برنامج FAN المجـتمعي لما بعد كورونا... أحـياء حضرية مستدامة ببصمة إيكولوجية وصحية

إن فكرة الأحياء الحضرية المستدامة تتلخص في تلبية الاحتياجات الثقافية والسياسية والبيئية والاجتماعية إلى جانب تلك الاقتصادية والفيزيائية، فهي تنظيم ديناميكي متجاوب مع المتغيرات. إنها تدعو إلى تعدد الاستخدام للمصادر المستدامة مع الحفاظ على المساحات المفتوحة. بهدف تعزيز الشعور بالانتماء إلى المجتمع، الإحساس بالمكان، وتعزيز التنمية السكنية الأكثر كثافة.
جوهر هذا هو خلق أصغر بصمة إيكولوجية ممكنة، قادرة على إطعام نفسها مع اعتماد ضئيل على المناطق الريفية المحيطة بها، وتقوي نفسها لاستخدام الأراضي بكفاءة، وإعادة تدوير أو تحويل النفايات إلى مصادر الطاقة المتجددة وإنتاج أقل كمية ممكنة من التلوث.
فقد طرحت هذه الفكرة ونوقشت منذ عام 1996 من طرف الاقتصادي Kenneth Boulding؛ حيث سعى للدعوة إلى البدء بالتفكير في كوكبنا كمركبة فضاء- نظام مغلق بمصادر منتهية لا يدخلها شيء سوى الطاقة الشمسية التي تعطي الحياة للنباتات وتعطي الأوكسجين، فالشمس مصدر الطاقة اليوم، الذي ينتج الرياح والأمطار والطاقة المتجددة التي يمكن استهلاكها دون تلويث البيئة".
وفي نفس الإتجاه أشار Herbert Girardet وهو اقتصادي حضري، أن المفتاح يكمن في أن الاستهلاك في المدن يقلل من فعالية إعادة استخدام المصادر. فيجب إعادة تشغيل المواد وتقليل النفايات والمحافظة على الطاقات المستنفذة، والتحول إلى المتجددة والتقليل من التأثيرات السيئة على البيئة.
التخطيط الحضري المستدام
وعلى ذلك يجب أن نحقق إدارة جيدة لاستعمال المصادر بتطوير شكل جديد من التخطيط الحضري الشامل والمراقب؛ وهو توجه عالمي تبنته غالبية الأمم من خلال خطة التنمية لـ2030 من خلال الهدف الحادي عشر(11)، "جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة".
وهو أيضا ما دعا إليه العاهل المغربي في رسالته الموجَّهة إلى المشاركين في منتدى كرانز مونتانا: {أنّ العالمَ مطالب اليوم بابتكار أنماط تنموية، من شأنها ضمان عيش أرغد لشعوبنا، مع الحفاظ على شروط استدامته. فلنجتهد جميعا في هذا الاتجاه، ولنصغي للمبدعين وللشباب؛ الذين يجددون باستمرار، ويهيؤون لنا عالم الغد... إن من مسؤولية الدول أن تتبنى رؤى مستقبلية، وتعمل على بلورتها على أرض الواقع، غير أن السياسات العمومية، مهما كانت طموحة، تظل هشة ما لم تتملَّكها الساكنة ومنظمات المجتمع المدني. هذا هو المعنى الحقيقي للتنمية المستدامة. فلكي تكون التنمية دائمة وقوية وغنية، لا بد لها أن ترتكز على رؤية تتقاسمها كل فعاليات المجتمع، بحيث يقرر كل طرف ويختار بلورتها بطريقته الخاصة}.
هذا كله من أجل الوصول إلى البنى الارتكازية البيئية الخضراء فمن خلال تخصيص مسطحات للزراعة داخل الأحياء، سيحصل السكان والزوار على تطهير فوري للهواء المحيط بهم. ورفع العامل الايجابي في نفسية المواطن. وخلق مجالات خضراء لتربية الحيوانات الأليفة؛ سيوفر الكثير من السلع والخدمات الأساسية، وأيضا له فوائد اجتماعية وثقافية وروحية ودينية على المناخ النفسي والجمالي للإنسان.
لهذا نجد العمل مع الطبيعة لمواجهة التحديات وتحسين حياة الناس أمر ضروري في التخطيط الحضري المستدام، ذلك أن:
- الإنسان بحاجة إلى الطبيعة بكل ما فيها من غنى وتنوع، لما في ذلك من تأثير على المناخ النفسي الذي يعيشه في مجتمع يعاني الاغتراب الروحي. إن القيمة الجمالية والترفيهية لمكونات الأنظمة البيئية الطبيعية ضرورية للإنسان لهذا فمن الطبيعي دمج الجانب البيئي ضمن التخطيط الحضري للمدن، بتوفير أماكن تراعي الكائنات الحية وبخاصة الأليفة التي نراها في الشوارع والتي تشكل جزءاً من البنية الاجتماعية للأحياء.
- الهواء في الحدائق أو المنتزهات نقي ومنعش، بسبب إفراز المواد الكيميائية المتطايرة (روائح طيارة) وتعتبر هذه المواد الكيميائية المتطايرة -إضافة إلى تثبيطها للميكروبات المرضية- فيتامينات الجو، ذلك أن تنفس هواء الغابات والمنتجعات والحدائق يزيد من نشاط القلب ويحسن عمل النظام العصبي، ويرفع النشاط العام للجسم ومقدرته على مقاومة الأمراض.
- دمج البيئة في التخطيط المجالي للأحياء، يزيد من فرص التنمية الإقتصادية، من خلال نظام تدوير النفايات المجمعة، وهذه النقطة ترتبط إمكانية تنفيذها على مستوى الحي، المثال على ذلك، تبادل البضائع بشكل غير رسمي... أو إعادة الاستفادة من مخلفات المطاعم وبائعي اللحوم والأسماك بجعل هذه البقايا من الأطعمة أكلا للحيوانات وأيضا أسمدة للزراعة الحضرية... بهذه الطريقة نحن نقف أمام نشاط غير نظامي (عمال المتلاشيات ونباشو القمامات) الذي يوفر فرص عمل مصنفة شكلاً على أنها خضراء. وذلك في محاولة لإدماج هذه الفئة في الدورة الاقتصادية من خلال عملية فرز وإعادة استرجاع النفايات وبيعها إلى أصحاب مؤسسات الصناعات التحويلية، ضمن المبادرة التي تندرج في إطار مشروع التدبير الأمثل للنفايات في حوض البحر الأبيض المتوسط والذي يعد جزءا من البرنامج الأوروبي الذي يحمل اسم "المدينة"... على أمل أن نخطو خطوات نحو التثمين الطاقي للنفايات لتصبح مصدراً من مصادر الطاقة المتجددة...
مؤسسة فان
وضمن هذه الأبعاد والتوجهات، صاغت مؤسسة FAN (كفاعل جمعوي في مجال البيئة خاصة البيئة الطبيعية والحيوانية في الأحياء والشوارع) فكرة البرنامج الذي تعمل على تطبيقه عبر مراحل بما يعرف بـــ "الأحياء الحضرية المستدامة ببصمة إيكولوجية وصحية" ضمن واقع الأحياء التي نعيش فيها بالمملكة المغربية.
في البداية، كانت انطلاقتنا كنشطاء وباحثين من خلال قسم منحه لنا مركز المنارة للدراسات والأبحاث، بحملات إلكترونية للتوعية. بعدها ولتوحيد الجهود قمنا بتأسيس جمعية فان (FAN) تختص برعاية الطبيعة ( بإعادة تأهيل الأماكن بتنظيفها في إطار عمل جماعي مشترك...) وحماية الحيوانات (خاصة تلك التي تعاني التشرد، التعذيب وسوء المعاملة من خلال تطبيق برنامج التعقيم والتطعيمات) وتوفير الأكل لهم من بقايا الأطعمة التي يتم تجميعها من طرف عمال المتلاشيات...
