خاص بآفاق البيئة والتنمية
يتسلح المهندس رائد موسى الجمّال، الذي لم يكمل الأربعين بعد، بالابتسامة بخلاف ما يواجهه من عراقيل وإجراءات إدارية كبحث سرعة إيقاع إبداعاته، لكنها لم تدفن أحلامه، ويستمر في المحاولة.
يسرد الجمّال الذي يحمل الماجستير في إدارة الهندسة، والدرجة الجامعية الأولى في الهندسة الكهربائية: "بدأت بتصميم وتطوير الكثير من الأفكار، واستطعت ابتكار ذراع إنسان آلي (روبوت) عام 2007، ونقلت اقتراحًا لإدارة المدرسة الصناعية التي أدرّس فيها لإدخال هذا العلم إلى المنهاج، لكنهم لم يوافقوا، وقبلها توصلت لتطوير رافعة كهربائية للحافلات والشاحنات الثقيلة لكن لم أجد الدعم من أحد. واستطعت هذا العام النجاح في بحث لتطوير وبناء طابعات ثلاثية الأبعاد، بأقل كثيراً من تكلفة إنتاجها الحالية، لكن أُقفلت الأبواب في وجهي."
ابنة رائد الجمال سوار التي صارت تلهو بتفكيك حواسيب والدها
أول الغيث
بدأ المهندس الذي ولد نهاية آذار 1976 في جنين، رحلة تفكيره الإبداعي خلال دراسته الإعدادية، وشرع وقتها بالبحث في كيفية ترجمة حلم تحويل السيارات للعمل على ماء بدلًا من الوقود، لكنه استطاع تحقيق وتطوير الكثير مما التصق بعقله وقلبه، فخلال عام 2005 تواصل مع إدارة محرك البحث (جوجل)، لتبني ما استطاع تنفيذ أولى مراحله من بطاقة مغناطيسية إلكترونية للأشخاص تتيح تجميع وقراءة ونشر السجل الطبي لحاملها، كنوع الدم ونسبتها، وأمراضه الوراثية وغيرها من معلومات صحية؛ للتسهيل والإسراع في علاجه وتبرعه بالدم والأعضاء وغيرها، لكن إدارة الموقع التي تحمست للاقتراح، وفق المراسلات، اصطدمت بعقبة القوانين والخصوصية التي لا تتيح نشر معلومات عن الأفراد ولا سجلهم المرضي، في دول مختلفة حول العالم.
يفيد: "بوسع عالم الروبوت في حال إدخاله إلى المناهج وتعليمه لطلبة المدارس الصناعية أن يغير الصورة النمطية السائدة عن التعليم التقني، ويعطي تحسينات عديدة، ويمكن الطلبة من تطوير وتصميم ابتكارات تطبيقية، تساهم عبر الإنسان الآلي في تطوير الصناعة، وزيادة كفاءة المنتج، وصيانة الآلات بطريقة جديدة."
يوالي: "للأسف لم أجد آذانا صاغية للاقتراح وقتها، وبعد عشر سنوات استوعبوا الأمر، ثم أدخل هذا النوع من العلم إلى مناهج المدارس الصناعية، لكن لو بدأنا ونفذناه قبل عقد فإن الأمر سيختلف. كنت أحتاج فقط لمبلغ لا يتجاوز 20 ألف دولار لأقدم نموذجًا متكاملًا لروبوت، ويستند أيضًا لإعادة استخدام الكثير من الأدوات والمعدات التالفة، لكن لم يتحقق الحلم بعد."
رافعة للمركبات التي صممها المهندس المبدع رائد الجمال والتي تعمل على الكهرباء من المركبة ذاتها
طابعات ورافعات
وبحسب الجمّال، فإنه تلقى تدريباً عام 2015 في كوريا الجنوبية على استخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد، غير أن المدربين اندهشوا من مهارته ومعرفته بهذه التقنيات، وصاروا يُعرّفون عليه بخبير يتبادل التجربة معهم، وليس متدربًا، وأصدروا له شهادة باللغة الإنجليزية، مع أنهم يصدرونها بالكورية في العادة، حتى للأجانب.
يقول: "بوسع الطابعات ثلاثية الأبعاد أن تقدم الكثير من التطبيقات، وتدخل في مجالات عديدة كقطع الغيار وتصميمها، والوسائل التعليمية، ومجالات الهندسة، وأعمال الديكور، والاستعمالات الصحية كصناعة الجبائر. وبمقدورنا أيضًا أن ننتج هذا الطابعات وتوفير الكثير من تكلفة استيرادها الباهظة".
يتابع الجمّال: " بدأت عام 2008 في تقديم نموذج رافعة للمركبات والشاحنات، يعتمد على الطاقة الكهربائية من المركبة ذاتها، ويقلل من عناء الصيانة لعطل الإطارات، ويسهل على النساء صيانة الإطارات، ويساعد ذوي الاحتياجات الخاصة. وقد جمعت الرافعة من معدات تالفة ومستعملة، ولم تقفز تكلفتها عن 400 دولار."
اختراع سداسي
سعى رائد لتسجيل براءة اختراع لابتكاره طريقة رسم جديدة للأشكال السداسية لا تعتمد على الدائرة أو الزوايا، ويمكنها أن تدخل في تطبيقات هندسية وتعليمية، إلا أن وزارة الاقتصاد الوطني طلبت منه رسومًا وإجراءات معقدة لإيداع اختراعه.
ويُدرّس رائد منذ عشر سنوات في "صناعية جنين" الحاسوب وكهرباء السيارات والآلات المكتبية، ويعرض في مناسبات كثيرة مشاريع ينقلها لطلابه كتطوير عمل الخلاط الكهربائي من الحركة الكهربائية إلى المغناطيسية، لتقليل تلف الأجهزة وتطوير كفاءة المنتج، ومنحه القدرة على الخفق خارج الوعاء المتصل به.
أضطر رائد للتخلي عن الكثير من أدواته بعد الزواج، حرصًا على سلامة ابنته سوار (سنتان) التي صارت تلهو بتفكيك حواسيب والدها، فيما يطمح الأب أن لا تجد صغيرته العقبات نفسها التي يواجهها اليوم، كي لا تتبخر أحلامها، وتفكر في شد الرحال لمكان يُقدّم تسهيلات للمبدعين، ولا يُكسّر مجاديفهم.
aabdkh@yahoo.com

رائد الجمال أمام طابعته ثلاثية الأبعاد