اسم الكتاب: السيادة الوطنية على الغذاء
عدد الصفحات: 71 من القطع المتوسط
اسم الناشر: مركز العمل التنموي/ معا
سنة الإصدار:2015
نبذة موجزة عن الكتاب
يعالج هذا الكتاب الأول من نوعه على المستويين الفلسطيني والعربي، والمعدّ من قبل الخبير البيئي الفلسطيني ومدير وحدة الدراسات والأبحاث في مركز معا "جورج كرزم" أسس السيادة على الغذاء وتناقضها مع مفهوم "الأمن الغذائي" من جهة، وتناغمها مع حركات مناهضة العولمة من جهة ثانية، بحيث يساهم المؤلف في طرح الحلول للوصول إلى كيفية ممارسة السيادة على الغذاء في ظل احتلال استيطاني عسكري اقتلاعي، كما يوضح علاقة السيادة على الغذاء باقتصاد المقاومة الذي يستند بشكل أساسي إلى مبدأ تدفق رأس المال وتدويره داخل البلد. كما يبين الانحراف الكبير الذي حدث عن مسار إنتاج الغذاء المتنوع والنظيف.
اشتمل الكتاب ستة مقالات تناولت مفهوم السيادة على الغذاء وتضمنت العناوين التالية: الأرض لمن يفلحها. كيف نمارس السيادة على الغذاء في ظل احتلال استيطاني اقتلاعي. السيادة على الغذاء واقتصاد المقاومة. الزراعة العضوية الرد على اللغط والمغالطات. قراءة في المدرسة التي تبرر تحويل أجسامنا إلى مكبات للأوساخ الكيماوية. توريط مزارعينا في الزراعات الكمالية والتصديرية وإغرائهم بالتخلي عن الزراعات الأساسية والتقليدية. فيما خصص كرزم القسم الأخير"الخلاصة والاستنتاجات" لاستشراف آفاق المستقبل لاقتصاد وطني حقيقي.
وكما ينادي الخبير كرزم في كل مقالاته التنموية المنشورة في مجلة آفاق البيئة والتنمية التي يرأس تحريرها، وأيضاً الإعلام المحلي والعربي، بضرورة الاعتماد على الذات للنهوض باقتصاد مقاوم مستدام، فقد استهل كتابه بأسباب تأخرنا الزراعي الاقتصادي قائلاً: " غالبا ما ينسى البعض أو يتناسون، حين مناقشة أو معالجة ظاهرتي البطالة والفقر وكيفية "محاربتهما"، بأن السبب الأساسي والمباشر لإفقار معظم الفلاحين الفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1967 أو تحويلهم إلى عمال يخدمون الاقتصاد الإسرائيلي، هو نهب الاحتلال لأراضيهم ومواردهم الزراعية وبالتالي تحطيم الزراعة الفلسطينية.
الأسباب والحلول
وأشار كرزم في مقدمته التلخيصية إلى بروز فائض في اليد العاملة الفلسطينية الزراعية المستغنى عنها في الريف الفلسطيني ليس نتيجة بطالة عانت منها اليد العاملة الزراعية، ما يؤدي غالباً إلى انسلاخها عن الزراعة وانتقالها للعمل كيد عاملة رخيصة في المدينة كما هو الحال في العديد من بلدان "العالم الثالث"، بل إن هذا الفائض أفرزته بشكل مباشر عملية تهشيم مقومات الاقتصاد الريفي والزراعي الفلسطيني. وقد لعبت هذه العملية الأخيرة دورا أساسيا في الولادة غير الطبيعية والمشوهة للعمال الفلسطينيين وحددت طبيعة اليد العاملة الفلسطينية ودورها في خدمة الاقتصاد الإسرائيلي، في ظل غياب البديل الاقتصادي المحلي الذي كان يمكن أن يستوعب فائض اليد العاملة في الريف الفلسطيني.
وأضاف كرزم الذي يتخصص في الإعلام البيئي منذ أكثر من 20عاماً: "منذ التوقيع على اتفاق واشنطن في العام 1993 (بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل) وحتى هذه اللحظة، تتواصل بكل قوة عملية تهشيم الاقتصاد الزراعي الفلسطيني من خلال آلة المصادرة والاستيطان الإسرائيلية التي لم تتوقف عن التوسع الاستيطاني وتجريف وإغلاق ومصادرة مئات آلاف الدونمات التي بمعظمها أراض زراعية خصبة، وذلك بالتوازي مع اقتلاع وتخريب المحاصيل الزراعية وملايين الأشتال والأشجار المثمرة، فضلا عن نهب المياه والآبار الجوفية، الأمر الذي أجبر العديد من المزارعين على شراء المياه من الشركات والمستعمرات الإسرائيلية أو الانسلاخ نهائيا عن العمل الزراعي".
اتفاق سلام أم استعمار جديد؟
ولفت كرزم صاحب الرؤية الوطنية للتحرر من التبعية للاحتلال والتي انعكست في العديد من مقالاته، إلى أن اتفاقيات السلام خولت الاحتلال بأن يمارس (على أكثر من 60% من مساحة الضفة) صلاحيات "مدنية" (وبالطبع أمنية وعسكرية) مطلقة؛ بما في ذلك عمليات البناء (دون تحديد سواء في المستعمرات أو غير ذلك!) والهدم والإغلاق والفتح وإقامة منشآت جديدة أو منع إقامتها، وغير ذلك. وإسرائيل، كما يؤكد كرزم تثابر بإصرار على تثبيت وقائع استيطانية-ديمغرافية جديدة على الأرض لفرضها فيما يسمى "الحل النهائي"، وبالنتيجة تجزئة الضفة الغربية إلى معازل سكانية عربية محاصرة بالمستعمرات و"الطرق الالتفافية" والجدار الكولونيالي والجيش الإسرائيلي وآلياته العسكرية.
كما أن الانحسار الكبير في الزراعة الفلسطينية، يضيف كرزم، ليس ناتجاً فقط عن عوامل خارجية ذات علاقة بالمصادرات والاستيطان والجدار العنصري ونهب المياه وانسداد آفاق التسويق وغير ذلك، بل إن هناك أيضا عوامل ذاتية تتمثل في شراء بعض المستثمرين لأراض زراعية بهدف تحويلها إلى "مناطق صناعية حدودية" (مشتركة مع رأس المال الإسرائيلي)، كما في مرج بن عامر في جنين، فضلا عن اقتطاع أجزاء كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة لإقامة المنشآت والمباني، الأمر الذي ساهم في تدمير بنيتنا الزراعية وبالتالي أمننا الإنتاجي الغذائي الوطني.
ويشدد كرزم على أن الاستقلال في الإنتاج الزراعي والغذائي يشكل شرطا أساسيا للوصول إلى حالة السيادة على الغذاء. ولإنجاز الاستقلال الزراعي لا بد من الاعتماد على مخزون المعارف والتجارب والخبرات المحلية وتطويرها، من خلال ابتكار تقنيات زراعية طبيعية وحيوية صديقة للبيئة، وتشجيع البحث العلمي المستند إلى تجارب وتطبيقات المنتجين والمزارعين أنفسهم، في مجالات الري ومعالجة المخلفات الزراعية والعضوية والسائلة، وتحسين نوعية البذور المحلية والبلدية، وغير ذلك. ويتناقض هذا التوجه مع استمرارية التبعية للغذاء الإسرائيلي والأجنبي.
اقتصاد مضاد للرأسمالية
ودعا المؤلف إلى أن الحل لتوفير مقومات الأمن الإنتاجي الغذائي الاستراتيجي، يتطلب بالدرجة الأولى تشجيع المزارعين والناس عموما على إنتاج السلع الزراعية الإستراتيجية التي تلبي الاحتياجات الغذائية المحلية أولا. وفي إطار الاستراتيجية الزراعية نفسها، لا بد من تشجيع المشاريع الصناعية المحلية التي لا تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة، وتعتمد أساسا على تصنيع المنتجات الزراعية العضوية والبلدية المحلية وتدر دخلا جيدا عن طريق الاستفادة من الموارد والمهارات المحلية.
إن أية عملية تصنيع لا يجوز أن تتم على حساب القطاع الزراعي، وإلا فان النتائج لن تكون أفضل من العديد من البلدان "المتخلفة" التي تسببت تجاربها التصنيعية المدمرة للزراعة في انهيار الصناعة والزراعة معا وتفاقم مشكلة الجوع وتحول هذه البلدان الى مستورد رئيسي للمواد الغذائية الأساسية بعد أن كانت مصدرة لها.
وتابع كرزم "لا يختلف عاقلان على ضرورة التصنيع وأهميته في المعركة من أجل التنمية الذاتية المستقلة، لكن السؤال الحاسم الذي يحتاج إلى إجابة دقيقة هو: أي نوع من التصنيع يناسب الضفة والقطاع الرازحين تحت احتلال استيطاني عسكري؟ إذ أن افتقارنا للرساميل لا يعني بأن نسمح للرأسمال الأجنبي العمل بحرية مطلقة، بل لا بد من التركيز على التصنيع الزراعي وزيادة الإنتاج الغذائي وتنويعه وحمايته، بما يضمن التأسيس لاقتصاد المقاومة في مواجهة سياسات الحصار والخنق والتجويع الصهيونية، فضلا عن تحسين مستوى معيشة أهل الريف إجمالا الأمر الذي سيخلق دورة اقتصادية تؤدي إلى توسيع سوق الصناعة المحلية وبلورة صناعات جديدة".
استهلاك عالٍ أمام إنتاج ضعيف
وحذر كرزم من الرأسمال الأجنبي والإسرائيلي ووكلاءه الفلسطينيين في الضفة والقطاع الذين يفتشون باستمرار عن آفاق استثمارية سهلة وذات نسبة أرباح مرتفعة يتم تحقيقها من خلال استنزاف طاقة الاستهلاك الفلسطينية. ومعنى ذلك إضعاف كبير للقدرة التنافسية لدى المبادرين الفلسطينيين والعرب المنتجين المحتملين، وسحق قدرتهم على المبادرة في تأسيس مشاريع إنتاجية وشبكات تسويق خاصة بهم.
كما أن استباحة احتكارات الغذاء الإسرائيلية والأجنبية للسوق الفلسطيني ستتسبب في آثار بيئية وصحية مدمرة، من ناحية التنوع الحيوي والصحة العامة للمجتمع الفلسطيني بسبب إغراق السوق الفلسطيني بالمحاصيل المعدلة وراثيا، وخاصة المنتجات الغذائية الأساسية، كالقمح والذرة وغيرهما في ظل غياب الرقابة الفلسطينية الرسمية، علما أن السلطة الفلسطينية تفتقر تماما إلى السيادة على الواردات التي تتدفق إلى السوق الفلسطيني من خلال القنوات والموانئ الإسرائيلية.
وختم صاحب العديد من المؤلفات والدراسات في المجالات السياسية والبيئية والتنموية، أنه وفي ظل الواقع الاستعماري الاستيطاني، فإن الاقتصاد الفلسطيني الوحيد الممكن والواقعي الذي يحقق السيادة الفلسطينية الفعلية على الغذاء، هو الاقتصاد الوطني الشعبي المقاوم الذي يوفر مقومات الصمود الاقتصادي والمعيشي الضروري لمواجهة الاحتلال.
ويستند نموذج اقتصاد المقاومة إلى تدعيم البنية الإنتاجية الزراعية والصناعية الوطنية الشعبية المتمحورة داخليا في السوق المحلي والتي تنتج الاحتياجات الأساسية للشرائح الشعبية، وبالتالي تحررنا من التحكم الصهيوني في عملية إطعامنا وتجويعنا من خلال إطلاق العنان للحريات والمبادرات الإنتاجية الشعبية المعتمدة على الذات والمشاريع الإنتاجية العامة والتكامل القطاعي، والنشاطات الزراعية غير الرسمية التي تتميز بالتنوع الإنتاجي وتوفر السيادة الغذائية للناس. وعمليا، يشكل هذا التوجه مدخلا واقعيًا وممكنا لفك الارتباط بين الاقتصاد الفلسطيني والاقتصاد الإسرائيلي. وفي المحصلة، يعني اقتصاد المقاومة تشجيع وتنمية ثقافة الإنتاج والادخار كبديل لثقافة الاستهلاك والإلحاق.