"الهيمنة على الحشائش"...معرض لإعادة علاقة الفلسطينيين بالموروث الثقافي الخاص بالطبيعية
خاص بآفاق البيئة والتنمية
"الهيمنة على الحشائش" معرض أنشأته مؤسسة عبد المحسن القطان في رام الله، وهو عبارة عن مشروع معرفي فلسطيني جاء بهدف إعادة علاقة الفلسطينيين بالبيئة الحيوية المحيطة بهم بكل تفاصيلها وربطهم بها، وإيصال رسالة معرفية بعدم التعبير عن الموروث الثقافي المتعلق بالغطاء النباتي بصورة أحادية بل على العكس. المعرض أقيم بطريقة حديثة بمشاركة عشرات الفنانين والفنانات لتسليط الضوء على أهمية هذا الموروث الثقافي ليس كغذاءً فقط بل عن أهمية الحفاظ عليه كاملا دون الاهتمام بجزئية معينة فيه على حساب أخرى. فكرة المعرض اُستمدت من الوثائق البريطانية التي أظهرت أن حقبة الاحتلال البريطاني تميزت بالعمل المدروس لتغيير الطبيعة في فلسطين وبخاصة النباتات التي اعتبرها الاستعمار ضارة في الوقت الذي اُعتبرت فيه جزءا من الثقافة الفلسطينية وكانت مستخدمة شعبياً إما لأغراض طبية أو لأغراض أخرى.
|
|
|
كان للبحث في الأرشيف فرصة لعثور مؤسسة عبد المحسن القطان في رام الله، على فكرة لإقامة معرض أطلق عليه إسم "الهيمنة على الحشائش"، يعود الإسم لعام 1940 ويتمحور حول السياسات التي أنتجتها السلطات البريطانية للقضاء على المحاصيل والأعشاب التي ادعت أنها "ضارة" في فلسطين.
جاءت فكرة المعرض من وثيقة عنوانها "مكافحة الأعشاب الضارة" تحتوي على 45 رسالة، ونسخ من أبحاث علمية أجريت بين بريطانيا وفلسطين، وضّحت فيها احصائيات وتجارب على مواد كيميائية بحجة مكافحة الأعشاب الضارة والتحكم في نموها وانتشارها في المنطقة.
رسالة من شركة الصناعات الكيميائية البريطانية منذ عام 1945 توضح نيتها إجراء تجارب على بعض الأعشاب الفلسطينية لإبادتها
إحدى هذه الرسائل كانت موجهة إلى كبير الموظفين الزراعيين الذي كان يعرف بالسيد "مايسون"، كُتب فيها عن نيته القيام بمعرض متنقل يجوب أنحاء فلسطين، لتعريف الفلاحين الفلسطينيين بمجموعة من الأعشاب الضارة والبذور التي تنمو بين الحبوب والبقوليات والخضروات وجوانب الطرق وقنوات الري وبلغ عددها 33 صنفاً.
أحيَت مؤسسة عبد المحسن القطان هذا المفهوم من خلال افتتاح معرض في مركزها برام الله حيث أتاحت لـ33 فناناً وفنانةً من فلسطين التاريخية والشتات الفرصة للمشاركة فيه، على غرار المعرض المتنقل الذي أقيم قبل 80 عاماً بعد بحث معمّق أستمر أكثر من عام.
زوار معرض الهيمنة على الحشائش
يقول قيّم المعرض "الهيمنة على الحشائش" يزيد عناني، أن المعرض مشروع معرفي فلسطيني جاء بهدف إعادة علاقة الفلسطينيين بالبيئة الحيوية المحيطة بهم بكل تفاصيلها وربطهم بها، وإيصال رسالة معرفية بعدم التعبير عن الموروث الثقافي المتعلق بالغطاء لنباتي بصورة أحادية بل على العكس.
وأوضح عناني، أن المعرض أقيم بطريقة حديثة بمشاركة عشرات الفنانين والفنانات لتسليط الضوء على أهمية هذا الموروث الثقافي ليس كغذاء فقط، بل حول أهمية الحفاظ عليه كاملا دون الاهتمام بجزئية معينة فيه على حساب آخرى.
وأضاف بخصوص الوثائق التي اُستمد المعرض منها، فأشار إلى أنها أظهرت أن الفترة البريطانية كانت مهمة لتغيير علاقة الفلسطيني بالموروث الثقافي المتعلق بالغطاء النباتي في فلسطين، وخاصة الأعشاب الضارة مقارنة بالفترة العثمانية.
|
|
البذور البرية الفلسطينية التي عمل الاحتلال البريطاني على إبادتها |
تنوعت المجسمات الفنية الجميلة والمعبرة في معرض الهيمنة على الحشائش |
33 بذرة
المعرض الذي افتتحته مؤسسة القطان في مقرها في حي الطيرة في رام الله، يستقبل الزوار بجملة "مثقال حبة من خردل" كُتبت على أعلى بيت بلاستيكي وضع داخل المعرض والذي يضم عدداً من الأعمال الفنية، وأول هذه الأعمال على يمين مدخل المعرض، لوحة لـ 33 بذرة التي وردت في الوثائق البريطانية على أنها ضارة، فيما توزعت باقي الأعمال في أرجاء المعرض الذي سيستمر حتى الأول من شهر ديسمبر المقبل، وشملت الأعمال الفنية التي عكست رؤية الفنانين على أعمال تركيبية ونحتية وأخرى صوتية، بالإضافة لعدد من اللوحات الكلاسيكية، إذ طُلب من كل فنان التعرف على البذور ودراستها والبحث عنها بشكل دقيق لتحويلها لمنحوتة أو لوحة فنية، بهدف اعطاء كل بذرة قيّمة أخرى مغايرة لتلك التي رسمتها الصناعة البريطانية وحاولت القضاء عليها بالمواد الكيميائية، عبر مبيد الأعشاب "ميثوكسون" الذي استخدم للقضاء على الأعشاب "الضارة" الـ 33 في فلسطين.
يتميز المعرض كونه استطاع أن يجمع في مكان واحد أعمال فنية لفنانين من أعمار وخبرات فنية مختلفة، إذ يمكن رؤية التنوع في الأسلوب والأفكار الفنية التي استخدمها كل فنان للتعبير عن بذرته.
ومن المقرر أن يتنقل معرض الهيمنة على الحشائش في عدة أماكن في فلسطين كما كان يتنقل المعرض عام 1940 لتعريف الفلسطيني بالموروث الثقافي عن البيئة الفلسطينية. وإلى جانب المعرض أصدرت المؤسسة كتاباً خاصا يحمل أيضاً عنوان الهيمنة على الحشائش كتب فيه أبحاث وكتابات عن النباتات في فلسطين وعن الأعشاب "الضارة" التي تناولها المعرض.
|
|
جانب من معرض الهيمنة على الحشائش |
لوحات فنية تجسد النباتات البرية الفلسطينية المستهدفة بالإبادة من الاحتلال البريطاني |
البذور المستهدفة
كان من ضمن الـ 33 بذرة التي سعت السلطات البريطانية للقضاء عليها في الطبيعة الفلسطينية الغنية والتي أدرجتها ضمن وثائقها عام 1940 الهندباء البرية، وهي نبتة شائعة الانتشار في مناطق البحر الأبيض المتوسط، تعتبر نبتة مقاومة للملوحة، بالإضافة إلى نبات النفل، وهو نبات ينتمي إلى العائلة النباتية القرنية، ينتج العديد من الأزهار البيضاء التي تزهر من يناير إلى مايو، وله أوراق كبيرة ووريقات عريضة مسننة يعتبر أحد اهم مصادر الرحيق للنحل.
من النباتات الأخرى التي اعتقد أنها ضارة هي نبات الهالوك، وهو نبات عشبي طفيلي شائع جداً في منطقة البحر الأبيض المتوسط يفتقر للكلوروفيل ولديه سيقان متفرعة صفراء يصل طولها من 10 إلى 30 سم، قد تسبب مشاكل في الحقول الزراعية ولكن؛ استخدم هذا النبات كمليّن ومهدئ، كما ان أوراقه وجذوره صالحة للأكل حسب موقع محميات فلسطين.
بالإضافة إلى الخرفيش، وهو نبات شوكي واسع الانتشار تستعمل بذوره في بعض العلاجات وعروقه قد تُأكل طازجة ويزيد طوله عن متر واحد.
|
|
لوحة الفنان سليمان منصور يتوسطها إبلان ويزين باقي اللوحة بعروق من نبتة الخرفيش |
لوحة فنية في معرض الهيمنة على الحشائش |
إعادة البذور إلى الواجهة
مهدي براغيثي فنان فلسطيني شاب، من أحد الفنانين المشاركين في المعرض من خلال عمل فني عبر فيه عن بذرة "القرطم"، كان عبارة عن عمل تركيبي لمجسم عمود روماني صُنعه من بذرة القرطم مع مواد اخرى، وأرفق العمل بفيديو يظهر فيه مجسم العمود وهو في الطبيعة تأكله الطيور.
قال براغيثي، " انه اختار ان يعمل هذا العمل للتعبير عن سيرورة السُلطة مع الطبيعة، وكيف الأخيرة هي دائماً الأقوى من كونها تعيد تشكيل واحياء نفسها بالرغم من قوة السلطة الظاهرة عليها".
واضح انه وقع اختياره لعمل المجسمات الرومانية لأننا نرى مثلها في الكثير بالمؤسسات والمباني الحكومية أو المؤسسات صاحبة السلطة مثل المحاكم والبنوك.
يرى براغيثي أن المعرض يخاطب تاريخاً غير معروف بالنسبة للكثيرين خاصة انه سلّط الضوء على النباتات في فلسطين وعلاقتها مع الاستعمار تحديداً، الذي كان من إحدى دوافعه تغيير الطبيعة في فلسطين خاصة النباتات التي اعتبرها ضارة في الوقت الذي أُعتبرت فيه جزءا من الثقافة الفلسطينية وكانت مستخدمة شعبياً إما لأغراض طبية أو لأغراض أخرى مثل نبتة القرطم التي كانت تستخدم لاستخراج الأصباغ مثل اللون الأزرق والبنفسجي وحالياً تستخدم كطعام للطيور حسب البرغوثي.
لوحة كلاسيكية عُلقت في عمق المعرض رسمها الفنان الفلسطيني سليمان منصور تناول فيها نبات الخرفيش الذي كان ضمن 33 نبتة مصنفة من قبل السلطات البريطانية على أنها ضارة؛ في المقابل هي نبتة تتغذى عليها بعض الحيوانات كالجمل والحمار.
|
|
مجسم ضخم شفاف منفوخ على هيئة بذرة تشبه الفصولياء عُلق في سقف المعرض فوق قرص دائري يتحرك ببطئ للدلالة على استمرارية الحياة |
مجسم نباتي في معرض الهيمنة على الحشائش |
يقول منصور، "أرى أن المعرض ممتاز كونه يعبر عن فكرة جديدة في الفن الفلسطيني الذي لم يسبق للفنانين الفلسطينيين ان تناولوها أو عالجوها في فنهم إلا في بعض الحالات الفردية، وما يميز المعرض كونه جاء ليتناول فكرة سياسية تبرز من خلالها نظرة المستعمر إلى كل ما يخص الأرض الفلسطينية، بما فيها النباتات والحشائش خاصة تلك التي اعتبرها ضارة".
امتازت لوحة الفنان منصور بلونها الذهبي الغالب على اللوحة يتوسطها إبلان، فيما يزين باقي اللوحة بعروق من نبتة "الخرفيش" التي لونت أيضاً باللون الذهبي، وكتب الفنان على أعلى وسط اللوحة جُملة صوفية (كل شيء بعض شيء) وذلك للدلالة على أن كل شيء في الطبيعة والحياة مرتبط ببعضه البعض ولا يمكن إلغاء شيء دون إحداث فراغ خطير في الطبيعة حسب ما يعتقد الفنان.
أما في وسط المعرض قدمت الفنانة الفلسطينية فيرا تماري عملاً فنياً أطلقت عليه "تعويذة" تناولت فيه بذرة تسمى باللغة اللاتينية "أستوما سيسيليفومليوم" وهي نبتة موطنها الأصلي حوض البحر الأبيض المتوسط تنبت بين الأشجار مثل الزيتون، ليس لها منفعة مباشرة حسب بحث قامت به الفنانة تماري كجزء من مشاركتها في المعرض. تنمو هذه النبتة على سيقان طويلة ولها زهرة شعاعية خفيفة، لها بذرة تشبة الفصولياء وتعتبر جزءا من النسيج النباتي الفلسطيني، استطاعت تماري ان تخلق من هذه البذرة عملا فنيا تركيبيا مكونا من مجسم ضخم شفاف منفوخ على هيئة بذرة تشبه الفصولياء عُلق في سقف المعرض فوق قرص دائري يتحرك ببطئ للدلالة على استمرارية الحياة ووضعت عليه أشكال للبذرة ذاتها نحتتها جميعها من الصلصال وطلتها بلون ذهبي.
تقول تماري، "انها في عملها الفني صورت البذرة وكأنها رحم يولد من خلاله عشرات البذور التي حاول البريطانيون القضاء عليها".
ترى تماري، أن المعرض جاء للفت النظر إلى مدى تحكم الاستعمار بموارد الشعوب الطبيعية كما هو الحال الآن في فلسطين، وكان سابقاً خلال فترة الانتداب البريطاني عندما رأى أن هناك عددا من الأعشاب "الضارة" في الطبيعة الفلسطينية ويجب إبادتها، لكن في الحقيقة هي جزء لا يتجزأ من البيئة، لذلك المعرض كان فرصة للتأكيد على أهمية هذه النباتات من خلال أعمال فنية يتم التعبير من خلالها عن العلاقة مع الطبيعة.
|
|
مجسم لنبتة برية فلسطينيةمستهدفة من الاحتلال البريطاني |
مجسم نباتي في معرض الهيمنة على الحشائش بمدينة رام الله |
|
|
معرض الهيمنة على الحشائش الأول من نوعه فلسطينيا |
معرض الهيمنة على الحشائش لمؤسسة عبد المحسن قطان |
|
معرض الهيمنة على الحشائش |