خاص بآفاق البيئة والتنمية
شرع معلم التربية الرياضية بمدرسة مخيم الفارعة الأساسية عائد جعايصة، منذ عام 2005 في تدشين حديقة صغيرة نموذجية بوادي الفارعة، فحوّل الدونم والنصف الذي يمتلكه إلى مساحة خضراء، لكنها تتعرض منذ عامين لهجمات حيوان الوبر الصخري، الذي خلّف أفدح الأضرار بالمزرعة.
يقول وهو يتفقد أحدث اعتداء للحيوان "البشع" كما يسميه:" جربت كل الوسائل لحماية أشجاري وحديقتي، فاستخدمت السم، والمصائد، والأسوار، والأسلاك الشائكة، والتوجه إلى المحافظة ووزارتي الصحة والزراعة، ولكن دون جدوى، وأنا اليوم هنا بمفردي، أندب حظي على خراب حقلي."
البر الصخري وقد أكل الأخضر واليابس في حقل عائد جعايصة بوادي الفارعة
كابوس
غرس جعايصة-الذي ينحدر من قرية الكفرين المجاورة لحيفا والشهيرة بحقولها- الأشجار، وصار يمتلك عشرين زيتونة، و60 شتلة عنب، و14 شجرة حمضيات، ولوز، وتين، وجوافة، ودراق، وتفاح، وأشجار الزينة، ونباتات الميرمية، وإكليل الجبل، والبسفلورا، وما أن فرحت بها قليلاً حتى وضع "البويري أو الغريري" كما يسميه هو وسكان المنطقة حداً لأحلامه.
يضيف: "أندب اليوم حظي، وأتفقد المزرعة لأجد خرابًا جديدًا، واليوم قضم الوبر الصخري المزيد من أشجار العنب، وأتلف الأوراق الجديدة من البسفلورا، وقبلها اللوز والليمون. أشعر كأنني في معركة مع هذا العدو الشرس، الذي صار كابوسًا بالنسبة لي."
واستنادًا لجعايصة، المغرم بالطبيعة والبيئة، والذي استحدث في مدرسته حديقة بين كتل الاسمنت داخل مخيمه، فإنه طرق باب محافظة طوباس والأغوار الشمالية، وخاطب وزاراتي الزراعة والصحة دون جدوى.
يفيد: "ألجأ اليوم إلى الإعلام والسلطة الرابعة لعلي أجد معينًا لحل مشكلتي، وأظن أنني لو كنت في مكان لتسارع أصحاب الاختصاص لمساعدتي، لكني اليوم هنا في مكان مهمش."
الخراب الذي خلفه الوبر الصخري في حديقة عائد جعايصة
هجمات
وجعايصة ليس بمفردة من يعاني من ضربات الحيوان الشبيه بالأرنب فجاره إبراهيم عبد الهادي يعاني الأمرين، فحديقة بيته تتعرض كل يوم لهجمات منظمة لقطيع من (البويري) كما يقول، وعبثًا يحاول التصدي لها.
يفيد:" بدأت بمعالجة الوبر الصخري بالعديد من الطرق، ولم أنجح، واليوم أفكر في تدمير بيوته بين الصخور، فلم أر في حياتي حيوانًا بهذا الذكاء، فهو يرسل حيواناً مستكشفا للمنطقة قبل وصول القطيع، ثم إذا سمع بخطر يصدر أصواتًا للبقية."
ووفق عبد الهادي، فإن الآثار التي يتركها الحيوان على الأرض كبيرة، وتحتاج وقتاً لإصلاحها، فهو يعتلي الأشجار، ويُفضل اللوزيات والعنب، ويأكل القمم النامية، ولا يوفر شيئاً.
دخل أطفال إبراهيم في "معركة" الغريري كما يسميه محمد ( 8 سنوات)، فيقول: "هذا الحيوان مخرّب، ويقضي على الشجر، ولو أمسكه سيعدمه."
وينسق الجاران مع سكان المنطقة الشرقية من وادي الفارعة للبحث عن حلول، ويفكران في تحطيم الصخور الكبيرة التي يتخذها الحيوان البري مقرًا له ولهجماته.
يعود جعايصة للحديث: " كنت أجد في حديقتي راحة نفسية كبيرة، ونأكل مما تنتجه الأرض دون الكيماويات، ودفعت ثمنًا كبيرًا للري، وكنت حين أنظر إلى شجرة تحمل ثمارها وأقطفها بيدي، وأشم رائحتها، وأتناولها مع أفراد أسرتي بالسعادة البالغة، وأقترب من الأرض أكثر فأكثر، أما اليوم فجعلني هذا الحيوان قلقاً ومهمومًا ومضطرباً، وخاصة حين أراه يدفن أحلامي."
الوبر الصخري في وادي الفارعة
وصف
أخذ جعايصة، الذي أبصر النور عام 1970، يجمع معلومات عن غريمه، وصار يعرف أنه "حيوان بري يشبه الأرنب دون ذيل، وبأذنين قصيرتين وجسم مغطى بوبر بني غامق مع شعيرات لمسية، وعلى الجزء الخلفي من ظهره غّدة الرائحة، التي تظهر بشكل واضح بلون أصفر في فترة التزاوج. كما يتميز ببنية قوية مع عنق قصير وأطرافه قصيرة و قوية، وعلى القدم الخلفية 3 أصابع قصيرة، بظفر قوي يناسب البيئة الجبلية."
ومما أضافه عن عدوه:" يعيش الوبر في مجموعات، وتسكن في الجحر مجموعة كبيرة من الإناث والصغار مع ذكر بالغ يراقب الإنسان ويصدر صوت الإنذار للهرب عند رؤية الأعداء. وهو حيوان نهاري المعيشة يتغذى على النباتات والحبوب والثمار ويتحمل قلة الغذاء وقت الجفاف ويمتنع عن التكاثر، ويتزاوج الربيع وتلد الأنثى من 3 – 5 صغار بعد فترة حمل تستمر سبعة أشهر، وتولد الصغار قادرة على الحركة والجري وترضع الأم الصغار لفترة ثلاثة أشهر. وعند السنتين تبحث الذكور عن مسكن بديل، ولا يسمح لها بالبقاء مع المجموعة."
ينهي جعايصة:" أتمنى أن أعرف فائدة واحدة لهذا الحيوان، وأفهم توازن الطبيعة وأهمية عدم التعرض إلى الحياة البرية، لكنني أمام حيوان شرس يأكل الأخضر واليابس، ويتسبب بنقل ذبابة أريحا (اللشمانيا)."
عائد جعايصة يشير إلا الخراب الذي خلفه الوبر الصخري في أرضه الزراعية
أضرار
بدوره، يشير نائب مدير وزارة الزراعة في محافظة طوباس والأغوار الشمالية م. منذر صلاح، إلى أن أضرار الوبر الصخري تراجعت في السنوات الماضية، وهو يتسبب بخسائر للأشتال المزروعة حديثًا، وحقول الخضروات.
ويقول:" لا نمتلك في الوزارة أدواتاً لمواجهته، وهو حيوان له أضراره في مناطق محدودة، ولكنه لا يشكل وباءً في المحافظة حاليًا، وبالإمكان معالجته عن طريق سموم خاصة، ولكن بحذر خشية عدم وصول الأطفال والحيوانات الداجنة والطيور الأخرى لها."
معارضة
ويعارض آخرون، كالجامعية هبه عبد الله، التي تقيم في منطقة ليست بعيدة من وادي الفارعة طريقة التعامل مع الحياة البرية بهذه الحدة. وتؤكد أن الطبيعة بمفردها تتوازن، ولم يخلق الله أي شيء إلا لحكمه، فالوبر الصخري يمكن أن تكون له فوائد يجهلها الناس وبخاصة في الحياة البرية.
تضيف: "الطيور تأكل حبوب القمح عند زراعتها، وتسطو على ثمار الفاكهة، والأغنام ترعى الأشجار، والنحل يتسبب باللدغ، وإذا انطلقنا من هذه القاعدة، فإن الإنسان سيدعي أن كل الحيوانات تقريبًا تترك آثارها السلبية على النباتات، وسيطاردها للتخلص منها، ما يعني عمليًا تدمير التنوع الحيوي."
aabdkh@yahoo.com