تخترق طائرة "البوينغ" سحب عمان الخجولة، وعينها على المنامة، الجار غير البعيد. طوال الطريق، تدون بعض السطور الخضراء، وبخاصة بعد أن شاهدت عنوان صحيفة "الأيام" الرئيس التي وزعها طاقم الرحلة يقول: تعيين شركة دولية لمعالجة الوضع البيئي في منطقة البحير. وتتمنى أن تنتقل العدوى لصحفنا، فتفعل الشيء نفسه لقضايانا.

تراقب الشاشة المتحركة أمام مقعدك، والتي تفيد بأنك على ارتفاع 10058 متراً عن الأرض، فيما تتدنى الحرارة من وراء المركبة السماوية إلى 52 درجة دون الصفر المئوي، وبسرعة 901 كيلو متر في الساعة. تستعين بما جمعته من معلومات قبل الرحلة، لتصل وجهتك وأنت تتسلح ببعضها، فهذا البلد يتكون من 33 جزيرة ممتدة في الخليج العربي، ويقع بين الساحل الشرقي للسعودية وشبه الجزيرة القطرية، وتبعد مجموعة الجزر نحو 18 كم عن الساحل الشرقي للسعودية، بينما يبلغ ارتفاع (جبل الدوكان), أعلى نقطة عن سطح البحر في البحرين, 122 متراً.

من التراث المعماري الصديق للبيئة في قلب البحرين القديمة

 

مما تقول الكتب التعريفية": تبلغ مساحة البحرين حوالي 620 كيلو متراً مربعًا؛ ما يضعها في عداد الدول ذات الكثافة السكانية العالية، ويقيم فيها (1,195,020 ) نسمة بموجب إحصاء عام 2011. قبل الهبوط من  رحلة قصيرة، تقرأ المزيد عن البيئة في هذا البلد، لتسمع بعد وصولك إلى "فندق الخليج" أنك في مكان كان قبل عدة سنوات جزءاً من المحيط، لكن عمليات التوسع والردم جعلته يابسة.

يقول السائق محمد عادل: في كل فترة تزداد مساحة بلدنا، لكننا خسرنا ثروتنا البحرية، ولم نعد نسمع عن المياه العذبة، التي تنبع من قلب البحر، وهي السبب التي سميت لأجله بلدنا.

كانطباع أولي، تبدو النزعة التجارية طاغية في المنامة، كما في كل مكان من العالم، على حساب البيئة، التي لا تجد الكثير من الأنصار، والأغرب أن المدينة بخلاف اسمها لا تعرف النوم، وتظل يقظة بحياتها الليلية!

من جزر البحرين

 

يقول الدبلوماسي محمد الترك، مناخ البحرين قياساً بالخليج جيد، ونعاني كثيراً في آب، فالرطوبة تعلو كثيراً، والحياة آنذاك لا تطاق، ولو أنك سرت عدة أمتار، لأخذت حماماً بالمجان.

تتقلب سماء البحرين، في موسم يطلق عليه سكان البحرين "السروات"، وهو مصطلح كما يقول السائق أبو عبد الله، مأخوذ من الثقافة الشعبية، ويأتي عادة في شهر آذار، وفيه تشهد البلاد أمطاراً وأجواءً معتدلة، لكنها سرعان ما تتحول إلى الغيوم والأمطار.

والسروات، كما تفيد مصادر جغرافية، سلسلة جبال سعودية شاهقة يتراوح ارتفاعها بين 9000 قدم في الجنوب ويقل الارتفاع تدريجياً شمالاً إلى 3000 قدم.

ندفع ثمن تقلب الأجواء، ففي يوم الثلاثاء ( الأسبوع الأخير من آذار) نشعر بالبرد ونفتش عن ملابسنا الثقيلة، وبعد يوم واحد نعود إلى الصيف، ونبحث عن ملابس قصيرة؛ هرباً من الحر الذي يسبح إلينا.

خلال ستة أيام، تجتاز معظم أجزاء العاصمة، وتصل إلى مدن: المحرق، وعوالي، ولا يسعفك الوقت لزيارة سترة، والمالكية، وعيسى، وميناء سلمان. لكن منطقة مثل الصخير، التي تتواجد فيها جامعة البحرين، حيث أمضيت ثلاث ليال، تعد النقطة الأبعد عن قلب العاصمة. يقول تيسير صوافطة الشاب الذي يعمل في البحرين: إذا اجتزت تلك النقطة في الجامعة، فأنت وصلت لأبعد نقطة تقريباً من أرضها.

والمثير كما يفيد محمد عارف أن المسافة في الطائرة بين الدوحة والمنامة لا تتعدى 13 دقيقة، ومع ذلك تحتاج لنحو 270 دولاراً، وتقدم فيها الخطوط الناقلة كأساً من العصير!

 

تؤكد الإحصاءات أن 5% من الأيدي العاملة يعملون في الزراعة، و35% في الصناعة والمناجم، و60% في الخدمات، ولعل السلع الأكثر وفرة هي التمور والأسماك، وقبلها البترول، الذي يعد مرتفع الثمن نسبياً داخل المملكة، إذ يحتاج خزان وقود المركبة، بحسب السائق عبد الله جابر، إلى نحو 80 شيقلاً ( الدينار البحريني يفوق قليلاً التسعة شواقل).

يقول الشاب أحمد السالم: البحرين نظيفة، ومن يرمي نفايات من نافذة الحافلة يدفع غرامة ( 15 ديناراً)، وفي العادة ينشط عمال النظافة على فترتين للإبقاء على الشوارع نظيفة، ولجمع النفايات، وتنتشر في بعض المناطق أماكن لفرز النفايات وجمعها.

ويضيف: للدلالة على اهتمام الجهات الرسمية بالبيئة، فاز برنامج أستوديو البيئة (إعادة تدوير المخلفات) لهيئة شؤون الإعلام بإذاعة البحرين، بجائزة مهرجان الخليج الثالث عشر للإذاعة والتلفزيون، ونحن نحب أن نرى كل شيء نظيف، ونتمنى أن  يتوقف ردم البحر، وأن نعود لجمع المياه العذبة من قلب البحر.

يتابع السالم: تنشر وزارة الصحة قوانينها التي تمنع الترويج للتدخين أو التعاطي به في الأماكن العامة، وتحظر بيع السجائر والنرجيلة (الشيشة) لمن هم دون الثامنة عشرة.

ترافقنا أزميرالدا قباني مديرة البرامج الثقافية لمجموعة مراكز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث في جولة في قلب البحرين القديمة، للوهلة الأولى يبدو المكان عادياً، إلا أن العكس يبدو مع كل خطوة إضافية، حين نعود إلى الماضي برمشة عين، بعد أن اعتدنا على المباني الزجاجية والعمارات العالية غربية الطراز.

تقول قباني: تأسس المركز عام 2002، ويحمل اسم رائد التنوير والتعليم والثقافة في المملكة الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، وبدأ بالعمل على عدة مشروعات ثقافية،  وأصبح يُعنى بترميم المباني التراثية في مدينة المحرق والعاصمة المنامة، ونسعى بشكل أساسي إلى المحافظة على تراث البحرين المعماري والثقافي.

توالي: افتتحنا بيت عبد الله الزايد لتراث البحرين الصحافي عام 2003، وبيت محمد بن فارس للفن الخليجي عام 2005، وبيت إبراهيم العريض للشعر عام 2006، ومكتبة اقرأ  في العام نفسه، وبيت الكورار عام 2007، وبيت خليفة، وبيت القهوة وهو المكان الذي يلخص حكاية هذا المشروب منذ اكتشافه إلى اليوم، والحديقة المائية، وحرف الديار، والحديقة العمودية، التي ستقدم نموذجاً جديداً للنمط البيئي والمعماري.

تبدو المباني من الداخل جميلة، لكنها أكثر سحراً من الخارج؛ لأنها تصمد في وجه المد العمراني، وهذا أمر نتمنى أن ينتقل لبلادنا التي تعاني الأمرين، فالزحف الإسمنتي لا يتهدد بيوتها التراثية فحسب، وإنما يعترض أرضها الخصبة كما في مرج ابن عامر.

جريدة الأيام البحرينية

 

ترسم لوحة لما ترصده من عناوين لحوارات تدمج البيئي بالسياسي، فيظهر المشهد على هذا النحو:

وزيرة الإعلام البحريبنة سميرة رجب: مجالس الإعلام العليا أثبتت فشلها عربياً. ويقول محمد جاسم العلي المدير السابق لقناة "الجزيرة" القطرية: شخص واحد من بلدكم (فلسطين) هو من دمر فضائيتنا!

الفنان الأردني نبيل المشيني: توقفت عن التدخين بعد 51 سنة سجائر، واليوم صحتي أفضل، وأستطيع المشي دون أن ألهث، واصعد الدرج بسهولة، وأنصح المدخنين أن يتوقفوا عن هذه العادة السيئة.

محمد العرب مدير قناة العربية: أول إعلان تجاري في التاريخ كان بيت شعر ( قل للمليحة في الخمار الأسود....).

الفنانة المصرية سمية الخشاب: ريا وسكينة أحب أعمالي، وأمي دائما معي في سفرياتي!

مدير عام تلفزيون عمان عبد الله الشعيلي: ذاهبون إلى التخصص في قنواتنا المرئية، وسنبتعد عن "العموميات".

أيهم، منتج سوري: وضع الفنان "أبو شهاب" في دبي يرثى له، فلا يستطيع العودة إلى دمشق؛ لانضمامه إلى المعارضة، وجواز سفره انتهى مفعوله.

الأعمال الخضراء الفائزة بجوائز مهرجان الخليج الثالث عشر للإذاعة والتلفزيون في ميدان برامج البيئة: ثورة الطبيعة للمؤسسة القطرية للإعلام وإذاعة قطر، وأستوديو البيئة (إعادة تدوير المخلفات) لهيئة شؤون الإعلام بإذاعة البحرين، وفيلم الواحات العمانية للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بتلفزيون سلطنة عمان.

تغادر البحرين، وتتمنى لو نستعير بعضاً من إجراءاتها الصديقة للبيئة.