ندوة لــ "آفاق البيئة والتنمية" عن المياه العادمة في قطاع غزة تدعو إلى تنظيم واقع محطات المعالجة
غزة/ خاص بآفاق البيئة والتنمية
ناقشت ندوة حوارية نظمتها مجلة آفاق البيئة والتنمية، بعنوان "المياه العادمة في قطاع غزة.. تحديات وحلول" الخطر الداهم الذي تشكلّه أحواض المعالجة العشوائية في شمال القطاع وتكرار فيضان المياه العادمة وغرق مئات الدونمات وعشرات المنازل. كما أصبح الخزان الجوفي في المنطقة ملوثًا تمامًا، والآبار أضحت تنتج مياهًا ملوثة، حيث شوهدت رغوة عند تشغيل الآبار. البلديات تعاني أزمة مادية طاحنة ولا تستطيع الايفاء بالتزامات موظفيها، فالموظف يتقاضى 50% من راتبه بسبب قلة الجباية التي لا تتعدى 20%، فكيف بوسع البلديات أن تجري الصيانة اللازمة لهذه المحطات الضخمة!
|
 |
الندوة الحوارية التي نظمتها مجلة آفا فاق البيئة والتنمية حول واقع المياه العادمة في قطاع غزة |
دعا مسؤولون في الشأن البيئي والمياه إلى تحسين كفاءة محطات معالجة مياه الصرف الصحي في قطاع غزة، والاستفادة من المياه المعالجة في الزراعة والصناعة، والتخلص من الحفر الامتصاصية.
جاء ذلك في ندوة حوارية نظمها مركز العمل التنموي/ معاً معنونة بــ "المياه العادمة في قطاع غزة.. تحديات وحلول"، أكد فيها المختصون المشاركون على ضرورة تضافر الجهود لتفعيل الدور الرقابي لحماية البيئة.
وأجمعوا على أهمية التنسيق وتضافر الجهود من الجهات العاملة في هذا القطاع سواء الحكومية أم الأهلية، مطالبين الجهات المانحة بالنهوض بمستوى الخدمات والحفاظ على استمرار تشغيل المحطات ضمن المعايير المسموح بها، وإلا فإن خطراً داهمًا يحدق بـــ 2 مليون إنسان.
كما أوصوا بتشكيل لجنة تضم مختصين لدراسة جدوى مشاريع المعالجة قبل بدء تنفيذها بهدف إنجاحها، لا سيما وأن عددًا من المشاريع منيت بالفشل قبل أن ترى النور.
كما ناشد هؤلاء المختصون المؤسسات الدولية ذات العلاقة، بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي للسماح بإدخال لوازم هذه المحطات لتفادي انهيار المنظومة وتجويد العمل، مع زيادة عدد السكان وما يرافقها من زيادة الضخ للمحطات.
وكان مختصر رسالتهم للمؤسسات الدولية: "ننتظر منكم مساندة الشعب الفلسطيني والضغط لمنع الاحتلال من تدمير البيئة، وتوفير الحلول العلاجية اللازمة للحد من استنزافها وإعادة تأهيلها".
وبحضور خبراء في مجالي المياه والبيئة، ناقشت الندوة "مؤشرات ودلائل الواقع البيئي الصحي الغزي" الناجم عن مشكلة مياه الصرف الصحي، استعرض فيها المتحدثون بالأرقام والمعطيات الوضع الخطير الذي يعيشه سكان القطاع، جراء حصار محكم وحروب متكررة.
ورحب م. ماجد حمادة في مستهل الورشة بالحضور وقال في مطلع كلمته:" تأتى هذه الورشة في إثر الحاجة الماسة إلى تحسين واقع محطات المعالجة مع الزيادة السكانية، والحصار الإسرائيلي للقطاع منذ 15 عامًا، ومنع إدخال المعدّات اللازمة لاستمرارية عمل المحطات".
وعرض فيلمًا مصورًا لمحطة المعالجة في شمال القطاع يتناول واقع القطاع وما يقع بحقه من انتهاكات.
وعقّب قائلًا:" 2 مليون مواطن عرضة للخطر في أي لحظة".

جانب من ندوة محطات المعالجة في غزة
تحديات أبرزها "إسرائيل"
بدوره، تطرق م. نهاد الخطيب مسؤول تشغيل محطات الصرف الصحي بمصلحة مياه بلديات الساحل إلى تأثير الحصار الإسرائيلي على الجهود المحلية والدولية لمعالجة مياه الصرف الصحي في قطاع غزة، مبيّناً أن الحصار تسبَّب في وقف مشاريع قائمة بسبب تعذّر إدخال احتياجاتها من مستلزمات ومعدّات وآلات، كما ساهمت أزمة نقص الطاقة في ذلك.
وأشار الخطيب إلى أن عملية معالجة مياه الصرف الصحي بدأت في قطاع غزة إبّان فترة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة وعلى وجه الخصوص في السبعينيات، ثم توالت بعد ذلك المشاريع المحلية والدولية، ومع ذلك، مازال القطاع يشكو من مياه الصرف الصحي.
واستعرض في سياق حديثه جملة التحديات التي تواجهها المشاريع الخاصة بالمياه، وبخاصة محطات المعالجة، مضيفًا :"الكثير من مراحل تطوير المحطات تؤجل لعدم سماح الاحتلال بإدخال المعدات اللازمة لتشغيلها وإنجازها، حتى أن بعض المشاريع معلقة منذ ما يزيد على العام ونصف العام".

جانب من ندوة واقع المياه العادمة في قطاع غزة تحديات وحلول
عن أربع محطات رئيسة
"من محطات المعالجة الموجودة في القطاع، محطة معالجة الشمال التي تقع شرق جباليا، وقد انتهى إنشاء المرحلة الأولى منها نهاية عام 2017 بقدرة استيعابية 35 ألف متر مكعب/اليوم، إذ تستقبل مياه الصرف الصحي من محافظة الشمال، والبالغ عدد سكانها حوالي 430 ألف نسمة، حسب مركز الإحصاء لعام 2022 " تبعًا لحديثه.
ولفت إلى أن المياه المعالجة تُرّشح إلى الأرض لتُستخدم لاحقًا لأغراض الري، فيما تُعالج المياه العادمة وفق المعايير الدولية التي تسمح باستخدامها في الزراعة، وحاليًا يجري تزويد المحطة بنظام الطاقة الشمسية بهدف التغلب على أزمة الكهرباء، وكذلك للحد من التكاليف التشغيلية كون أن استهلاك الطاقة يمثل النسبة الأعلى من هذه التكاليف.
وأفاد الخطيب أن إبقاء بعض أحواض المعالجة في بيت لاهيا، وعدم إغلاقها في الفترة الحالية هو جزء من خطة الطواري في حال تعطل أحد مكونات المنظومة، بالنظر إلى عدم استقرار الوضع السياسي في قطاع غزة، كما تُبقى الكميات الفائضة عن القدرة الاستيعابية لمحطة الشمال داخل حوض بيت لاهيا للحفاظ على كفاءة معالجة المحطة كون أن المياه المنتجة حاليًا من محافظة الشمال تفوق القدرة الاستيعابية للمحطة، وهناك حاجة لتوسعتها في القريب العاجل.
أما المحطة الثانية، والكلام له، هي محطة معالجة غزة المركزية التي أخيرًا انتهى إنشاء المرحلة الأولى منها بقدرة استيعابية 60 ألف متر مكعب/اليوم، وما زالت تحت مرحلة التشغيل التجريبي من قِبل المقاول المنفّذ للمشروع، وقد صُمّمت المحطة لتخدم كل من غزة والوسطى، وتستقبل مياه الصرف الصحي من محافظة غزة بنحو 30 ألف متر مكعب/ اليوم، إضافة إلى 30 متر مكعب/ اليوم من المحافظة الوسطى.
وفي السياق نفسه يواصل الحديث: "تُعالج المياه داخل المحطة ومن ثم تُضخ إلى وادي غزة، وحاليًا يجري العمل على تطوير الوادي وتنظيفه وإعادته محمية طبيعية، علمًا أن المشروع سيساهم في القضاء علي المكاره الصحية والبيئية في منطقة الوادي التي طالما عانى بسببها سكان المناطق المحيطة".
محطة معالجة الشيخ عجلين- غزة هي المحطة الثالثة، إذ تنتج محافظة غزة ما يقارب 75 ألف متر مكعب/ اليوم من مياه الصرف الصحي، وكون أن المحطة المركزية لا تستوعب كامل الكمية المنتجة من محافظة غزة، فإن محطة الشيخ عجلين تُخصص لمعالجة الكمية المتبقية من مياه الصرف الصحي بمعدل 45 ألف متر مكعب/ اليوم، حسب كلمته التي جاءت في ندوة معاً.
وأوضح مسؤول تشغيل محطات الصرف الصحي بمصلحة مياه بلديات الساحل: "المياه المعالجة تُضخ إلى البحر وفق المعايير المطلوبة، وعملنا في العام الماضي على تطوير وصيانة هذه المحطة لرفع كفاءة المعالجة لضمان ضخ مياه غير ملوثة إلى البحر، وتزويدها بنظام الطاقة الشمسية لتجاوز مشاكل الكهرباء وتبعات انقطاعها على كفاءة المحطة.
وبخصوص محطة معالجة خان يونس المركزية الفخاري، فقد انتهى إنشاء المرحلة الأولى منها عام 2020 بقدرة استيعابية 26500 متر مكعب/اليوم، وقد صُمّمت المحطة لتخدم 75% من سكان مدينة خانيونس و 35% من سكان القري الشرقية، وتستقبل هذه المحطة مياه الصرف الصحي حاليًا من مدينة خان يونس فقط بواقع 16 ألف متر مكعب /اليوم، "لأن القرى الشرقية ما زالت غير مخدومة بنظام الصرف الصحي، وتعتمد على الآبار الامتصاصية لتصريف المياه العادمة والتي تسبّب العديد من المكاره البيئية والصحية" يقول الخطيب.
وكشف النقاب في سياق حديثه عن توفير تمويل لتغطية جزء من القري الشرقية بنظام الصرف الصحي، وسيستمر العمل على خدمة باقي القري بنظام الصرف الصحي، لافتًا إلى أن المياه داخل المحطة تُعالج وتُضّخ إلى أحواض الترشيح شرق الفخاري وفق المعايير الدولية لتُستخدم لاحقًا في الري والزراعة.
ويضيف: "هذه المحطة ساهمت في الحد من المشاكل البيئية الناتجة عن محطة المعالجة القديمة في منطقة المواصي والتي تُجفّف حاليًا، على أن يبقى جزء منها لاستخدامه في حالات الطوارئ".

ندوة حوارية حول واقع المياه العادمة في قطاع غزة...تحديات وحلول
تجاوز المعايير
وبالانتقال إلى محطة معالجة رفح، فإنها تستقبل يوميًا ما يقرب من 20 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي، إذ تُعالج المياه العادمة وتُضخ إلى البحر، وأحيانًا تتجاوز المعايير المسموح بها، كون أن المحطة تعمل بتقنيات قديمة وتحتاج الي تطوير وتوسعة.
وفي الندوة التي عقدتها معًا، يؤكد الخطيب أن مصلحة المياه تبذل جهدها بالتعاون مع سلطة المياه لتوفير التمويل لتطوير المحطة لتشمل أيضًا نظام إعادة استخدام المياه المعالجة لأغراض الري.
وتعرَض في حديثه إلى جملة من التحديات التي تواجه محطات المعالجة، أبرزها صعوبة تغطية تكاليف التشغيل والصيانة، مع الظروف الاقتصادية الصعبة، وتدني معدلات الجباية التي لا تتجاوز 20% ، مؤكدًا أنها من أهم التحديات التي تواجه مزودي الخدمات في قطاع غزة.
وألقى اللائمة على الحصار وبموجبه القيود المفروضة من الاحتلال على إدخال المواد والمعدات اللازمة للمشاريع وأغراض الصيانة في تأخير تنفيذ المشاريع الهامة، إضافة إلى تسبَّبه في تعطيل عمليات التشغيل للمَرافق، وبالتالي تأثّر مستوى الخدمات سلبًا.
التهديد بالتخلي عن محطة الشمال
في حين قال د. تامر الصليبي مدير عام بلدية بيت لاهيا، إن مياه الصرف الصحي تتضاعف في فصل الشتاء عن الصيف بسبب اختلاط مياه الأمطار مع مياه الصرف، وحسب رأيه لا بد أن يوجه المانحون مشاريعهم لعمل مصائد لمياه الأمطار لاستخدامها في تغذية الخزان الجوفي وري المحاصيل الزراعية.
وأشار د. الصليبي إلى أن كمية مياه الصرف الصحي الواردة في الصيف تتفاوت من 35 إلى 40 ألف كوب، بيَّد أنها في فصل الشتاء تصل من 55-60 ألف كوب يوميًا.
ويرى أن مكمن الخطورة يتمثل في القدرة الاستيعابية وهي 35 ألف كوب/يوميًا، ويرد للمحطة بحسب المشغلين لها أكثر من 35 ألف إلى 45 ألف، ما يعنى أنه يوميًا يُرجع من ( 5-10 ) آلاف كوب يوميًا إلى الأحواض العشوائية.
موضحًا: "خطر تلك الأحواض ما زال قائمًا، ما يهدد بتكرار الفيضان وغرق المئات من الدونمات وعشرات المنازل، فضلًا عن أن الخزان الجوفي في المنطقة أصبح ملوثًا تمامًا، والآبار في المنطقة أضحت تنتج مياهًا ملوثة، حيث شوهدت رغوة عند تشغيل الآبار".
وشدد الصليبي على ضرورة تنفيذ مشاريع لتوسعة المحطة لأنه "في حال عدم التمكن من ذلك سنقع في أزمة كبيرة". وعن التحديات التي تواجه محطات المعالجة، يخبرنا: "تحتاج إلى طاقة كهربائية مستمرة وبصورة دائمة، والجهات المانحة تنبّهت لهذه النقطة لذا رفدت بعض مشاريع المعالجة بمحطات طاقة شمسية. نخشى أن تلاحقنا الأزمات فيما يتصل بالكهرباء بين الفينة والأخرى".
جدير بالذكر أن البلديات ومصلحة مياه بلديات الساحل وسلطة جودة البيئة يجرون دراسات بخصوص واقع محطات معالجة الصرف الصحي في قطاع غزة وقدرتها على الاستيعاب وأبرز المعضلات التي تواجهها.
وأفصح عما يؤرّقهم: "اليوم يلّوح المانحون بتخلّيهم عن إدارة محطة الشمال، وذلك بالانسحاب تدريجيًا بمعدل 20% كل عام، وبعد خمس سنوات ستُسلّم إدارتها ومصاريفها التشغيلية كاملة للبلديات.
ويعرب عن مخاوفه من القادم: "ما سبق، يعنى أننا سنذهب في حينه إلى دائرة الخطر، وبطبيعة الحال ليس لدينا ميزانية لذلك، حتى لو عولّنا على الجباية فهي لا ترتقي إلى هذه الدرجة، لا سيما وأن تكلفة كوب المياه المُعالجة تتراوح من ( 3-4) شيكل.
ويردف في حديثه: "البلديات تعاني أزمة طاحنة على الصعيد المادي، ولا تستطيع الإيفاء بالتزامات موظفيها، فالموظف يتقاضى 50 % من راتبه بسبب قلة الجباية التي لا تتعدى 20% ، فكيف بوسع البلديات أن تجري الصيانة اللازمة لهذه المحطات الضخمة!".
وفيما يتصل بمحطة البريج في المنطقة الوسطى التي من المقرر أن تستوعب يوميًا 30 ألف كوب من غزة وغيرهم من المنطقة الوسطى، على أن تُجفّف محطة الشيخ عجلين، كان له رأي مخالف لهذا التوجه: "أنا ضد الفكرة، لأن قدرة المحطة في توسعتها الحالية لن تستوعب غزة والمنطقة الوسطى".
ولفت في سياق كلمته إلى أن المياه المعالجة تُحقن ومن ثم تُسترجع لري الزراعة، وحاليًا يُروى 1000 دونم، على أمل أن يصل المعدل لري 5000 دونم في المنطقة الشمالية، إذ تصل نسبة كفاءة المياه المعالجة لـ97%.
البحر يتعافى ولكن..
من جهته قال م. محمد مصلح مدير دائرة المصادر البيئية في سلطة المياه وجودة البيئة، إنه بفضل المشاريع القائمة في معالجة مياه الصرف الصحي بدأت مياه البحر تتعافى، بدليل ما أظهرته نتائج تقييم الفحص الميكروبيولوجي والتفتيش الصحي لجودة مياه شاطئ محافظات غزة في مايو الماضي، أن 65% من طول الشاطئ آمن للسباحة.
ويبدي م. مصلح ارتياحه في هذا الصدد: " نعمل جاهدين على إجراء تحليل العديد من العينات الأخرى للتأكد من سلامة السباحة والاستجمام على شاطئ البحر. فحصنا هذا العام 40 عينة على طول الشاطئ وفق معايير عالمية".
مشيرًا إلى تقسيم المناطق من حيث الأمان الى درجة الخطر لــ "ثلاث"، وتتمثل في "الخضراء آمنة"، و "الصفراء آمنة نسبيًا"، و"الحمراء" وهي خطرة جدًا وممنوع السباحة فيها.
وتطرق إلى إجراءات تتخذها سلطة المياه وجودة البيئة لتأمين السباحة، بوضع علاماتٍ تحذيرية للمناطق الملوثة، وتنفيذ آلية فعالة لجمع النفايات على طول منطقة الشاطئ وشارع الرشيد.
وأكد أن ثمة محطات معالجة تشكّل بؤرًا لتلوث مياه البحر، منها مخرج محطة معالجة رفح، ومسمكة فيش فرش، ومحطة المعالجة المؤقتة في خانيونس التي تضخ يوميًا 2500 كوب في البحر، ومحطة البركة في دير البلح، وكذلك محطة الشيخ عجلين، ومحطة عامر، مشيرًا إلى أن جزءًا كبيرًا من شاطئ الشمال ملوث.
وفي ختام الورشة التي أثارت نقاشًا حول بعض الإخفاقات في عدد من المشاريع وتوقف أخرى، خرج المشاركون بتوصيات على رأسها ضرورة تفعيل الضابطة البيئية لحماية البيئة الفلسطينية، والعمل على ترتيب ملف محطات المعالجة الخاصة في خضّم إنشاء مؤسسات محطات خاصة بها، دون أن تأبه بمخاطرها .