التخلص من نفايات ثنائي الفينيل المتعدد الكلور (PCB) ... تحدي العام 2028

تعتبر مركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور مواد كيميائية اكتشفت في مطلع القرن العشرين، ولتميز طبيعتها الكيميائية تسارعت بعض الدول لإنتاجها ابتداء من سنة 1929، حيث كانت أول الجهات المنتجة لها مونسانتو بالولايات المتحدة الامريكية، شركة باير بألمانيا الغربية، بروديليك بفرنسا، وكان آخر انتاج لمركبات ثنائي الفينيل المتعدد الكلورPCB من طرف شركة أورجسنتيز باتحاد الجمهوريات الاشتراكية السابق روسيا حاليا وبعد سنة 1993 توقف نهائيا انتاج هذه المواد، نتيجة لثبوت وجود آثار سلبية لهذه المركبات على صحة وسلامة الانسان، ففي وقت مبكر يعود الى الخمسينيات من القرن الماضي، تم اجراء بعض الاختبارات السمية علي مجموعة من الفئران سنة 1953 حيث أثبتت النتائج هلاك 50 بالمائة من الفئران التي تعرضت لمركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور، حيث اظهرت التجارب أضرار جسيمة لحقت بكل الوظائف الجسمية نتيجة التعرض لهذا المركب، لتأكد الحادثة التي وقعت في اليابان في اواخر الستينيات حقيقة خطورة هذه المواد، حيث تسمم قرابة 14000 شخص نتيجة تناولهم لنخالة الأرز الملوثة بمركبات ثنائي الفينيل المتعدد الكلور، كما وثقت الكثير من الدراسات الآثار السمية لهذا المركب في الطيور خاصة والحيوانات عامة.
على مدار 64 سنة من سنة 1929 الى غاية سنة 1993 تم انتاج حوالى 1،2 مليون الى 2 مليون طن من هذه المركبات الكيميائية حول العالم، حيث أن حوالى 48 بالمائة من إجمالي الانتاج استخدم كزيوت للمحولات الكهربائية، و حوالى 21 بالمائة للمكثفات الصغيرة و 10 بالمائة لنظم اسمية مغلقة وتقريبا 21 بالمائة لاستخدامات مفتوحة (1)
ونتيجة لخطورة هذا المركب وأمثاله من المركبات التي لها نفس الخصائص من سمية ومقاومة للتحلل الكيميائي والفيزيائي والبيولوجي والاستقرار لمدة طويلة في البيئة، وانتقالها الى مسافات بعيدة عن طريق الماء والهواء والأنواع المهاجرة من الكائنات الحية، اضافة الى التراكم الاحيائي حيث أن جسم الانسان لا يهضمها ولا يفرزها انما تتراكم في جسمه بتركيزات عالية أكثر مما يجب، ما قد يؤدي إلى إصابة الانسان بالكثير من الامراض، كالأورام السرطانية واضطراب الاعصاب وعدم القدرة على التركيز، اضافة الى تسببها في أمراض نقص المناعة ومشاكل الانجاب وتشوه الأجنة والولادات المبكرة واضطرابات الغدد، ونتيجة لهذه الخصائص صنفت مركبات ثنائي بيفينيل المتعدد الكلور كملوثات عضوية ثابتة (POP’S)
وللحد من انتشار مثل هذه المواد والقضاء عليها، ومن أجل ضمان ادارة سليمة لتسيير النفايات الناتجة عنها، تم اعتماد اتفاقية ستوكهولم في 22 ماي 2001 في ستوكهولم بالسويد، حيث بلغ عدد الدول الموقعة على الاتفاقية 152 دولة وعدد الدول الاطراف 179 دولة، وقد وقعت الجزائر على الاتفاقية في سبتمبر 2001، حيث تم التصديق عليها في 2003 ودخلت حيز التنفيذ في 2004، حيث هدفت الاتفاقية بوحه عام الى حماية صحة الانسان والبيئة من الملوثات العضوية الثابتة، كما صنفت الاتفاقية مركب ثنائي الفينيل المتعدد الكلور في المرفق (أ) الذي يضم الملوثات العضوية الثابتة التي يجب على الاطراف اتخاذ التدابير لوقف انتاجها واستخدامها، حيث تهدف اتفاقية ستوكهولم على وجه الخصوص الى القضاء على ثنائي الفينيل المتعدد الكلور في المنظور القريب نسبيا.
ودعما لما نصت عليه اتفاقية استوكهولم، وضعت اللجنة الاستشارية لشبكة القضاء على مركبات ثنائي الفينيل المتعدد الكلور جدولا زمنيا تقريبيا للإدارة السليمة بيئيا لهذا المركب، حيث حددت العام 2010 عاما للمضي قدما لوضع قوائم جرد لهذه المركبات، وكان العام 2015 عاما لإتمام أول مجموعة شاملة من قوائم الجرد، ليكون العام 2020 لسحب جلّ المعدات المحتوية على الفينيل المتعدد الكلور، وجعل عام 2025 موعدا لسحب كل المعدات المحتوية على ثنائي الفينييل المتعدد الكلور من الاستعمال، ليكون العام 2028 عاما للإدارة السلمية بيئيا لنفايات ثنائي الفينيل المتعدد الكلور، وعلى الرغم من احراز تقدم ملحوظ نحو الهدف المنشود وهو القضاء على مركبات ثنائي الفينيل المتعدد الكلور بحلول عام 2028، الا أن هناك ضرورة قصوى وحاجة ملحة الى مضاعفة الجهود من أجل احترام الآجال المحددة من طرف اللجنة الاستشارية.
اتفاقيات وتشريعات
وكون الجزائر طرفاً في اتفاقية ستوكهولم للملوثات العضوية الثابتة، حيث وقعت على الاتفاقية في سبتمبر 2001، وصادقت عليها بموجب المرسوم الرئاسي رقم 06_206 المؤرخ في 7 يونيو سنة 2006 والمتضمن التصديق على اتفاقية استوكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة، والذي نشر بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية رقم 39 لسنة 2006، حيث نصت المادة 03 من المرسوم الرئاسي على التدابير الواجب اتخاذها لخفض الاطلاقات المقصودة من الانتاج والاستخدام والقضاء عليها، كما أكد المرسوم الرئاسي في المرفق (ألف) المتضمن المواد الكيميائية الموجهة للإزالة في جزئه الأول أنه لا يوجد أي انتاج وطني لمركبات ثنائي الفينيل المتعددة الكلور، كما شرح في الجزء الثاني من المرفق خريطة الطريق من أجل القضاء على استخدام مركبات ثنائي الفينيل المتعدد الكلور بحلول سنة 2025.
كما نصت المادة 15 من ذات المرسوم الرئاسي على التزام كل طرف بتقديم تقارير الى مؤتمر الأطراف عن التدابير التي اتخذتها لتنفيذ أحكام هذه الاتفاقية وعن فعالية هذه التدابير في تحقيق أهداف الاتفاقية، حيث أن الجزائر شاركت في كل ندوات الاطراف وقامت بأعداد مخططها الثاني لتجسيد اتفاقية ستوكهولم، كما يجدر بالذكر أنه ومنذ عام 2007 تم تأهيل المركز الوطني لتكنولوجيات الأكثر نقاء CNTTP، كمركز اقليمي لاتفاقية ستوكهولم لبلدان اقليم شمال افريقيا تحديدا الجزائر، مصر، مالي، موريتانيا، المغرب، النيجر وتونس، حيث قام المركز بعقد الكثير من اللقاءات من أجل تبادل وكسب الخبرات وتعزير القدرات بين خبراء البلدان التي يغطيها المركز الاقليمي، حيث كان آخر لقاء في أكتوبر 2019 تحت شعار "التواصل والتأزر بين خبراء خطط تنفيذ اتفاقية استوكهولم في بلدان شمال افريقيا"، ورغم أن الجزائر قد قطعت أشواطا لا بأس بها من أجل التخلص من هذه المركبات، الا أن الطريق لازال طويلا و شائكا.
ومن أجل التحكم في هذه النفايات الى غاية بلوغ أهداف اتفاقية ستوكهولم، فقد قامت الجزائر بسن الكثير من التشريعات، حيث أعتبر المشرّع الجزائري مركبات ثنائي الفينيل المتعدد الكلور وكل جسم ملوث بهذه المادة هي نفاية خاصة خطرة، كما صنفها المرسوم التنفيذي رقم 06-104 المؤرخ في 28 فيبراير2006، والمحدّد لقائمة النفايات بما في ذلك النفايات الخاصة الخطرة، والمنشور في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية العدد 13 لسنة 2006، صنفها في الملحق الثالث، تحت رقم 1.3.13 زيوت عازلة وسوائل ناقلة للحرارة تحتوي على متعدد الكلور ثنائي الفينيل، حيث اعتبرت نفاية خاصة خطرة، مهيجة، سامة، محدثة للسرطان وخطرة على البيئة.
وللتخلص الآمن من هذه النفايات وتفادي حدوث كوارث بيئية نتيجة الاستخدام الغير علمي لمثل هذه النفايات، ولعدم وجود أي منشأة على المستوى الوطني تقوم بحرق هذه المركبات، فإن المشرع الجزائري منح الترخيص لتصدير مثل هذه النفايات نحو البلدان التي تملك منشأت خاصة بالمعالجة والتدوير، وهذا طبقا للمرسوم التنفيذي رقم 19-10 المؤرخ في 23 يناير في 2019 والذي ينظم تصدير النفايات الخاصة والخاصة الخطرة، كما أخضع المشرع الجزائري تصدير هذا النوع من النفايات لرخصة تسلم من طرف الوزير المكلف بالبيئة، وذلك طبقا للمادة 04 من ذات القانون.
حيث يتوقع أن تطرح المحولات الكهربائية المشتغلة بزيوت الاسكاريل والملوثة بمركبات ثنائي الفينيل المتعدد الكلور مشاكل جمة في البلدان النامية والبلدان ذات الاقتصادات التي تمر بمرحلة انتقالية، ولأجل مساعدة تلك الدول على الوفاء بالتزاماتها وفقا لاتفاقية استوكهولم، وحتى تتمكن هذه البلدان من القيام بإدارة سليمة بيئيا لنفايات ثنائي الفينيل المتعدد الكلور مع مطلع 2028، فإن مساعدتها في مجال نقل تكنولوجيات ازالة التلوث بشكل ملائم واستخلاص الزيوت المعدنية منه قد يكون أحسن من مجرد توفير الدعم لها، من أجل تصدير نفاياتها نحو بلدان أخرى تقوم بمعالجتها (2)،
تحدي العام 2028 من أجل التخلص نهائيا من نفايات ثنائي الفينيل المتعدد الكلور هو تحدٍ عالمي بيئي حقيقي، وسيكون مؤشرا بيئيا بامتياز لقياس مدى استجابة البلدان وتطبيقها لما جاء في اتفاقية استوكهولم وحرصها على سلامة وصحة الانسان والبيئة، والتحدي الحقيقي لبلدان شمال افريقيا ليس فقط مجرد جرد ومنع استعمال المواد التي تحوي على مركبات ثنائي الفينيل المتعدد الكلور ثم تصديرها من أجل التخلص منها، فمن وجهة نظري التحدي الحقيقي الذي تواجهه بلدان شمال افريقيا عامة والجزائر خاصة هو امتلاك تكنولوجيا بيد عاملة وطنية من أجل ازالة التلوث من مركبات ثنائي الفينيل المتعدد الكلور والمركبات المشابه لها، فالتصدير ليس حلاً جذريا لهذه النفايات، والاستثمار بطريقة ايجابية في الأزمات يمكّننا من إحراز اقصى النجاحات، فامتلاك تكنولوجيا وطنية لمعالجة هذه النفايات هو ما يمكننا من النجاح في التحدي البيئي.
https://ghazellebouchra.blogspot.com/2020/08/pcb-2028.html
المصادر:
(1) بريفيك .ك واخرون "نحو جرد تاريخي عالمي لانبعاثات متجانسات مختارة اثنائي الفينيل متعدد الكلور- مقاربة التوازن الكتلي 2008"
(2) لوسيانو أ. غونزاليس مدير عام لشركة ريو اينفايرنمنتال بكندا