ملوثات كيميائية خطرة ومسرطنة تنبعث من مصانع إسرائيلية في حيفا وعسقلان وأسدود والأغوار تصل آثارها إلى أنحاء مختلفة في الضفة الغربية
محطة الطاقة الكهربائية الإسرائيلية في عسقلان
خاص بآفاق البيئة والتنمية
نشرت وزارة البيئة الإسرائيلية قبل بضعة أشهر نتائج دراستها المسحية حول الانبعاثات الغازية الصناعية الإسرائيلية الملوثة للهواء. وقد نشرت مجلة آفاق البيئة والتنمية في شباط الماضي أيضا تقريرا حول كميات كبيرة من المواد المسرطنة التي تنبعث إلى الهواء والبحر والأرض من المصانع الإسرائيلية في مدن أسدود والخضيرة وحيفا بشكل خاص، وذلك بحسب ذات الدراسة. وأبرز التقرير بأن الملوثات السامة والمسرطنة المنبعثة من المنشآت الصناعية الإسرائيلية في شمال ووسط وإلى حد ما جنوب فلسطين، وتحديدا من مناطق حيفا والخضيرة-تل أبيب، وأسدود-عسقلان، تؤثر بشكل مباشر على مواطني الضفة الغربية شرقا وقطاع غزة جنوبا؛ إذ تشكل تلك الملوثات الإسرائيلية المنبعثة إلى أجواء الضفة الغربية مصدراً أساسياً من مصادر تلويث الهواء الفلسطيني. وتنتقل ملوثات الهواء من إسرائيل، وبخاصة من منطقة تل أبيب-الخضيرة، وأيضا أسدود-عسقلان، إلى الضفة الغربية، من خلال الرياح الغربية الغالبة التي يتميز اتجاهها من "إسرائيل" إلى الضفة الغربية وبالتالي فهي تحمل الملوثات الصناعية إلى الضفة.
ومن المثير للقلق أن مجموعة منوعة من المواد الأكثر سمية تنبعث إلى الهواء من مرافق صناعية إسرائيلية عديدة. ويتعلق الأمر بمواد تعتبر من الأكثر سمية؛ ومن الناحية الطبية، لا يوجد لهذه المواد ما يعرف "بعتبة التعرض الآمنة"، وبخاصة عندما يدور الحديث عن المواد المسرطنة التي تعد مسرطنة في جميع الأحوال، بصرف النظر عن تركيزها.
في أوائل نيسان الماضي، نشرت الجمعية الإسرائيلية “Adam Tevah V’Din” تقريرا يحلل معطيات دراسة وزارة البيئة الإسرائيلية، وركز التقرير على الملوثات السامة والمسرطنة، وتحديدا 6 مواد هي: الزرنيخ، الزئبق، "الفورمالديهايد"، الهيدروكربونات، البِنْزِن، وثلاثي كلور الإيثيلين. وذكر التقرير، استنادا إلى ما تقر به سجلات المصانع الإسرائيلية، بأن مجموعة من المواد المسرطنة انبعثت خلال السنوات الأخيرة من المصانع في جميع أنحاء "إسرائيل"، ما يشكل تهديدا على الصحة العامة. وأخطر الانبعاثات وأكثرها سمية تتركز في أسدود (الزرنيخ، و"الفورمالديهايد")، عسقلان (الزئبق)، حيفا (الهيدروكربونات)، الخضيرة (البِنزِن) ومصانع إسرائيلية في الأغوار (ثلاثي كلور الإيثيلين).
أكثر من 200 كغم من مادة الزرنيخ المسرطنة تنبعث من المصانع الإسرائيلية إلى الهواء؛ ومن المعروف أيضا أن الزرنيخ يتلف الجهاز العصبي. كما ينبعث من المصانع الإسرائيلية 327 كغم زئبق الذي يعتبر ساما جدا ويتسبب في تلف حاد للذاكرة والنظر والنمو الذهني للأطفال. ويقر أصحاب الصناعات الإسرائيلية أيضا بأن كميات كبيرة من مركبات "الفورمالديهايد" و"البِنْزِن" تنبعث من مصانعها، علما أن هذين المركبين مسرطِنَين.
مصانع إسرائيلية تنهب أملاح البحر الميت في شواطئه الجنوبية
الحقيقة أفظع
ولا بد هنا من التذكير بأن هذه المعطيات استندت إلى ما صرحت به المصانع الإسرائيلية (الحقيقة قد تكون أكبر وأفظع). وتبين، بحسب الدراسات الإسرائيلية، أن مصدر انبعاث معظم المواد السامة والمسرطنة هو محطات توليد الطاقة التابعة لشركة الكهرباء الإسرائيلية؛ علاوة على مصانع أخرى مثل مصنع تدوير المعادن ("يهودا بلَدوت") في مدينة أسدود، والذي تنبعث منه أكبر كمية من الزرنيخ سنويا في "إسرائيل"، كما أنه يحتل المرتبة الثانية (بعد محطة الطاقة في عسقلان) من ناحية كمية الزئبق المنبعثة إلى البيئة؛ إضافة إلى كميات كبيرة من الرصاص قد انبعثت من ذات المصنع. بينما ينبعث من محطة الطاقة الكهربائية في عسقلان ("روتنبرغ") أكبر كمية من بخار الزئبق. أما أكبر كمية من "الفورمالديهايد" فتنبعث من محطة الطاقة في أسدود، بينما ينبعث من محطة الطاقة في الخضيرة أكبر كمية من البِنْزِن. وأكبر كمية من ثلاثي كلور الإيثيلين فتنبعث من موقع معالجة النفايات المسمى "سيطَحال-هغال طاليا" في البؤرة الاستعمارية "ميناحيميا" في الغور الفلسطيني.
وتقول جمعية “Adam Teva V’Din” بأن التركيز الحقيقي للمواد السامة السابقة في الهواء والبيئة المحيطة إجمالا غير معروف، كما أنه من غير المعروف مدى تعرض الجمهور (بما في ذلك الفلسطيني) لمثل هذه المواد وإلى أي درجة من الخطورة. إلا أن الأمر الأكيد أن المواد الكيميائية السابقة المنبعثة من المصانع الإسرائيلية تتسبب بأمراض خطرة أو مسرطنة، وتأثيرها التراكمي على الصحة العامة قد يكون قاتلا. فعلى سبيل المثال، استنشاق بخار الزئبق قد يتسبب في تسمم حاد يظهر على شكل ضعف وضبابية النظر وتلف في الذاكرة وحاسة السمع. بينما الزرنيخ يعتبر مسرطنا وذا تأثيرات سمية شديدة على الجهازين التنفسي والعصبي. أما البِنْزِن فيعتبر مسرطنا ويتسبب في فقر الدم (الأنيميا) ويتلف عملية إنتاج الدم.
وتزعم شركة الكهرباء الإسرائيلية بأن الجمعية (السابق ذكرها) تتجاهل حقيقة أن انبعاث الغازات في محطاتها تتم من مداخن ترتفع ارتفاعا شاهقا، وبالتالي، "يتشتت التلوث"؛ فيصل جزء صغير منه فقط إلى مناطق مأهولة بالسكان. في الواقع، هذا الزعم غير صحيح علميا، لأن انتشار الغازات يكون في جميع الاتجاهات بشكل عام، ويتركز أكثر في الاتجاه الأقوى للرياح، وبخاصة الرياح الغربية التي تتحرك بشكل أساسي نحو الضفة الغربية.