"مؤامرة على البحار".. فيلم يكشف عن الحقيقة المظلمة لتأثير البشر على المحيطات
خاص بآفاق البيئة والتنمية
معلوماتٌ صادمة، كشفها فيلم وثائقي بعنوان Seaspiracy "مؤامرة على البحار" ومدته 90 دقيقة، عرضته شبكة "نتفليكس" في نهاية مارس/ آذار الماضي؛ إذ يسلط الفيلم الضوء على مصائد الأسماك العالمية ويوضح كيف تتطور مشاكل البحار بينما يركز الجميع على مشاكل زراعة الأراضي. من خلال السفر عبر العالم من جزر فارو إلى تايلاند واليابان واسكتلندا، يقوم المخرج والراوي علي تبريزي بتصوير رحلة تبدأ من الحب الطفولي للمحيط، لتنتهي بالكشف عن بعض أكبر المشاكل، وما إذا كان أولئك المكلفون بالعناية بالمحيط يقومون بدورهم بالشكل المطلوب أم لا. يقدم التقرير الآتي، ملخصًا لأحداث الفيلم الوثائقي استنادًا إلى مشاهدته، والاستعانة بما نشر حوله في الأيام الأولى من بثه، خصوصا في موقع صحيفة "إندبندنت" البريطانية.
|
معلومات صادمة كَشف عنها فيلم وثائقي مدته 90 دقيقة عرضته شبكة "نتفليكس"، في نهاية مارس/ آذار الماضي، بعنوان Seaspiracy "مؤامرة على البحار".
يسلط الفيلم الضوء على مصائد الأسماك العالمية ويوضح كيف تتطور مشاكل البحار، بينما يركز الجميع على مشاكل زراعة الأراضي.
من خلال السفر عبر العالم من جزر فارو إلى تايلاند واليابان واسكتلندا، يقوم المخرج والراوي علي تبريزي، بتصوير رحلة تبدأ من الحب الطفولي للمحيط، لتنتهي بالكشف عن بعض أكبر المشاكل، وما إذا كان أولئك المكلفون بالعناية بالمحيط يقومون بدورهم بالشكل المطلوب أم لا.
يقدم التقرير الآتي، ملخصًا لأحداث الفيلم الوثائقي استنادًا إلى مشاهدته، والاستعانة بما نشر حوله في الأيام الأولى من بثه، خصوصًا في موقع صحيفة "إندبندنت" البريطانية.
شاحنة من البلاستيك كل دقيقة
يبدأ الفيلم الوثائقي بعناوين مألوفة للغاية عن الحيتان والحيوانات البحرية الأخرى التي تُلفظ على الشواطئ وبطونها مليئة بالبلاستيك، بالإضافة إلى لقطات من الحملات التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة حول تقليل كمية البلاستيك التي يُلقي بها البشر في المحيط، وعلى وجه الخصوص الأعواد القطنية والشفاطات والزجاجات البلاستيكية.
يقول تبريزي: "ما يعادل حمولة شاحنة من البلاستيك تُلقى في البحر كل دقيقة، لتضاف إلى أكثر من 150 مليون طن من البلاستيك الطافي هناك بالفعل، والذي يتحلل إلى جسيمات أصغر تعرف بـ "الميكرو بلاستيك"، إنها تفوق عدد النجوم في مجرة درب التبانة بما لا يقل عن 500 مرة".

شِباك الصيد كافية للالتفاف حول الكوكب 500 مرة كل يوم
يذكر الفيلم أن أحد أكبر الرواسب البلاستيكية في البحار والمحيطات هو منتجات ثانوية للصيد التجاري، مثل الشباك، مؤكدًا أن 46 بالمئة من النفايات في المحيط الهادئ تتكون من شباك الصيد. في الواقع، حبال الصيد الطويلة كافية للالتفاف حول الكوكب 500 مرة كل يوم. مع العلم أن عدد سفن الصيد التجارية حول العالم يتجاوز 4.6 مليون سفينة.
يقول خبير البيئة جورج مونبيوت: "شباك الصيد المُهملة أكثر خطورة على الحياة البحرية لأنها مُصممة للقتل". ويؤكد الفيلم أن 1000 سلحفاة فقط قُتلت جراء البلاستيك في المحيطات، بينما تم اصطياد أو إصابة أو قتل 250 ألف سلحفاة بحرية بواسطة سفن الصيد".
ويقول عالم البحار كالومن روبرتس إن "تسرب النفط في ديب ووتر هورايزون سنة 2010 حقق الفائدة للحياة البحرية لأن مناطق كبيرة أصبحت مغلقة أمام الصيد مما منح المحيطات فترة راحة".

الصيد العرضي
هناك أسماك أو ثدييات يُمسك بها عن غير قصد عندما يحاول الصيادون اصطياد سمكة محددة، مثل اصطياد الدلافين في شباك مصممة لصيد سمك التونة. تُقتل بعض هذه الأسماك على الفور، لكن حتى الذي يُلقى به في البحر لا ينجو على الغالب، حسب الفيلم. ويؤكد أن ما يصل إلى 50 مليون سمكة قرش يتم اصطيادها سنويًا بشكل عرضي.
تفتك أسماك القرش في العام الواحد بحوالي 10 أشخاص، بينما نقتل نحن من 11 الى 30 ألف سمكة قرش في الساعة، نصفها يُقتل عن طريق ما يسمى الصيد العرضي "bycatch" ويتم التخلص منها كنفايات تُلقى في المحيط.
تطرق الفيلم إلى مسمكة صغيرة في آيسلندا، وقال إنها اصطادت "عرضيا" خلال شهر واحد 269 خنزيرًا بحريًا، وقرابة 900 فقمة من 4 أنواع مختلفة و5000 طائر بحري. كل هذا في مسمكة صغيرة منحت توثيقا لممارستها ما يسمى الصيد المستدام certified sustainable seafood من خلال العلامة الموثوقة عالميا "العلامة الزرقاء من مجلس الإشراف البحري MSC
ويقول الكابتن بيتر هامارستيدت، من منظمة "راعي البحر" البيئية: "أحد أكثر الأشياء الصادمة التي لا يدركها معظم الناس هو أن أكبر تهديد للحيتان والدلافين هو الصيد التجاري. يُقتل أكثر من 300 ألف حوت ودلفين كل سنة نتيجة للصيد الصناعي". وتؤكد منظمة "راعي البحر" أن ما يصل إلى 10 آلاف من الدلافين يتم صيدها سنويا في المحيط الأطلسي قبالة الساحل الغربي لفرنسا.
هذه ليست مشكلة تهدد الكائنات الحية فحسب، ولكنها تهدد المناخ أيضًا، لأن الحيتان والدلافين تلعب دورًا حاسمًا في تسميد العوالق النباتية في البحر، والتي يقول فيلم "مؤامرة على بحار" إنها تمتص أربعة أضعاف كمية ثاني أكسيد الكربون التي تمتصها غابات الأمازون المطيرة، وتولّد 85 بالمئة من الأكسجين على الأرض.
الملصقات على الأطعمة لا تعكس الحقيقة
إذا كنت تطمئن نفسك بالقول إن استهلاكك للمأكولات البحرية لا يؤذي الدلافين لأن العلبة تحمل ملصق "آمن على الدلافين"، فإن الفيلم يحثك على التفكير في الأمر مرة أخرى.
عند سؤاله عن مدى مصداقية ذلك الملصق، قال مارك جي بالمر من معهد "إيرث آيلاند"، والمسؤول عن برنامج "آمن على الدلافين": "لا، لا أحد يستطيع ضمان أن المنتج آمن على الدلافين - بمجرد أن يكون الصيادون هناك في المحيط. كيف تعرف ماذا يفعلون؟ لدينا مراقبون على متن السفينة ولكن يمكن رشوتهم، كما أنهم لا يشاركون بشكل منتظم".
وفي بيان على موقع المعهد الإلكتروني، أوضح بالمر ردًا على ما جاء في الفيلم: "عند سؤالنا عما إذا كنا قادرين على ضمان عدم قتل أي دلافين عند اصطياد أسماك التونة في أي مكان في العالم، أجبت بأنه لا توجد ضمانات. ولكن من خلال التقليل بشكل كبير من عدد السفن التي تطارد الدلافين عن عمد وتحاول اصطيادها، بالإضافة إلى اللوائح الأخرى المعمول بها، فإن عدد الدلافين المقتولة منخفض جدًا. لقد أخرج الفيلم كلامي من سياقه ليشير إلى أنه لا توجد رقابة ولا نعرف ما إذا كانت الدلافين تُقتل أم لا. هذا ببساطة غير صحيح".
ويضيف البيان: "خلاصة القول هي أن علامة "آمن على الدلافين" وقيود الصيد تنقذ حياة الدلافين. صحيح أن الصيد التجاري يخرج عن السيطرة في كثير من الحالات في جميع أنحاء العالم، لكن التونة المعلبة التي تحمل علامة "آمن على الدلافين" مؤشر على حماية الدلافين وتثبت الحفاظ على الثروة السمكية أكثر من الغالبية العظمى من مصايد الأسماك الأخرى".

"المحيطات ستكون خالية من الأسماك تقريبًا بحلول سنة 2048"
بالإضافة إلى طرح أسئلة حول ملصقات مثل "آمن على الدلافين"، يتساءل الفيلم أيضًا عما إذا كان هناك أي طريقة يمكن من خلالها أن يكون صيد الأسماك مطابقًا لمعايير الاستدامة البيئية، أو إذا كان هناك أي نوع من الأسماك التي يمكننا تناولها دون الإضرار بالمحيطات مثل الصيد التجاري على نطاق واسع. لكن يبدو أن جزءًا كبيرًا من الفيلم الوثائقي يشير إلى أن الاستدامة لا تزال مصطلحا مبهما.
تقول ماريا خوسيه كورنكس، مديرة حملات مصايد الأسماك في "أوسيانا يوروب"، وهي منظمة غير ربحية تهدف للحفاظ على المحيطات: "لا يوجد تعريف للاستدامة بالنسبة لعمل مصايد الأسماك. لا يمكن للمستهلك أن يقيّم بشكل صحيح ما هي الأسماك المستدامة وغير المستدامة. لا يمكن للمستهلك اتخاذ قرار واضح في الوقت الحالي".
من جهتها، تقول سيلفيا أليس إيرل، عالمة الأحياء البحرية الأمريكية: "نتوقع أنه بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، إذا واصلنا اصطياد الأسماك البرية بالمستوى الذي نحن عليه اليوم، فلن يكون هناك ما يكفي من الأسماك لصيدها"، وتوقعت أن تكون المحيطات خالية من الأسماك تقريبا بحلول سنة 2048.
يؤكد فيلم "مؤامرة على البحار" أنه سنويًا يُصطاد نحو 2.7 تريليون سمكة سنويًا، أو خمسة ملايين سمكة كل دقيقة، ويقول إنه لا توجد صناعة أخرى على وجه الأرض قتلت هذا العدد من الثدييات.
كما يسلط الفيلم الضوء على المشاكل التي تنجم عن بعض طرق الصيد مثل الصيد بجارفة القاع "طريقة صيد تتضمن جر الشباك الثقيلة عبر قاع البحر"، والتي يقول الفيلم إنها تقضي على ما يقدر بنحو 3.9 مليار فدان من قاع البحر سنويًا.
الاستزراع بديل للصيد
يقدم الفيلم خيار الاستزراع بديلًا عن صيد الأسماك البرية من البحار. لكن في زيارة لإحدى مزارع سمك السلمون في اسكتلندا، يكشف عن مشاكل التكاثر في هذه المزارع، مثل الأمراض والقمل والنفايات.
وفي سياق الفيلم، يشار إلى أن كل مزرعة سلمون تنتج كمية من النفايات العضوية تعادل تلك التي ينتجها 20 ألف شخص، وأن صناعة السلمون الأسكتلندية تنتج نفايات عضوية تعادل التي ينتجها سكان اسكتلندا كل سنة.

العبودية في البحر
يرى الخبير البيئي جورج مونبيوت أن ظروف العمل في مصايد الأسماك نوع جديد من العبودية. ويقارن الفيلم الوثائقي بين عدد الجنود الأمريكيين الذين لقوا حتفهم خلال 5 سنوات من حرب العراق - قرابة 4500 جندي - وبين حالات الوفيات في صفوف صيادي الأسماك خلال الفترة ذاتها، وقد بلغت 360 ألف حالة وفاة.
ويقول الكابتن هامارستيدت من منظمة "راعي البحر": "إنها الجماعات الإجرامية نفسها التي تقف وراء تهريب المخدرات والاتجار بالبشر".
أُجريت مقابلات مع صيادين سابقين في تايلاند، وقد أفادوا أنهم احتُجزوا في قوارب لسنوات وعاشوا ظروفًا مزرية وواجهوا تهديدات بالقتل. وقال أحدهم إن "قبطان السفينة احتفظ بجثث عدد من البحارة في ثلاجة".
بالإضافة إلى هذا البؤس الذي يعانيه عدد من الصيادين، يربط الفيلم الوثائقي أيضًا بين تدمير الثروات السمكية واضطرار بعض المجتمعات الفقيرة إلى تناول المزيد من لحوم حيوانات الأدغال والثدييات البرية، في ظل نقص الأسماك. ويربط الفيلم الوثائقي بين هذه الزيادة وتفشي فيروس إيبولا في غرب إفريقيا.
الدلافين والحيتان في عين الخطر
يعم حظر دولي على صيد الحيتان منذ عام 1986، ومع ذلك عملت عدة دول في الخفاء أكثرها شهرة هي اليابان، وهناك مكان واحد جنوب اليابان حيث لا يزال من الممكن رؤية هذه الصناعة تعمل انطلاقًا من الساحل وهي مكان يدعى "تايجي". وفق الفيلم. يُجمع في "تايجي" كل عام أكثر من 700 من الدلافين والحيتان الصغيرة في خليج صغير لتذُبح.
يقول “ريك أوباري" وهو أحد المنخرطين في موضوع الدفاع عن الدلافين والحيتان ومؤسس "مشروع الدلافين": "ما أن تطأ قدماك في تايجي حتى تلاحقك الشرطة، في غرفة الفندق ستجد أجهزة تنصت في كل مكان وعلى هاتف الغرفة أيضًا، ناهيك عن كاميرات مخفية في الغرفة".
ترى لوري مارينو مؤسسة مشروع ملجأ الحيتان إن "صيد الدلافين في تايجي ما زال مدعومًا ومستثمرًا فيه وممولًا من قبل صناعة الترفيه في المتنزهات البحرية، والجائزة الكبيرة لهذا الصيد هي اصطياد الدلافين والحيتان الصغيرة خاصة عندما تعرف أن سعر الدولفين المدرب يصل إلى 100,000 دولار".
من عام 2000 الى عام 2015 مقابل كل دولفين يُأسر، يقتل 12 دولفينًا آخرًا، بحجة أنها تنافس الصيادين على الثروة السمكية الموجودة في البحار!
حسب الفيلم الوثائقي، في "تايجي" أيضا يوجد واحد من أكبر موانئ التونة في العالم، والذي يركز على صيد سمك "التونة ازرق الزعنفة" ويبيعه في سوق السمك بطوكيو مقابل أكثر من ثلاثة ملايين دولار للسمكة الواحدة التي تبقى أقل من 3% منها في طريقها نحو الانقراض.
وتباع إلى جانب أسماك القرش أيضًا التي تقدر صناعة زعانفها بمليارات الدولارات وتكون عادة مرتبطة بأنشطة إجرامية كبيرة. تستخدم زعانفها التي تشحن عادة الى الصين في صناعة "حساء زعانف القرش" الذي يُعد رمزًا للمكانة الاجتماعية، رغم أنه لا توجد له أي فوائد غذائية ويمكن أن يكلف أكثر من 100 دولار للوعاء الواحد.

التوقف عن تناول السمك هو الحل؟
على الرغم من أن الفيلم الوثائقي يستكشف خيارات مختلفة - مثل تناول المزيد من الأسماك المستدامة أو أسماك المزارع، بدلًا من الأسماك من البرية - إلا أنه يخلص إلى أن أفضل ما يمكن فعله للنظم البيئية البحرية هو عدم تناول الأسماك على الإطلاق.
كما يدعو الفيلم إلى ضرورة إنشاء "مناطق يُمنع فيها صيد الأسماك" في جميع أنحاء العالم من أجل الحفاظ على الثروة السمكية.
ويقول الفيلم إن المعتقدات الراسخة بأن الأسماك لا تشعر بالألم أو أنها ليست ذكية بما يكفي لكي تحس بالخوف لا أساس لها من الصحة، وأن الأسباب الأخرى لتجنب صيد الأسماك تشمل التلوث الشديد بالمواد الصناعية، بما في ذلك الزئبق والمعادن الثقيلة والديوكسينات، وحسب فيلم "مؤامرة على البحار"، يجب أن تكون الأسماك خارج القائمة تمامًا.
لكن مجلس الإشراف البحري يقول: "الصيد المستدام موجود بالفعل ويساعد على حماية محيطاتنا. أحد الأشياء المدهشة حول محيطاتنا هو أن مخزونات الأسماك يمكن أن تتعافى وتتجدد إذا تمت إدارتها بعناية على المدى الطويل".
مضيفًأ: "نختلف مع الكثير مما يقوله صناع الفيلم الوثائقي، لكن هناك شيء واحد نتفق معه وهو أن هناك أزمة صيد جائر في محيطاتنا. ومع ذلك، يعتمد الملايين حول العالم على المأكولات البحرية لتلبية احتياجاتهم من البروتينات. مع وصول عدد سكان العالم إلى 10 مليارات نسمة بحلول سنة 2050، أصبحت الحاجة إلى مراقبة مواردنا الطبيعية مسؤولية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، ويلعب الصيد المستدام دورًا حيويًا في تأمين تلك الموارد".