اسم الكتاب: الليبرالية "حسابات التاريخ"
عدد الصفحات: 375 من القطع المتوسط
اسم الناشر: فيرسو للنشر (لندن، نيويورك)
سنة الإصدار: 2011، 2014
في هذا التحقيق التاريخي النهائي لظهور الفكر الليبرالي منذ القرن الثامن عشر وحتى القرن العشرين، يقلب دومينيكولزوردو المؤرخ والفيلسوف الايطالي المعروف بشفافيته الكبيرة عن حسابات الرضا بالنفس وتهنئة الذات بالليبرالية، من خلال تعرية أصولها الأولى عبر مفكريها الأوائل أمثال: لوك، بيرك، توكفيل، كونستانت، بنثام وآخرين، ممن انهمكوا بالدفاع عن سياسات غير ليبرالية تماما كالعبودية والاستعمار والإبادة الجماعية والعنصرية والطبقية والتي خرجت من قلب دول منشأ الليبرالية كبريطانيا والولايات المتحدة.
يحاول لزوردو ، مؤلف العديد من الكتب المبتكرة التي تغوص في الجوانب المظلمة والعميقة للتاريخ، الغوص في سبر التناقضات الداخلية لليبرالية، مع التركيز أيضا على تيارات الأقلية التي انتقلت إلى مواقف أكثر جذرية، كما يكشف الحسابات الرسمية في العلاقة بين "المحلية" و"الاستعمارية" في دساتير النظام الليبرالي.
لمحة عن الليبرالية كما كتبها مؤيدوها
الليبرالية كما تعرّفها المراجع الأدبية هي فلسفة سياسية أو رأي سائد تأسست على أفكار الحرية والمساوة. يتبنى الليبراليون مجموعة واسعة من الآراء تبعاً لفهمهم لهذين المبدأين، وبصفة عامة يدعم الليبراليون أفكاراً مثل حرية التعبير، حرية الصحافة، حرية الأديان، السوق الحر، الحقوق المدنية، المجتمعات الديمقراطية، الحكومات العلمانية والتعاون الدولي.
وللتوضيح أكثر للقارئ عن تاريخ الليبرالية، فقد برزت كحركة سياسية خلال عصر التنوير، عندما أصبحت تحظى بشعبية بين الفلاسفة والاقتصاديين في العالم الغربي، حيث رفضت الليبرالية المفاهيم الشائعة في ذلك الوقت من امتياز وراثي، دين دولة، ملكية مطلقة والحق الإلهي للملوك. وقد استخدم الثوريون البارزون في كل من الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية الفلسفة الليبرالية ليبرروا الإطاحة المسلحة لما رأوا أنه حكم استبدادي. بدأت الليبرالية بالانتشار بسرعة خاصةً بعد الثورة الفرنسية. وقد شهد القرن التاسع عشر تأسيس حكومات ليبرالية في دول أوروبا، أمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية.
بالرغم من الكلام المثالي حول الليبرالية في الأدبيات عموماً، يفضح هذا الكتاب تلكالصورة الرائعة والساحرة من التاريخ الحقيقي لليبرالية كأيدولوجية، خلافاً للأوصاف المقدسة والتبريرية التي يعطيها الليبراليون لفكرهم. وعادة كل ما كتب تقريبا من تاريخ الليبرالية ومنهجيتها وفكرها كتب من قبل الليبراليين أو المتعاطفين معها، وبالتالي السرد النقدي في كتاب لازوردو هو ترياق حقيقي لفهم أعمق لليبرالية.
الليبرالية من منظور مختلف
التناقضات التي أبرزها لزوردو في كتابههي ما أسماه "شروط الاستثناء" التي تمكن الليبرالي، في العصر الكلاسيكي لليبرالية، من إنكار حق الآخرين، السود، العبيد، المستعمرات، الأيرلنديين والفلاحين والطبقة العاملة. تلك الحريات التي يدّعيها الليبراليون لأنفسهم والأفكار الخادعة التي تستخدم لتبرير القمع باسم الحرية. في الواقع، لزوردو يرجع الكثير من التقدم المحرز في المجتمعات الليبرالية، إلى نضالات المضطهدين أنفسهم، ما ذكره لزوردو هو النضال من أجل الاعتراف، وكيف تحدت هذه الشروط استعباد الليبرالية وأجبرت بعض الليبراليين على تعديل الفلسفة.
في كتاب لزوردو من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار قيمة إنتاجه الفكري، لأنه وقبل كل شيء عمل يتعمق في تاريخ الأفكار، وليس النقد السياسي. فالكتاب كما عرفه مؤلفه بكلمتين: "حسابات التاريخ": أي التاريخ الحقيقي لليبرالية ومفكريها الكبار، لاغياً أساطير الليبرالية بوصفها ظاهرة لإصلاح النفس. مشيراً إلى أن معظم فلاسفة الليبرالية اليوم، يعترفون بأخطاء الماضي، تقريباالتي أصبحت جزءا من الليبرالية وعاملا في زيادة قدرتها على تجاوز أخطائها والاستمرار قدما، ومن المفارقات، أنها أصبحت من التحليل الذاتي الجدلي لليبرالية.
توزعت فصول هذا الكتاب النقدي لليبرالية إلى: معنى الليبرالية، الليبرالية والعبودية العرقية، خدام البيض بين المستعمرات والعواصم. هل كان القرنان الثامن والتاسع عشر في انجلترا وأمريكا ليبراليين؟، الثورة في فرنسا وسان دومينغو، أزمة النموذج الأمريكي والبريطاني وتشكل الريديكالية في الجزء الآخر من المحيط الأطلنطي، النضال العمالي من أجل الاعتراف في المدن، وردود الأفعال حول المجتمعات الحرة، الغرب والبرابرة: ديمقراطية العرق المتفوق على باقي الكوكب، الفضاء المقدس والآخر المدنس في تاريخ الليبرالية، الليبرالية وكارثة القرن العشرين.
"هناك دائما شيء للتعلم من كتب لزوردو. وهذا الكتاب ليس استثناء، فهو مفيد لمعرفة المعلومات المتعلقة بالفكر السياسي الحديث والمعاصر، وذلك من خلال أسلوبه المتميز بفقهه اللغوي الصارم، وسعيه الحثيث نحو المصادر التي قد نسيت أو شطبت من الذاكرة".