القوانين البيئية المتشددة في "إسرائيل" لا تطبق على المستعمرين ومنشآتهم ومصانعهم ومستوطناتهم في الضفة الغربية التي تعتبر "جنة عدن" للتلويث الإسرائيلي
المصانع الإسرائيلية على أراضي طولكرم الزراعية
خاص بآفاق البيئة والتنمية
رغم أن القوانين والأنظمة البيئية في "دولة إسرائيل" أخذت في السنوات الأخيرة تقترب من تلك المعمول بها في الدول الغربية المتقدمة، إلا أن المحتلين الإسرائيليين يتعاملون مع الضفة الغربية تحديدا، باعتبارها مناطق مستباحة بيئيا وبشريا، يحلل فيها ما هو محرم داخل الأرض المحتلة علم 1948؛ ابتداء من تلويث هواء قرى ومدن ومخيمات الضفة بالغازات السامة المنبعثة من الصناعات الإسرائيلية المنتشرة في مختلف الأنحاء، مرورا بالتدمير البيئي الناتج عن تدفق المياه العادمة من المستعمرات والقواعد العسكرية والمصانع الإسرائيلية نحو أراضي وآبار المياه الفلسطينية، ودفن النفايات الإسرائيلية الخطرة في مواقع فلسطينية مختلفة، وانتهاء بنشر التلوث الإشعاعي وغير ذلك من الموبقات البيئية الإسرائيلية التي يعاني منها الفلسطينيون يوميا في الضفة الغربية.
القوانين البيئية الإسرائيلية المتشددة في "إسرائيل" ذاتها لا تطبق على المستعمرين ومنشآتهم ومصانعهم ومستعمراتهم في الضفة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، "قانون الهواء النقي" الإسرائيلي الذي دخل حيز التنفيذ منذ نحو ثلاث سنوات، فرض شروطا صارمة على المصانع داخل "إسرائيل" لمنع التلوث، إلا أن هذا القانون لا يطبق نهائيا على منشآت ومصانع الاحتلال في الضفة؛ ما يطلق يد الصناعات الإسرائيلية لتعيث في هواء وأراضي الضفة تلوثا خطيرا ومُمْرِضًا. فمصنع الحديد والصلب في مستعمرة "بيت شيمش" داخل الأرض المحتلة عام 1948، ملزم، وفقا لقانون الهواء النقي، باستصدار تصريح خاص يفرض قيودا صارمة على الانبعاثات الغازية من المصنع. بينما، مصنع إسرائيلي مشابه في مستعمرة "معالي أدوميم" غير ملزم بالحصول على مثل هذا التصريح. كما لا يطبق في المستعمرات والمجمعات الصناعية الإسرائيلية بالضفة القانون الإسرائيلي الخاص بمعالجة التلوث الناجم عن مادة الاسبستوس السامة والمسرطنة.
حاليا، يوجد في الضفة الغربية 12 منطقة صناعية إسرائيلية ينتشر فيها مئات المصانع بتشجيع مباشر من الحكومة الإسرائيلية وبتصاريح من وزارة البيئة الإسرائيلية؛ علما أن هذه المصانع، كما المستعمرات إجمالا، أقيمت على أراض نهبت من أصحابها الفلسطينيين. وتعتبر هذه المناطق "جنة عدن" حرة للتلويث البيئي الإسرائيلي. منتجات هذه المصانع تعتبر منافسة بالمقارنة مع مثيلاتها في إسرائيل ذاتها، ذلك أن الأخيرة (في إسرائيل) ملزمة بالاستثمار لمنع التلوث، وهو ما لا تفعله المصانع في الضفة؛ إضافة إلى التسهيلات المالية والتخفيضات الضريبية الكبيرة التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية لمصانعها في الضفة.
هناك تعتيم على طبيعة العديد من الصناعات الإسرائيلية في الضفة، ونشاطاتها وإنتاجها والنفايات الناتجة عنها؛ علما أن العديد من المصانع التي منعت من العمل داخل الأرض المحتلة عام 1948، بسبب طبيعة المواد والمنتجات الخطرة التي تتعامل معها وتنتجها، سُمِحَ لها بالعمل في الضفة الغربية. ومن بين الصناعات الإسرائيلية في الضفة: الإلكترونيات، الفيبرجلاس، البلاستيك، الألومنيوم، المبيدات والأسمدة الكيميائية، مواد التنظيف الكيميائية، الدهانات، الصناعات المعدنية، الغازات، الجلود، الدباغة، البطاريات، الاسمنت، الصناعات الأمنية والعسكرية السرية، وغير ذلك. وتتدفق من المصانع الإسرائيلية نفايات خطرة مثل الأحماض السامة، والمعادن الثقيلة كالكروم، الكادميوم، النيكل، الرصاص الخارصين والألومنيوم.
المنطقة الصناعية الإسرائيلية (بركان) على الأراضي المنهوبة من قرى منطقة سلفيت
"دولة" فوق القوانين
تعد المستعمرات أكبر ملوث خطر لمحيطها من القرى والمدن الفلسطينية؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، تتواصل منذ سنوات طويلة عملية التلويث الصارخة والبارزة لقرية وادي فوكين الفلسطينية (1500 نسمة)، والناتجة عن منشآت المياه العادمة في مستعمرة "بيتار عيليت" (مستعمرة اليهود المتدينين) قضاء بيت لحم؛ إذ تتدفق المياه العادمة نحو الأراضي والحقول الزراعية في القرية فتدمر المحاصيل والتربة في آن معا. ويمكن مشاهدة العديد من أشجار الزيتون التي تلفت وأبيدت في وادي فوكين بسبب تلوثها المدمر بالنفايات السائلة الإسرائيلية.
وتتواصل الضربات الإسرائيلية الموجعة على أهالي قرية وادي فوكين الوادعة، دون رحمة، ومن كل الاتجاهات. إذ تُحاصَر القرية من جهاتها الثلاث بالمستعمرات اليهودية التي أقيمت وتوسعت على مساحات واسعة من أراضيها الزراعية المصادرة. وقد أطبق الاحتلال الخناق على القرية؛ فحولها إلى معزل منسلخ عن العالم الخارجي، من خلال إنشائه سلسلة الجدران والأبراج والأسلاك الشائكة وطرق الدوريات العسكرية.
كما يواصل الاحتلال الإسرائيلي، ممثلا بإدارته المدنية وشركاته ووزاراته، دفن كميات ضخمة من النفايات الصلبة والخطرة في أراضي الضفة الغربية، وبخاصة مخلفات الإنشاءات والبناء. إذ تفاقمت في السنين الأخيرة كميات النفايات التي يتم نقلها من داخل إسرائيل ودفنها في مواقع مختلفة بالضفة. ولم تكتف سلطات الاحتلال بالمواقع العشوائية التي سيطرت عليها في أراضي الضفة لدفن نفاياتها، إضافة إلى نفايات المستعمرات؛ بل إنها تخطط حاليا لتخصيص المزيد من الأراضي لذات الهدف.
وخلال العامين الأخيرين، أخذ الإسرائيليون يدفنون نفاياتهم الجافة في أراض تقع على أنقاض محجر أبو شوشة المهجور الواقع بين قريتي قوصين ودير شرف (قضاء نابلس)، والذي احتلته القوات الإسرائيلية عام 2002، وتبلغ مساحة الموقع عشرات الدونمات. وتتم عمليات الدفن بتصريح مباشر مما يسمى "الإدارة المدنية" ووزارة البيئة الإسرائيلية (آفاق البيئة والتنمية-تموز 2013). وتعد عملية نقل النفايات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية أرخص بكثير للشركات الإسرائيلية من دفنها داخل الأرض المحتلة عام 1948. ويحذر الخبراء من أن دفن النفايات الإسرائيلية في الموقع المذكور يهدد بتلويث خزان المياه الجوفي في منطقة نابلس الجبلية، والذي يعد من أضخم مصادر المياه العذبة في فلسطين، ما سيهدد صحة آلاف الفلسطينيين في المنطقة.
علاوة على ذلك، ينتشر في مختلف أنحاء الضفة التلوث الإشعاعي الإسرائيلي (المؤين وغير المؤين)، سواء ذلك الناتج عن الانتشار العشوائي لأبراج الخلوي الإسرائيلية، أو ذلك الناتج عن دفن النفايات النووية وغير النووية في بعض الأراضي، بما في ذلك في مناطق تقع جنوب الخليل، وقريبة من قرى الرماضين والظاهرية وبني نعيم وغيرها؛ علما أن في "إسرائيل" ذاتها تطبق قوانين مشددة تنظم إجراءات الترخيص والتخطيط الخاصة بالمنشآت التي تعتبر مصدراً للتلوث الإشعاعي (بما في ذلك الإشعاع غير المؤين الناتج عن الخلويات).
دولة الاحتلال الإسرائيلي تعتبر نفسها فوق ما يسمى "القوانين الدولية"؛ علما أن تلك القوانين تفرض على "إسرائيل"، باعتبارها تحتل أراض بالقوة المسلحة منذ عام 1967، بأن تشرع قوانين بيئية خاصة لحماية الشعب والموارد الطبيعية للرازحين تحت الاحتلال. وفيما عدا ذلك، تتعامل "القوانين الدولية" مع الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948 باعتبارها جزء من أراضي دولة شرعية يعترف بها ما يسمى "المجتمع الدولي".