"مكانس القش" حرفة تراثية مهددة بالانقراض
في مكانٍ متواضع يحمل طابع الريف والفلاحية شرق قرية زبوبا غرب محافظة جنين، يجلس الحاج صبحي باير فوق مقعده المميز، متمسكاً بحرفته التقليدية التي توارثها عن أجداده وهي صناعة "مكانس القش".
عند اقترابك من منزل الحاج باير يستقبلك بوجهٍ ضحوك، فيما ساعداه القويتان تمسكان أعواداً من القش لتصبح في وقت قصير "مكنسة قش" ذات شكل هندسي جميل.
تصنع "مكانس القش" من نوع خاص من أنواع الذرة يسميه الفلاحون "المصالح"، حيث يقومون بزراعتها في مطلع شهر نيسان ويستمرون بالعناية بها حتى نهاية تموز، فيقومون بقطافها وتنظيفها من البذور ومن ثم أخذها إلى الحرفي الذي يصنعها.
كان المزارعون يزرعون "المصالح" بكمياتٍ كبيرة لكن اليوم أصبحت زراعتها خطرة ومغامرة كبيرة من قبل المزارع، وذلك بسبب انتشار الخنازير البرية التي تعمل على اتلاف المحصول، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر مكنسة القش. ففي السنوات العشر الماضية كان يبلغ سعر المكنسة الواحدة 4 شواقل، أما اليوم ونتيجة السبب الذي سبق ذكره فقد وصل سعرها إلى 10 شواقل.
يستخدم الحاج باير أدوات بسيطة في حرفته "شاكوش خشب"، "مسلة"، "خيطان"، "قالب" وكلها أدوات بدائية. الحاج باير يبدأ عمله قبل شروق الشمس حتى غروبها، بعدما أصبح الشخص الوحيد في بلدته والمنطقة المجاورة لها القادر على صناعة "مكانس القش".
الحاج اليوم، وبعدما أقترب عمره من العقد السادس، لا يقوم بحرفته لوحده بل أصبح يعلم أبناءه مهنة أجدادهم حيث يقول: "أعلم أبنائي صناعة المكانس لأحافظ على تراث أجدادنا الجميل، وهذه الحرفة تساعد أبنائي على كسب المال في ظل الوضع الاقتصادي الصعب".

ويضيف: "المهنة تراجعت كثيراً وشارفت على الاندثار إن لم تكن في ذاكرة النسيان، في ظل تطور صناعة المكانس البلاستيكية والمنتجات الصينية التي ملأت الأسواق، ولكن هناك بعض السيدات وليس الكثيرُ منهن، يفضلن استخدام هذه المكانس لأنها أفضل وأقوى من المكانس الصناعية، ونحن كمواطنين يجب علينا أن ندعم هذا التراث ونحافظ عليه لأنه جزء من هويتنا الوطنية".