خاص بآفاق البيئة والتنمية
منذ بداية التسعينات من القرن الماضي شرعت مصلحة مياه القدس الفلسطينية بحفر بئرين ارتوازيين هناك، يقعان بشكل مباشر على الخط المائي المزود لمنطقة نهر العوجا، ليتم بذاك ضخ معظم المياه الجوفية باتجاه محافظة رام الله. في حين ما يصل الى القنوات المائية التي تغذي منطقة العوجا كميات بسيطة وضحلة لا ترتقي بالقطاع الزراعي هناك
|
على السفوح الشرقية من فلسطين، حيث منطقة "رأس العوجا" التي طالما تميزت بكونها واحة خضراء وسط سلسلة من التلال الصحراوية القاحلة، حيث ازدهرت منذ القدم بوفرة الأراضي الزراعية والينابيع المائية التي كانت تجري عبر قنوات مائية تزين المنطقة، بل وتكسبها شهرة كبيرة لتشكل بذلك ما يعرف بـ "نهر العوجا"، ضمن الحوض المائي الشرقي لفلسطين.
لكن الحال اليوم مع تقلب الأيام والسنين قد تغير، وذلك في ظل انخفاض معدلّ كمية مياه الأمطار التي تهطل هناك، بالتوازي مع شح المياه الجارية في الينابيع هناك، حتى بات اليوم يوصف بالكارثي.
كاميرا "آفاق بيئية" تجولت في منطقة العوجا ورصدت عددا من البرك المائية الضخمة، التي من المفترض ان تستخدم لغايات الزراعة وقد أصابها الجفاف، وأصبحت مهجورة لا فائدة من وجودها، حتى أن القنوات المائية المنتشرة هناك أضحت قنوات فارغة دون ماء على عكس الواقع الذي كانت عليه، لتشكل بذلك معضلة كبيرة قد تعصف بالقطاع الزراعي والتنمية الريفية برمتها، وذلك في حال استمر مسلسل استنزاف المياه هناك، والاستهتار الواضح من الجهات الرسمية المختصة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الأسباب الرئيسية التي أوصلت منطقة العوجا لما هي عليه اليوم؟ وما الدور المنوط والمفترض من أصحاب القرار للحد من حجم هذه الكارثة البيئية التي لا تؤثر فقط على القطاع الزراعي، بل يطال أثرها جوانب الحياة المختلفة والتنوع البيئي في المنطقة كلها.
بئر ارتوازي اسرائيلي في العوجا
مؤشر خطير...
منذ عهد الثمانينيات أقدم الاحتلال على حفر أربعة آبار ارتوازية في محيط بلدة العوجا بعمق 150 مترا، ما أدى ذلك الى تجفيف تسع آبار ارتوازية قديمة في المنطقة، وأصبحت المياه شحيحة فيها ومالحة
|
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية -حسب معطيات وزارة الزراعة الفلسطينية- في منطقة العوجا ما يقارب من 25 ألف دونم، لكن المستغل منها حاليا 3000 دونم فقط، وذلك بالزراعات التقليدية البسيطة.
وتعتمد تلك الأراضي بشكل مباشر على مياه نهر العوجا الشحيحة التي هي موسمية الجريان بمعدل 1800 كوب في الساعة في موسم الجريان الذي يبدأ مع أوائل فصل الشتاء وحتى آذار. هذا بالإضافة إلى وجود كمية من المياه الضحلة والمالحة الناتجة عن الآبار الارتوازية هناك، التي تقع في الجهة الشرقية من العوجا المطلّة على منطقة البحر الميت.
حول تداعيات ما يجري اليوم في منطقة العوجا، أوضح عضو المجلس البلدي في بلدية العوجا حسين العطيات أن "هناك عزوفا وهجرة للأيدي العاملة من القطاع الزراعي بشكل ملحوظ وملفت للانتباه في منطقة العوجا باتجاه العمل في القطاعات الاقتصادية الأخرى أو حتى نحو العمل داخل المستعمرات الإسرائيلية الزراعية المنتشرة على طول الأغوار الفلسطينية، حيث أصبح هذا القطاع –من وجهة نظرهم- غير مجدٍ بسبب عدم وفرة المياه بالشكل المطلوب، وملوحة ما يرشح من مياه الآبار الضحلة هناك، ما دفع ما تبقى من مزارعين إلى التركيز على أنواع واصناف محددة تتحمل الملوحة والتغير البيئي، من خلال التركيز على زراعة التمور وبعض الزراعات الحقلية التقليدية غير المربحة التي تلقى منافسة شديدة في السوق مقارنة بمثيلتها من المنتجات الاسرائيلية الزراعية".
العطيات قال لمجلة "آفاق البيئة والتنمية": "كنا سابقا نزرع الموز على مدار العام، وكانت تتميز العوجا بوفرة المحاصيل المروية التي كانت تزود السوق الفلسطيني بالخضار والبطيخ، أما اليوم، باتت تلك الأراضي صحراء قاحلة، حتى البرك المائية المنتشرة في منطقة العوجا والتي كانت تُغذى بواسطة القنوات المائية أصبحت خرابا أو فارغة، كذلك حال الينابيع المائية التي تسير في قنوات خاصة، فقد اصبحت موسمية الجريان فقط ليستفيد منها بضع مزارعين هناك".
تقصير وإهمال
وتعد منطقة عين ساميه شرق قرية كفر مالك بمحافظة رام الله والبيرة، المزود الأساسي للمياه لمنطقة نهر العوجا، حيث تسير المياه من هناك وعبر السلاسل الجبلية والقنوات الحجرية التي تم إنشاءها منذ العهد الروماني القديم باتجاه نهر العوجا.
لكن – كما يضيف العطيات- منذ بداية التسعينات من القرن الماضي شرعت مصلحة مياه القدس الفلسطينية بحفر بئرين ارتوازيين هناك، يقعان بشكل مباشر على الخط المائي المزود لمنطقة نهر العوجا، ليتم بذاك ضخ معظم المياه الجوفية باتجاه محافظة رام الله. في حين ما يصل الى القنوات المائية التي تغذي منطقة العوجا كميات بسيطة وضحلة لا ترتقي بالقطاع الزراعي هناك، ما يفقد المنطقة واقعها الزراعي الجميل. ونوه إلى أن المسؤولية وراء ما يحدث تقع على عاتق الجانب الفلسطيني.
وكذلك يعتبر الاحتلال بحق ذاته مسؤولا بشكل كبير عما يحدث، كما يقول العطيات: "منذ عهد الثمانينيات أقدم الاحتلال على حفر أربعة آبار ارتوازية في محيط بلدة العوجا بعمق 150 مترا، ما أدى ذلك الى تجفيف تسع آبار ارتوازية قديمة في المنطقة، وأصبحت المياه شحيحة فيها ومالحة حيث تضخ تلك الآبار في المجمل بمعدل 10 أكواب في الساعة الواحدة، وبدلا من ذلك يبيعنا الاحتلال المياه من خلال شركة ميكروت بمعدل 40 كوباً في الساعة. وهذه الكمية لا تكفي بالأساس حاجة السكان البالغ عددهم زهاء خمسة آلاف نسمة من مياه الشرب، فكيف تكفي الزراعة!!".
قناة نهر العوجا
سلطة المياه ترد....
وحول التهم الملقاة على سلطة المياه الفلسطينية فيما يخص موضوع العوجا، عقبت مديرة مكتب سلطة المياه في محافظة أريحا والأغوار "ماجدة علاونة" بأن هناك شح في المياه بفلسطين، واستهداف اسرائيلي وهيمنة واضحة عليها، لذلك تعمل السلطة بأقصى الامكانيات لتوفير الموارد المائية للشرب أولا ومن ثم للتنمية الزراعية، لذلك يعتبر مشروع المياه في عين سامية من المشاريع الرئيسية التي تعول عليها سلطة المياه لسد حاجة محافظة رام الله والبيرة من المياه هناك، في ظل محدودية الموارد وشحها".
وعن إقامة البئرين في منطقة عين سامية على القنوات المائية المغذية لمنطقة العوجا، أشارت إلى أنه تم انشاء البئرين الارتوازيين في عين سامية بناء على دراسة مستفيضة وحساسة للطبقات الصخرية، وليس بشكل عشوائي".
وأوضحت علاونة أن هناك أولويات في الحياة في ظل انحسار الموارد المائية فالشرب اولا ثم الزراعة، فالمياه المستخرجة من البئرين بالأصل لا تكفي حاجة محافظة رام الله والبيرة، فكيف الحال بالنسبة للزراعة في منطقة العوجا!
إنقاذ ما يمكن انقاذه
يذكر أن محافظة أريحا والاغوار بالتنسيق مع بلدية العوجا تعمل جاهدة على انقاذ ما يمكن انقاذه من الأراضي الزراعية في منطقة العوجا، جاء ذلك على لسان رئيس بلدية العوجا السابق عبد الله رشيد، الذي عقب حول هذا الموضوع بالقول: "هناك خطة قيد الدراسة حالياً تتضمن حفر آبار ارتوازية جديدة في منطقة حوض الماء الشرقي، بالاضافة الى وجود دراسات نحو التوجه لتنفيذ مشروع الحصاد المائي عبر إقامة برك مائية ضخمة مخصصة بذلك... المشروع طويل وقد نصطدم بعقبات كثيرة يضعها الاحتلال الاسرائيلي بهدف افشال المشروع قبل البدء به، لكننا مصمّمون على البدء قريبا إن سنحت الظروف".