لأول مرة في قطاع غزة... العجوة البلدي الحياني بتكنولوجيا محلية
خاص بآفاق البيئة والتنمية/ خان يونس
التكنولوجيا الجديدة لتصنيع العجوة من رطب البلح الحياني، هي الأولى من نوعها في قطاع غزة. وبحسب القائمين على وحدة التصنيع، هي عبارة عن خط انتاج من خمس مراحل بدءاً من استقبال الرطب وتنظيفه وغسله بأحواض مائية، وصولا الى تعبئة العجوة ليكون المنتج جاهزاً للمستهلك بأعلى درجات الجودة. نجح القائمون على المشروع في صناعة مجفف تصل سعته الى 2 طن رطب معزول عن المناخ الخارجي ويعمل على الطاقة الشمسية ومصنوع من غلاف شفاف –كريستال- يسمح بنفاذ أشعة الشمس داخل المجفف، وتصل درجة الحرارة فيه دون تفعيل النظام لـ 55 درجة مئوية اثتاء النهار. ويعد هذا المشروع دعوة للقطاع الخاص للاطلاع على هذه التجربة الناجحة لوحدة انتاج العجوة في قرية خزاعة (مطقة خانيونس) جنوب قطاع غزة، لمشاهدة مراحل انتاج العجوة ونقل هذه التكنولوجيا إلى مصانعهم.
|
 |
النساء الغزيات اثناء عملية تصنيع عجوة الحياني |
بحركة لا تخلو من اليقظة بفعل الممارسة اليومية تقشط تحرير الروق وثلاث عشرة من زميلاتها قشور ثمار الرطب كخطوة أولى في عملية تصنيع العجوة محليًا، ما أسهم في تحسين ظروفهن المعيشية داخل قطاع غزة المكتظ بالسكان.
وتعد صناعة العجوة المنزلية، أحد أبرز المظاهر التي انتشرت في قطاع غزة خلال السنوات الماضية، في إطار تحقيق الاكتفاء الذاتي منها، استغلالًا لوفرة البلح بأسعار مقبولة.
لكن تجربة الروق وزميلاتها، وهن من أسر محدودة الدخل، تعدُّ مختلفة، إذ يعملن لثمانية ساعات يومياً داخل وحدة مجهزة من قبل مركز العمل التنموي/ معا في مدينة خان يونس.
وهذا المصنع يعمل منذ ثلاث سنوات ويستهدف تشغيل النساء من محدودي الدخل بالمدينة ويستمر لمدة شهرين تقريبا، هي فترة جني محصول البلح فقط. ويعمل في المصنع نساء من ذات المدينة نجحنّ في إنتاج عشرات الأطنان من العجوة، وتسويقها في السوق المحلية بقطاع عزة.
ونجح مركز معا بالشراكة مع مؤسسة أفيدا الأسترالية، ضمن مشروع غلة، بتطوير تكنولوجيا جديدة في تصنيع العجوة من رطب البلح الحياني هي الأولى من نوعها في القطاع، حيث أصبح بالإمكان تحويل كميات تجارية من رطب البلح الحياني إلى عجوة وبيعها في السوق المحلي بأسعار منافسة، وهو ما يُعتبر اختراقا هاماً في سوق العجوة في قطاع غزة.
وتسكب الروق ثمار الرطب في حاوية لغسله قبل تقشير قشورها ووضعها على "استاندات"، حيث تستمر فترة تجفيفها بين 14 – 16 ساعة، ومن ثم يتم فرز النوى على ماكنة مخصّصة داخل المصنع، وهي الأولى من نوعها داخل قطاع غزة.
وتقول “العمل في صناعة العجوة هو مصدر دخل لنا، فزوجي وأولادي أيضًا يعملون في هذه المهنة أثناء فترة جني البلح، لأن الموسم سرعان ما ينتهي، وهذا يساعدنا على إعالة أنفسنا في ظل الظروف الصعبة التي نمرُّ بها من حصار وكذلك انتشار فيروس كورونا”.
وتضيف الروق (33 عاما) "العمل هنا ساعدني على توفير الكثير من احتياجات أسرتي. أعمل منذ ثلاث سنوات، وتكون ذروة العمل خلال سبتمبر/أيلول وأكتوبر/ تشرين أول من كل عام".
وترتدي الروق وجميع من يعمل في المصنع الكمامات ويحرصن على النظافة الشخصية طوال الوقت.
وتروي هيا الفرا تجربتها وهي منهمكة في قشر ثمار الرطب: "وحدة التصنيع ساهمت في تحسين مستوانا المعيشي وهي أفضل من العمل داخل المنزل لاسيما وان العمل المنزلي يحتاج إلي وقت كبير لإجراء عملية التجفيف".
وأشارت العاملة، وهي ربة أسرة، إلى أنها تشعر بالسعادة أثناء العمل وتطمح إلى تقديم منتج وطني بمواصفات عالمية.
وتسلل فيروس كورونا وفق تقديرات طبية رسمية إلى القطاع الساحلي الذي تديره حركة (حماس) منذ بداية أغسطس (آب) الفائت، وسجلت السلطات الصحية إكتشاف أول أربع إصابات مؤكدة بصفوف عائلة من مخيم المغازي وسط القطاع يوم الـ 24 من الشهر نفسه.

تجفيف الرطب لإنتاج عجوة الحياني
تطوير الصناعات المحلية
المهندس يوسف عوض من مركز العمل التنموي/ معا يقول أن المركز ومن خلال مشروع أمينكا3 يعمل على تطوير الصناعات التحويلية حيث يعدُّ البلح من المحاصيل التي تدخل ضمن هذه الصناعات لافتا الى انه تم العمل من أجل استثمار ذروة انتاج محصول البلح، وانخفاض أسعار الرطب في الفترة الممتدة من منتصف ايلول سبتمبر وحتى منتصف شهر تشرين الثاني.
ويشير منسق مشروع أمينكا الى أن وحدة تصنيع عجوة البلح الحياني -الذي يشتهر به قطاع غزة- تعد الأولى من نوعها في قطاع غزة لإنتاج العجوة بتقنيات تكنولوجية حديثة منوها الى أنه بعد دراسة واقع القطاع تبين ان الأسر الغزية تعمل ومنذ سنوات على تصنيع العجوة، الا أن هناك جملة من الأخطاء التي تتخلل عملية التصنيع ما يعرضها الى التلف وخسارة الوقت والجهد الذي بُذل في عملية التصنيع داخل المنازل.
ويضيف إن مركزه يهدف إلى التمكين الاقتصادي للسيدات ومزارعي النخيل في القطاع، إضافة إلى المساهمة في تطوير زراعة النخيل بغزة، لافتا الى أن من أبرز الاشكاليات التي تواجه النساء في تصنيع العجوة داخل المنازل؛ البيئة المكانية من ناحية، والتجفيف والتقشير من ناحية ثانية، اذ تتم عملية التجفيف على الأسطح، ما يعرضها للأتربة والغبار أو التلف جراء الرطوبة.
وفيما يتعلق بإشكالية التقشير يوضح م. عوض الى أن عملية التقشير كان ينتابها أخطاء متعددة أهمها ان عملية التقشير تستغرق وقتا طويلا، ما يعرض الرطب للتلف، لافتا الى أنه تم انشاء خط انتاج متكامل وفق اسس تكنولوجية متطورة، بدءا من استلام الرطب وصولا الى التجفيف والتعبئة.
التكنولوجيا
بحسب القائمين على الوحدة فإن خط الإنتاج يتكون من خمس مراحل، المرحلة الأولى استقبال الرطب وتنظيفه وغسله بأحواض مائية، والثانية تعتمد على تقشير الرطب من قبل السيدات العاملات والماكنة المتوفرة لضمان سرعة الأداء وكذلك الجودة المطلوبة، ويتم خلالها فرز حبات الرطب لضمان جودة العجوة في صورتها النهائية.
وتتمثل المرحلة الثالثة في تجفيف الرطب بتقنيات التجفيف الحديثة التي تمت بعقول فلسطينية داخل مركز معا، والمرحلة الرابعة نزع النوى ميكانيكياً، وفي النهاية يتم اخراج العجوة بشكل قوالب من خلال خط تغليف وتعبئة يعتمد على الميكنة والأيدي العاملة المدربة، ليكون المنتج جاهزاً للمستهلك بأعلى درجات الجودة.

وفد من الطب ألوقائي في زيارة لوحدة إنتاج عجوة الحياني
تقنيات حديثة
وقال عوض: "إن ما تم انجازه يعدُّ تجربة ناجحة للقطاع الخاص للعمل على ذات الآلية في تصنيع العجوة "موضحا أنه للقضاء على إشكاليات التقشير، تم تطوير خط انتاج يستوعب 14 سيدة يعملن في ظروف انسانية وانتاجية افضل من المنزل، حيث تضاعفت قدرة السيدات في عملية التقشير، فبدلا من تقشير نحو 40 كيلو يوميا في المنزل، بات بإمكان السيدة الواحدة تقشير80 كيلو في فترة عمل أقل وظروف انسانية افضل.
وفيما يتعلق بالمجففات وسعتها الاستيعابية واشكاليات قطع التيار الكهربائي لساعات تصل أكثر من 8 ساعات يوميا أشار عوض إلى أن المجففات التقليدية سعتها منخفضة وعمل مركز معا على صناعة مجفف تصل سعته الى 2 طن رطب معزول عن المناخ الخارجي، ويعمل على الطاقة الشمسية ومصنوع من غلاف شفاف –كريستال-يسمح بنفاذ أشعة الشمس داخل المجفف، وتصل فيه درجة الحرارة دون تفعيل النظام إلى 55 درجة مئوية أثناء النهار.
ونوه الى انه تم تدعيم هذا النظام بنظام يعمل على الغاز حيث يتم التجفيف عبر الهواء الساخن والذي يسخن بواسطة الماء الساخن.
وقال إن الوحدة تعمل على انتاج نحو 6 طن عجوة من أصل 18 طن رطب، وحاجة القطاع سنويا تصل الى 1200 طن عجوة منهم 600 طن يتم فيها استيراد العجوة المطحونة، و300 طن يتم تصنيعها من مختلف التمور المحلية، وبعضها دون الجودة المطلوبة، والمزارعون والأهالي ينتجون نحو 300 طن سنويا.
ويشير الى ان مركز معا وجه دعوة للقطاع الخاص للإطلاع على هذه التجربة الناجحة لوحدة انتاج العجوة في قرية خزاعة جنوب قطاع غزة ليشاهدوا مراحل انتاج العجوة، ويتم نقل هذه التكنولوجيا في مصانعهم، لافتا الى أن المركز نجح في تطوير ماكنة لإزالة النوى، اذ تعد الأولى من نوعها في فلسطين.
وعن آلية العمل يوضح أنه يتم تجفيف الرطب بعد تقشيره بالنوى، ومن ثم يتم إزالة النوى عبر الماكنة موضحاً أن سعة الماكنة 400 كيلو في الساعة الواحدة.
ويشير الى أنه يعمل في المصنع 14 سيدة من السابعة صباحًا وحتى الثانية بعد الظهر، وفق إجراءات صحية صارمة لمواجهة خطر الإصابة بفيروس كورونا.
ويضيف "أن فريق العمل منسجم واكتسب الخبرات خلال الموسمين الماضيين، ويعمل على تقديم منتج بجودة عالية بأسعار زهيدة".
اتفاقية تعاون
وكان مركز معا وقع اتفاقية شراكة لإقامة وحدة انتاج الرطب الحياني، مع شركة بدري وهنية. وتقوم هذه الاتفاقية بين الطرفين على أساس التعاون على إنشاء وحدة تصنيع العجوة من الرطب المحلي (الحياني) باستخدام تكنولوجيا محلية كانت قد طورت بواسطة المركز على مدار الثلاث سنوات الماضية. وتعد هذه التكنولوجيا المطورة محليا، الأولى في مجال صناعة العجوة من البلح الحياني الذي يتميز بزراعته في قطاع غزة.
ويهدف استخدام هذه التكنولوجيا الى تحقيق طفرة في إنتاج العجوة بمواصفات عالية الجودة، تراعي معايير السلامة الغذائية.
تأتي اتفاقية الشراكة ما بين مركز معا وشركة بدري وهنية في اطار اعمال مشروع "غلة"/أمينكا 3، والذي يهدف إلى تحفيز قطاع غزة في الصناعات القائمة على الرطب الحياني، وبخاصة صناعة العجوة بما يضمن تشغيل أيدٍ عاملة من الشباب والنساء، والمساهمة في إعادة التوازن لأسعار الرطب في الأسواق المحلية بما يعود بالفائدة على صغار المزارعين.
وتهدف اتفاقية الشراكة الموقعة على تشجيع الصناعات المحلية وتسهيل وصول المزارعين للأسواق المحلية، حيث ستقوم شركة بدري وهنية بتنفيذ هذه التكنولوجيا، وإنتاج العجوة من خلال استثمار مشترك بين الطرفين.
ويبلغ عدد أشجار النخيل المثمرة من الشجر الحياني 250 ألف نخلة، تنتج نحو 15 الف طن من الرطب الحياني، ويبلغ استهلاك المواطنين من العجوة سنويا 1200 طن.
ومنعت وزارة الزراعة، منذ نحو عام “استيراد عجوة التمر من الخارج، لتشجيع الاهتمام بزراعة النخيل بغزة، وتشجيع صناعة منتجاتها المتنوعة، كالعجوة والدبس (عسل التمر)”.
ويختتم عوض حديثه قائلا اختصرنا وقت الإنتاج ووفرنا ساعات من العمل الشاقة، وانتجنا عجوة ذات جودة عالية.