خاص بآفاق البيئة والتنمية
تتضمن تنشئة أطفالنا تعقيدات ومخاطر، وبخاصة فيما يتعلق بالنواحي الصحية والبيئية. لذا، يقدم هذا المقال بعض الأفكار المفيدة التي تساعدنا في تربية أبنائنا تربية صحية ومنسجمة مع البيئة.
|
لا تخلو تنشئة أطفالنا من تعقيدات ومخاطر، وبخاصة فيما يتعلق بالنواحي الصحية والبيئية. لذا، سنقدم في هذه العجالة، بعض الأفكار المفيدة التي تساعدنا في تربية أبنائنا تربية صحية ومنسجمة مع البيئة.
بداية، نشير إلى أن التربية الصحية والبيئية للأطفال، تبدأ مع عملية إرضاعهم رضاعة طبيعية، وبالتالي، الامتناع عن إطعامهم حليبا اصطناعيا، علما أن محاولات الشركات إنتاج بديل كامل لحليب الأم منيت بالفشل. والمسألة الأساسية هنا لا تكمن في الكلفة المرتفعة للحليب الاصطناعي، بل، وهذا هو الأهم، إن إنتاج وتعليب وإعداد الحليب الاصطناعي يتضمن خطوات عديدة، قد يؤدي أي خلل في إحداها إلى تلوثه وبالتالي إصابة الطفل بأمراض خطيرة. وكلنا سمع بتكرار الحالات التي تبين فيها أن كميات كبيرة من حليب الأطفال الاصطناعي في الأسواق الإسرائيلية أو الأميركية وغيرها ملوثة، وقد تسبب هذا الحليب، في حينه، بظواهر مرضية جدية لدى الأطفال، مثل الاضطرابات المعوية وغيرها. يضاف إلى ذلك، أن استعمال الحليب الاصطناعي المعلب يولد كميات ضخمة من نفايات التغليف والتعليب.
وفي المقابل، يعد حليب الأم الطبيعي نظيفا، ومعقما، وطازجا، ومجانيا، وجاهزا باستمرار، وغنيا بالبروتينات والمعادن والفيتامينات والوحدات الحرارية، وبالنسب المتوازنة والنموذجية التي يحتاجها الرضيع. كما يحوي حليب الأم مضادات حيوية، تكسب الطفل مناعة ضد الأمراض الشائعة في مرحلة الطفولة. وقد ثبت طبيا أن حليب الأم يساهم، إلى حد كبير، في تخفيف الظواهر المرضية الشائعة في المراحل العمرية المتقدمة أكثر، مثل السمنة وتصلب الشرايين والحساسية وغيرها.

المستهلك البيئي
غني عن القول بأن المستهلك البيئي، أو ما يعرف بالمستهلك الأخضر، يبتعد قدر الإمكان، عن تناول الأطعمة المعلبة والملوثة بالمضافات الكيميائية، مثل الصبغات والمنكهات الاصطناعية والمواد الحافظة وغيرها، فضلا عن امتناعه عن التدخين وشرب الكحول وتناول الأدوية الكيميائية، بل حتى الشاي والقهوة، ناهيك عن تفادي استعمال مواد التنظيف الكيميائية.
في الواقع، هذه السلوكيات والممارسات البيئية الصحية، يجب ألا تقتصر فقط على المستهلكين الخضر الملتزمين، بل، لا بد أيضا، أن تشمل مجموعات أخرى من الناس، وخاصة النساء الحوامل اللواتي يجب أن يتجنبن تناول الأغذية المتسخة بالكيماويات الصناعية، ويمتنعن كليا عن تناول الأدوية والتدخين وشرب الكحول، لأن كل ذلك يتسبب في الأذى الشديد بصحتهن وبصحة أجنتهن.
يضاف إلى ما ورد، أن النساء الحوامل يجب ألا يتعرضن إطلاقا لأشعة إكس، لأنها قد تؤذي الجنين و تسبب للأطفال، بعد الولادة، مرض سرطان الدم، أو اللوكيميا، وأمراض سرطانية أخرى. ويفضل، إجمالا، عدم تعريض الأطفال لهذه الأشعة. بل، إن منظمة الصحة العالمية، تنصح النساء الحوامل بعدم التعرض لفحص التصوير الصوتي (ألترا ساوند) الذي يهدف إلى مراقبة نمو الجنين في الرحم، إلا عند الضرورة فقط. ذلك أن الموجات الصوتية ذات التوتر المرتفع، قد تتسبب في اضطربات سمعية لدى الأطفال، بل وقد تؤدي إلى مشاكل في التركيز وفهم المقروء، لديهم.
وننوه هنا أيضا، إلى أن تعرض الطفل إلى الضجيج المتواصل والموسيقى الصاخبة، بقوة تزيد عن 80 ديسيبل، قد يتسبب في الإخلال بحاسة السمع لديه، فضلا عن التأثيرات الفسيولوجية والنفسية السلبية الأخرى. وعلى سبيل المثال، استماع الطفل إلى ضجيج الستيريو يشكل خطرا جديا على حاسة سمعه، علما أن ضجيج الستيريو لا يقل عن 90 ديسيبل، وهو يعادل ضجيج حفارة.
علاوة على ذلك، فَلْنُجَنِّبَ أطفالنا اللعب في الشوارع وعلى جوانب الطرق، ليس لأن اللعب في هذه الأماكن الخطرة يعرض الأطفال إلى الحوادث القاتلة فحسب، بل لأنه يتسبب بأمراض خطيرة أيضا. إذ تبين أن استنشاق الأطفال المتواصل للغازات المنبعثة من عوادم السيارات، وأبخرة البنزين المحتوي على الرصاص، يؤدي إلى إصابتهم بالربو والاضطرابات المعوية، واضطرابات الدماغ، والشلل وفقر الدم.
وفي حال أن أحد الأطفال أصيب بعدوى القَمْل الذي ينتقل بسهولة بين الأولاد في المدرسة، فلا تسارعوا إلى استعمال شامبو القمل الكيماوي الذي يباع في الصيدليات، لأن مثل هذا الشامبو قد يحوي مبيدات كيميائية سامة، مثل "اللِنْدين" المحظور دوليا والذي يعد مادة مسرطنة، و"الكارْبَريل" الذي يتسبب في تشوهات وراثية وتلف في الجهاز العصبي والكليتن واحتمال حدوث تدهور في خصوبة الرجال والنساء. لذا، فلنحاول التخلص من القمل باستخدام مواد طبيعية غير سامة وأقل كلفة، مثل عصير التفاح المخلل، وخل الشعير، وزيوت الخزامى وجوز الهند واكليل االجبل، أو ما يعرف أيضا بـِ حَصَلْبان. وبعد تدليك فروة الرأس بأحد هذه المواد الطبيعية، يسرح الشعر بمشط معدني، للتخلص من القمل الميت. ويجب أن نتذكر، بأن النظافة الشخصية المتواصلة، والاستحمام الدائم، يعدان أهم وسيلة وقاية ضد الإصابة بعدوى القمل.
أخيرا، فلنشجع أطفالنا على استعمال مخيلتهم لصنع ألعابهم بأنفسهم. فبإمكانهم تركيب ألعاب من علب وأوان فارغة وأقمشة وغيرها. وبذلك، نوفر أيضا المال، ونتخلص من الإنزعاج لدى رؤية أولادنا يحطمون ألعابا باهظة الثمن، فضلا عن مساهمتنا أيضا في التقليل من مواد تغليف الألعاب.

حب الطبيعة
من أجمل العادات والسلوكيات التربوية والثقافية التي يجدر بنا ترسيخها في أطفالنا، هي المطالعة اليومية. وفي إطار التربية البيئية للأطفال، لا بد، بين الفينة والأخرى، من إعطائهم كتبا مبسطة وشيقة، تعالج ظواهر ومواضيع بيئية هامة وجذابة، تساعدهم، منذ الطفولة، على اكتشاف أسرار البيئة وجمالها ومشاكلها.
وننوه هنا إلى بعض السلوكيات الشائعة جدا والسيئة بيئيا وصحيا، والتي تنعكس سلبا على صحة أطفالنا بشكل خاص، والبيئة بشكل عام، ونقصد تحديدا، المبالغة في استعمال المناديل الورقية الرطبة، وأقمطة الأطفال المصنعة. إذ أن العديد من الأمهات يستعملن المناديل الورقية الرطبة يوميا، لتنظيف الأطفال من بقايا الطعام أو الخروج. وهنا يجب ألا تخدعنا الإعلانات التجارية التي تروج لهذه المناديل، باعتبارها مناديل سهلة الاستعمال ويمكن التخلص منها فورا. والحقيقة أن هذه المناديل تحوي مواد كيميائية ضارة وملوثة. لذا، فلنقلل إلى الحد الأدنى من استعمالها، وعند الضرورة فقط، ويفضل أن نستبدلها بالفوط القماشية.
أما أقمطة الأطفال المصنعة، فتشكل في العديد من المنازل، ما لا يقل عن 4 – 5% من النفايات المنزلية. وهي ترمى بعد الاستعمال لمرة واحدة. وتتكون هذه الأقمطة من مواد بلاستيكية وكيميائية بهدف الامتصاص. ويقدر المنتجون، بأن تصنيع كل 500 إلى 1000 قماط، يستهلك شجرة واحدة متوسطة الحجم، علما أن أكثر من 150 مليار من أقمطة الأطفال تستعمل سنويا، وبالتالي ترمى بعد الاستعمال. إذن، تعد الكلفة البيئية والاقتصادية لاستعمال أقمطة الأطفال والتخلص منها مرتفعة جدا. يضاف إلى ذلك، أن البلاستيك في هذه الأقمطة يسبب حرارة وحساسية للعديد من الأطفال. والأخطر من ذلك، أن العجينة الورقية المستخدمة في تصنيع الأقمطة يتم تبييضها بواسطة الكلور، ما يؤدي إلى التلوث بالديوكسين.
ومن الملفت للنظر، أن العديد من الناس في البلدان المتقدمة، أخذوا يستعملون الأقمطة القماشية. وهناك حاليا توجه لإنتاج الأقمطة القابلة لإعادة الاستعمال. وتنتشر في بعض البلدان الأوروبية واليابان والولايات المتحدة شركات تجارية متخصصة في جمع الأقمطة القماشية المتسخة من الأهالي أسبوعيا، وبيعهم، بدلا منها، أقمطة نظيفة ومعقمة.
ومن العادات التربوية البيئية، تعليم أطفالنا إعادة استعمال الثياب، وبالتالي تربيتهم على احترام الطبيعة، منذ الطفولة. فلنحافظ على ملابس الولد الأكبر لإخوته الأصغر منه، أو فلنقدمها إلى الأقارب والأصدقاء والجمعيات الخيرية.
ومن الضروري تجنيب أطفالنا تناول السكاكر والحلوى والكريمات الاصطناعية التي تحوي مضافات وسكريات كيميائية قد تتسبب في العديد من الأمراض، فضلا عن الحساسية الحادة والإفراط في النشاط وخلخلة التوازن السلوكي.
والجدير بالذكر، أن معظم أطعمة الأطفال المعلبة التي كتب على عبواتها "خال من السكر"، أو "سكر قليل"، تحوي على ما لا يقل عن 25% من السكر الصافي. وبدلا من السكر، تحوي العديد من الأطعمة المعلبة على سكريات اصطناعية، مثل الغلوكوز والفركتوز، فضلا عن المحليات الاصطناعية. إذن، لا تعودوا أطفالكم على تناول الحلويات كلما رغبوها. ولنقدم لهم الفاكهة والخضار الموسمية، مثل التين، والصبر، والعنب، والتفاح، والبرتقال، والجزر، والجوز، واللوز، والزبيب، والبندق، والقطين، والتمر.
علاوة على ذلك، يجب ألا نحول أولادنا إلى مدخنين لاإراديين، بسبب استنشاقهم دخان سجائر الآخرين، علماً أن دخان السجائر يحوي مادتين خطرتين وهما الرصاص والكادميوم. وعندما يستنشق الأطفال النيكوتين باستمرار، يتحولون إلى عدائيين. ناهيك أن المدخنين اللاإراديين قد يعانون من النزلة الصدرية والسعال والزكام والربو.
ولا بد أن يعتاد الأطفال أيضا، الجلوس بعيدا عن شاشة التلفاز، علما أن الإشعاعات تتضاءل كثيرا على مسافة مترين فما فوق من الشاشة. وتوجد في الأسواق أجهزة تلفاز ينبعث منها إشعاعات أقل. وفي كل الأحوال، يجب ألا تزيد فترة جلوس الأولاد أمام جهاز التلفاز عن ثلاث ساعات يوميا. كما يجب وضع أنظمة مشددة تتعلق بالأوقات المتاحة لألعاب الكمبيوتر والألعاب الإلكترونية الأخرى والتعامل مع "الأجهزة الذكية"، لأنها تؤذي أعين الأطفال، وتوتر أعصابهم وتعزلهم عن البيئة الطبيعية والاجتماعية من حولهم.
وفيما يتعلق بألعاب الأطفال، يفضل تعويد الأطفال على الألعاب التثقيفية، والألعاب الحرفية المعمرة، والألعاب المتينة، كالدمى القماشية والخشبية، والابتعاد عن الألعاب الميكانيكية. ويعد هذا التوجه منسجما مع البيئة، وأوفر تكلفة، وأقل توليدا للألعاب المهشمة، فضلا عن انتقال الألعاب التعليمية والمتينة من الأبناء الكبار إلى إخوتهم الأصغر.
وإجمالا، علينا أن نُعَلِّمَ أطفالنا تجنب الاستهلاك غير المجدي. كما يجب الابتعاد عن الألعاب التي تحوي مواد سامة، كالدهان والورنيش، أو المصنوعة من البلاستيك أو التي تستهلك البطاريات.
أخيرا، فلنربي أطفالنا على اكتشاف البيئة التي يعيشون فيها، من خلال تشجيعهم على زراعة النباتات والأعشاب والأزهار بأنواعها المختلفة. ولنزرع وإياهم الخضار والفاكهة سريعة النمو، ولنَحُثَّهم على تناولها.