خاص بآفاق البيئة والتنمية
تجتهد خلال إجازة عيد الأضحى السابقة بافتراض صورة مغايرة لأعيادنا، تكون فيها مواسم الفرح بقدوم العيد صديقة للبيئة، وواقعية، ولا تحمل الذات فوق طاقتها، وتقلّل من انتهاك المحيط الأخضر. تتنقل في العيد بين أربع مدن في الضفة الغربية، وثلاثة في الأردن الشقيق، وشرم الشيخ المصرية، وترصد صوراً ومشاهد لعيد سيكون أجمل، لو غيّرنا قليلاً من سلوكنا.
هل يمكن الاحتفال بسفر صديق للبيئة؟
السفر ذاته متعة، ولكن الفرح لا يكتمل، ففيه يجري تلويث الهواء بحرق المزيد من وقود الطائرات والحافلات، لكن الأمر الجيد أن التنقل بين فلسطين والأردن لا يتم بالحافلات الخاصة، فهناك أسطول خمري اللون، يستحوذ على خدمة التنقل بين المنطقتين الجارتين، ولو بأسعار باهظة.
لنتصور أن السفر بين الضفتين يتم بمركبات خاصة، وأن عدد المسافرين خلال يوم الإجازة الأخير 10581 مسافراً( وفق الإدارة العامة للمعابر)، فهذا يعني أن كل شخصين بالمعدل استخدموا مركبة واحدة، فإن 5290 مركبة ستتحرك في أقل من 24 ساعة في حيز جغرافي صغير، متسببة بتلوث هائل للهواء، وزحمة سير، عدا عن الحوادث التي قد تقع بسبب التزاحم.
لنحرص في المعابر والمطارات على إقناع أنفسنا بعدم التسوق من داخل (السوق الحرة)، فهي ليست المكان المخصص للطبقة الوسطى وذوي الدخل المحدود. السجائر والمعسل ذات الأسعار المخفضة؛ بفعل الإعفاء من الضرائب المتدنية ليست مكسباً ولا هدية مثالية، ولا يمكن لغير المدخنين حملها أو المتاجرة بها أو تقديمها كتذكار.
بوسع الوالدين غرس القناعة لأطفالهم، من خلال مساهمتهم الجزئية في تأمين بدل السفر، فمن يتخلى عن جزء من مصروف جيبه لعام كامل، سيجد متعة في إدارة رحلة خارج الوطن بحكمة أكثر.
كيف نلّون أعيادنا؟
في العادة لا بد من إدخال البهجة إلى قلوب الأطفال، علينا أن لا نُطلق العنان لتخريب البيئة وتلويثها. اصطحاب الصغار إلى الأسواق أمر مهم، ولكن مع الزحام وأعداد المتسوقين الهائل، ووسط أكوام النفايات داخل الطرقات، يصبح التنقل أمراً متعذرا، وإن تحقق يصير بلا طعم.
إن عجزنا عن السفر إلى البحر الذي يحرم منه غالبيتنا العظمى، فبوسعنا استثمار العيد لتقريب الأطفال إلى الطبيعة المحيطة، وتنظيم رحلات ترفيهية تمرر للجيل الصاعد رسائل تعريفية بطبيعتنا الساحرة وتنوعنا الحيوي، وما تعانيه بيئتنا من تعديات وانتهاكات.
علينا أن لا نشعل النار في الهواء الطلق خلال حفلات الشواء، ومن الواجب أن نهتم بما نأكله، فلا نجمع بين الحلو والحامض والمر، ونقلل من الإفراط في تناول الدهون والشحوم، ونتجنب الأطعمة السريعة، ولا نُطلق العنان للأصباغ والمواد الملونة لتعكّر صفونا.
بوسعنا أن نزين بيوتنا بأدوات بسيطة، وأن نلجأ إلى الكرتون المقوى بدل المواد البلاستيكية الجاهزة، وبمتناول اليد إعادة استعمال أضواء شهر رمضان داخل المنزل وخارجه أكثر من مرة، حتى لو كانت صينية الصنع.
بمقدورنا أن ننقل مهارات التدوير لصغارنا من وحي تعاملنا مع المحيط الحي، ونقص لهم حكايات عيدنا خلال طفولتنا، ونناقش الفوارق، يكفي أن نقص لهم أرجوحتنا الخشبية، وطريقة حفظ أمهاتنا وجداتنا للحم الزائد عن الحاجة عبر لفه بقماش أبيض، وتعليقه في الهواء الطلق، بعد وضع القليل من الملح والتوابل.
علينا أن نشتق لصغارنا دوراً في الاستعداد للعيد، فنعلمهم طرق الاكتفاء الذاتي خلال إعداد حلوى المناسبة وشرابها، وأن نعد لهم قائمة طعام معتدلة تتيح مساحة للخضروات والفواكه، ولا تقتصر على عالم اللحوم والدسم. العبرة هنا أن نقرأ لهم قليلاً عن داء الملوك، وطرق إنتاج اللحم، وسكر الدم المرعب.
ما هي الممارسات الخاطئة في أعيادنا؟
الممارسات الخاطئة عديدة، وهي تتضاعف في العيد، فثمة نمط استهلاك فائض عن الحاجة يتجلى في الإسراف، وتصل الكثير من الأطباق إلى مقالب القمامة. علينا أن ندرب أنفسنا وأطفالنا على عدم تناول ما لا نحتاجه، وعند الشعور بالشبع نتخلى عن كل المغريات التي تخاطب المعدة. ويبدأ هذا في ثني الذات عن تكرار دعوة الضيوف لتجربة قهوتنا وحلوياتنا غير مرة، فالجوف لا يتسع لكل هذا الخلط. الحل، أن نتركهم رهائن لحريتهم، فيقررون ما يريدون، ونقبل اعتذارهم عن عدم التهام كميات جديدة من الحلوى والفاكهة، ونحترم رغبتهم.
كيف ندير أعيادنا؟
إدارة الأعياد والمناسبات الخاصة مسألة صعبة المنال، وفي العادة تنفق غالبية الأسر أضعاف دخلها في هذه المواسم. هذا الأمر يحتاج إلى تحليل نفسي واجتماعي، وبخاصة أن بعض العائلات تلجأ إلى الاقتراض لحين ميسرة، حتى تسير أمورها في العيد.
هل من المنطقي أن ننفق في أسبوع ما نعجز عن توفيره في شهر أو شهرين؟
الجواب: لا، ولكن العادات والتقاليد، التي تفسر بشكل خاطئ تحتاج إلى إعادة بناء. وقبل كل هذا وذاك الاقتراب أكثر من البيئة، وعدم التسبب لها بالمزيد من الأذى والتخريب، بدعوى الخروج في إجازة العيد.
كيف نقضي العيد خلال السفر؟
الأزمة خلال السفر أكبر، فالعائلة عادة تحزم أمتعتها وتمضي إلى مكان ما لقضاء العطلة. علينا أن نختار المكان وفق قدرة جيوبنا، وأن نقنع أنفسنا بأن الهدف من السفر الجو العائلي وليس الفنادق الفخمة والمقاعد الفارهة في الطائرات، ونقلل قدر الإمكان من الأمتعة.
في العادة يمكن فتح حوار مع العائلة ورفاق السفر حول السلوك الخاطئ، فعادة ما نسرف على موائدنا في الفنادق في وضع خيارات عديدة من "البوفيه المفتوح" الذي تذهب أجزاء كبيرة منه إلى حاويات النفايات.
لنتخيل أن فندقا ما يتسع لخمسمائة نزيل، وكل واحد من هؤلاء وضع 100 غرام زائدة عن حاجته، فذلك يعني الذهاب بخمسين كيلو غرام من الطعام إلى الحاويات دفعة واحدة، وهو رقم كبير تعجز أسر كثيرة عن توفيره لأفواه أطفالها الجائعة.
خلال سفرنا يجب الإبقاء على قائمة الوجبات السريعة في وضع الحظر، كما ينبغي أن لا نخرج إلى أسواق المدينة الجديدة علينا ونحن نعاني الجوع، وأن نفكر بأن السياحة لا تعني التسوق وإنفاق المال، بل التمتع بالطبيعة، واكتشاف مناطق جديدة، ببحرها وصحرائها وجبالها وطيورها ونباتاتها وتنوعها الحيوي وتاريخها، وعدم التوقف كثيراً عند البيئة الصناعية للأماكن التي نصل إليها.