خاص بآفاق البيئة والتنمية
كثيرا ما نسمع أن فلانا أو وفلانة يمارس حمية غذائية، أو يتعاطى أدوية أو مكملات غذائية، أو يمتنع عن تناول بعض المأكولات المحددة. الحقيقة أننا، لو التزمنا بتناول الغذاء الطبيعي الحقيقي، الكامل والمتوازن والمتنوع، فعندئذ يمكننا ضمان شفائنا من الداخل؛ وعندئذ أيضا، لن نحتاج إلى حمية غذائية وأدوية ومكملات. يستعرض هذا التقرير كيفية تجنب تلويث أجسامنا بالعفونات والأوساخ الكيميائية التي تحويها العديد من الأغذية المصنعة؛ وبالتالي ضمان شفاء أجسامنا بشكل طبيعي من خلال الطعام الحقيقي.
ما المقصود بالطعام الحقيقي؟ إنه ببساطة، الطعام الذي ينمو في الطبيعة دون علامات تجارية؛ مثل القرنبيط، الملفوف، الجزر، الباذنجان، البازلاء، البامية، التفاح، الخوخ...إلخ. بمعنى أنه ليس ذلك الطعام الذي يخترعه العلماء أو خبراء تكنولوجيا الأغذية في المختبرات العلمية ويحمل علامات تجارية؛ مثل "الكورنفلكس"، "الكتكات"، "أوريو"، الكعك المصنع، "دونَتس"، شوكولاتة "مارس"، "ماكدونالدس" أو ”KFC”. إنه ينمو بشكل طبيعي من تلقاء ذاته، من البذور المزروعة في الأرض وبدعم من أشعة الشمس والمياه لتوفير الطاقة.
الطعام الحقيقي لا يحتاج إلى إعلانات تجارية تروج له في محطات التلفزة، الصحف والمجلات؛ ذلك أن معظم شركات الأغذية الحقيقية لا تستطيع أن تتحمل نفقات مالية كبيرة على الدعاية التجارية. حملات الإعلانات والتسويق هي خير مؤشر بأن الأطعمة التي يروج لها وهمية.
عندما نشتري سلعة غذائية ما، يفترض أن نتمكن من التعرف على كل الأشياء المذكورة في قائمة المحتويات وقراءتها ولفظها بسهولة. المكونات يجب أن تكون أغذية مألوفة، وليس كلمات معسولة وغريبة على أسماعنا؛ لأن هذه الكلمات، على الأرجح، ليست سوى مضافات كيميائية، منكهات أو مواد حافظة.
الغذاء الحقيقي يحوي بالعادة قليلا من المكونات؛ بما يتراوح بين 1-3 في قائمة المكونات، وبالتأكيد ليس أكثر من 5-6 مكونات. فلنحترس من المواد الحافظة، المنكهات ورموز أل E التي ترمز للمضافات الكيميائية بأنواعها العديدة. وهذه الرموز الأخيرة، أو بالأحرى "الشفرات" المذكورة على الملصق، لا يعرف معظم المستهلكين كيف يفككونها؛ وهي بالتالي تهدف إلى تضليل المستهلكين وغشهم. وإذا تمكن بعضنا من قراءة "الشفرات"، فهل يكون تفكيرنا آنذاك منصبا على الغذاء أم على المختبرات الكيميائية؟
الطعام الحقيقي يكون بالتأكيد خاليا من الرشوش والمبيدات والأسمدة الكيميائية السامة وهرمونات النمو؛ ما يعني أن الغذاء قد تم إنتاجه دون رشوش أو أدوية كيميائية أو مبيدات عشبية وحشرية وفطرية؛ لأن جميع هذه المركبات الكيميائية دون استثناء، سامة ومدمرة لأجهزة المناعة في أجسامنا، ومسببة لأمراض خطيرة؛ وفي المحصلة لا يستفيد منها سوى الشركات التجارية والمنتجون لزيادة إنتاجهم ومراكمة أرباحهم على حساب صحتنا وصحة أطفالنا، بل وجثث المستهلكين البسطاء.
وبما أن الأغذية الحقيقية تنمو بشكل طبيعي دون تدخل بشري؛ فهذا يعني، على سبيل المثال، أن البندورة تنمو من بذور بندورة أصيلة وحقيقية، وليس بذور تم تهجينها صناعيا مع أشياء أخرى مثل جينات (مورثات) السمك.
في الواقع، لا يمكننا التمييز بين الطعام المعدل وراثيا والطعام الحقيقي اعتمادا على الشكل الخارجي فقط؛ إلا أن أجسامنا تميز بينهما. وكي نتجنب شراء الأغذية المعدلة وراثيا، يفضل شراء الأغذية العضوية، أو على الأقل التحقق من أن السلعة الغذائية لا تحوي مكونات معدلة وراثيا (GMO free).
كما يمكننا التمييز بين الأطعمة الحقيقية والوهمية من خلال ملاحظة مدى سرعة تعفنها أو تحللها من تلقاء ذاتها، وتحديدا بعد بضعة أيام. وفي حال لم تؤكل الأطعمة الحقيقية وهي طازجة، فتنتهي صلاحيتها بشكل طبيعي خلال بضعة أيام.
فلنسعى إذن لشراء الأغذية العضوية والبلدية البسيطة، أو شرائها من مصادر نثق بها، أو من المزارعين مباشرة في مزارعهم، أو حتى إنتاج ما نستطيع إنتاجه بأنفسنا.
الربحية هي السبب الأساسي والوحيد
حذر كاتب هذه السطور في مواقع مختلفة سابقا، من أن الرغبة في زيادة الأرباح تعتبر الدافع الرئيسي لدى المنتجين في إضافة المضافات الكيميائية لمنتجاتهم (مواد حافظة، مواد ملونة، مواد منكهة، محليات صناعية). أما الآثار الصحية والإنسانية لهذه المضافات على المستهلكين فتأتي في المقام الأخير، بمعنى أن الربحية تعتبر السبب الأساسي والوحيد لإدخال المركبات الكيميائية إلى غذائنا.
وتتمثل الفلسفة الأساسية الكامنة وراء إضافة المضافات الكيميائية (التي ليس لها قيمة غذائية) إلى الأطعمة المصنعة، في تحويل المنتجات المتدنية والرخيصة، كالدهون المشبعة، السكريات، النشويات المعدلة، المياه وغيرها، إلى ما يبدو ظاهريا بأنها منتجات طازجة وأغلى ثمنا وأفضل نوعية. وبالتالي، تضاف المواد الكيميائية المكسبة للطعم والرائحة إلى المنتجات الغذائية المصنعة، لإخفاء النكهة والرائحة الأصلية لهذه المنتجات المتدنية أصلا. ولمنع تلف المنتج الغذائي وبالتالي تمديد فترة صلاحيته، تتم إضافة مضادات الأكسدة ومواد حافظة ودهون مشبعة، للإيحاء بأننا نتناول طعاما طازجا.
أما المواد الملونة والأصباغ الكيميائية فتضاف لتحسين المظهر الخارجي للمنتجات، فضلا عن إضافة المواد الكيميائية المتنوعة بهدف زيادة سرعة وفعالية عملية التصنيع، أو لتسهيل حركة المنتج عبر الماكنات. وبشكل عام، تعتبر الأطعمة المصنعة فقيرة بمحتواها الغذائي؛ حيث أن المنتجات التي نشتريها، لا تعدو كونها، غالبا، سوى منتجات مشهية بمظهرها ولكنها تفتقر إلى المغذيات الحقيقية.
وأحيانا كثيرة، لا يمكننا، إطلاقا، اعتبار المنتج "الغذائي" طعاما حقيقيا. فشراب البرتقال المصنع، على سبيل المثال، لا يحتوي على ثمار البرتقال الطبيعي، بل إن المواد المنكهة (بطعم "البرتقال") لا علاقة لها بثمار البرتقال. كما أن المواد المنكهة بطعم الجبنة أو البصل لا تحتوي على الجبنة أو البصل، ذلك أن "علماء" الأغذية يستطيعون تركيب أي مكون من مكونات السلع الغذائية المصنعة، وما على المُصَنِّع سوى تسويقها.
ولا يتردد بعض المنتجين من التنويه (في ملصقاتهم) إلى أنهم قد أضافوا إلى سلعهم فيتامينات ومعادن، لأن ذلك سيشجع المستهلكين على شراء تلك السلع، علما أنه، لو كانت تلك السلع تشكل طعاما حقيقيا، لما كانت هناك حاجة أصلا لإضافة الفيتامينات والمعادن. وأحيانا، يمنح المُنتِج سلعته اسما عائليا حميميا؛ مثلا: "من خيرات بلادنا" أو "خلطة فطائر كرز جدتي"، مع صورة على الغلاف تثير الشهية. وعندما نقرأ المكونات والتعليمات، قد نجد ما يلي: "أضف سكرا وحليبا وبيضا"، بمعنى أن ما اشتريناه لا يعدو كونه سوى خليط من المواد الكيميائية، وعلينا نحن أن نضيف الغذاء الحقيقي بأنفسنا!
كما يجب ألا "نفرح" كثيرا حين نقرأ على الملصق بأن السلعة الغذائية تحتوي على "منكهات طبيعية"، لأن المختبرات قد تكون، غالبا، هي التي صنعت تلك "المنكهات" التي تهدف إلى إخفاء الطعم الأصلي للمنتجات ذات الجودة المتدنية. كما أن المُنْتِج غير ملزم بذكر الإنزيمات الاصطناعية التي استخدمها أثناء عملية التصنيع لترقيق وتطرية اللحم، أو لتنظيف الحليب الملوث بمضادات الجراثيم، أو لتصنيع النشويات المعدلة ولغير ذلك.