خاص بآفاق البيئة والتنمية
بات قتل الحيوانات البرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 أمراً شائعاً وعادياً، بل مدعاة للتفاخر والبطولة، فبين الحين والآخر، تعج صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بصور حيوانات مقتولة، مرفقة بتعليقات تتفاخر بهذه الأعمال، وسط ردود متباينة بين مؤيد ومعارض لهذه العادة.
كل حيوان بري أكبر من حجم الأرنب، مهدد بالانقراض من برية فلسطين، هذا ما يؤكده خبراء البيئة. في وقت لا تقوم فيه الجهات الحكومية والأهلية بدورها لوقف هذا النزيف، خصوصاً أن القوانين المتعلقة بهذا الأمر قديمة وضعيفة أصلاً، ورغم ذلك فهي لا تجد طريقها نحو التطبيق، في اشارة الى عدم وجود الوعي الكافي أو ربما الإرادة اللازمة لحماية الطبيعة من الممارسات الفتاكة بها.
قتل الحيوانات البرية الفلسطينية أصبح أمراً شائعاً وعادياً
ثلث الثدييات مهددة بالانقراض
يشير البرفسور الجامعي في مجال البيئة والتنوع الحيوي د. مازن قمصية إلى "عدم وجود معلومات كافية عن الحيوانات المهددة بالانقراض من فلسطين، ما يستدعي اجراء البحوث والدراسات المعمقة للوقوف بدقة على حقيقة الواقع". لكن قمصية حذر من أن "الواقع البيئي الفلسطيني ليس بخير، رغم عدم وجود الدراسات الكافية لتأكيد ذلك. الممارسات التي نتابعها بشكل مستمر توحي بأن خطراً داهما يهدد التنوع الحيوي في فلسطين. فالصيد الجائر للغزلان البرية ما زال مستمرا، سواء باطلاق النار، أو بالإمساك بها خصوصا في أوقات تساقط الثلوج، أو عبر الفخاخ والمصائد التي تنصب لها، كذلك الحال بالنسبة للطيور التي يتم اصطيادها بغض النظر عن أنواعها، أو مواسم تكاثرها. الحال ليس أفضل بالنسبة للضباع التي تزايدت عمليات الفتك بها في الآونة الاخيرة، لتكون بذلك مهددة فعليا بالانقراض".
معظم الحيوانات البرية مهددة بالانقراض، جملة كررها قمصية بحرقة في حديثه لــ "آفاق البيئية والتنمية"، وقال: على سبيل المثال، يوجد في فلسطين أكثر من 100 نوع من الثدييات، وللأسف فإن أكثر من ثلثها مهدد بالانقراض. مضيفاً "لا توجد لدينا سلطة تتحكم بالامور البيئية والطبيعية، حيث أن الطواقم محدودة وصلاحياتها أيضا قليلة، في حين أن القوانين قديمة يجب تطويرها، ناهيك عن عدم تطبيق هذه القوانين الضعيفة أصلا".
الضباع والموروث الشعبي!
هناك موروث شعبي سائد بأن الضباع تأكل الأطفال وهذا يظهر في القصص القديمة، وهذا الأمر صنع حاجزاً نفسياً لدى الناس ضد هذا الحيوان المهم جدا في الحفاظ على التوازن البيئي من الاختلال. هذه النقطة الأساسية وراء تصاعد أعمال قتل الضباع في فلسطين وفقا للناشط في الشؤون البيئية داوود الهالي. وأضاف " هناك ثلاثة انواع ضباع في العالم، المخطط، المنقط والبني. في فلسطين يوجد الضبع منذ القدم، تحديدا مع فترة انتقال حيوانات من افريقيا لمناطق آسيا، اي قبل أكثر من 150 الف سنة، أعداده ليست كبيرة هنا، نتحدث عن ١٠٠- ١٤٠ فردا فقط، وهو بذلك مهدد فعلياً بالخطر الشديد، بسبب الزحف العمراني وعمليات الاعتداء عليها من قبل الإنسان".
وعن أهمية الضباع في الحفاظ على التوازن البيئي، قال الهالي الذي يعمل مرشداً تربوياً في الجغرافيا الطبيعية: "الضبع يتكيف مع بيئة فلسطين، بالغالب يستقر في المناطق المفتوحة البعيدة عن السكان، يتغذى على الجيف والحيوانات النافقة من إبل وماعز وخيول وغيرها، ولو بقيت هذه الجيف، لانتشرت الأمراض في فلسطين مثل مرض الطاعون، حيث تسمى الضباع "قُمّامة" كونها تتغذى على الجيف".
الضبع يضبع الانسان..خرافة!
يؤكد الناشط البيئي الهالي إجراء دراسات عن الضباع في الأردن أكدت عدم صحة القصص المتوارثة عبر الاجيال من أن الضبع يشكل خطراً على الانسان، فمن خلال دراسة أوكار وكهوف تتواجد بها الضباع، تم العثور فقط على عظام لحيوانات، ولم يعثر بالمطلق على عظام انسان، هذا دليل على ان ما يدور حوله من اكله للانسان خرافات ليس لها وجود. مضيفاً "هذا الحيوان بعد اكله للعظام، يجر البقية لوكره ومكان تواجده، وبهذا يكون خدم الانسان والمجتمع عبر الابتعاد عن البشر.
في فلسطين، ينحسر وجود الضباع في المناطق الاقرب لبرية القدس والخليل وصحراء النقب والاغوار والجليل الاعلى، وهو يتوجه في الغالب للمناطق التي تتوفر فيها ينابيع مياه. يبين الهالي "الضبع عنصر مهم للحفاظ على التنوع الحيوي في فلسطين، قتله يخل بالتوازن البيئي، فلو كثرت الجيف ستنتشر الامراض، وسيزداد وجود حيوانات على حساب أخرى، فمثلا حين قمنا بقتل الذئاب ساعدنا على انتشار الخنازير البرية".
الغزلان الجبلية على حافة الانقراض
وضع الغزلان في فلسطين ليس أفضل حالاً، فإذا كانت اعمال قتل الضباع بسبب مفاهيم خاطئة واعتقادات بأنها تشكل خطراً، فإن قتل الغزلان يتم أيضا نتيجة قلة الوعي بأهمية وجودها كعنصر مهم في بيئة فلسطين. وفي هذا الجانب تحذر جمعية الحياة البرية الفلسطينية من أن الغزلان الجبلية مهددة بالانقراض فعلاً، وتشير تقديرات الجمعية الى أن نحو 500-600 غزال فقط بقيت موجودة في الضفة الغربية بفعل الصيد الجائر.
ولا تقتصر المخاطر على انقراض الغزال الجبلي فحسب، بل تتعداه الى محاولات اسرائيلية لسرقته وتحويل اسمه الى "الغزال الجبلي الاسرائيلي"، وفقا لما حذر منه البرفسور الفلسطيني نورمان علي خلف أستاذ في قسم علم الحيوان بجامعة دبي والذي قال: "بينما كنت أتصفح الموسوعة العالمية (الويكيبيديا) لاحظت أن أحد علماء الأحياء الإسرائيليين قد قام دون وجه حق بتغيير إسم "الغزال الجبلي الفلسطيني" إلى "الغزال الجبلي الإسرائيلي" ، وكوني أحد مؤلفي "الويكيبيديا" المُعتمدين فقد قمت بإرجاع الإسم العِلمي كما كان عليه منذ التسمية الأولى في العام 1766 على يد عالم الأحياء الألماني بيتر سايمون بالاس".
واضاف خلف نخوض حربا شرسة مع اسرائيل من الناحية العلمية، اذا ما كنا لهم بالمرصاد سيثبتون الاسماء التي يزيفونها، وتصبح مراجع علمية يتم الاعتماد عليها. هكذا حصل مع عصفور الشمس الفلسطيني، حاولوا تغيير اسمه قبل 3 سنوات الى العصفور البرتقالي، علينا أن نكون متنبهين لكل هذه المحاولات".
بيوض طائر الشنار أو الحجل
التنوع الحيوي في خطر..الإنسان في خطر!
يؤكد د. قمصية على أن التنوع مهم جداً في فلسطين، حيث أن "تأثر الطبيعة والشبكة الغذائية في جزء منها، يؤثر على المنظومة البيئية بشكل عام، ويؤثر على طبيعة الحياة، فالتنوع هو أساس صحة البيئة، وله علاقة بالسياسة والتنوع الثقافي وطبيعة الناس. البيئة كلما كانت متنوعة تصبح أفضل، وتكون صحية ومستقرة، فأعداد قليلة من الحيوانات، وبأنواع مختلفة كثيرة، تحافظ على نظام غذائي وبيئي مترابط، ينتج بيئة سليمة للإنسان".
وحذر قمصية من أن "استمرار الوضع الحالي، واذا لم يتم التحرك لحماية البيئة والتنوع الحيوي، فإن حياة الانسان ستكون في خطر، بسبب زيادة معدلات التصحر، والحرارة والاحتباس الحراري، واستمرار اعدام الاشجار والنباتات. فبعد خمسين عاماً الوضع سيكون حرجاً، في منطقة حوض البحر المتوسط، اذا ما استمرت الممارسات الحالية على ما هي عليه، فيجب اعادة النظر في طرق التخلص من القمامة والمياه العادمة، وطرق استخدام المبيدات والكيماويات التي تسمم أجسادنا وأدت الى زيادة نسب السرطان وتشوهات الأجنة".
حبس الطيور الفلسطينية والتضييق على حياتها
التربية البيئية مطلب ملحْ!
وفي هذا الشأن يطالب قمصية وزارة التربية والتعليم العالي بإدراج التربية البيئية ضمن المناهج، في ظل النقص الكبير في هذا الجانب. وتابع "يجب العمل كثيراً على زيادة التوعية لدى الأطفال، وبناء أجيال صديقة للبيئة وتحترمها، على الحكومة أن تبدأ بوضع الخطط الكفيلة بتحقيق ذلك".
في ذات السياق، شددت الطبيبة البيطرية في وزارة الزراعة أنغام بني عودة على ضرورة تكثيف برامج التوعية البيئية والعمل بشكل مكثف مع الأطفال، مشيرة الى أن "الممارسات الحالية بحق البيئة والحيوانات ناتجة عن نظام التربية الموجود داخل الأُسر الفلسطينية، نظام لا يقدم الوعي المطلوب للطفل بأهمية الطبيعة والحيوانات في حياتنا، اذا ركزنا على هذا الجانب مع الأطفال سنصل الى جيل مُحب للبيئة، وسيتم التخفيف من الممارسات الحالية بشكل تدريجي".