خاص بآفاق البيئة والتنمية
غلاف كتاب الهيمنة على الحشائش
فنانون وكتَّاب يسردون سيرهم مع الحشائش في كتاب "الهيمنة على الحشائش"، إذ يقدمون لمسات جمالية لها تستند إلى لوحات وأعمال فنية تدمج التقليدي بالمعاصر، وها هو خالد جرار في إحدى الصفحات يقول: "عرفتُ العِلت في طفولتي من "ستي شفيقة" حيث سكنت بقرية عرابة قضاء جنين، بعد تهجيرها من بيتها بحيفا في عام 1948، فقد كانت تقطف هذه النبتة لأكلها؛ لفوائدها الجمة، وفي هذا المشروع أكتشفُ اسمها الآخر الهندباء البرية".
الكتاب خلاصة معرض مرئي فني مُغاير، كانت قد نفذته مؤسسة عبد المحسن القطان في خريف 2020، وفيه تفاعل 33 فنانًا مع نباتات فلسطينية من زواياهم الخاصة وبإبداعاتهم، مع بصماتهم وسيرهم الذاتية، وتفاعلهم مع محيطهم الحي.
صفحات الكتاب الممتدة على 346 صفحة من القطع الكبير تزخر بمخطوطات، ونصوص نثرية تفيض بذكريات الطفولة لفنانين وكتاب، وصور فوتوغرافية قديمة وحديثة، ومختارات أحاطت بالنباتات البرية والأشجار، أهمها رائعة "سأكون بين اللوز" للراحل حسين البرغوثي، ومقتبسات لزكريا محمد من حائطه الافتراضي في "فيس بوك" عن زهرة الكبّار، وزهرة عصا الراعي، والهالوك، وحنون النتش، وسراج الغولة، وغيرها.
|
|
كتاب الهيمنة على الحشائش من إنتاج مؤسسة عبد المحسن القطان |
كتاب الهيمنة على الحشائش |
33 لوحة
المختلف في الكتاب "المعرض" سرده لنصوص مختارة حول الحشائش، وتتّبع مراسلات حولها من ملف الاحتلال البريطاني، وتقديم تدخلات فنية لقصص نباتات: استوما سسليفوليوم، والخردل الأسود، والدبيق مغربي الأوراق، والطرديلن الغريب، والقرطم النحيل، والقنطريون النبلي، والزوان، والهنداباء، ولبلاب الحقول، والحامول، والجزر الذهبي، وحلبلوبـ وفراش الذرة الخشنة، ووحدوة الحصان وحيدة الثمرة، والكتان، والزوان المُسكر، وعلف الماشية، والحندقوق الهندي، والهالوك المصري، والخرفار قصير السنابل، والخرفار الكناري، والخرفار المتناقص، والحوذان الحقلي، والفجل البري، وقرة الماء، والكراويا، والصابونة الخزنية، والبرقة، والصبيرة، وأشواك الحليب، والخردل البري، والنفل خشن الحواف، والبيقة.
تذكر المؤسسة بشأن معرضها: "يبحث "الهيمنة على الحشائش" في التحوُّل الحاصل في فهم الغطاء النباتي الفلسطيني، ومَواطنه البيئية عبر التاريخ، وعلاقته بحياة الفلسطينيين، وبخاصة مع ظهور الصناعات الزراعية المبكرة إبَّان الانتداب البريطاني، وبدء عمليات الزراعة المكثفة للمحاصيل".
وحسب ما ذكرته "القطان" أن تاريخًا طويلًا مرَّ على المُمارسات الزراعية المستدامة في فلسطين، وقد شهدت تحولًا كبيرًا نتج عنه اهتمام بتلك النباتات التي لا تُعطي بالضرورة منفعة اقتصادية، أو زراعية متخصصة، بل كان هناك اهتمام بالنباتات التي تُستخدم لأغراض أخرى مثل الاستخدامات الطبية، والفلكلورية، وحتى لأغراض الخرافات والشعوذة، فضلًا عن استخدامات أخرى في الحقل (التكاثر، وطرد الحشرات، والتغذية، وغيرها).
وتتابع "القطّان": "صنَّف علم النباتات الغربي فجأة الكثير من هذه الأجناس المحلية أعشابًا ضارة، وقد أُدخلت المبيدات والأساليب الجديدة الأخرى لمكافحتها، إضافة إلى الحملات والنشرات التوعوية. وكان لهذا المنعطف التاريخي تبعات ما زالت أصداؤها تتفاعل حتّى يومنا هذا، كما اقتصرت معرفة النباتات التي تعد جزءًا من هوية شعب فلسطين وجغرافيتها، على الجوانب المرتبطة بالمنفعة من هذه النباتات.
معرض الهيمنة على الحشائش في مؤسسة عبد المحسن القطان
أعشاب وخرافات
بإلقاء نظرة على تجربة زكريا محمد، فقد كتب حولها: "زهرة الموتى شهيرة جدًا، ولها أسماء كثيرة عندنا منها (كف الصباغ)، وهي في بلادنا زهرة الموتى حقًا، فقد كانت تُزرع في المقابر، لذا ترتبط في ذاكرتي بالمقابر. كانت الرائحة تنز كالمياه، ثم تصعد في الجو مُشكّلة غيمة تُحس ولا تًرى، وتثقل على ما تحتها، وتحت الرائحة تنمو أزهار البصلى التي غطت أرض المقبرة".
وينثر أيمن دردونة عن سيرته بنباتات فلسطين البرية، وكيف بدأ في توثيق الحياة البرية بقطاع غزة، بعدسته وتواصله مع باحثين، لنقل صورة التنوع الحيوي للعامة.
كانت فكرة صفحة "نباتات غزة البرية"، التي نشر في بداياتها عن السدر في عام 2013، ثم ما لبثت أن أصبح اسمها "نباتات فلسطين" بالشراكة مع الباحث المقدسي داوود الهالي.
ويؤرخ توفيق كنعان لفلكور النباتات في الخرافات الفلسطينية، وتنحاز ريما حمامي لذكريات طفولتها المتصلة بالأزهار والنباتات.
من كتاب الهيمنة على الحشائش
فيما تَشغل مراسلات من الملف البريطاني صفحات عدة، وفيها لائحة نباتات يقول مرسلوها إنها أكثر الأعشاب الضارة في فلسطين، كما تتحدث عن مبيد الأعشاب (ميثوكسون) الذي كانت تسعى "شركة إمبريال للصناعات الكيميائية" في إنجلترا لإدخاله إلى فلسطين، وتستفسر عن أنواع نباتات "ضارة" في أنحاء فلسطين منها "النجيل وحب الكريش" ونباتات سمَّمت قطيع أبقار في قلقيلية.
وبعد الصفحة 72 تبدأ تدخلات فنية بسرد معلومات وصفية عن الحشائش باللغتين العربية والإنجليزية، بجوار رسومات وسيرة موجزة للفنانين.
وقد ورد في الصفحة 91 في رحلة البحث عن "طفل مفقود" (دبيق مغزلي الأوراق): "بدأ اقترابي من نبات الدبيق مثل من يبحث عن شيء مجهول، إنه لأمر منطقي ألا يُعثر على الطفل المفقود في تشرين الثاني، إذ أنه يزهر بين آذار وتموز..".
من الكتاب- الهيمنة على الحشائش
أعشاب ضارة
يُستهل الكتاب بقصة 16 يناير/ كانون الثاني 1940، حين وصفت رسالةٌ وُجِّهَتْ إلى السيد مايسون؛ كبير الموظفين الزراعيين في إدارة الزراعة والثروة السمكية إبَّان الانتداب البريطاني للقدس، معرضاً غريباً للأعشاب الضارة والبذور متنقلاً في أنحاء فلسطين، مُرفَقاً بمُحاضرات تتصل بطرق مكافحة الأعشاب الضارة.
كما أُرْفِقت الرسالةُ بهدية تذكارية احتوتْ على صور توضيحية للأعشاب الضارة الأكثر شُيوعاً في فلسطين، إضافة إلى أسمائها العلمية، وبذورها.
تُعَدُّ الرسالةُ والصور جزءاً من وثيقةٍ من حقبة الانتداب البريطاني بعنوان "مكافحة الأعشاب الضارة (بما في ذلك التجارب)، التي تحتوي على أكثر من 45 رسالة مُوَجَّهةً إلى وزارة الزراعة والثروة السمكية من جميع المناطق في فلسطين حول القضايا المتصلة بالأعشاب، والأضرار التي تلحقها.
وتعقب مؤسسة "القطان": "يُبرز جزءٌ كبير من المُراسلات نُسخاً من أبحاثٍ علمية أُجْريت بين بريطانيا وفلسطين الواقعة تحت الانتداب، لا سيما مع شركة إمبيريال للصناعات الكيميائية (المشرق العربي). ولقد أوضحت الأبحاثُ الإحصاءات والتجارب الميدانية على مبيد "الميثوكسون" والمواد الكيميائية الأخرى لكبحِ أعشاب المحاصيل الزراعية الضارة، والتحكم في نموها، ومكافحة انتشارها".
وثيقةٍ من حقبة الاحتلال البريطاني حول مكافحة الأعشاب الضارة
ملاحظات نقدية
لكن ثمة مآخذ تُسجل على الكتاب، فهو لم يستعن برأي خبير نباتات أو جهة اختصاص لحسم حقيقة ضرر الحشائش المختارة من عدمه، أو لسردٍ فني لتداعيات استعمال مبيدات الأعشاب، والبدائل الممكنة لهذا السلوك الضار، والمغزى لاحقًا من اختفاء البذور البلدية، ومحاربة الزراعة التقليدية، والاستخدام المفرط في الكيماويات، وعلاقة ذلك بالسيادة على الغذاء، وتهويد التنوع الحيوي.
كما أن الكتاب، لم يُشر إلى قدرة النباتات على معالجة نفسها بنفسها، بالمكافحة العضوية، التي تحافظ على التوزان الطبيعي، ولا تساهم في القضاء على الأعداء الطبيعية للحشرات والآفات.
وحسب إفادة المؤسسة، فقد أُعطِيَ 33 فناناً وفنانة 33 بذرةً بناءً على الرسم التوضيحي لأكثر الحشائش الضارة شُيوعاً في فلسطين، الذي كان جزءاً من المعرض المتنقل الذي أقيم عام 1940. وطُلب من كلِّ فنانٍ أن يتفحَّصَ العشبة بين يديه عبر تشريحها تشريحاً دقيقاً، ومن ثمَّ يُحوِّلُ البذرة إلى منحوتة.
وتستند منهجية المعرض، كما قال القائمون عليه، على الطلب من كل فنانٍ أن يدرس عشبته الضارة، ويوفر المواد المُصاحبةَ للمنحوتة التي من شأنها أن تُقوِّضَ القيمة التي أسبغتْها الصناعة البريطانية على البذرة إبان الاستعمار، وتُحوِّلَها إلى قيمةٍ أخرى أكثر شخصية، أو شاعرية.
وشارك في الكتاب "المعرض" ألكسندرا صوفيا حنظل، وميرنا بامية، وإيناس حلبي، وبشار الحروب، وتيسير بركات، وجمانة إميل عبود، وجمانة مناع، وجواد المالحي، وحنا قبطي، وخالد جرار، وديما حوراني، وديما سروجي، ورأفت أسعد، ورندا مداح، ورونين زين، وسليمان منصور، وشذى صفدي، وعاصم ناصر، وعامر شوملي، وعايد عرفة، وعبد الرحمن الجولاني، وعريب طوقان، وعلاء أبو أسعد، وعلا زيتون، وعيسى غريّب، وفيرا تماري، ومجد عبد الحميد، وموحمد أبو سل، ومنال محاميد، ومهدي براغيثي، وناصر سومي، ونبيل عناني، وهيثم حداد.
الكتاب يمكن وصفه بفضاء جميل يدمج الفن في البيئة، ولا يخلو من زوايا للتاريخ والمكان، وهو جدير بالقراءة والتعمق والاقتناء، مع أنه أغفلَ الاستعانة بخبراء في البيئة والتنوع الحيوي، وكان بوسعه إفراد فصل للتغني بأرض فلسطين الملونة بأزهارها وشجرها وشجيراتها، وأعدادها الهائلة، وأقاليمها النباتية، وما يحاصرها من تهديدات.