الأصل تحويل اقتصادنا من "اقتصاد دولة" إلى "اقتصاد مُقاوم" لأننا تحت الاحتلال، ولكون الاقتصاد المقاوم يعتمد على الأرض، ولا يرتبط بالتمويل أو بالغير. المطلوب "خطة وطنية" تعيدنا إلى الأرض وما تنتجه، وتدعم المشاريع اليدوية، والأعمال الصغيرة، والاقتصاد المنزلي. وفي هذا السياق، لا بد من"انتفاضة بذور وأشتال" تعيد الهيبة للأرض، وتصوّب العلاقة معها، وتنقلنا من مستهلكين إلى منتجين، وتحسن من قدرتنا على صناعة طعامنا ولباسنا. ومن أهم شروط تحقيق هذا النمط رفض استمرار العلاقة الاقتصادية مع الاحتلال بطريقتها الحالية، والتوقف عن استهلاك كل سلع إسرائيل، والتوجه نحو دعم المشاريع والمصانع الصغيرة والمنزلية.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
|
التراث الزراعي الفلسطيني البلدي |
كانت ناشطات منتدى السوسنة البيئي في طوباس، يجبن على أسئلة تفاعلية عن لائحة الكماليات في المنزل، ومدى القدرة على إنتاج الخبز ذاتيًا، ودرجة استغلال حديقة المنزل.
وطُلب من الحاضرات في المنتدى الذي يرعاه مركز التعليم البيئي أن يضعن تعريفًا ذاتيًا للاقتصاد المقاوم، والاكتفاء الذاتي.
من اللائحة الطويلة للسلع الممكن الاستغناء عنها: القشطة، والحليب المُكثف، والمعلبات بأنواعها، والشوكلاتة، والمسليات وخاصة الشيبس، والمشروبات الغازية، واللحوم المُصنعة، والخبز المستورد، وسلع أخرى.
واللافت في ردود أعضاء المنتدى، الذي تشكل عام 2016، أن الاقتصاد المقاوم يمكن أن يكون "مقاومة نزعة الاستهلاك، والتخلي عن السلع غير الضرورية"، أما الاكتفاء الذاتي فهو وفق ما كتبن" الاكتفاء بما ينُتج في المنزل، وفي البلد، وفي الدولة، واستيراد ما يعني غيابه الموت كالأدوية." كما أن 21 من النساء الـ 25 لا يملكن مخزونًا كافيًا من الطحين، ولا تتوفر لديهن كل أدوات صنع الخبز في المنزل، في حال أي طارئ.
عزمي الشيوخي رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك
"انتفاضة بذور"
وقال رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك، وأمين عام اللجان الشعبية الفلسطينية عزمي الشيوخي، إن الأصل تحويل اقتصادنا من "اقتصاد دولة" إلى "اقتصاد مُقاوم" لأننا تحت الاحتلال، ولكون الاقتصاد المقاوم يعتمد على الأرض، ولا يرتبط بالتمويل أو بالغير.
ورأى أن المطلوب "خطة وطنية" تعيدنا إلى الأرض وما تنتجه، وتدعم المشاريع اليدوية، والأعمال الصغيرة، والاقتصاد المنزلي.
وذهب الشيوخي إلى الدعوة لـ"انتفاضة بذور وأشتال" تعيد الهيبة للأرض، وتصوّب العلاقة معها، وتنقلنا من مستهلكين إلى منتجين، وتحسن من قدرتنا على صناعة طعامنا ولباسنا.
وأكد أن شروط تحقيق هذا النمط هي: "رفض استمرار العلاقة الاقتصادية مع الاحتلال بطريقتها الحالية"، والتوقف عن استهلاك كل سلع إسرائيل، والتوجه نحو إصدار عملة وطنية، ودعم المشاريع الصغيرة والمنزلية.
وأشار الشيوخي إلى أن هذا الأمر ممكن، إذا توفرت "الإرادة السياسية"، وجرى تنفيذ مقررات المجلسين الوطني والمركزي، وحالياً، يتم الحديث عن خطط الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال، وتطلق الحكومة عناقيدها الزراعية والصناعية والسياحية. كما بدأت بوقف التحويلات الطبية لمستشفيات الاحتلال، وأصدرت قرارات منع استيراد العجول، وردّت على قرار منع إدخال الخضروات بحظر الفواكه وسلع أخرى.
تمور فلسطينية
فك ارتباط
ولا يُخفي رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك وأمين عام اللجان الشعبية الفلسطينية، وجود تحديات كبيرة أمام تكريس الاقتصاد المقاوم، كما يؤكد غياب "حل سحري" لتنفيذه، لكنه يدعو إلى تطبيق تدريجي له يبدأ من الأرض.
وساق الشيوخي مثلًا على الفواكه الإسرائيلية، بالقول إننا ننتج نصفها، وبوسعنا بخطة متوسطة المدى الوصول إلى الاكتفاء الذاتي بزراعة أصناف جديدة، واعتبار الخيار بديًلًا عن بعض الفواكه، وتغيير بعض عاداتنا الغذائية.
وأضاف أن مشاريع الطاقة المتجددة توفر بديلًا للاعتماد على الكهرباء الإسرائيلية، والتفكير باستيراد النفط العراقي قد يكون حلًا أيضًا، لكن على كل قطاعات الشعب الاندماج في خطة الاقتصاد المقاوم.
ورأى الشيوخي أن "فك الارتباط التدريجي" مع الاحتلال ممكن ضمن خطة حماية الأرض، وعدم التوجه للعمل في المستوطنات أو الداخل المحتل.
وقال إن التجربة السورية الاقتصادية كانت ناجحة، وحققت الاكتفاء الذاتي، وركزت قبل ما يحصل اليوم، على دعم الاقتصاد والورش المنزلية، وإطلاق اليد للمصانع الصغيرة، ودعم الاكتفاء الذاتي.
التكافل الاجتماعي الفلسطيني
اقتصاد زراعي
واشترط عضو الأمانة العامة لاتحاد الفلاحين والتعاونيين الفلسطينيين، والأمين العام المساعد لاتحاد الفلاحين العرب جمال خورشيد، النأي عن الزراعات التصديرية في أية خطة "اقتصاد زراعي مقاوم"؛ لتفادي تحكم الاحتلال بالمعابر، وعدم التحول إلى رهائن، والتوجه نحو أصناف أساسية لا كمالية تعزز السيادة على الغذاء، وتشمل التنوع في المحاصيل، وتفادي محاصيل مثل الفراولة، و"الفرسمونة".
جمال خورشيد الأمين العام المساعد لاتحاد الفلاحين العرب
ووفق خورشيد، مطلوب منا تعزيز القدرة على التكيف، والسير ضمن خطة وطنية لا تستند على "ثقافة المنع والحظر"، بل ترتكز على "الولاء للمنتج الوطني" حتى في ظل وجود سلع أخرى، مع حملات تثقيف بالمنتج المحلي، والتوسع في الرقابة على الجودة.
وأضاف: في مراحل حساسة ومعركة وجود، يتشرط أن يتزامن الاقتصاد المقاوم بالتكافل الاجتماعي. ونلاحظ التزامًا جديدًا من تجار الفواكه بعدم استيراد منتجات، رغم وجود طرق للتهريب؛ لأنهم شعروا وفق تعبيرهم بأن "القرار يتعلق بالكرامة".
وتابع خورشيد: كل الإجاص في الأسواق في غير موسمه إسرائيلي، ولكننا نستطيع الاستغناء عنه، وانتظار فاكهتنا المحلية في مواعيدها.
ويرى بأن لجوء الاحتلال إلى "حصار شامل" كمنع مدخلات الإنتاج الزراعي، أو قطع التيار الكهربائي والنفط سيخلق حالة صعبة جدًا، وعلى الأغلب لن نستطيع كفلسطينيين مواجهتها، لكن إسرائيل دولة احتلال، وعليها مسؤوليات والتزامات.
وتابع: بالمستطاع تشجيع الطاقة البديلة لتقليل الاعتماد على الاحتلال، لكننا سنعجز عن توفير بدائل للمحروقات.
ودعا خورشيد إلى عدم ترك المزارع وحيدًا في مواجهة إجراءات الاحتلال الاقتصادية؛ لأن سقوطه سيسبب مشكلة كبيرة، وخاصة أن كل اقتصادنا مرتبط بالأساس بالأرض وبالزراعة.
وحث على تنفيذ إجراءات عاجلة لدعم الفلاحين، أولها الإسراع في تسوية ملف "الاسترداد الضريبي"، والبدء بخطوات لبناء "حصانة وطنية" للاقتصاد الفلسطيني، وإعادة توزيع الموارد بعدالة.
واستشهد خورشيد بتجربة غاندي في الاكتفاء الذاتي، الذي قاطع المستعمر، ورفض التعامل معه. كما استذكر الأنماط التي شاعت خلال انتفاضة الحجارة، وتجلت فيها الكثير من نماذج الاكتفاء الذاتي، والتكافل الاجتماعي.
وأنهى بأن الخلل بدأ منذ ترك الإنتاج، وهجرة الأرض، والتوجه نحو الوظائف، والاقتصاد الرأسمالي، وترتيب الأولويات بشكل مغاير، والاعتماد على القروض، وهجرة الريف، الذي تشكل العودة إليه فرصة لإعادة تغيير المعادلة الاجتماعية والاقتصادية، ورسم الخارطة التنموية من جديد.
خالد داوود المهندس في جمعية الإغاثة الزراعية
حلول محلية
وذهب المهندس في جمعية الإغاثة الزراعية، خالد داوود إلى ربط الاقتصاد المقاوم بالزراعة، وقال إن الاقتصاد المبني على المعرفة والخبرات المتاحة والموارد المحلية، دون الاعتماد على الغير، يوفر حلولًا محلية.
وأضاف أنه بوسعنا استيراد المعرفة للاقتصاد المقاوم وتصديرها من وإلى مجتمعات خاضعت التجربة؛ لإخراج الاقتصاد المحلي من أية تبعات خارجية، ويكون مقياس النجاح أو الفشل مقدار إدارة الموارد المحلية وتحويلها إلى منتجات تغطي حاجة السوق المحلي.
وعدّد داوود عناصر الاقتصاد المقاوم، بمعرفة الواقع ووضع خطة علاجية وتطويرية له، وأخذ التهديدات الاقتصادية، والاتفاقيات السياسية، ونقص الموارد بالحسبان، والمعرفة المحلية من كل أطياف الشعب، وتحديد الموارد الذاتية والطرق المُثلى لاستثمارها، وإدارة المتاح، وتقييم السوق.
ووصف الاقتصاد المقاوم بـ"المنقذ"، الذي يخلق مجتمعًا منتجًا، ويحرره من التبعية، والوصول إلى القرار المستقل، وتخفيف البطالة.
وأوضح داوود أن الزراعة هي العمود الفقري للاقتصاد، وجميع الدول المتقدمة بدأ اقتصادها الحقيقي بالإنتاج الزراعي، وما زالت الزراعة فيها تتطور، وتعد مصدر دخل لملايين الأسر.
وقسّم داوود الزراعة إلى زراعة من أجل الأمن المنزلي بالغذاء النباتي والحيواني، أو للوصول إلى الأمن المحلي لتغطية احتياجات السوق من المنتجات، وزراعة من أجل الطاقة كالفحم والورق.
مزارعات فلسطينيات
إجراءات واجبة
ووفق داوود فإن الوصول إلى اقتصاد مقاوم يتطلب تعزيز دور التعاونيات الزراعية، وإدماج الشباب وتشجيعهم للانخراط في الإنتاج الزراعي، وتعزيز دور المرأة لأن الزراعة الحالية تعتمد في معظمها على الرجال من حيث القرار والتنفيذ والتسويق، وإدخال مواد زراعية علمية وعملية في المدارس لإنشاء جيل محب للزراعة، ومحاربة المنتجات المهربة، وتحسين استغلال الموارد المحلية وخاصة مياه الري، وتوسعة مساحات الغابات والأحراش بزراعة أنواع طبية ورعوية ومنتجة للغذاء، وتحسين إدارة الأسواق المركزية، وخلق أنظمة تسويق جديدة تحمي المزارع وتحمي الاسعار من التذبذب، وتنفيذ دراسات للسوق المحلي لتنظيم السوق من حيث العرض والطلب على مدار العام، وتعزيز التصنيع الزراعي النباتي والحيواني، وإدخال الطاقة البديلة، وتدوير المخلفات النباتية، وإنشاء وحدات ومصانع للتدوير واستخدامها بالزراعة والطاقة.
aabdkh@yahoo.com