط معظم المياه.
في هذه الطريقة يكون مصدر الماء تحت سطح الأرض، وهذا يعني أن نسبة التبخر تكون صفر تقريبا، وهكذا يمكننا توفير حوالي 70% من كمية المياه دون التقصير في سقي النباتات، وهذا الأسلوب مناسب للشجيرات "الشتلات" الجديدة والنباتات الناشئة.
وكل ما تحتاجه في هذه الطريقة هو وعاء فخاري غير مطلي ولا يوجد فيه أي ثقوب في الجهة السفلية.

رش الماء العميق
4. الريّ العميق
الهدف من هذه الطريقة إرسال الماء بشكل مباشر إلى منطقة الجذور، وبالتالي التقليل من فقدان الماء في أيام الصيف الحارة والمساعدة في إنماء جذور عميقة مقاومة للجفاف، وهكذا ينتج نباتات أقوى وأفضل وأكثر ثباتا.
هنا سنحتاج إلى انبوب بلاستيكي بطول نصف متر أو متر تقريبا، ومثقاب وقضيب معدني حاد وساخن، وفي طريقة ثانية ستحتاج لجزء من بنطال جينز طويل وحصى.

السماد الطبيعي
5. المهاد/غطاء التربة
يستخدم الغطاء الطبيعي (الغطاء الحيوي أو المَلْش: mulch) للحفاظ على الرطوبة داخل التربة كونه يمنع التبخر ويضغط على الحشائش الغير معرضة للشمس ويحافظ على برودة التربة ويجعل سرير البستان يبدو أكثر جاذبية، هذا وتساعد الأسمدة العضوية في التحسين من خصوبة التربة بعد تحلل تلك الأسمدة.
مكونات هذه الطريقة تتمثل بالمواد العضوية من أوراق وأغصان وقطع الخشب ولحاء الشجر والزبل وقطاعات الأعشاب والجرائد والورق المقوى والقش والصخور، بالإضافة إلى السماد غير العضوي المستخدم مرة أخرى مثل الألواح البلاستيكية والأخشاب أو أي شيء يمكن أن يغطي التربة.

الزراعة باستخدام حطب الشجر
6. زراعة الفطر باستخدام حطب الشجر
حطب الشجر هو قطعة من جذع الشجرة تبدأ بالتحلل عندما نقوم بزراعتها او دفنها بشكل جزئي، ولهذا الأمر عدة فوائد للتربة ومحيطها العام، فتحلل الخشب يؤدي إلى إثراء التربة من خلال زيادة الرطوبة وامتصاص الماء عندما تكون فائضة، ومساعدة الكائنات المفيدة على العيش داخل التربة، بالإضافة إلى التأسيس لشبكات الفطر "الميسيليوم"- وهي جذور نبات الفطر تحت الأرض والتي تساعد النباتات والكائنات الحية على التواصل بشكل أفضل، والتي يمكن وصفها بإنترنت الطبيعة.
وكل ما تحتاجه هذه الخاصية هو الحطب والزبل أو القهوة المصنعة.

حديقة المربعات او الوافل
7. حديقة المربعات أو "الوافل"
هي شبكة من المربعات والخطوط او المستطيلات، يوجد بينها سواتر ترابية، عمقها حوالي 30 سم، تتم زراعتها وهي محاطة بسواتر ترابية ترتفع بعدة "إنشات" من تربة غير معدلة على مستوى سطح الرض، وتستقبل هذه المربعات مياه الأمطار وتحمل الماء إلى جذور النباتات وتساعد في تجميع الرطوبة والمحافظة عليها لفترات طويلة جدا.
مكونات هذه الطريقة تتمثل بمعول وجرافة بستنة صغيرة وخيط وزبل أو أي أسمدة عضوية.

محمد صالح-شاب فلسطيني أسس لمشروع مستدام
تعميم الفكرة
مشروع "مستدام" يعد من أحد المشاريع الزراعية البيئية الواعدة في فلسطين، فصاحبه يريد أن يعزز علاقة البشر مع الطبيعة وليس العكس، ولا يقتصر عمل "مستدام" على تقديم المشورة بل يقدم تدريبات متخصصة في البيرماكلتشر وطرقها وأهميتها وغالبا ما يشكل الشباب النسبة الأكبر من المستفيدين.
الشابة أريج الأشهب، طالبة هندسة معمارية وهي إحدى المتدربين مع محمد، تعلمت منه الكثير فيما يتعلق بالزراعة المستدامة، وتقول أن أهم ما تعلمته هو نظام غابات الطعام الذي يرتكز على الاستفادة من المساحات لدينا مهما كانت صغيرة، بحيث نبني نظاما غذائيا متكاملا بما هو متوفر من إمكانيات بين أيدينا، ومن إعادة استخدامنا للأغراض من حولنا.
وستتشارك أريج مع محمد في مشروع شبابي في مدينة القدس قريبا، ربما يكون الخطوة الأولى نحو مشاريع أكبر في القدس المحتلة.
وختاما لا بد من التذكير بأن مركز العمل التنموي/معا هو أول من أدخل مفاهيم البيرماكلتشر إلى فلسطين منذ عام 1993 ومارسها تحديدا في أول مزرعة مصممة على أسس مبادئ ومفاهيم البيرماكلتشر في قرية مردة قضاء سلفيت، تلك المزرعة التي دمرتها قوات الاحتلال في أوائل الانتفاضة الثانية (2001). وحاليا توجد مزرعة لمركز معا في بيت قاد بجنين، تطبق بعض تقنيات ومبادئ البيرما كلتشر والزراعات الإيكولوجية...، وقبل ذلك تم إنشاء أكثر من مزرعة في قطاع غزة، تبنت نفس المبادئ والمفاهيم.