"المبيدات الكيميائية" وصفة المرض والموت...و"المكافحة الحيوية" المُخلّص من الهلاك!
خاص بآفاق البيئة والتنمية
أشجار الزيتون ومحصول القمح في أرض زراعية بحي الزيتون في غزة
في السنوات القليلة الماضّية، أشارت الإحصّائيات إلى زيادة نسب استخدام المبيدات الحشرية الكيميائية من قبل كثيرٍ من المزارعين الفلسطينيين، وغيرهم من مزارعي الدول العربية، وذلك بغرض الحصول على إنتاج وفيرّ لمحاصيلهم الزراعية بأنواعها المتعددة والمختلفة، وبأقصر وقت مقارنة بالمدة الزمنية الطبيعية ليصبح المحصول جاهزًا للقطف والجني، ويهدف المبيد إلى القضاء على الآفات كافة -سواء أكانت ضارة أم مُفيدة للنبتة أو التربة بعلم أو دون علم- لتحصيل أرباح كثيرة، بالإضافة إلى توفير الجهد والوقت في رعاية المحصول الزراعي، وإبقائه بشكله الجذاب اللامع المُلفت لنظر "المستهلك".
ولكن؛ استخدام المبيدات الحشرية الكيميائية بشكل مفرط ودون رقيب وحسيب، واعتمادها بشكل أساسي في المزروعات دون استخدام البدائل الصحية للإنسان والبيئة أو ما يُطلق عليها بـ"المكافحة الحيوية الآمنة"؛ كانت سبباً في ظهور العديد من الأمراض الجسيمة وحالات التسمم بصفوف المواطنين إثر تناولهم الخضروات والفواكه المُتشّبعة بالمواد السامة والتي امتصتها النبتة خلال مراحلة النمو ما قبل الإنتاج، ولهذا كثيرا ما تناولت مجلة "آفاق البيئة والتنمية" موضوع المبيدات الكيميائية. وفي التقرير التالي سنتناول مخاطر المبيدات الحشرية، وطرح البدائل الطبيعية غير الكيميائية لمكافحة الآفات الضّارة والوقاية منها قدر المستطاع.
المن أو قملة النباتات تكثر من هجماتها على ثمار الجميز والتين واوراق النباتات حديثة الزراعة
مبيدات قاتلة..!
كشفت دراسة أعدّتها الباحثة في شؤون البيئة ناريمان العطاونة، عن تعاظم خطر إصابة المزارعين بعدد من الأمراض، منها: الفشل الكلوي والكبدي، وأمراض الجهاز العصبي والأورام السرطانية؛ نتيجة الإفراط في استخدام المبيدات الحشرية وطول مدة التعرُّض.
وتبيّن الباحثة في رسالة ماجستير بعنوان: "المبيدات الزراعية وأثرها على الصحة في محافظات غزة" -حصلت المجلة على نسخة منها- إلى إن سوء استخدام المبيدات أحدث آثارًا سلبية على صحة المزارعين في مختلف مناطق غزة، وأثبتت الباحثة انتشار أمراض مثل الفشل الكلوي والكبدي لدى المزارعين بسبب الإفراط في استخدام المبيدات؛ عبر تحليل إنزيمات الكلى والكبد لـ100 مزارع، ما كشف عن وجود ارتفاع مستوياتها في 20 عينة.
وتضيف العطاونة أن "الاستخدام غير الواعي يؤثر سلباً على الجهاز العصبي، خاصة المُبيدات التي تحتوي على مركبات فسفورية عضوية قد تؤدي إلى الشلل الكامل، ويزيد من خطر الإصابة بالأورام السرطانية". حسب وصفها.
وبعد إجراء تحليل لـ50 عينة دم، والإطلاع على كشوفات المستشفيات في قطاع غزة، تقول الباحثة البيئية إن الكثير من المزارعين وأبنائهم يُعانون من أمراض مثل: السرطان والفشل الكلوي والتهاب الكبد والربو أو الغدة الدرقية.
وتوضّح العطاونة في رسالتها بأن ذلك يعود بنسبة كبيرة إلى "عدم التزام المزارعين بإجراءات الوقاية والسلامة عند استخدام المبيدات، بالإضافة إلى وجود 60 مادةً مسرطنة تدخل غزة سنوياً".
|
|
|
المن أو قملة النباتات تهاجم ثمار الجميز والتين واوراق النباتات حديثة الزراعة |
وقفة مع مزارع..
"أذهب بشكل يومي إلى الأرض مع بعض ابنائي، نقوم بزراعة المحاصيل حسب الموسم منها: القمح والشعير والبطاطا والبامية والباذنجان؛ والاهتمام في الاشجار ومنها: شجر الزيتون والحمضيات بأنواعها والتين واللوز والرمان، والحراثة وإزالة الحشائش الضارة".. بهذه الكلمات بدأ المزارع الفلسطيني رمضان دلول وصف ما يقوم فيه بأرضه الواقعة في حي الزيتون جنوب مدينة غزة.
ويضيف الحاج رمضان في حديثه مع "آفاق البيئة والتنمية": "عمارة الأرض وتحويلها من يابسة إلى خضراء شيء ضروري وهام، ويُدخل علينا مصدر مالي نستطيع من خلاله توفير مستلزمات الأسرة المختلفة، ويجعلنا متمسكين بهذه الأرض المباركة".
وحول الحشرات الضارة التي تهدد المحاصيل، يُشير المزارع إلى إن الحشرات الضارة المختلفة تعتبر بالنسبة للمزارعين جهة معادية قبل ان تكون للنبتة او الشجرة، لأنه باختصار " نعتبر الاشجار والنباتات كأولادنا، نرعاها ونحافظ عليها منذ زراعتها، لأنها مصدر رزقنا الوحيد" حسب وصفه.
ويؤكد المزارع بأنه أصبح يستخدم البدائل الطبيعية الحيوية في التصدي للحشرات والنباتات الضارة، وتجنب استخدام المبيدات الكيميائية بعد حدوث امراض لبعض المزارعين نتيجة استخدام المبيدات الحشرية في محاصيلهم الزراعية وبإثباتات طبية.
بالإضافة إلى زيادة الوعي تجاه أضرارها الصحية والبيئية بعد سلسلة النشرات الزراعية التي تدعو إلى ضرورة التوقف عن استخدام المبيدات الحشرية الكيميائية في المزروعات، وتشجيع استخدام البدائل الآمنة الصحية.
ومن البدائل الطبيعية المستخدمة من قبل المزارع للحد من الحشرات الضارة؛ زراعة النعنع، الثوم، اللافندر، الزهرة المخملية، لاسيما استخدام الأسمدة العضوية من فضلات الحيوانات والدواجن وبعض البدائل العضوية الحيوية المصنعة من الطبيعة.
|
|
حشرة حفار ساق التين الكاملة حيث أخرجها أحد المزارعين من داخل الساق والقضاء عليها |
خيوط اعشاش عنكبوت الاكاروس بين الجذع والورقة مما يعمل على تمزق وجفاف الأوراق |
"بدائل آمنة" تنقذك وأسرتك من الأمراض..
يتحدث منسق المشاريع في مركز العمل التنموي/ معاً المهندس ماجد حمادة عن البدائل الآمنة أو ما تُسمى بـ "البدائل الحيوية الغير كيميائية" في مكافحة الآفات الضارة والوقاية منها.
يُباشر المختص البيئي في بداية حديثه الإشارة إلى مخاطر استخدام المبيدات الحشرية الكيميائية على صعيد كل من: التربة، الإنسان، النبتة، بجانب مُخلّفاتها من "العبوات الفارغة" الخطرة على البيئة والطبيعة.
ويقول حمادة: "دعنا في البداية نتحدث عن مخاطر المبيدات الكيميائية على الإنسان، حيث تعمل زيادة الجرعات الكيميائية على النباتات إلى إصابة الإنسان –المستهلك- بأمراض خطيرة منها السرطان، والأمراض الجلدية وغيرها، وقد سُجلت حالات بذلك".
يضيف حمادة: " استمرار استخدام المبيدات والإفراط فيها دون أي رقيب، يعمل ترسبات على التربة مما يتسبب بقتل بعض المغذيات الطبيعة للتربة، مثل المنطقة السطحية للتربة والتي تكون دائما غنية بالمكونات البيولوجية الطبيعية التي تتغذى عليها النباتات، لا سيما تخريب سطح التربة، حتى تصل إلى درجة التصحر بالتربة نتيجة المواد الكيميائية".
وللتخلص من آثار المبيدات الكيميائية في مكافحة الآفات الزراعية الضارة، وبطرق طبيعية حيوية تُحافظ على تماسك التربة والمحاصيل الزراعية، يُشير حمادة في حديثه إلى أن هناك عدة أنواع للمكافحة منها: المكافحة البيولوجية والتي تتم بإضافة بعض الديدان، أشباه الطفيليات للتربة المخصصة، "أعداء طبيعيين للآفات الحشرية" بهدف مكافحة هذه الآفات بطريقة سليمة بيئيًا.
|
|
سوسة اغصان الزيتون |
يرقة حفار ساق التين لحظة خروجها من داخل ساق التين حيث تضع الحشرة الكاملة تلك اليرقات داخل الساق لتتغذى عليه |
والمكافحة الفيزيائية بإستخدام وسائل لقتل الحشرات أو منعها من إحداث الضرر مثل: نصب شباك ومصائد وفخاخ للحشرات، واستعمال الحرارة في قتل حشرات الحبوب المخزنة، والتبريد للقضاء على حشرات الفراء أو المواد الغذائية المخزنة وحتى استعمال اليد لحرق دودة ورق القطن.
بجانب المكافحة الزراعية السليمة من خلال إتباع عمليات زراعية خاصة مثل: الحرث العميق لتعريض الحشرات والآفات الضارة إلى أشعة الشمس وتعريضها للعدو الطبيعي للتخلص منها، وتسميد التربة والري الخاص، وأخيرًا اختيار أصناف معينة من المحاصيل الزراعية، يستعصي على الحشرات الضارة مهاجمتها والفتك بها. وينوّه حمادة: "لكل مرض يوجد بديل طبيعي له لمعالجته".
وفي ختام حديثه يوضح المختص ماجد حامدة إن "مركز معا" يعمل بشكل متواصل ويقدم نشرات توعوية حول هذا الشأن للمحافظة على التربة والطبيعة، دون إخلال أو فقدان للتوازن، بالإضافة إلى تنفيذ بعض المشاريع مثل: مشروع مكافحة سوسة النخيل، حيث قام المركز بتوزيع الكثير من المصائد على المزارعين بهدف المكافحة الفيزيائية لحشرة دودة النخيل، بجانب التوعية حول استخدام السماد الطبيعي للمزارعين وطرق استخدامه الصحيحة، وتجنب استخدام المبيدات الكيميائية لمكافحة الآفات الحشرية لما لها من مخاطر على البيئة والإنسان.
ثاقبات ساق الزيتون أو ما يعرف بسوسة اغصان الزيتون