خاص بآفاق البيئة والتنمية
الحراثة التقليدية بعد انتهاء الموسم الزراعي مباشرة تساهم في التحكم الطبيعي بالأعشاب الضارة ومنع نموها
يمكننا القيام بالحراثة مرتين في السنة، الأولى حراثة عميقة، أي من 20 – 25 سم، وذلك في بداية الخريف، بعد التسميد بالسماد البلدي، بهدف تحضير التربة لاستيعاب أكبر كمية ممكنة من مياه الأمطار.
أما الحراثة الثانية فتكون سطحية في الربيع، بهدف القضاء على الأعشاب والاحتفاظ برطوبة التربة. ولا مانع من الحراثة بواسطة التراكتور، في حالة الأراضي المستوية أو باستخدام الحيوانات في الأراضي الجبلية المنحدرة. ومن المفيد التنويه إلى أن حراثة حقل الزيتون في الخريف حراثة عميقة تقلل من الأثر السلبي للجفاف على الزيتون، حيث تعمل تلك الحراثة على فتح التربة واستيعاب مياه الأمطار والاحتفاظ بكمية كبيرة من الماء داخل التربة.
وبالرغم من أن حراثة الأرض تهدف إلى مكافحة الأعشاب الضارة وتغيير العمليات الهوائية واللاهوائية داخلها، فضلا عن تأثيرها المباشر في مكافحة العديد من آفات التربة، بسبب تعريض الأخيرة لأشعة الشمس، أو للعدو الطبيعي وبالتالي القضاء عليها؛ إلا أن الحراثة، تعمل، من ناحية أخرى، على إضعاف النشاط البيولوجي داخل التربة، وذلك من خلال تحطيم بعض المكونات البيولوجية والأحياء الدقيقة المفيدة والمخصبة للتربة. لهذا، يجب التقليل، قدر الإمكان، من ممارسة الحراثة.
لقد عملت شركات المبيدات الكيميائية الصهيونية ووكلاؤها في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، منذ بضع سنوات، على إقناع المزارعين باستخدام مبيدات الأعشاب الكيميائية في كروم الزيتون، الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد المزارعين الذين يستخدمون مبيدات الأعشاب بدلا من حراثة حقول الزيتون، علما بأن الحراثة والعمل اليدوي، شكلا تاريخيا النمط الفلسطيني الأساسي في مكافحة الأعشاب بكروم الزيتون.
ويدعي الذين يؤيدون استخدام مبيدات الأعشاب بأن الأخيرة أقل كلفة من الحراثة، كما أن الأشجار المرشوشة تعطي إنتاجا أكبر. ويعتبر هذا الإدعاء خاطئا من الناحية العلمية. ذلك أنه بالرغم من فعالية المبيدات على المدى القصير والتي قد تكون أرخص ماليا من الحراثة، إلا أن استعمالها المكثف يؤدي، على المدى الطويل، إلى هبوط واضح في خصوبة وإنتاجية التربة وتخريب بنيتها تدريجيا؛ ذلك أن المبيدات والأسمدة الكيميائية تقتل الكائنات الحية، والجزيئات الحيوية النافعة للتربة والضرورية لتخصيبها، وبالتالي تؤدي الكيماويات، بعد سنوات قليلة، إلى تراجع نمو وإنتاجية الأشجار كنتيجة حتمية للتراجع الكبير في جودة التربة التي تعد وسطا حيا ينبض بحياة وحركة ملايين الكائنات الحية الدقيقة، وديدان الأرض التي تعمل على تحليل المواد العضوية في التربة، فتحولها إلى مغذيات للنبات.
ويؤدي تراجع نمو وإنتاجية الأشجار، بسبب رش المبيدات الكيميائية، إلى لجوء المزارعين للسماد الكيميائي الذي بالإضافة لكونه يشكل تكلفة إضافية، يزيد من حساسية النبات للعديد من الآفات الحشرية والفطرية والبكتيرية، ويقتل الكائنات الدقيقة النافعة للتربة ويتسبب في تدني خصوبة الأخيرة على المدى البعيد، فضلا عن خطورته على الصحة العامة والبيئة.
كما يؤدي التراجع الكبير في خصوبة التربة وتماسكها، فضلا عن تشوه بنيتها، بسبب استخدام المبيدات والأسمدة الكيميائية، إلى جعل التربة هشة وسهلة التعرض للتعرية والانجراف بواسطة المياه والرياح.
وفي المحصلة، يعمل المزارع الكيميائي، دون وعيه، على تدمير التربة وتراجع نمو وإنتاجية الأشجار، فضلا عن زيادة تكلفة المكافحة الكيميائية للأعشاب والآفات أكثر من "الربح" الوهمي الناتج عن التخلي عن الحراثة.
علاوة عن ذلك، يتسبب استخدام الكيماويات الزراعية في تدني جودة زيت الزيتون الذي يعتبر سعره مرتفعا، بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج، قياسا بأسعار زيوت بعض الدول الأخرى، الأمر الذي يفقد الزيت الفلسطيني ميزته التنافسية في الأسواق الخارجية، والمتمثلة بكونه زيتا بلديا طبيعيا.
وربما لا تتوافر، أحيانا كثيرة، إمكانية الحراثة مباشرة بعد انتهاء الموسم الزراعي، بهدف التخلص من الأعشاب الضارة قبل أن تنتج بذورا، أو قد يتأخر المزارع في عملية الحراثة، وبالتالي تنتج الأعشاب البذور. ولدى الحراثة تكون الأعشاب وبذورها قد انتشرت في كل الأرض، الأمر الذي يفقد المزارع إمكانية التحكم في هذه الأعشاب بواسطة الحراثة. وفي هذه الحالة، تعتبر عملية التعشيب اليدوي أو الآلي الطريقة المثلى.
ويمكننا إحلال التعشيب الجيد بديلا للحراثة، وذلك بقص الأعشاب، وتركها مكانها في الحقل، حول الأشجار، كبديل للحراثة، بمعنى أن الأعشاب، في هذه الحالة، تشكل غطاء عضويا للأشجار. إلا أن قص الأعشاب يجب أن يكون قبل إزهارها وإنتاجها للبذور، حيث تكون الأعشاب عندها أكثر طراوة وليونة، فضلا عن كون التربة أكثر طراوة أيضا.
ويهدف الغطاء العضوي للتربة حول الأشجار، إلى الحد من نمو الحشائش والأعشاب الضارة والمحافظة على رطوبة التربة وتجانس درجة حرارتها خلال اليوم؛ وبالتالي التقليل من آفات التربة، فضلا عن تخفيف انجراف التربة السطحية بفعل الرياح والماء، وفي المحصلة، زيادة الإنتاج.
كما يعمل الغطاء الأرضي على قتل الأعشاب البرية والضارة التي لا نرغب في نموها، ولدى تحلله يتحول إلى سماد للأرض وبالتالي يعمل على تخصيب التربة.