سوريا/ آفاق البيئة والتنمية: بعدما أفقد الجفاف آمال المزارعين بحصد محاصيل قمح وفيرة هذا العام، لم يجد موسى فاطمي من حلٍ سوى بيع إنتاج حقوله في شمال شرق سوريا إلى رعاة الأغنام مقابل أسعار رمزية، متكبداً خسارة مالية كبيرة.
وعلى غرار مناطق أخرى في سوريا، بات التغير المناخي يهدّد مصير الزراعة خصوصاً القمح الذي يعد ركيزة للاقتصاد ومصدراً رئيساً للدخل وشبكة أمان اقتصادية مهمة للأسر الفقيرة في شمال شرق البلاد.
وعلى بعد 40 كيلومتراً شمال شرق مدينة الحسكة، يتجول فاطمي (85 عاماً) بين حقول القمح على أطراف قريته أم حجرة (قولو بالكردية)، متحسراً على خسائر "بملايين الليرات".
ويقول في مقابلة "للسنة الثانية على التوالي نواجه الجفاف، في كل عام نتحسّر على العام الذي سبقه".
ويعود بذاكرته إلى سنوات كانت أرتال الشاحنات تنقل أكياس القمح من أرضه بلا توقف إلى صوامع الحبوب التابعة للدولة.
ويضيف: "لم نحصد حقولنا حتى لتأمين قوتنا من الخبز".
ففي هذه المنطقة، التي تعتمد بغالبيتها على الزراعة البعلية وهطول الأمطار، زرع فاطمي مئتي دونم بالقمح.
وعوض أن يحصد محاصيل وفيرة، انتهى الأمر بالتهام الأغنام محصوله.
ويوضح "لم نستفد من كل هذه المساحات الشاسعة أو نحصد حبة قمح (…) أشعر بأسف حين أرى الأغنام ترعى في الحقل".
ويتكرر مشهد الأغنام التي تحولت حقول القمح إلى مراعٍ لها في المنطقة التي كانت تُعد قبل اندلاع الحرب عام 2011 بمثابة إهراءات حبوب سوريا، وتعد حالياً الأكثر تأثراً بالجفاف وتدني مستوى الأمطار. وهو تحد يواجهه العراق المجاور أيضاً.
وقرب قطيع أغنام في قرية البركو المجاورة، يشرح سلمان البركو (55 سنة) الوضع بالقول "أثّر التغير المناخي علينا نحن المزارعين، من شح المياه وضعف الإنتاج وقلة هطول الأمطار والتغيرات الجوية".
وعلى غرار مزارعين آخرين، وجد نفسه مجبراً على بيع محصول 157 دونماً للرعاة، مقابل 15 ألف ليرة (أربعة دولارات) للدونم الواحد بينما كلفة زراعة الدونم تجاوزت عشرين ألفاً.
ويقول "لا يعوّض ذلك خسائرنا".
وقبل الحرب، اعتادت سوريا تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح مع إنتاج يتجاوز أربعة ملايين طن سنوياً. لكن مع توسّع رقعة المعارك وتعدّد الأطراف المتنازعة، انهار الإنتاج إلى مستويات قياسية. وباتت الحكومة مجبرة على الاستيراد خصوصاً من روسيا.
ويهدّد انخفاض الإنتاج قرابة 60 في المئة من السكان الذين يعانون أساساً "انعدام الأمن الغذائي"، في بلد غالبية سكانه تحت خط الفقر.
وتثير تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية والعقوبات الدولية على سوريا مخاوف إزاء تفاقم الجوع.
وإذا كانت شحنات القمح ما زالت تصل إلى سوريا من روسيا إلا أن ذلك لا يزيل الخشية من تراجع إمدادات القمح.
ويعود انخفاض إنتاج القمح في سوريا، وفق تقرير نشرته منظمة "إمباب" الدولية المتخصصة في إدارة البيانات في نيسان/أبريل الماضي، إلى الجفاف الناجم عن تغير المناخ.
وقد شهدت معظم أجزاء شمال شرق سوريا "فترات جفاف طويلة في مواسم المحاصيل الشتوية، والتي جفّفت الكثير من محصول القمح النامي".
ونتيجة عوامل عدّة مرتبطة بالتغيّر المناخي، من المحتمل أن تكون مناطق شمال شرق سوريا عرضة على المدى الطويل للجفاف مرة كل ثلاث سنوات، وأن ينخفض هطول الأمطار بنسبة 11 في المئة في العقود الثلاثة المقبلة، وفق التقرير.
وبالفعل، انخفض إنتاج القمح في السنوات الأخيرة في شمال شرق سوريا. فقد سجّل الموسم الزراعي الشتوي 2020 – 2021 مستوى الإنتاج الأدنى منذ عام 2017 في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، وفق بيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو".
وشكّل إنتاج القمح في محافظة الحسكة الموسم الماضي 26 في المئة مما كان عليه العام الذي سبقه، بعدما تراجع من 805 آلاف طن في موسم 2019-2020 إلى 210 آلاف طن الموسم الماضي.
كما يواجه المزارعون تحدياً آخر يكمن في بناء فصائل سورية موالية لتركيا سدوداً على نهر الخابور الذي يمر في قرى عدة في شمال شرق سوريا، ما فاقم تداعيات الجفاف، وفق تقرير نشرته قبل أشهر منظمة "باكس" الهولندية لبناء السلام.
وتحاول السلطات المحلية دعم المزارعين وفق الإمكانيات المتاحة.
وترد ليلى محمد الرئيسة المشتركة لهيئة الزراعة والري في الإدارة الذاتية الكردية في شمال وشمال شرق سوريا، تراجع الزراعة خلال سنوات الحرب إلى تخلي "الكثير من المزارعين عن الزراعة ومغادرتهم لقراهم" على وقع التوترات الأمنية، عدا عن "العوامل المناخية التي أثّرت على الإنتاج والنوعية".
وتضيف "جراء الجفاف، نعتمد هذا العام بالدرجة الأولى على الزراعة المروية لثلاثة ملايين دونم تلقت دعمنا من المازوت والبذار".
لكن هذا الدعم يبقى ضئيلاً مقارنة بالاحتياجات، وفق ما يقول المزارع موسى محمد (55 عاماً) الذي زرع 100 دونم من أراضيه بالقمح، معتمداً على الري، ما ضاعف الأعباء المالية عليه خصوصاً مع ارتفاع ثمن وقود المازوت المستعمل لتشغيل مضخات الماء.
ومع تحديد الإدارة الذاتية سعر شراء كيلوغرام القمح من المزارعين بــ ـ2200 ليرة (قرابة نصف دولار)، لا يتوقع محمد أن يحقق وفراً.
ويقول "لا يعوّض هذا السعر المصاريف، كان ينبغي تحديده بثلاثة آلاف على الأقل".
وتتنافس الإدارة الذاتية والحكومة السورية على شراء محاصيل القمح من المزارعين، لتوفير الحد الأدنى من احتياجات المناطق الواقعة تحت سيطرتهما.
ويوضح محمد بحسرة "يعتمد المزارعون اعتمادًا كاملًا على الموسم، لكن الموسم ضعيف هذا العام بسبب الظروف الجوية وقلة الأمطار وارتفاع أسعار السماد والوقود والتغير المناخي".
المصدر: AFP