خاص بآفاق البيئة والتنمية

المهندس فراس ناصر يقطف نبات الأزولا في مزرعته
أبصر فراس ناصر قلالوة النور في بلدة الجديدة، جنوب جنين، عام 1996، وانحاز لشهادة الثانوية العامة بفرع الزراعة، وتخرج من مدرسة العروب عام 2014، وحصل بعد ثلاث سنوات على دبلوم في العلوم الزراعية من كلية العروب (خضوري)، ثمن جامعة القدس المفتوحة عام 2019.
أثرت طبيعة مدرسة العروب وكليتها وإقامة قلالوة فيهما، وتلقيه تدريبات في الزراعة بشقيها النباتي والحيواني على توجهاته، وقبلها ساهمت ظروف بلدته وعمله في تربية الدواجن، ومرافقته لجده في صقل شخصية مغايرة لمهندس زراعي، كان أول من يدخل زراعة الأزولا، النبات السحري كما يسميه البعض، إلى الضفة الغربية.
وقال إن فكرة النبات الجديد، جاءت نتيجة بحثه عن مشروع تخرج ريادي، "يُمكّنه من تشغيل نفسه بعد التخرج، والهروب من البطالة الكبيرة التي تلاحق خريجي الهندسة الزراعية وسواها".
وأضاف إنه درس الزراعة 10 سنوات متواصلة في المدرسة والكلية والجامعة، واختار بحثًا متميزَا لدعم قطاعي الإنتاج النباتي والحيواني، فبحث عن فكرة تقلل التكلفة على المزارعين، بحيث يستطيع إقناع الفلاحين بها.

أحواض نبات الأزولا التي أنشأها المهندس فراس ناصر
بحوث وعوائق
أجرى المهندس الشاب سلسلة تجارب تطبيقية، وأبحر في شبكة الإنترنت، وتواصل مع مزارعين في دول عربية وبحث عن فلاحي غزة، إلى أن وجد معطيات عن نبتة الأزولا، التي لا يعرفها معظم الناس، وحتى المتخصصين، وأصر عليها في مشروعه.
كان التحدي الأكبر أمام قلالوة طريقة إدخال تقاوي النبتة المنتمية لفصيلة السرخسيات من غزة، ثم حاول عدة مرات إدخال أصول النبتة من مصر، لكنها كانت تتعرض للمصادرة على المعابر، إلى أن نجح بعد 8 محاولات في إدخال 100 غرام منها، وساعده المزارع مصطفى الزريعي من غزة، الذي نقل تجربته العملية له، على شق طريقه وإكمال بحثه.
كلف إدخال الأزولا، النبتة التي تطفو على سطح الماء المهندس حديث التخرج، 4500 شيقل، ثم بدأ باستحداث أحواض مائية داخل بيوت بلاستيكية لزراعة النبتة الجديدة، التي تستخدم كبديل للأعلاف، وتصلح باعتبارها سمادًا عضويًا.

نبات الأزولا في مزرعة المهندس فراس ناصر في بلدة الجديدة جنوب جنين
شروط وفوائد
وأشار قلالوة إلى أن النبتة الجديدة تحتاج درجات حرارة مرتفعة، ولا تناسبها المناطق البادرة، لكنها تمتاز بمحتواها العالي من البروتين والكالسيوم والنيتروجين والعناصر والفيتامينات التي تحتاجها الحيوانات، ولها قدرة كبيرة على امتصاص الغازات من الجو.
وأوضح أن "الأزولا تزرع في معظم أوقات السنة، ويفضل الابتعاد عن الأشهر الباردة، وكلما ارتفعت الحرارة تضاعف إنتاجها، الذي يمكن للدونم منه إنتاج من 6-9 أطنان شهريًا".
أنتج قلالوة من النبتة الوافدة إلى الضفة الغربية مكملًا غذائيًا للدواجن، وحصل على نتائج لافتة، ووفر شراء الأعلاف. وأجرى مشاهدات على إدخالها في تركيبة الأعلاف بنسب 20 و30 و40 و50%، لكنه وجد أن النسبة الأفضل، خلط النبات الجديد مع 50% من الأعلاف.
يمسك المهندس العشريني بمصفاة وقت قطاف المحصول؛ للتخلص من المياه العالقة بالنبات سريع التكاثر، الذي ينتج المتر المربع الواحد منه كيلو غرام واحد كل 4-5 أيام، ويمكن تقديمه للحيوانات طازجًا أو بعد التجفيف ولا يحتاج للماء بشكل كبير، ويتطلب الدونم 2 متر مكعب ماء أسبوعيًا، وبوسعه إعادة استعمال مياه برك تربية الأسماك كسماد للأزولا.
وأضاف أن الأزولا الخضراء، تحتوي على 18-20% من البروتين، ولا ينصح بتقديمها للأسماك والخيول قبل تجفيفها، لكنها تصلح للحيوانات الأخرى في كل الأوضاع، فيما تستخدمه بعض الدول كغذاء مثل جنوب شرق آسيا للإنسان.

المهندس الزراعي فراس ناصر أول من أدخل زراعة الأزولا إلى الضفة الغربية
زراعة مُستدامة
وبحسب قلالوة، فإن ما يميز هذا النبات "أنه يزرع مرة واحدة طول العمر"، ولا يحتاج إلى إعادة زراعة كحال المحاصيل الأخرى، لكن يتطلب قطفًا كل 4-5 أيام، وإذا ما تأخر جنيه يتكاثف ويتعرض للتلف، وتقل نسبة البروتين فيه.
وأضاف أنه توصل لخلطة عناصر غذائية خاصة به يذيبها في الماء، ودرس كل ما يحيط بزراعة الأزولا وتكثيرها، والمؤثرات التي تتهددها كالطحالب والإهمال في القطاف.
لم تسر تجربة قلالوة كلها على ما يرام، إذا واجهتها اعتداءات على مزرعته بنحو دونم، ما دفعه للقبول بمساحة 60 مترًا، كرسها لتوفير مكملات للأعلاف لمزرعته، ثم صار يجففها استعدادًا لحقل جديد أوسع في بلدة الزبابدة، ولتحويل النبات السرخسي كبديل لفول الصويا، عالي التكلفة، وإدخاله في تركيبات العلف.
يسعى قلالوة إلى إقناع المزارعين بالمحصول، لتوفير الأعلاف، إذ بينت تجربته أنه في كل ألف طير دواجن، يمكن توفير طن ونصف من العلف في حال زراعة الأزولا. لكنه استدرك أن اقناعهم ليس بالأمر السهل.
وقال قلالوة إنه يمكن لدونم واحد من المحصول الجديد، توفير أعلاف لمزرعة دواجن فيها 1500 طائر، والاستغناء عن شراء أعلاف بثلاثة آلاف شيقل، وهذا يعني أن الأزولا توفر نصف تكلفة إنتاج العلف." إنها ثروة باختصار".
وأشار إلى الصعوبات التي واجهته، وأبرزها تضارب المعلومات في شبكة الإنترنت حول النبتة، ورفض من عملوا في تجارب مماثلة وتواصل معهم في مصر، والسودان، والجزائر، والإمارات، تقديم معلومات صحيحة عن تجاربهم.
شارك قلالوة بالأزولا في مسابقة (حلها) لتمكين الشباب، الذي نفذها مجلس الوزراء وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واستطاع الوصول إلى مراحل متقدمة، لكنه رفض الحصول على دعم مالي بمبلغ متواضع فيما يحتاج لأضعافه، ونحو 80 ألف دولار لإكماله.
وأنهى قلالوة بدعوة الشبان حديثي التخرج إلى عدم انتظار "هبوط وظيفة من السماء عليهم"، وأن يشغلوا أنفسهم بأنفسهم.
aabdkh@yahoo.com