خاص بآفاق البيئة والتنمية
يقع كهف وادي قانا على بعد بضعة كيلومترات من بلدات كفر ثلث، وبديا، وقراوة بني حسان، في محافظتي قلقيلية وسلفيت. ويعد فريدًا من نوعه لكثافة الهوابط فيه، وروعة المكان تتجلى في الأشكال التي تكوّنت جراء تساقط قطرات المياه الغنية بالمعادن على مر آلاف السنين. كانت الصدفة سبباً في اكتشاف أحد الرعاة كهفًا رائع الجمال في جبال وادي قانا، حين كان يلاحق حيوان النيص "الشيهم" إلى داخل فتحة الكهف، وإذ بكهفٍ يبهر الأنظار بتشكيلاته الملونة وممراته الغريبة وهياكله الساحرة الصاعدة والهابطة، لقد بدا المكان في حالة ذوبان.
|
 |
فريق رَحَّال فِلَسْطِينَ خلال سيره نحو كهف وادي قانا |
"كانت الصدفة سبباً في اكتشاف أحد الرعاة كهفًا رائع الجمال في جبال وادي قانا، حين كان يلاحق حيوان النيص "الشيهم" إلى داخل فتحة الكهف، وإذ به أمام كهفٍ يبهر الأنظار بتشكيلاته الملونة وممراته الغريبة وهياكله الساحرة الصاعدة والهابطة، لقد بدا المكان في حالة ذوبان".
إنها المعلومة الأولى التي أخبر بها الباحث نعمان الأشقر، ابن بلدة كفر ثلث، فريق رحال فلسطين عندما رافقه لاستكشاف كهف وادي قانا.
يقع الكهف على بُعد بضعة كيلومترات من بلدات كفر ثلث، وبديا، وقراوة بني حسان في محافظتي قلقيلية وسلفيت، ويُعد فريداً من نوعه لكثافة الهوابط فيه، وتتجلى روعة المكان في الأشكال التي تكونت جراء تساقط قطرات المياه الغنية بالمعادن على مر آلاف السنين.
 |
 |
استراحة فريق رَحَّال فِلَسْطِينَ تحت شجرة بلوط في وادي قانا |
الكابتن بلال حمامره يتوسط الباحثين المشاركين قبل دخول الكهف |
استطاع فريق رَحَّال فِلَسْطِينَ و"نادي خطانا المقدسي للاستغوار" بعد مسار مشي بدأ من قرية كفر ثلث في محافظة قلقيلية نحو جبال وادي قانا من الوصول إلى الكهف بمشاركة سبعة عشر مستغورًا، وبمشاركة الباحث نعمان الأشقر مع التجهيزات ومعدّات الأمان الضرورية مثل خوذة الرأس والأضواء الكاشفة، والحبال، وأدوات الصعود والهبوط، وأحذية تتحمل الطين والرطوبة.
ورغم التحديات والصعوبات واعتراض المستوطنين للفريق إلا أن المشاركين أصروا على الوصول إلى الكهف بعد أن قطعوا مسافة ستة كيلومترات، مرورًا بالقرية البدوية الفلسطينية، وعيون وادي قانا، وكفر قرع، ووادي الحمام، وجبل أبو خضر نحو كهف وادي قانا.
تنّفس المشاركون الصعداء بعد رؤية فوهة الكهف الضيقة، وقد نمت على أطرافها نبتة الكبار "القبار"، وبعد استراحة قصيرة انقسم الفريق إلى قسمين.
دخلت المجموعة الأولى الكهف، واستدعى ذلك مجهودًا بدنيًا غير عادي عبر فتحة ضيقة وصعبة جدًا، ثم تمكن الفريق فردًا فردًا بعد عملية زحف على الظَهر استغرقت دقائق طويلة وبطول عشرة أمتار من دخول الكهف الكارستي الجميل.
يبلغ طول الكهف 92 متراً وعرضه عشرة أمتار، ويقدّر ارتفاعه في بعض المناطق نحو ثمانية أمتار، ويتكون من أربعة طوابق.
وقد تمكن الفريق من دخول الطابق الأول والثاني على دفعتين، في حين أن الطابقين الثالث والرابع أغلقتهما دائرة الآثار الإسرائيلية بإحكام لأسباب مجهولة.
يبلغ طول الطابق الأول نحو 25 مترًا، وكان واضحًا فيها آبار الدفن العميقة، شاهدنا في الطابق الثاني سراديب عميقة، بعض منها ضيّق جدًا ومغلق جراء الانهيارات والزلازل التي كانت المنطقة عُرضة لها، وفي الكهف ما يقارب 21 غرفة، تسعة منها في المناطق العلوية، و 12 غرفة سفلية.
حين تنقلّنا بين الهوابط المتدلية كانت درجة الحرارة والرطوبة في الكهف عالية، ويعود تاريخ بعض الهوابط إلى آلاف السنين، ويصل طول بعضها إلى أربعة أمتار أو ما يزيد.
شاهدنا بعض الهوابط التي التقت بالصواعد إذ شكلّوا معاً أعمدة حجرية في منتهى الجمال، ورصد الفريق في الكهف نوعًا من الخفافيش صغير الحجم، إضافة إلى حيوان "الشيهم" الذي وجدتُ بعضًا من ريشه.
 |
 |
استعدادات الفريق لدخول كهف وادي قانا |
التقاء الصواعد والنوازل في كهف وادي قانا |
وادي قانـــا محميـــة طبيعيــة بإحدى عشـــرة عيـــنًا
يقع وادي قانا بين محافظتي قلقيلية وسلفيت في شمال الضفة الغربية، وهو وادٍ نضير خصيب تحيط به جبال صخرية يتدفق منها ماء غزير عذب صافٍ.
يتلوّى في سواقٍ متعرّجة متفرّقة تارة، ومتّحدة تارة أخرى تلتقي في قعر الوادي بين صخور صقلتها المياه الجارية على مدار آلاف السنين، مناظر خلابة على امتداد البصر، خضرة وجمال، وأشجار باسقة تمتد نحو السماء.
و"قانا" لغويًا كلمة آرامية تعني بحسب كتاب " بلادنا فِلَسْطِينَ " لمؤلفه مصطفى الدباغ " المستور" أو المخفي، تتفجر من بين صخور واديها ينابيع مياه عدة، منها عين الحية، وعين المعاصر، وعين الجوزة، وعين الفوار، وعين البنات، وعين البصة، وعين التنور، وعين أبو شحادة.
 |
 |
دانا نعمان الأشقر اصغر فتاة تشارك في استغوار كهف وادي قانا |
بعض اعضاء الفريق في استراحه بعد عملية استغوار كهف وادي قانا |
وهناك عيون خارج الوادي وعيون في المنطقة التي يسكنها عرب "الخولة" في الوادي، حيث يعيشون حياة بدائية لعدم توفر الكهرباء وتمديدات المياه.
يحيط بالوادي ست قرى فلسطينية، من الشرق بلدة دير استيا، ويحيط بالوادي من الجهة الشمالية كفر لاقف وعزون، ومن الجهة الغربية تقع قرى سنيريا، وكفر ثلث.
ومن الجهة الجنوبية، قراوة بني حسان، ومن الجهة الشرقية إماتين ودير استيا، ومعظم أراضيه يمتلكها مزارعون من بلدة دير استيا المجاورة.
يتحدث الباحث نعمان الأشقر ابن بلدة كفر ثلث عن الكهف قائلاً: "يقع كهف وادي قانا بين قرية سنيريا وكفر ثلث وقراوة بني حسان ودير استيا بين محافظتي قلقيلية وسلفيت في منطقة اسمها وادي شالوخا مقابل منطقة أبو عمار والنويطف والماجور، وكما يقول الباحث الأشقر، هو يتبع جغرافيًا لبلدة بديا على الحدود الفاصلة بين سنيريا وبديا، ولكنه متعارف عليه بـاسم الوادي "كهف وادي قانا".
يواصل الأشقر حديثه بالقول: "في وادي قانا العديد من المواقع، وهي بحاجة إلى استكشاف مثل مغارة "الجمل"، وتتبع أراضي بلدة كفر ثلث، وتحتوي على تشكلات صخرية، ولها حكاية وأسطورة، إذ نُهبت آثارها ومقتنياتها إبّان الاحتلال البريطاني لفلسطين".
ويشير إلى وجود مغارة "الشياطين" في الوادي، وتقع بالقرب من "خربة أبو شحادة"، وتعود للعصر اليوناني والبيزنطي.
 |
 |
الباحث خالد ابو علي داخل كهف وادي قانا |
الحلقات الثمانيه (اساور) من الذهب والفضة في جامعة القدس |
تنقيبات سلطات الآثار الإسرائيلية
عرضت دائرة الآثار الإسرائيلية في عام 2018 تقريرًا مصورًا يتحدث عن المكتشفات والكنوز الأثرية ومنها عظام وفخار ومكاحل التي اُستخرجت من داخل كهف وادي قانا.
ويفيد التقرير أن العمل في التنقيبات بدأته بعثة متخصصة في عام 1981 واستمر متقطعًا حتى عام 1991 وتمت هذه الأعمال بسرية مطلقة حتى أُعلن عنها قبل نحو أربع سنوات.
ويرى التقرير الكهف من أهم المقابر الأثرية في فلسطين في العصور القديمة، متناولًا "مجمع مقابر" ضم حوالي خمسمائة جثة من عدة عصور، ذلك أن أقدمها تعود إلى العصر الحجري الحديث في الألف السابع قبل الميلاد، فيما قبورٌ أخرى تعود إلى العصر البرونزي القديم.
ويعرض التقرير عددًا من الأواني الفخارية كشفتها الحفريات تعود للعصر الحجري النحاسي أي حوالي 4500 قبل الميلاد، وما ورد في التقرير يتطابق مع مواصفات الدفن في تلك العصور، مشيرًا إلى أن المقابر كانت تأخذ شكل الآبار.
لكن الاكتشاف الأهم هو الحلقات الثمانية "أساور"، وتعد أقدم أشكال الوزنات على مستوى العالم، ست منها سبائك "الإلكتروم" وتتكون من 70% ذهب و 30% فضة. اثنتان منها ذهب خالص، ويتوقع العلماء أنها اُشتريت من مصر قبل 6500 عام على يد التجار اليرموكيين، وعُثر على هذه الأساور بجانب أحد الأموات بالكهف، وكانت أقدم استخدام للمقايضة قبل اكتشاف العملة.
يُشار إلى أن جميع المكتشفات والكنوز الأثرية موجودة في متحف القدس، ومن الواضح أن الإسرائيليين أبقوا الموضوع دون نشر لسنوات طويلة حتى يُستكمل عملهم التنقيبي الذي استمر نحو عشر سنوات.
 |
 |
أعضاء الفريق مع تجهيزات السلامة وألأمان داخل كهف وادي قانا |
قطرات الماء وهي تنساب من متدليات كهف وادي قانا |
مقابر كهف وادي قانا عبر العصور القديمة
من المؤكد أن كهف وادي قانا هو كهف طبيعي لكن استغله الإنسان القديم لدفن الموتى، وهذا دليل على اهتمامه منذ الأزل بالموت والإيمان بالحياة الأخرى بعد الموت.
يقول عبد الرحيم حمران وهو خبير آثار: "تكمن أهمية هذا الموقع أولاً أنه كهف طبيعي جيولوجي كوّنته الجيولوجيا، وبسبب تسرب المياه إليه تشكّلت الصواعد والهوابط على مدار ملايين السنين".
وعلى صعيد آخر اُستخدم مقبرةً جماعية بشكل متسلسل ابتداءً من العصر الحجري الحديث حتى البرونزي القديم، ومن النادر جدًا على مستوى العالم أن تضم مقبرة واحدة هذا التسلسل التاريخي".
ويضيف حمران: "أثبتت الحفريات الأثرية التي نفذّتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي أن الكهف اُستخدم "مقابر لدفن الموتى" على فترات زمنية طويلة جدًا تضم مئات الهياكل العظمية، حيث كُشف عن أكثر من مقبرة، وهي من المقابر الجماعية المعروفة بالمقابر البئرية".
وتعود المقبرة حضاريًا لوادي قانا لأن السكن في تلك العصور كان فيه، لقد كانت المقابر التي يدفنون فيها موتاهم".
ويؤكد أنه من أهم الاكتشافات التي تعود إلى تلك العصور، فقد استمر استخدام الكهف على مدار العصور "من الألف السابع حتى الألف الثالث قبل الميلاد"، وقد كان يُخصص للمقابر وليس للسكن، فيما أقدم المدافن الأثرية تعود إلى العصر الحجري الحديث".
وأشار إلى أن الفترة الثانية للمدافن تعود إلى العصر الحجري النحاسي، باكتشاف العديد من الأواني الفخارية في هذه المقابر لنفس الفترة وهي ذاتها التي اكتشف فيها الإنسان الفخار، وكان من الطقوس الجنائزية وضع الأواني مع الموتى وهي فترة تعاصر مدينة أريحا، والفخار كما يبدو ليس محروقًا جيدًا، لأنه يمثل أول مراحل اكتشاف الفخار في العصر الحجري النحاسي.
واستمر الدفن في هذا الكهف في العصر البرونزي المبكر، واُكتشفت أوانٍ فخارية و"رأس حربة" من البرونز في المدافن، وهي أيضًا طقوس كانت سائدة في العصور البرونزية، وأيضًا كان الدفن في قبور جماعية على شكل آبار.
ويستطرد حمران في حديثه معنا بالقول: "من المعروف أن جميع الحضارات في فلسطين نشأت على ضفاف الأنهار والوديان، ووادي قانا شهد استقرارًا بشريًا على مدار العصور، وهذا الاكتشاف يُلقي الضوء على حضارة قديمة جدًا واستقرارٍ بشري على ضفاف وادي قانا يوازي حضارة وادي اليرموك وأريحا ووادي الفارعة، ويفتح الباب واسعًا للمزيد من الدراسات عن هذه المنطقة خاصة بوجود هذا العدد الهائل من الهياكل العظمية، وهذا دليلٌ على الكثافة السكانية فيها منذ ما قبل عصور الاستقرار عندما كان الإنسان صيادًا للطرائد".
 |
 |
التشكيلات الجميله من النوازل داخل كهف وادي قانا |
الكابتن عارف العويوي خلال تفحصه جدران الكهف |
مصادرة كنوز لا تُقدّر بثمن
في تقرير للصحفي محمد أبو خضير نُشر في صحيفة القدس بتاريخ 14 مارس/ آذار 2022 بعنوان "سلطة الآثار الإسرائيلية مَسحت أكثر من 400 كهف بالضفة وصادرت كنوزًا لا تُقدّر بثمن".
وورد في التقرير أن سلطة الآثار الإسرائيلية كشفت عن مسحٍ شامل أجرته في السنوات الثلاث الماضية لنحو 400 كهف ومغارة في الضفة الغربية، وخاصة في المنطقة الجنوبية الشرقية لبيت لحم والخليل ولمنطقة البحر الميت، وأنها أسسّت وحدة تتمتع بسلطات واسعة، وقد نُقلت العديد من الآثار الفلسطينية في الضفة الغربية إلى المتاحف الإسرائيلية بزعم الحفاظ عليها.
ويسهب تقرير سلطة الآثار الإسرائيلية في الحديث عن سرقة البعثات الأجنبية البريطانية والفرنسية والألمانية الآثار الفلسطينية سابقاً.
لكنه لم يتناول وفقاً للصحفي أبو خضير "السرقات التي نفذّها الاحتلال أو دمرّها جيشه في أثناء بناء جدار الفصل العنصري في عمق الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلة".
يُذكر أن آخر إحصاءات دائرة الآثار والتراث الثقافي الفلسطينية، أكدت أن ما يزيد على 500 موقع أثري، وأكثر من 1500 مَعلم أثري فرعي كانوا عُرضة للسرقة والتدمير على يد لصوص الآثار والاحتلال.
وقالت "دائرة الآثار والتراث" إن السبب في هذه الفوضى يعود لانهيار نظام الحماية في المناطق المُصنّفة "ج" التي تقع تحت إدارة الاحتلال المباشرة، ثم أعمال التدمير التي نفذّها بحق مواقع التراث الثقافي، كما حدث في القدس ونابلس، والخليل، وبيت لحم، وعابود، ومناطق واسعة من جنوب الضفة الغربية والبحر الميت.
وحسب دائرة الآثار فإن بناء جدار الفصل العنصري والعازل بالجهة الغربية في عمق الأراضي الفلسطينية ضمّ ما يزيد على نحو 270 موقعًا أثريًا رئيسًا، وحوالي 2000 معلم أثري وتاريخي إلى جانب عشرات المواقع الأثرية التي دمرّتها جرافات الاحتلال في مسار جدار الفصل العنصري.
وبالرجوع إلى دائرة الآثار الفلسطينية، فإن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، تضم أكثر من 3300 موقع أثري، وفي كل نصف كيلومتر في تلك الأراضي نجد موقعًا أثريًا.
وبلغ عدد المواقع الرئيسة في الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة – حسب دائرة الأثار – 1944 موقعًا أثريًا، وعدد المعالم الأثرية 10000 معلم أثري، وهناك ما يزيد على 350 نواة مدينة وقرية تاريخية تضم ما يزيد على 60 ألف مبنى تاريخي.
واستنادًا للقانون الدولي ومعاهدة جنيف الرابعة "لا تجوز سرقة ونقل الآثار من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلا في حالات الإنقاذ"، بيد أن "إسرائيل" كما يقول الصحفي أبو خضير تنفّذ عمليات نهبٍ منظمة ومدروسة للآثار"، مدعية أن "الآثار الفلسطينية اليبوسية والكنعانية هي بقايا ما يُسمى الهيكل الأول والثاني والخراب، وتروّج لرواياتٍ لا سند لها، فيما رفض أخيرًا الكثير من علماء الآثار "حتى اليهود" تجيير الآثار وإخضاعها للسياسة والأهداف الإسرائيلية".
 |
 |
التجاويف الغريبه والملونه داخل كهف وادي قانا |
النوازل والصواعد في كهف وادي قانا |
اتفاقية لاهاي وحماية الممتلكات الثقافية
سألنا إياد يونس الذي يحمل شهادة الدكتوراه في علم الآثار واللغات القديمة وآثار الشرق القديم عن الهدف من وراء سرقة الاحتلال الإسرائيلي الآثار والتراث الفلسطيني، فقال: "يريدون إعطاء صبغة يهودية لها، لخدمة الرواية التوراتية بشأن احتلال فلسطين و"اختراع تاريخ" لهم غير موجود في الأصل، لذلك عملت الصهيونية على تزوير المعطيات الأثرية الفلسطينية كافة، وإعطائها صبغة مزعومة".
ويتطرق د.يونس إلى اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح، التي عُقدت في14 أيار/مايو 1954، مبينًا: "وجب على الجهات الأثرية في فلسطين الاستفادة من هذه الاتفاقية، التي تعترف وتقر بأن الممتلكات الثقافية قد منيت بأضرار جسيمة في النزاعات المسلحة، لا سيما أن الأخطار التي تحفّ تلك الممتلكات في ازدياد مطرّد بسبب تقدم تقنيات الحرب.
وتلك الاتفاقية تؤكد أن الأضرار التي تلحق بممتلكات ثقافية يملكها أي شعبٍ كان، تمسّ التراث الثقافي الذي تملكه الإنسانية جمعاء، تبعًا لكلامه، وكل شعب يساهم بنصيبه في الثقافة العالمية؛ كما أنها ترى أن في المحافظة على التراث الثقافي فائدة عظمى لجميع شعوب العالم، وأنه ينبغي أن يُكفل لهذا التراث حماية دولية؛ وبموجب هذه المبادئ الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح وُقعّت اتفاقيتي لاهاي عام 1899 وعام 1907 وميثاق واشنطن المؤرخ في 15 أبريل/ نيسان 1935.
وحتى تكون هذه الحماية مجدية ومنظمة وقت السلم، باتخاذ التدابير اللازمة والممكنة لحماية الممتلكات الثقافية، يقترح دكتور يونس التالي: "على السلطات الوطنية المختصة في المناطق الواقعة تحت الاحتلال - بقدر استطاعتها- حماية ممتلكاتها الثقافية والمحافظة عليها، كما جاء في المادة الخامسة من اتفاقية لاهاي، كما يجب على السلطات الأثرية والرسمية الفلسطينية أن تنفّذ خطوات وإجراءات مع الأحداث الحالية، فيجب وضع خارطة تفاعلية تحصي جميع المواقع الأثرية في المحافظات الفلسطينية وما طالها من اعتداءات إسرائيلية مدعمة بالبيانات والتفاصيل والصور، ووضعها على القائمة الدولية تحت بند "آثار عرضة للنهب والسرقة والتزوير"، على ألا نغفل رقمنة أرشيف الآثار الفلسطينية، مستفيدين من تجارب الدول الأخرى في أثناء الحروب كسورية ولبنان.
كما يحث د. يونس الجهات الرسمية على "التواصل والتعاون مع منظمة الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول"، مستندين إلى الاتفاقيات الدولية وخاصة لاهاي وملحقاتها في مكافحة السرقات الأثرية والبحث عن القطع المسروقة ليُوقف بيع القطع الأثرية الفلسطينية".
ويشدد على ضرورة تزويد الجهات الأمنية بمعلومات كاملة عن القطع الأثرية المسروقة والمهرّبة، مضيفًا: "في المقابل يجب أن تطالب السلطة الوطنية الفلسطينية مجلس الأمن، عبر مكتب اليونسكو، بوقف الاحتلال الإسرائيلي تهريب الآثار الفلسطينية، مما يتيح للسلطة الأثرية الفلسطينية والسلطات المعنية المطالبة باستعادتها".
ويختم دكتور يونس حديثه مع "آفاق البيئة والتنمية" بالقول: "فلسطين تخسر في كل يوم أيقونات من التراث الإنساني، ويجب على كل الأطراف المعنية أن تقف عند مسؤولياتها، فما يحصل في فلسطين يعني الإنسانية جمعاء".
 |
 |
الباحثان نعمان الأشقر وخالد ابو علي داخل كهف وادي قانا |
الأسير المحرر عامر القواسمي خلال عمليه الإستغوار للكهف |
قانون التراث الثقافي المادي المحلي والدولي
صدر في مدينة رام الله بتاريخ 29/04/2018 قرار بقانون يحمل رقم (11) لسنة 2018م بشأن التراث الثقافي المادي.
ويتضمن القرار ثمانين مادة تتحدث عن التراث الثقافي المادي الموجود على سطح الأرض أو في باطنها أو المغمور في المياه كلياً أو جزئياً في الدولة.
والهدف من القرار بقانون من هذا النوع، تحقيق حماية التراث في الدولة، والحفاظ عليه للأجيال القادمة والتعريف بالتراث الفلسطيني، وإدارته بالشكل الأمثل، والحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية للدولة.
وتنص المادة (5)من القانون: "يُعد التراث الموجود في الدولة أو في مياهها الإقليمية، أو المُكتشف نتيجة أعمال التنقيب المشروعة أو غير المشروعة، أو بطريق المصادفة، ملكًا عامًا لها، باستثناء التراث الذي يُثبت أصحابه ملكيتهم له بسند قانوني، وأن ملكية العقار لا تكسب حَائزه حق التصرف بالتراث الموجود على سطحه أو في باطنه، ولا تخولّه حق التنقيب عنه إلا وفقاً لأحكام هذا القرار بقانون".
 |
 |
الباحث خالد ابو علي خلال توثيقه الصواعد والنوازل داخل كهف وادي قانا |
فريق المشاركين بعد الإنتهاء من عملية الأستغوار للكهف |
وفي محاضرة نُظّمت في شهر أيلول الماضي بعنوان "فلسطين في الفترة الهيلينستية ( 332-64 ) قبل الميلاد"، تحدث فيها د. وائل حمامرة الذي يعمل مديرًا للتنقيب والمسح الأثري في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، وقال: "كل الحفريات التي ينفذها الاحتلال في أراضي الضفة الغربية هي حفريات غير شرعية ومخالفة للقوانين الدولية، ومخالفة لاتفاقية لاهاي 1954 ومخالفة لاتفاقية اليونسكو لعام 1970 اللتين وقعّت "دولة فلسطين" عليهما، فيما "إسرائيل" وقّعت فقط على البروتوكول الأول من اتفاقية عام 1954 والذي ينص على حماية الممتلكات الثقافية في فترة النزاع المسلح، بينما البروتوكول الثاني لعام 1999 واتفاقية 1970 لم توّقع الأخيرة عليهما".
وفي السياق نفسه، أضاف حمامرة الحاصل على شهادة الدكتوراه في الآثار من جامعة روما لاسيبينزا في إيطاليا: "توثق وزارة السياحة والآثار الفلسطينية الحفريات التي ينفذها الاحتلال، ولدينا وثائق وأرشيف بخصوص ما ترتكبه في هذا الصدد، في أراضي الضفة الغربية، كونها حفريات غير قانونية، وتلك المواد الحضارية الأثرية يجب أن ترجع لنا طال الزمن أو قصر".
وأيضًا، في ندوة ثقافية بعنوان "تدمير التراث المادي وآثاره على الهوية الفلسطينية"، نظمتها وزارة الثقافة بالتعاون مع مركز عمارة التراث في الجامعة الإسلامية، أوصى عدد من الباحثين والمختصين في الآثار والتاريخ، بضرورة تفعيل قانون الآثار الفلسطيني لحماية مكونات التراث المادي، والمحافظة عليها باعتبارها شاهداً على الحق الفلسطيني.
وطالب المشاركون الحكومة الفلسطينية بتخصيص موازنات كافية لتمويل المشاريع التي من شأنها الحفاظ على التراث المادي الفلسطيني، داعين إلى تنفيذ برامج توعوية لمختلف شرائح المجتمع حول أهمية التراث ونشر ثقافة التطوع لترميم وصيانة المواقع الأثرية.
 |
 |
التشكيلات الكلسية المعدنية الطبيعية تكونت بفعل مياه الأمطار الغنية بثاني أكسيد الكربون |
مشهد عام تظهر فيه الينابيع في وادي قانا |
 |
 |
خارطة تبين مكان الكهف رسمها صندوق الإستكشاف البريطاني عام 1875 |
خارطه لوادي قانا رسمت خلال فترة الإنتداب البريطاني |