خاص بآفاق البيئة والتنمية
تفتح "آفاق" فضاء عربيًا، فتتبع شأن لبنان وما أحدثته أزمة نفاياتها من حراك جماهيري لافت. فتحاور الصحافية اللبنانية الشابة ميليسا لوكية، التي ترسم صورة لمشهد بلدها وسط تكدس "طوفان" النفايات، وتنامي تيارات جمعتها البيئة، والقلق على لبنان، بعيدًا عن الطائفية والمذهبية والحزبية، مع تنامي ممارسات تضر بالبيئة وتشوه جمال لبنان الساحر. وفيما يلي نص الحوار:
كيف كانت أحوال لبنان البيئية قبل الأزمة وكيف هي اليوم، وبخاصة أن بلدكم كان من أوائل الدول الخضراء عربيًا؟
"ككلّ مدينة مكتظة بالسكان، تكون عادة نسبة التلوث كبيرة. في لبنان، ترتفع تلك النسبة، وخصوصاً في المدن، نظراً إلى تمركز المصانع فيها وعدد السيارات المرتفع الذي يمر عبرها كلّ يوم. هذا ما كانت عليه أحوال الهواء قبل الأزمة. وقبل أزمة النفايات، كانت بعض الجمعيات البيئية تنشط للمحافظة على المساحات الخضراء في لبنان، وخصوصاً أنها غنية بها، كتنظيم حملات تشمل مناهضة خصخصة الشطآن أيضاً. لكن لا ثقافة بيئية في لبنان لدى المواطن، وهنا تكمن المشكلة الأساسية.
وفيما يتعلّق بالنفايات، كانت تجمعها، قبل الأزمة، شركة (سوكلين) -التي مُدّد عقدها سابقاً- وتتركها في مطمر الناعمة. واليوم، بعدما انتهى عقد سوكلين، أُقفل مطمر الناعمة وفشلت السلطات المحلية في إيجاد البديل، فتكدّست النفايات في الشوارع.
تكمل... الأسباب تعود إلى الفساد والمحاصصة ورغبة المعنيين في تقاسم جباية النفايات. وقد سقط البحر ضحية لتراكم النفايات، ورُميت الأخيرة في مطامر عشوائية، فيما عمد بعض المواطنين إلى حرقها للتخلص منها. وهذا ما أساء كثيراً إلى طبيعة لبنان الجميلة."
هل تابعت الأزمة بيئياً. وهل تفاعل الإعلام معها من زواياها الخضراء، وليس فقط الحراك والأخبار التقليدية كتظاهرة؟
"طبعاً تابعت القضية من مختلف جوانبها، إذ عمل عدد كبير من المواقع الالكترونية على نشر أخبارٍ متعلّقة بالأخطار البيئية المترتبة عن هذه الأزمة، وأجرى بعض الصحافيين مقابلات مع خبراء بيئيين لحض الناس على تحمل مسؤولياتهم حيال فرز النفايات في منازلهم ومحاولة طرح وعرض حلول مجدية لحل الأزمة. وقد غطت وسائل الإعلام ونشرت مقالات كتبها خبراء بيئيون، كذلك الأمر بالنسبة إلى جمعيات المجتمع المدني والمبادرات الفردية التي بدورها كثفت حملات التوعية."
إلى ماذا يرمز اقتحام مقر وزارة البيئية من قبل المحتجين؟
"بعدما لم تلق التظاهرات التي نظمتها جمعية "طلعت ريحتكم" آذاناً صاغية، عمد بعض المتظاهرين إلى اقتحام مقر وزارة البيئة، بما يدل على بروز يأس لدى الشباب اللبناني الذي يسعى إلى التغيير، في حين أنَّ السلطات المحلية تواصل سياسة الفساد التي تنتهجها منذ فترة. وعندما تفشل السلطات في حل الأزمات التي تطال المواطنين مباشرة، يلجأ الشعب إلى وسائل مبتكرة لتسريع عجلة الضغط عليهم لتحمّل مسؤولياتهم. وأفضل هنا ألّا نستخدم كلمة احتلال، لأن الشعب لا يحتل، بل السلطات الفاسدة هي التي تحتل."
برأيك كيف يمكن أن تحل الأزمة؟
تُحل الأزمة عبر تكليف شركات "نزيهة" لا علاقة لها بأي من المسؤولين السياسيين، مقابل مبلغ مادي أقل بكثير من الذي كانت تتقاضاه شركة سوكلين (170 دولاراً للطن الواحد تقريباً)، وهنا العروض المقدمة كثيرة. أما الحل الأفضل هو إما تصدير النفايات إلى الخارج، أو اللجوء إلى اللامركزية الإدارية عبر توسيع صلاحيات البلدية كي تتولى كل واحدةٍ معالجة النفايات بالطريقة التي تناسبها وتناسب الجميع."
وسط الدم والدمار العربي في غير مكان، ثمة تحديات كبيرة تجعل من الصعب الاهتمام بالبيئة أولًا. كيف يعالج الإعلام اللبناني هذه المفارقة؟
"لبنان يعاني أموراً عدّة، منها دفع ثمن التخبط الذي يحصل في المنطقة، والذي أثر على أحواله كثيراً، إلى جانب الأزمة البيئية حالياً التي تسبّبت بها قضية النفايات. لكني أجد أن الإعلام يُعطي كلّ ما يجري من أحداث على الصعيدين الإقليمي والمحلي مساحة واسعة على الهواء أو في الصحف، إذ تنشر الوسائل الإعلامية أو تبث الأخبار المتعلقة بالحروب الإقليمية، لارتباطها بشكل مباشر أو غير مباشر بلبنان وانعكاساتها عليه، إذ لا يمكن فصل لبنان عن محيطه. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأخبار المتعلّقة بالأزمة البيئية التي لا يمكنها التغاضي عنها نظراً إلى أهميتها البالغة على الصعيد المحلي، وانشغال مجلس الوزراء وسعيه لحلّها، أو هكذا يبدو، لدرجة أنّها أصبحت من أهم القضايا المحلية الوطنية اللبنانية."
مظاهرة طلعت ريحتكم
هل برزت قضايا أخرى لافتة أثناء الحراك وتودين ذكرها؟
"ملّ اللبنانيون من الفئة السياسية الفاسدة التي جرّت لبنان إلى مشكلات طاحنة أثقلت كاهله. السأم من النظام الطائفي الذي تسبب بحروب أساءت إلى لبنان وحمّلته أكثر مما يحتمل. جعل الكثيرين يطالبون بتجديد الطبقة السياسية للشروع ببناء وطن جديد بعيد من الطائفية. وهناك الرغبة في محاسبة الطبقة السياسية، وهذه المرة الأولى التي يشهد فيها لبنان تظاهرة بهذا الحجم، بدعوة من جمعية وليس حزب سياسي. اللبنانيون يتبعون زعيمهم لأسباب طائفية ومذهبية، لكن هذه التظاهرة أثبتت أن الشعب بات لا يكترث بتعليمات زعيمه، وهذا أمر جيد لأن الشعب اللبناني شعب مثقف ونسبة العلم في لبنان مرتفعة جداً، لذلك لا يجوز أن يكون الشعب خاضعاً لأي زعيم."
الصحافية اللبنانية الشابة مليسا لوكية
من هي ميليسا لوكية؟
"صحافية تعمل في قسم الاقتصاد منذ سنة وشهرين تقريباً. درست الصحافة والإعلام في جامعة الروح القدس الكسليك."
aabdkh@yahoo.com