تقرير موسع: ربى عنبتاوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
في البيت، الشارع، المدرسة، العمل، الحافلة...قبل النوم وعند الاستيقاظ في الصباح، اثناء اللقاءات الاجتماعية وعلى موائد الطعام، في الافراح وحتى الأتراح، مع الأطفال والشباب والكبار، هو الجليس الأبرز في هذا الزمان، ولكن هل هو خيّر كالكتاب! أم صديق ضار يتربص برفيقه بهدوء حتى يتمكن منه ويصبح الأخير محتاجاً له وأشبه بالعبد!
يسلط هذا التقرير الضوء على ظاهرة متنامية بشكل ملحوظ ومتسارع في المجتمع الفلسطيني كجزء من المجتمع العالمي الواسع، في ظل غياب استراتيجيات وطنية شبابية بديلة للحد من هذا التعلق المرضي المتجسد بالأجهزة الذكية وإغراءاتها من تطبيقات الألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي ذائعة الشهرة كالفيسبوك وتويتر وانستغرام، وما تتميز به من مضار وفوائد حسب طبيعة وحجم الاستخدام، مع التأكيد على أن هذا التقرير لا يحاول التقليل من أهمية التكنولوجيا ودورها البارز في تيسير امور حياتنا واكتسابنا من خلالها للعديد من المعارف والمهارات العلمية والتواصلية، لكنه يتناول الجانب السلبي منها مستهدفاً فئة الاطفال والشباب، مبرزاً المشاكل الحالية الصحية والنفسية والتربوية، طارحاً بعض التوصيات.
النوموفوبيا...ادمان هذا العصر
تتمثل عوارض الإدمان على الهواتف الذكية أو الألواح الرقمية بمرض "النوموفوبيا" مصطلح تم تحديده عام 2008 من قبل مختصين في بريطانياـ وذلك بعد معاينة مجموعة من التصرفات المرتبطة بالأجهزة الذكية، مثل أن يقوم الشخص بتفقّد هاتفه المحمول أكثر من 30 مرة يوميًا، أو أن يشعر بكل بساطة أنه يستحيل عليه الاستغناء عن هاتفه والعيش من دونه وعدم امتلاك القدرة على إطفائه. كما يتفقّد الشخص المصاب بهذا الرهاب الهاتف دومًا خوفًا من تفويت رسالة إلكترونية أو نصيّة أو مكالمة أو "إيميل"، ويتأكد من شحن البطارية باستمرار، وهو لا يملك القدرة على التخلّي عن هاتفه حتى خلال وجوده في الحمام.
وأظهرت دراسة أجرتها شركة "سكيوريتي انفوي" ونشرتها صحيفة "الديلي ميل" البريطانية في ذات العام، أن معدلات الإصابة بالـ"نوموفوبيا" تنتشر بصورة أكبر بين فئة الشباب من عمر 18 إلى 24 عاماً، حيث أفاد 77% منهم أنهم لا يستطيعون التواجد بعيداً عن هواتفهم المحمولة لثوانٍ معدودة، بينما بلغت هذه النسبة 68% بين الفئة العمرية من 25 إلى 34 عاماً. وبيّنت كذلك أن النساء بتن مهووسات بفقدان هواتفهن أكثر من الرجال..
وتواجه اليوم كثيرٌ من الدول التي ارتفعت فيها نسب الادمان على الاجهزة الذكية هذا الخطر، من خلال فتح مراكز علاجية للمدمنين على الانترنت، وتحديدا في عدة دول من آسيا مثل كوريا الجنوبية والصين وتايوان.
ونقلاً عن دراسات نشرت على الشاشة العنكبوتية ومن ضمنها موقع ايلاف الاخباري، وكانت قد اعدتها منظمة الصحة العالمية ومؤسسات بحثية امريكية، أكدت فيها أن تفاعل الأطفال مع الألواح الرقمية في سن مبكر يؤثر على كيفية استقبال واستيعاب المعلومات في الدماغ، ما يؤثر على العملية التعليمية لاحقا. أما لدى المراهقين والكبار فتتسع دائرة المضار وقد تصل أحيانا حد الإدمان كما وصفتها بعض الدراسات. إذ تبين أن كثرة البحث على غوغل يؤدي للتوتر، كأن يبحث المرء مثلا عن عوارض مرضه فيشخِّص مخطئاً ما يشكو منه.
ومن أعراض تلك الاجهزة "الاكتئاب" كما خلصت أكثر من دراسة إلى أن تصفح المواقع الاجتماعية ومتابعة تفاصيل حياة الآخرين تؤدي لمشاعر سلبية كالغيرة والحسد والاكتئاب والعزلة والتوتر. كما أن الضوء المنبعث من الشاشة وتحديداً في الليل يرهق العيون ويقطع دورة النوم ويتسبب بالأرق. ومن ناحية النظافة فإن الهاتف يحتوي على كم هائل من البكتيريا تعادل ما يتواجد عادة في الحمام. كما أن الاستماع المتواصل للموسيقى العالية يضر حاسة السمع، وأخيرا وليس آخرا تحذير منظمة الصحة العالمية من كثرة التعرض للأشعة الناجمة عن الهواتف المحمولة.
المؤشرات الكمية( الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني)
ونقلاً عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد جاء في المسح الاسري لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ديسمبر 2014، أن نسبة الاسر التي تتوفر لديها بعض ادوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البيت حسب المنطقة كانت كالتالي: الأسر ممن يمتلكون الالواح الرقمية التابلت، بلغت 12%، فيما بلغت نسبة الحاملين للتلفون الذكي 51%، وقد بلغت نسبة المشتركين في الانترنت في المنزل 48% فيما بلغت نسبة الحاملين للهاتف النقال عموماً الـ 98%.
تجار الهواتف: هذا الجيل لديه ثقافة كبيرة بالتكنولوجيا
ومن خلال استطلاع سريع أجرته "مجلة آفاق" في عدد من محال رام الله المختصة ببيع الهواتف الذكية والألواح الرقمية، فقد تم الاجماع على أن الاقبال على تلك الأجهزة يبدأ من سن 10 سنوات ولكنه يتركز في الفئة العمرية بدءاً من 18 عاماً فأكبر، وتتميز فئة الاطفال والشباب، وفق أصحاب المحال، بمعرفة واسعة تكاد تفوق البائع نفسه من حيث ميزات الاجهزة وإمكانياتها، وأجمع البائعون على مباركة الأهل في معظم الأوقات شراء تلك الأجهزة لأطفالهم التي تبدأ اسعارها كـ(التابلت) من 250 شيقلاً، وأن الاقبال على تلك الاجهزة يزداد مع العطل الصيفية، كما لوحظ تردد الكثير منهم (أي الأطفال) على تلك المحال لوحدهم، للسؤال عن أسعار الأجهزة أو العروض المتاحة، دون قدرتهم الفعلية على الشراء.
فيما تقبل فئة محدودة على الهواتف التقليدية الرخيصة (نوكيا، موتورولا،..) وهي فئة العمال في الورشات، الذين يقتنونها لطبيعة عملهم الخشنة والتي لا تتناسب مع الهواتف الذكية الحساسة للصدمات.
السمنة ومضاعفاتها...الخطر القادم مع تلك الأجهزة
يشير د. أمية خماش مدير دائرة الصحة في وكالة الغوث "الاونروا" في حديث مع مجلة آفاق البيئة والتنمية إلى دراسة اعدتها الأونروا حول الاوضاع الصحية للأطفال في الاراضي الفلسطينية، والتي ركزت في جزء منها على محدودية ممارسة النشاطات الرياضية والبدنية، وذلك يعود لاعتماد وسائل الراحة والترفيه في حياتنا، ومن ضمنها الألواح الرقمية والهواتف الذكية.
ويلفت د. خماش إلى ارتفاع نسب أمراض السكري وجلطات القلب والضغط في الاراضي الفلسطينية، وافاد أن مرض السكري سيرتفع من نسبة 14% في الوقت الحالي إلى 20% في السنوات القادمة وهذا مؤشر خطير، وأحد مسبباته وفق د. الخماش هو السمنة، الأخيرة التي هي في تزايد بين الاطفال وطلبة المدارس.
أكثر من 3 ساعات على تلك الاجهزة...قمة في الخطورة
وأوضح د. خماش بأن تغير نمط الحياة نحو الايقاع "السريع" وتوفر سبل الراحة من مواصلات سريعة وشروط عمل مكتبية مريحة وأجهزة كهربائية توفر الجهد والوقت، قد حدّ من النشاط البدني." يقول الدكتور: أذكر أننا كنا نلعب ونحن صغار الالعاب البدنية والرياضية وننشط دماغنا بالمسائل الرياضية والألغاز التحليلية، أما اليوم فالطفل الفلسطيني منشغل بالاسترخاء على شاشات التلفاز او العاب الفيديو او بقضاء الساعات على الاجهزة الذكية وتطبيقاتها". وأضاف د. خماش بأن جلوس الطفل على تلك الأجهزة لأكثر من ثلاث ساعات هو قمة في الخطورة"
وحول النصيحة على الصعيد الصحي، فقال د. خماش أنها تتطلب استراتيجية وطنية وتركيز على برامج للطفولة والشباب من خلال المدارس والمؤسسات والأندية الشبابية، لأن هذا التعلق المرضي هو خطر محدق علينا مواجهته أو وضع معايير وضوابط له لحماية أطفالنا وشبابنا. وأضاف: "تعتقد الأمهات ان حماية اطفالهن بحشرهم في المنزل وإلهائهم بأجهزة الهواتف الذكية هو الحل الأمثل، ولا تدرين أن تلك الأجهزة تضرهم اكثر من مخاطر الحياة الخارجية".
د. خماش الذي يحضر لفكرة مشروع اقامة "طريق للمشي وللدراجات الهوائية" في مخيمات اللاجئين بهدف تشجيع رياضة المشي وركوب الدراجات، يشدد على أن استفحال هذه الظاهرة سيزيد من المشاكل الصحية ما يشكل عبئاً على اقتصاد الدولة من حيث تكاليف العلاج والتدخلات الطبية عالية الجودة.
نسب وأرقام
واستكمالاً لحديث د. خماش، فوفق دراسة اعدتها الاونروا تحت عنوان "استراتيجية الصحة المدرسية" عن الواقع الصحي لطلبة المدارس عام 2013، فقد تبين ان عدد الطلبة في مدارس وكالة الغوث ممن يمارسون الرياضة لمدة ساعة على الاقل في اليوم، يعادلون 23%.
وجاء في دراسة اخرى صادرة عن اليونيسيف بالتعاون مع وزارة الصحة الفلسطينية لعام 2013 حول التغذية عند الاطفال في مختلف مدارس الوطن، أن هناك زيادة في وزن الاطفال بنسبة 20% عند البنات، و23% عند الاولاد.
وجاء في تقرير الـBMC للصحة العامة لعام 2009، والذي استهدف المدارس الفلسطينية للفئة العمرية ما بين 13-15 عاماً، في محافظتي رام الله والخليل، بأن الزيادة في الوزن كانت اكبر منها في الاولى مقارنة بالأخيرة، وأعاد ذلك للمستوى المرتفع في المعيشة في رام الله، وانخفاض عدد افراد الاسرة مقارنة بالخليل، في الوقت الذي تركزت فيه زيادة الوزن في المناطق الحضرية، اكثر من الريفية.
وفي دراسة أخرى اعدها الدكتور خماش مع د. سلوى مسعد حول سوء التغذية والسمنة في المدارس الفلسطينية، لعام 2012، فقد تبين من خلال اخذ عينات من مدارس الغوث (تمثل فئة اللاجئين الذين يصنفون ضمن الطبقات الفقيرة والمتوسطة)، ان 12% يعانون من زيادة الوزن، و6% من البدانة. وأضافت الدراسة ان الاطفال يدخلون المدرسة بوزن معتدل وببدانة نادرة ولكن بعد الصف التاسع ترتفع البدانة بنسبة 24% عند الطلبة.
تحويل الانسان الى آلة...وجهة النظر النفسية في هذا الموضوع
يستفيض الإخصائي النفسي والمتخصص في العلاج بالموسيقى في مركز الارشاد الفلسطيني باسل زايد في الحديث عن ظاهرة الاقبال على الهواتف الذكية والألواح الرقمية، فيشير (على الصعيد العاطفي) إلى أن تعلق الانسان بجهاز تواصل الإلكتروني هو أقل تعبيرا اجتماعيا وعاطفياً من التواصل مع نظيره الانسان، وقد يكون لذلك تبعات اجتماعية ونفسية. فالتواصل الطبيعي بين الناس أصبح قليلا جدا، حتى أن التواصل مع حيوان أليف أو الطبيعة من حولنا آخذ بالتراجع من قاموس حياة أطفالنا وشبابنا.
ولفت زايد إلى أن تلك الاجهزة الذكية تقلل من فرص التواصل مع الاخرين على الصعيد الاجتماعي. فإذا بقي الانسان مشغولاً على الجهاز، فسينعزل عن العالم ويدخل في الصندوق أو العالم الافتراضي، ما يأخذ منه ساعات طويلة تفصله عن الاخرين والمحيط من حوله.
على المستوى العاطفي، فالجلوس لساعات طويلة على تلك الأجهزة ورغم وجود ألعاب تحتاج الى قدرات عقلية عديدة قي تلك الأجهزة، إلا أنها تخلو من التفاعل والتشارك الجماعي، بل هي تعزز الفردية وتزيد من الانفعالات السلوكية، فالطفل يثور ويغضب حين يفشل في الوصول الى هدفه من اللعبة. والمطلوب، وفق زايد، تعزيز عملية تعلّم صحيحة حسب العديد من النظريات النفسية والتعلمية، بحيث يكون هناك علاقة انسانية طبيعية بين المعلم والمتعلم لتكون هناك عملية تعلم، فأساس التعلم حسب هذه النظريات هو عاطفي واجتماعي في اطار علاقة مع اخر.
وأكد زايد أن المستقبل فيما يتعلق بتربية الطفل مخيف في وقتنا الحالي وذلك حتى قبل الاجهزة الذكية، فالأطفال في السابق تعلقوا بالتلفاز وقبل التلفاز تعلقوا بألعابهم. فبزيارة لأي محل متخصص بالألعاب، فسنكتشف أنه قلّما نجد ألعاباً تندرج تحت بند اللعب التشاركي بل في معظمها هي ألعاب تعزز الفردية، ويرى زايد أن تفكير كثير من الأهالي ينصب حول شراء لعبة لطفله ثم ينساها معه دون ان يعطي من وقته بضع دقائق ليتفاعل مع طفله، فأصبح الواقع متمثلاً في السولو أو الفردية في حياتنا التي تعزل الطفل عن وسائل التفاعل الأخرى المهمة في بناء وجدانه وذاته، كالثقافة والرياضة والموسيقى والفنون البصرية والأفلام وغيرها.
وحول تعامله مع حالات تندرج في جانب تعلق أطفال مرضي بتلك الأجهزة، قال زايد بأن هناك العديد من الحالات والتي يترك فيها الطفل على تلك الأجهزة، نتيجة إهمال الأم او مرورها بحالة نفسية معينة كالاكتئاب مثلا تبعدها عن أولادها، أو حتى تعلق الام المرضي نفسها بالجهاز الذكي عبر مشاهدة المسلسلات عليه او قضاء وقت طويل على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يؤثر سلبا على الأبناء، حيث تعاني تلك الاسر من مشاكل تواصلية مع ابنائها وتأتي تلك الاجهزة لتفاقم المشكلة لا أن تحلها".
وعن اعراض هذا التعلق المفرط للأطفال والشباب، فقال زايد انها تتمثل بالاستخدام المفرط للأجهزة اللوحية مما يوصل الشخص الى العزلة والانطواء وعدم حب المشاركة في المناسبات والزيارات الاجتماعية، وهذا قد يؤثر في القدرة على التعبير اللفظي والجسدي. بالإضافة الى بعض الاعراض الجسدية والعضوية كضعف البصر ومشاكله الاخرى كآلام الظهر وارتخاء العضلات، وفي حال عدم تنظيم الوقت فقد يؤثر ذلك على التحصيل الأكاديمي.
التوازن في حياتنا
ودعا زايد الى ضرورة خلق التوازن في كل شيء في حياتنا، فالاستخدام المفرط للأشياء والسلوكيات هو تعلق مرضي، والمطلوب القدرة على التحكم وعدم الانصياع لأي مبالغات في الاستخدام سيؤثر على نشاطاتنا الحياتية الاخرى، فالقراءة عادة جيدة ومحببة لكن اذا كان الشخص يقرأ طوال الوقت دون توقف ستتسبب القراءة (بإدمان) بالعزلة والابتعاد عن المجتمع المحيط والأهل والأصدقاء فهذا مؤشر سلبي.
ونصح باسل من خبرته الارشادية بعدم السماح لمن هم دون الـ 18 بتملك جهاز ذكي او وضع ضوابط على استخدامه ان وجد، والتركيز على تأسيس الطفل علمياً وثقافيا ورياضيا واجتماعياً.
الحلم بالنجاح أم هذا الجهاز..سؤال على كل طالب أن يسأله؟
المستشارة التربوية في العديد من مدارس القدس، صابرين ميلاد، اشارت في حديث مع مجلة آفاق إلى أثر تلك الأجهزة على الطالب من الناحيتين الاجتماعية والتربوية، حيث ان استخدامه بالساعات المحددة والطريقة الصحيحة يصب ايجابا لمصلحة الطالب, ولكن ما نراه هو ظاهرة إدمان او تعلق مرضي، حيث أصبح الهاتف من الأشياء الأهم في حياته, وهذا أمر غاية في الخطورة، فحياة الانسان لا تنحصر بجهاز الكتروني مجرّد من العواطف.
وأضافت المستشارة التي تتعاطى يومياً مع عشرات الحالات الخاصة في المدارس، ان القدرة التعبيرية وخاصة في سن الشباب اختفت, فقليلاً ما يستخدمون تعبير العاطفة وحل مكانها تواصل الكتروني ديجيتالي، وهو عبارة عن صف كلمات لا أكثر. ولفتت ميلاد إلى أن تعابير الوجه قد تغيرت أيضاً، فقديماً كان التعبير وجهاً لوجه يتسم بالعمق والشفافية، أم اليوم فهو من خلال جهاز بلا احساس.
العنف والعلاقات الميكانيكية
كما أن استخدام الهواتف الذكية من وجهة نظر ميلاد تزيد العنف, لأن الترابط واللغة العاطفية في التواصل يغيبان, إضافة الى انه من الممكن أن يصبح الشخص إنسان نرجسي "أناني" ويبدو ذلك جليّاً من خلال حب الظهور عبر تطبيقات الهواتف الذكية كتغيير الصور باستمرار وانتظار وضع التعليقات والاعجابات، ما جعل العلاقات ميكانيكية سطحية.
وختمت ميلاد حديثها بضرورة التحلي بالإرادة وإيقاف هذه العبودية لتلك الاجهزة، وأن يقيّم كل شخص نفسه ويرى ذلك من خلال الانجازات التي حققها والأهداف التي يسعى للوصول اليها والمهارات التي اكتسبها. وليسأل نفسه هل اتخلى عن ذاتي وأحلامي بأن اصبح ناجحا في الحياة من أجل هاتف الكتروني بعالم افتراضي يهدر وقتي، أم اركز في حلمي وأسير قدماً ويكون الهاتف مساعداً لا أساساً لحياتي!!.
اشعاعات تلك الأجهزة والسرطان
اشار الخبير البيئي ورئيس وحدة الابحاث في مركز العمل التنموي جورج كرزم في مقالات عدة نشرت ضمن أعداد سابقة لمجلة آفاق البيئة والتنمية، إلى تصنيف منظمة الصحة العالمية، ولأول مرة، عام 2011 الهواتف الخليوية باعتبارها مسببات محتملة لسرطان الإنسان. كما قررت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC ) التابعة للمنظمة تصنيف حقول أشعة الخليوي باعتبارها "مسرطنة للإنسان بشكل شبه أكيد"، وذلك استنادا إلى أبحاث أخيرة أثبتت العلاقة بين استعمال الهواتف اللاسلكية والخطر المتعاظم لنشوء سرطان الدماغ، وبحسب تقدير المنظمة، يستخدم خمسة مليارات شخص في العالم أنواعا متعددة من الأجهزة اللاسلكية لأغراض الإتصال، بما في ذلك الهواتف الخليوية.
وتعقيباً على منظمة الصحة العالمية، حذّر كرزم من الاستخدام المتكرر للهواتف على اختلاف انواعها انطلاقا من مقولة الحذر الوقائي، وبخاصة فيما يتصل بالأطفال الذين تعد خلاياهم في طور النمو وهي بالتالي أكثر حساسية للإشعاعات، داعياً بضرورة التحرك لإحداث بعض التغيير في العادات الاستهلاكية المتعلقة بالخليوي.
"قد يشعر الانسان أحياناً وكأنه ورقة جافة تقذف بها الرياح في شارع قذر، وقد يشعر احياناً انه كحبة رمل علقت في مكانها لا تغادره، ومع ذلك فالإنسان ليس ورقة جافة أو حبة رمل، في الحقيقة الانسان قادر بدرجة اكبر او اصغر على ان يرسم طريق حياته بنفسه، وان يسير فيه، فهو الوحيد الذي يحدّد اهدافه الحاضرة وعلاقاته الشخصية وحياته" . من كتاب الطريق الى السعادة