خاص بآفاق البيئة والتنمية
تواصل تلك الوريقات الخضراء النضرة التسلل من بين تفاصيل الأسلاك الشائكة على امتداد الوطن فلسطين، وما زالت حبات الزيتون تقطر زيتا صافيا يلمع، آلاف أشجار الزيتون المباركة أصبحت خلف جدران إسمنتية عالية أو أسلاك شائكة مكهربة لا يصل إليها أصحابها بعدما التهمها جدار الفصل العنصري في مهد الزيتون.
بداية الموسم
منذ القدم وعلى امتداد الاجيال يتواصل الموسم تلو الموسم، وفي كل عام يحضر الفلاح الفلسطيني سلمه وجدادته وحماره، وتبدأ جدادتنا وأمهاتنا بتحضير " الفلال " لجمع ثمار الزيتون، قديما كانت تحضر الفلال من خياطة أكياس الطحين ببعضها لتشكل قطعة كبيرة تفرش تحت الأشجار لتجمع حبات الزيتون، أما الآن فقد أصبحت المفارش تباع في الدكاكين، وما عاد الفلاح يعد سلمه أو " السيبة " بنفسه وإنما أصبح يشتريها.
كانت جدادتنا تسبقنا قبل بداية الموسم بأيام لجمع حبات الزيتون التي تسقط بفعل الرياح أو نتيجة لنضجها وكنَ يطلقن عليها فترة " الجُول "، التي ما عادت موجودة كما الكثير من الطقوس التي ترافق موسم قطف الزيتون.
البدوديا
من الطقوس المهمة في بداية موسم الزيتون هي البدوديا؛ حيث تجمع كمية من الزيتون ويتم شويها في النار حتى تذبل وبعد ذلك تعصر في حفر من الصخر باستعمال كرة حجرية ويستخرج منها زيت البدوديا، ويمتاز هذا الزيت بنكهته الخاصة المدخنة، حيث يختلط طعم الزيت بدخان النار.
 |
 |
استعمال حجر لعصر زيت البدوديا |
زيتون أسود |
بين الماضي والحاضر
تغيرت عادات كثيرة بين الماضي والحاضر فيما يخص موسم قطف الزيتون، وهذا مرتبط بتغير ظروف الحياة، فقد كان موسم الزيتون يشكل موسماً رئيسياً كمحصول القمح، أما الآن فالكثير من الناس يتركون زيتونهم دون جمع ثماره، فالمعظم يهل أرضه ولا يزورها إلا في فترة موسم الحصاد يجمع حبات الزيتون بطرق تدمر الزيتونه كاستعمال العصي أو التكسير؛ مما يترك أثرا مدمرا على المدى البعيد.
كذلك فإن الظروف المناخية تغيرت، وقد ظهر هذا التغير جليا هذا العام، يقول محمد غنام وهو مزارع من قرية رنتيس يعمل في قطف الزيتون:" لاحظنا في هذا العام أن معظم أوراق الزيتون وخاصة الأغصان في الجزء الأسفل من الشجرة جافة أو شبه جافة، وبمجرد لمس الشجرة فإن كمية كبيرة من الأوراق تسقط على المفرش".
الزيتون والمناخ
نلاحظ جميعا في السنوات الأخيرة تغير كبير في الظروف المناخية، فنحن نشهد شتاءً قاسيا وصيفا شديدا، وهذا يؤثر بشكل كبير على محصول الزيتون، كون شجرة الزيتون تتأثر بكمية الأمطار وتوزعها على امتداد فصل الشتاء؛ عن هذا يقول المهندس الزراعي سعد داغر:" بعض المناطق في الوطن ترتفع فيها الرطوبة والحرارة كالمناطق الساحلية مما يؤثر على الزيتون بشكل مباشر، فتظهر بعض الأمراض كمرض عين الطاووس، وهنا يجب التواصل مع وزارة الزراعة أو المهندسين الزراعيين لعلاج المشكلة، فبعض الأشجار تفقد أوراقاً كثيرة، ويظهر ذلك خلال موسم قطف الزيتون".
تحضير الزيتون لشويه على النار
موسم ضعيف
يتوقع الخبراء انخفاضاً في كمية الزيت هذا الموسم بسبب انخفاض درجات الحرارة في شهر نيسان المنصرم فهو الشهر الذي تعقد فيها أزهار الزيتون ويتكون المحصول، وتوقع السيد فياض فياض مدير عام مجلس الزيت والزيتون في فلسطين حدوث عجز في كمية الزيت لهذا العام يقول:" نتوقع إنتاج 17000 طن زيت هذا العام في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحاجة السوق تقريبا 15000 طن في الضفة و3000 طن في قطاع غزة، ولدينا التزامات خارجية بحيث تخرج كمية من الزيت لأصحابها في الخارج، وكذلك التصدير إلى دول الخليج بكمية وصلت إلى الـ 5000 طن وبدأت في الـ 25 من تشرين الأول، وبذلك لن تكفي كمية الزيت المنتجة المحليين، وبما أنه لا يوجد قانون يسمح بالاستيراد فإننا أمام احتمالية كبيرة للعجز في تلبية حاجة السوق المحلية ويظهر ذلك في شهري 7 و8".
طرق حديثة
بدأ المزارع الفلسطيني يواكب التطور الزراعي، وفيما يخص قطف الزيتون إدخلت بعض الطرق التي تساعد المزارع وتسهل عملية قطف الزيتون؛ بالمشط البلاستيكي، والمواكن الكهربائية، يقول داغر:" لا ننصح باستخدام الهرمونات والمواد الكيميائية في قطف الزيتون، أما فيما يخص المشط أو الماكينة فهي تساعد المزارع وترفع الإنتاجية، ولا تسبب ضرراً لشجرة الزيتون".
تصفية الزيت من الزيتون بعد هرسه
عودوا لأرضكم
تتوالى المواسم، وتبقى تلك الشجرة تقاوم، ويبقى الفلاح الفلسطيني محافظا على أرضه وعاداته ومواسمه، يلتقط حبات الزيتون من بين الأشواك والأسلاك. وعن العونة والعادات القديمة التي ترافق موسم الزيتون يقول المزارع غنام:" قديما كنا نتعاون في قطف الزيتون، فمن ينتهي من قطف زيتونه يهب لمساعدة جاره أو قريبه، ولكن في هذه الأيام للأسف أخذت هذه العادات تتلاشى، حتى أن المعظم لا يصل زيتونه أصلا ".
عوامل كثيرة تترك أثرها في كمية الزيت في فلسطين، يتربع على قمتها الاحتلال الاسرائيلي الذي يعيق وصول المزارعين إلى أراضيهم سواء للعناية بأشجارهم أو لقطف ثمارها، كذلك المستوطنون الذين يعتدون على المزارعين وعلى أشجارهم فيحرقون ويقطعون الأشجار دون رقيب أو حسيب، أيضا لا يجب أن ننسى أن الفلسطيني نفسه لم يعد يعطي شجرة الزيتون تلك الأهمية والنظرة المقدسة، فكثير من حقول الزيتون مهملة وتسيطر عليها الأعشاب والشجيرات البرية.
لا بد لنا من العودة من جديد وبهمة قوية لأرضنا، نهتم بتلك الشجرة التي قدستها الكتب السماوية، نستخدم علمنا ومالنا لاستحداث تلك الحقول المدمرة، فهي كنز دفين لا نعرف قيمته دون أن نعرق تحت أشجاره، وكما يقول أجدادنا : الزيت عمارة البيت.