الهالي: كل مظهر طبيعي في فلسطين هو جنّة لا يدرك قيمتها إلاّ أبناؤها
رسالتي إلى صائدي الطيور والحيوانات: أرجوكم لا تقتلوا حيواناً خلقه اللهُ لدور مهم في الطبيعة، وأعلموا أنكم بصيدكم إياه إنما تحدثون خللاً في النظام البيئي والتنوع الحيوي
داود هالي أثناء إرشاده الطلاب على أعمال البستنة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
في الريف، في الغابات والأحراج وحتى في المدن المكتظة، تجده دائماً يمسك كاميرته الفوتوغرافية لالتقاط وتوثيق كل ما يرتبط بالطبيعة من طير مهاجر او متوطن، نبات عشبي، شجر فلسطيني، زهرة برية، حيوان بري، معلم منسي أو حجر اثري ....الخ. تفاصيل التفاصيل التي يعشقها ولا ينفك يبحث عنها في كل مكان. انه العشق للوطن ولجغرافيته وتاريخه الذي يلمسه كل من يتعرف على أستاذ الجغرافيا والمرشد لمعلمي القدس الثلاثيني "داوود الهالي".
كيف نشأ حبك للطبيعة ومتى كانت البدايات الاولى في التعلق بها وفي الجغرافيا تباعاً؟
كانت بدايات عشقي للطبيعة ومكنوناتها منذ أيام الطفولة التي قضيتها ما بين بلدتي عناتا وشعفاط المقدسيتين وبلدة سعير الواقعة شمال شرق مدينة الخليل حيث تعود جذور عائلتي. وما زال يعلق في ذاكرتي تفاعلي وأصدقائي مع كل ما يحيط بنا من نباتات طبيعية وحيوانات برية، كنّا نرقب نشاطها الدؤوب من زواحف وطيور وثدييات صغيرة خاصة مراقبة حيوان الوبر السوري Procavia capensis في الواد الممتد بين بلدتي عناتا والعيساوية شرقي القدس. وكانت أمي -حفظها الله- هي الموسوعة الأولى التي كنت أرجع إليها عند السؤال عن تلك البيئة الثرية وكيفية التعامل معها.
أذكر مرةً أنني عثرتُ على عشّ عصفور فيه ثلاثة فراخ، وقمتُ بأخذها، وعند عودتي للمنزل صُعِقتْ والدتي بما اقترفته جهلاً مني بهذه الفراخ، فأقنعتني بأن ما قمتُ به إجحاف بحق الفراخ وأمهم المسكينة، فما كان منّي إلاّ أن سارعت في إرجاعهم. وكانت فرحتي كبيرة عندما شاهدتُ من بعيد عودة أم الفراخ لصغارها. ومنذ ذلك الحين أخذتُ أنظرُ إلى كل الكائنات الحية على أنها مجتمعات مثلنا نحن البشر، وعلينا أن نحميها.
لقد ترسَّخَ عندي حب ذلك الوادي الصغير في قريتي بما يحويه من تنوع حيوي نباتي وحيواني. وكان مصدر الكثير من الأعشاب الطبية والغذائية في مواسم مختلفة خاصة نبات اللوف والبابونج والزعيتمان ورجل الحمامة والزعرور والخبيزة وورق لسان الثور وغيرها. وكانت والدتي تعلّمنا طريقة قطفها بما لا يهدد بقاءها. وكبرتُ وحب الطبيعة ينمو ويتعمّق فيّ مع مر السنين. حتى أنني كنت أتمُّ قسماً من دروسي وواجباتي المدرسية في أحضان الطبيعة في فصل الربيع. ومما يحزنني أن هذا الوادي العزيز على قلبي ابتلعه جدار الفصل الصهيوني، كما أن سلطات الاحتلال تنوي تحويله إلى مكب نفايات لخدمة المستعمرات القريبة.
وعند التحاقي بجامعة بيرزيت في أيلول 1999 وجدتُ في مساقات الجغرافيا تطويراً ونهجاً علمياً في توطيد حبّي للطبيعة والجغرافيا. وقد كان لأساتذة دائرة الجغرافيا الفضل الكبير في تعزيزي ودفعي باتجاه البحث والتقدّم، إلاّ أن اندلاع انتفاضة الأقصى وما تبعها من سياسات الاحتلال المتمثلة في محاربة كل ما هو فلسطيني وإتباع سياسة الإغلاق حال دون إمكانية تنفيذ جولات ورحلات علمية تخدم الفهم الحقلي للطبيعة. وهذا ما دفعني للقيام بجولات ميدانية ذاتية محفوفة بالخطر. جمعتُ خلالها عشرات العينات من الصخور والترب من مناطق مختلفة من فلسطين، والتي ساعدني في تحديدها الأستاذ المرحوم حسني زحلان. وفي الجامعة اتجهتُ نحو الجغرافيا الطبيعية العلمية.
داود هالي في إحدى جولاته في أكناف الطبيعة الفلسطينية
ماذا تذكر من ايام الطفولة في كنف الخضرة والطبيعة؟
قضيّتُ القسمَ الأكبر من طفولتي في بلدة عناتا التي كانت قرية في كنف الريف، وكان أهل القرية على اتصال يومي مع الطبيعة بنقائها، ومما أذكره من أيام الطفولة أننا كنا نتنقل في الأودية والجبال نراقب مجموعات النمل وهي تعمل بتعاون وانتظام، وكنّا نقدِّم لها فُتات الخبز وما يتبقى من بقايا الفواكه. ولا ندع مغارة إلاّ ودخلناها لاكتشاف ما يوجد بداخلها غير مدركين خطورة ذلك. وقد كان فصل الربيع مميزاً، فكان أطفال القرية يجوبون محيط القرية في نزهات "شطحات" تنتهي بغروب الشمس. وما زلتُ أذكر اصطحابي لكتبي المدرسية لإتمام واجباتي في كنف الطبيعة. لقد كانت أياماً جميلة قبل تفاقم مشكلة الزحف العمراني وإجهاز الاحتلال على تلك المناطق وتدميرها بإنشائه شبكة ضخمة من الصرف الصحي لصالح مستعمرة التلة الفرنسية ومحيطها.
اخترت تخصص الجغرافيا في الجامعة اكيد هذا الاختيار لم يكن عشوائيا بل كان لرغبة، ماذا تطلعت من هذه الدراسة؟
عند اختياري لتخصص الجغرافيا كان ذلك لهدفين. أولهما تطوير وتنمية حبي للطبيعة والبحث عن التفسيرات العلمية لكثير من الظواهر الطبيعية وحتى تلك غير الموجودة في بلادنا، وقد زاد من التحدي والإصرار قلة المصادر العربية المتوفرة في مكتبة الجامعة. فاتجهت إلى كتب الجغرافيا باللغة الإنجليزية، وقد كانت فرحتي كبيرة، إذ نميتُ قدراتي في اللغة الإنجليزية في حقل الجغرافيا، وتبحرتُ في المعرفة الجغرافية المعاصرة. وهذا ما كنتُ أنقله لزملائي في الجامعة. وثانيهما وجود الرغبة لديَّ بإمكانية الإسهام في حقل الجغرافيا الطبيعية في بلادي. فما رأيتُه عند كثير من الناس في مجتمعي على اختلاف مستوياتهم التعليمية التقليل من شأن الجغرافيا وتحجيم ميادينها بصورةٍ سطحيةٍ تبيّن لي أنها بحاجة لتغيير مُلِحٍ.
داود هالي مع طلابه
الإبحار في الجغرافيا
اثناء دراستك في الجامعة، ما اكثر ما جذبك في مادة الجغرافيا؟
خلال دراستي لمساقات الجغرافيا بفرعيها الطبيعي والبشري، رأيتُ في الفرع الطبيعي ارتباطاً وثيقاً بعشقي للطبيعة ومحيطاً يستحق الإبحار، خاصة في مواضيع الجيولوجيا والجيومورفولوجيا (علم أشكال سطح الأرض) والمناخ ومصادر المياه والجغرافيا الحيوية. وتزيد متعة دراسة هذه الأقسام عند ربطها بشكل تكاملي. ورغم حبي لهذه الأقسام جميعاً، إلاّ أنَّ أكثرها متعة عندي الجغرافيا الحيوية التي كانت بمثابة النبع الغزير الذي أعود إليه باستمرار لفهم التنوع الحيوي في بلادنا ولاعتماد الجغرافيا الحيوية على علم الأحياء، الذي أحببته في المدرسة والجامعة.
بعد التخرج والتعليم ماذا لمست في طلبتك تجاه جغرافيّة وطنهم وبيئتهم؟
بعد تخرجي من الجامعة وحصولي على درجة البكالوريوس عام 2003 التحقتُ مباشرةً ببرنامج الماجستير في الدراسات العربية المعاصرة/ جغرافيَّة الوطن العربي بالتزامن مع بدء عملي في تدريس العلوم العامة والجغرافيا للمرحلة الإعدادية في مدارس القدس. وقد لاحظتُ عند كثير من طلابي ضعفاً في التمييز بين أساسيات علم الجغرافيا، وهذا ما سعيتُ إلى تعديله. ومما زاد من حبي لمهنة تدريس العلوم العامة والجغرافيا اتجاهي لصنع وسائل إيضاحية غير متوفرة في المدرسة، وقد لاحظتُ تفاعلاً من طلابي وتشجيعاً. ومما يؤسف له أن بعض المدرسين وحتى الإدارة أوصوني بألاّ أتعب نفسي بذلك بحجة أن الطلاب لا يستحقون هذا الجهد. إلاّ أنني لم آخذ بنصائحهم. ومع ذلك فلا أنسى تشجيع زميلي العزيز المربّي راتب حمد الذي طلب مني بذل المزيد وعدم التأثر بالمحبطين، فله مني كل التقدير.
أثناء تدريسي لمادة الجغرافيا ترسّخ لديَّ قناعة بأن القسم الأكبر من الجغرافيا لا يتمّ إلاّ بوعي وفهم عميق من جانب مدرّس الجغرافيا للمنطقة التي يدرّس فيها لضرب الأمثال الجغرافية الدقيقة ليسهلَ على الطلاب فهمها. كما سعيتُ أثناء الإشراف على تربية صفّي إلى تنفيذ ما بين ثلاث إلى أربع رحلات تعليمية في مناطق متباينة جغرافيّاً في بلادنا الغنية بالتنوع الطبيعي.
على الرغم من غنى طبيعة فلسطين بتنوع فذٍّ في كافة مكونات الطبيعة إلاّ أنني لاحظتُ فقراً في عينات الصخور والترب والمعادن والنباتات في مدارسنا، وقد سعيتُ خلال عملي بالتدريس إلى توفير عينات كثيرة من الصخور النارية والرسوبية والمتحولة وأنواع من المعادن المحلية والمستوردة وكميات كبيرة من النباتات الأصلية المجففة. ورسالتي لمدرسيّ الجغرافيا في المدارس والكليات والجامعات سارعوا لتخصيص زوايا في مؤسساتكم تُجمع فيها عيناتٌ من طبيعة بلادنا وتُصنّف وتكون بمثابة وسائل طبيعية وتوثيق لكنوز فلسطين الطبيعية.
أخطاء شائعة
من يعرفك يعرف انك موسوعة معلوماتية في الجغرافيا فالمتصفح لصفحتك على الفيسبوك يجدها مليئة بالمعلومات والصور المتنوعة لإفادة الغير ولتعميق نظرتهم تجاه محيطهم الطبيعي المتلاشي عن بصرهم في زمن التكنولوجيا وحضارة الحجارة، هل لديك رؤية ما تتمنى لو كانت موجودة في مناهج الجغرافيا الفلسطينية؟
وفرتْ مواقع التواصل الاجتماعي مساحة لا يُستهان بها في سبيل التفاعل في العلوم وميادين المعرفة المختلفة. وقد أتاحتْ لي فرصة للتواصل مع كوكبة من العلماء والمؤسسات العلمية الرائدة في علم البيئة والجغرافيا بفرعيها الطبيعي والبشري ومختلف العلوم، التي تنشر كل جديد وتبرز وتفسير ظواهر كونية وأرضية بصورة سلسة يمكن للجميع فهمها.
ساعدني "الفيسبوك" على التواصل مع عدد من العلماء والباحثين الأصدقاء الذين أتبادل معهم المعلومات ونتعاون معاً في التعرّف على كثير من نباتات الوطن العربي وما تزخر به بلادنا من تنوع حيوي حيواني من طيور وثدييات وزواحف وأسماك وغيرها. يمكن أن يلعب "الفيسبوك" المنظَّم دوراً مهماً في تكملة دور المنهاج، وقد يحلّ يوماً محلَ الكثير من الأنشطة الدراسية ويعززها. فقد وفًّر لي فرصة للتفاعل مع طلابي في تدريس جغرافية فلسطين للصف السابع، فأضفت عشرات الصور لطيور وحيوانات برية ونباتات من بلادنا ومعلومات عنها ليستفيد منها طلابي.
حدثنا عن اغرب ثلاثة اشياء بيئية لا يعرفها إلا قلة من الباحثين لنفيد بها قرّاءنا؟
مما ينبغي الإشارة إليه بادئ ذي بدء في هذا المضمار أن علماء البيئة والجغرافيا هم أولئك الذين يقضون القسمَ الأكبر من دراستهم في الطبيعة والبيئة المحيطة وليس داخل أسوار الجامعات. ولعلّ أحد أسباب تراجع نوعية البحث البيئي والجغرافي في بلادنا العربية مرده إلى ملازمة الباحثين الجغرافيين لمكاتبهم أكثر من ملازمتهم الحقل.
ومن بين هذه الأشياء البيئية التي أود إحاطة القراء الأعزاء بها، أن هناك الكثير من المعلومات الخاطئة والمفاهيم البديلة التي تنتقل عبر الأجيال ترسخها للأسف المقررات المدرسية ووسائل الإعلام وإلى حدٍ ما الجامعات وعلينا توخي الحذر حيالها، ومنها أنه ما زال يتردد في كتبنا وعلى ألسنة المدرسين من أن "بلوتو" من كواكب المجموعة الشمسية السيارة. وهذا غير صحيح؛ لأن ما توصل إليه الاتحاد العالمي للفضاء المنعقد عام 2006 يُخرِج بلوتو من قائمة الكواكب السيارة، ويعرفه بأنه مجرد كويكب قزم لا يؤثر على محيطه. ومما يُؤسف له أن مؤلفي المقررات الدراسية لم يصححوا كتاباتهم وما زال الكثير من مدرسينا على المعلومات القديمة.
والمعلومة الثانية أن الكثير من الكتب الجغرافية والمقررات الدراسية عند تناولها لموضوع خطوط الطول ودوائر العرض تشير إلى أنَّه يبلغ عدد دوائر العرض 180 دائرة وأن عدد خطوط الطول يبلغ 360 خطاً. متناسين بذلك خط الاستواء ضمن دوائر العرض وخط غرينتش ضمن خطوط الطول. والصواب أن عدد دوائر العرض 181 دائرة، وعدد خطوط الطول 361 خطاً.
والمعلومة الثالثة: يشيع في كتبنا العلمية والمقررات المدرسية وعبر الشبكة العنكبوتية مصطلح "كائن معرض للانقراض" أو يوشك على الانقراض. والأجدر أن نكون دقيقين في إطلاق هذا التعبير على وضع أي نوع. فالكثير من الأنواع المعرضة لمستوى منخفض من التهديد Lower Risk توصف بأنها أنواع وشيكة الانقراض Critically Endangered وهو ما يمكن إطلاقه على النوع الذي يواجه مخاطر الانقراض الشديدة جداً في الطبيعة في المستقبل العاجل. لذا يُرجى توخي الحذر عند إطلاق مثل هذه المفاهيم.
اسم عائلتك يذكرنا بمذنب هالي، فهل لو كنت مذنباً يسبح في الفضاء فأين كنت تحب ان ترتطم وتترسخ؟
من قبيل الصدفة أن يتشابه اسم عائلتي مع اسم مذنب فريد تمَّ مشاهدته آخر مرة عام 1986. والحقيقة إني سعيد بهذا التشابه الذي يربطني مع عالم الفضاء. ولو كنت ذلك المذنب الذي يسير في رحلة لا تتوقف لارتطمتُ وترسخّتُ في فلسطين؛ فعلى الرغم من وجود بلاد كثيرة حول العالم تزخر بمقومات حيوية تجذب الناس من كل فجٍّ عميق، إلاّ أن فلسطين هي الأجمل عندي وفي نسمات هوائها روح تُبعث من جديد. ولن أبالغ إن قلتُ أن كل مظهر طبيعي في فلسطين هو جنّة لا يدرك قيمتها إلاّ أبناؤها.
تقطن في بلدة عناتا الموبوءة بيئيا وبالرغم من ذلك تتحفنا بروائع الطبيعة يوميا، ماذا تشعر وأنت محاط بتلك الأحوال البيئية الصعبة وعاجز عن صنع التغيير في بلدة يخنقها التلوث؟
ما تبدو عليه بلدة عناتا اليوم خاصة في القسم الذي يخضع لسيطرة بلدية القدس الاحتلالية من إهمال للوضع البيئي والعشوائية في البناء وغياب التخطيط يتحمل مسؤوليته الاحتلال، الذي يكتفي بتحصيل الضرائب وفرض المخالفات دون تقديم أبسط الخدمات العامة. كما أن ما تعانيه البلدة من وضع بيئي محزن بدأ منذ منتصف التسعينيات حين اتبعت السلطات الإسرائيلية سياسة سحب بطاقات الهوية المقدسية لغير القاطنين داخل حدود المدينة، ما حدا الى العشوائية في البناء والتعدي على أراضي الوقف والمهاجرين، وذلك من قبل قلة منتفعة كان له شأن في تفاقم المشكلة. ولكن رغم كل ذلك يظل يشغل فكري حال أطفالنا الذين لا يجدون ملاعب أو حدائق عامة في البلدة لضيق المساحة ولسيطرة القلة المنتفعة على أراضي المنفعة العامة وبناء الإسكانات عليها.
ضرورة الاطلاع على كل جديد في الجغرافيا والعلوم الطبيعية
عدا التدريس لديك نشاطات اخرى في الارشاد الجغرافي والسياحي واستكشاف الطبيعة، حدثنا عنها؟
إن حبي للتجوال في مناطق مختلفة من فلسطين وجمع المعلومات عن مصادر علمية مختلفة أوجد عندي حبّاً للإرشاد الجغرافي للفئات العمرية المختلفة لمناطق متفرقة من فلسطين بدأ ذلك بعد تخرجي من الجامعة وعملي في التدريس، فرتبت مع المدرسة بأن أكون المرشد الجغرافي لطلابي نظراً لما لاحظته من عدم تحرّي الدقة العلمية عند بعض المرشدين وعدم متابعتهم لما يتوصل إليه الباحثون في طبيعة فلسطين وتاريخها. ومن ثم تطوعت في مركز التعليم البيئي في بيت جالا، وهنا أوكلت إلي مهمة إرشاد مجموعات من طلاب المدارس إلى وادي القلط ووادي المخرور غرب بيت جالا وفي داخل حديقة المركز. وأنا اليوم أمارس الإرشاد الجغرافي كهواية تتطلب مني البحث باستمرار لتقديم الأفضل بالرجوع باستمرار لمكتبتي المتواضعة، وهذا ما يلقى استحسانا من زملائي مدرّسي مدارس القدس أثناء عملي كمحاضر ومرشد جغرافي عن طبيعة فلسطين.
ما اكثر ما يعجبك في جغرافيّة فلسطين من ارض وكائنات؟
من يبحث في جانب من جوانب جغرافية فلسطين، فإنه لن يفهم الصورة الكاملة ما لم يحط نفسه بكافة عناصر البيئة وجميع الأغلفة المكونة لكوكب الأرض في نظرة تكاملية رصينة. وإذا ما قلتُ بأن أكثر ما يعجبني هو الجغرافيا الحيوية (النباتية والحيوانية) لأرض فلسطين فإنّ ذلك يتطلب مني بناء قاعدة جيولوجية وجيومورفولوجية ومناخية.... رصينة. فأنا أؤمن بتكاملية علم الجغرافية وتواصله مع كثير من العلوم الطبيعية والإنسانية بعلاقة علمية متبادلة.
هل تمارس سلوكيات بيئية في المنزل؟
من بين السلوكيات البيئية الأساسية التي تمارسها أسرتي المحافظة على المياه وترشيد الاستهلاك، وعدم إهدار أي قطرة ماء عبثاً، لقناعتنا بأن هناك ما يزيد عن ملياري إنسان لا يحصلون على مياه صالحة للشرب. وهذا ما أقوم بنقله لطلابي. كما أنني أقوم بجمع بذور نباتات برية وزراعة قسم منها في أوعية خاصة. وغيرها من السلوكيات.
لو كان بيدك عصا سحرية فماذا تصنع باحيائنا ومدننا الملوثة؟
لو أمتلكتُ هذه العصا لسعيتُ لإنشاء مكبات صحية ذات سعة كافية، ولرفعتُ من مكانة عامل النظافة ولمنحته حقوقاً تضاهي مكانة الضباط في جيوش الدول المتقدمة، ولأكثرت من زراعة الأشجار الأصلية في كل شارع رئيس وفرعي، ولزرعتُ في المواطنين حب البيئة ولقرنتُ ذلك بحب الوطن، ولخصّصتُ مكافآتٍ لمن يخلص في حماية البيئة ونظافتها.
داود هالي يشرح عن شجرة السماق في الخليل
انتماء عميق للطبيعة
اذكر لنا قصة لك مع الطبيعة أشعرتك بالرضا؟
في إحدى زياراتي لأقارب لي في مدينة الخليل، مررتُ بصبيةٍ ينصبون شباكاً لصيد العصافير، وكان بحوزتهم عصفوران مهاجران من نوع "دخلة الصحراء Sylvia curruca " كانوا قد صادوهما في ذلك اليوم، فعرضتُ عليهم شراءهما وكنتُ أنوي شراءهما لإطلاق سراحهما فأبوا أن يعطوني إلاّ عصفوراً واحداً، فأخذته بعيداً عنهم وقمتُ بالتأكد من صحته ونسبة الدهن عند منطقة الصدر ومن ثمَّ صورته وأطلقتُ سراحه. ولكن فرحتنا أنا والعصفور لم تكتمل لبقاء أخيه في قبضة صائديه. ورسالتي هنا إلى صائدي الطيور والحيوانات: أرجوكم لا تقتلوا حيواناً خلقه اللهُ لدور مهم في الطبيعة، وأعلموا أنكم بصيدكم إياه إنما تحدثون خللاً في النظام البيئي والتنوع الحيوي.
هل تفكر في تأليف كتب بيئية او اجراء بحوث معينة حول الجغرافيا والبيئة؟
في الحقيقة أن هناك عدداً من المواضيع البيئية التي تشغلني كثيراً وأرجو أن أوفق في الكتابة والتأليف فيها لحاجة مكتبتنا الوطنية لها وعلى رأسها طبيعة برية القدس والتنوع الحيوي في فلسطين ونباتات فلسطين. واليوم أعمل على جمع مادة علمية عن نباتات فلسطين بهدف تأليف كتاب متخصص للباحثين والقراء لاستخدامه كدليل ميداني.
لديك صفحة على الفيسبوك متخصصة بالزهور والنباتات الفلسطينية، ما الهدف منها ؟
تجدر الإشارة إلى أن مؤسس هذه الصفحة هو زميلي أيمن أيمن من قطاع غزة الذي يمتلك روحاً بيئية رائعة. وقد طلب مني أن أشاركه في إدارة الصفحة قبل عدة شهور، ومنذ ذلك الوقت ونحن نضيف صوراً لنباتات من أنحاء فلسطين ونقدم للقراء معلومات علمية عنها. بهدف تعزيز معرفة المواطنين والأشقاء في البلدان العربية بنباتات فلسطين وقيمتها العظيمة.
أكيد لديك احلام كبيرة اذكرها لنا؟
لا أخفي عليكم أن هناك أحلاماً كثيرة تراودني تتمحور حول جانبين أساسيين، أولهما: أن تتحرر بلادنا من قيود محتليها ويفرح شعبي بعودة أبنائه ويتحرر جميع الأسرى من السجون الإسرائيلية، وأن تنال بلادي حرية حقيقية. وثانيهما أن يمنحني الله القدرة على خدمة وطني وأن نعيش حياة أفضل مما نحن عليه. سأظل أحلم بوطن أخضر اسمه فلسطين.
وبأسئلة سريعة نختم هذا اللقاء عبر الاجابة بجمل قصيرة جداً
ما هو اكبر ملوث في بلادنا
تعتبر غازات الدفيئة وعلى رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون، وكذلك النفايات الصلبة من أكبر الملوثات في فلسطين.
نبتة من موروثنا النباتي آخذة بالانقراض؟
لعل نبات السوسن الأسود هو من أكثر النباتات المهددة بالخطر في بلادنا.
حيوان فلسطيني اخذ بالانقراض؟
طائر الشاهين المغربي Barbary Falcon
ثقافة اصيلة بيئية آخذة بالانقراض:
إدراك أهمية الحيوانات البرية في بلادنا
اكثر نبتة تحبها؟
شجر القطلب Arbutus andrachne
اكثر طير تحبه؟
النسر الذهبي
داود يزرع الشجر في مدرسته
اكثر سلوك بيئي تتمنى ان يمارسه ابناء حيك؟
زراعة الأشجار الأصلية في كل حيّز ممكن.
لو كان في بيتك حديقة كبيرة فماذا تزرع وماذا تربي فيها من حيوانات؟
لو توفرتْ عندي هذه الحديقة لأدخلتُ إليها الكثير من الأعشاب والأزهار والأشجار الأصلية من بلادنا، ولربّيتُ فيها أنواعاً من الطيور المستأنسة.
بعيدا عن البيئة والطبيعة والجغرافيا ما هي هوايات داوود الهالي الأخرى؟
من بين الهوايات التي أعتدت على ممارستها قراءة الكتب القديمة، وتحليل الصور الفوتوغرافية القديمة التي التقطت لمواقع مختلفة من بلادنا. بالإضافة إلى قراءة المذكرات القديمة. وهواية التصوير الفوتوغرافي في الطبيعة.
داوود بعد عشرين عاما ماذا سيكون قد حقق ان شاء الله؟
ما أرجو أن أكون قد حققته بعد عشرين سنة، مساهمتي في إقامة معهد جغرافي وطني يتواصل مع المؤسسات التعليمية على اختلاف مستوياتها، وأن أسعى لتأسيس متحف لتاريخ فلسطين الطبيعي.