|
|
أجزاء من الأعمدة الرومانية بين أشجار الزيتون في سبسطية تمتد على طول أكثر من 800 متر وتعود إلى نهاية القرن الثاني الميلادي |
الأعمدة الرومانية المنتصبة في ساحة البازيليكا في سبسطية |
خاص بآفاق البيئة والتنمية
بين التلال الخضراء التي يتميز بها الريف الشمالي من مدينة نابلس حيث تكمن المناظر الخلابة والينابيع الوفيرة التي تميزت بها المنطقة منذ عهود طويلة، تقع بلدة سبسطية التي يحتضن كل شبر بها قصة تاريخ عريق من الحضارات والإمبراطوريات المتعاقبة منذ أكثر من 3000 عام، والتي استقرت في المنطقة لدرجة بات كل رواق من أروقة البلدة وحتى جوف الارض هناك على امتداد 100 دونم يروي قصة تاريخ من الأمجاد والحضارة.
لكن بالتوازي مع هذا الإرث الحضاري العظيم تشهد المناطق التاريخية في بلدة سبسطية استهدافاً ملحوظاً من قبل المستوطنين وحكومة الاحتلال على حد سواء، فبين الفينة والأخرى يعمد المستوطنون الى تنظيم رحلات الى المناطق التاريخية في سبسطية، ومعظم تلك الرحلات تتم من قبل جهات رسمية كوزارة المعارف الاسرائيلية، وذلك عبر تنظيم الرحلات المدرسية، او تتم احيانا عبر مؤسسات استيطانية تدعي أنها صاحبة تاريخ في هذه الأرض بحسب الرواية الاسرائيلية المزيفة.
واللافت للأنظار ان هذه الرحلات تتم عبر أدلاء سياحيين اسرائيليين يمكثون نهارا كاملا يرشدون، ويمتلكون من أساليب الإقناع والخداع ما يفوق أقرانهم من الأدلاء الفلسطينيين.
تزييف الوقائع السياحية
يشار في نفس السياق، الى ان وزارة السياحة الاسرائيلية شرعت مؤخرا بتثبيت يافطات إرشادية للسياح الاسرائيليين بهدف التعريف بتاريخ المنطقة من منظور روايتهم المزورة لإيجاد تاريخ لهم في المنطقة.
وللأسف فقد عمدت سلطات الاحتلال وضع إشارات باللغة العبرية حول الآثار، وشيّدت مرافقَ عامة لراحة المستوطنين والسياح الذين تستجلبهم وتبثّ في أذهانهم روايتها للفترة التاريخية الإسرائيلية 1000 -586 ق.م ، وما تحتويها من تحريف للوقائع لإثبات الوجود اليهودي هناك.
|
|
المسرح الروماني الذي يقع في مننتصف طريق البازيليكا |
برج الدفاع الهيليني في سبسطية |
قيود الاحتلال
وفوق هذا وذاك، يفرض الاحتلال إجراءات معقدة تحول دون تنفيذ أي مشاريع تنموية او حتى ترميم للآثار الموجودة، الا من خلال السلطات الاسرائيلية بصفتها المسؤولة عن إدارة تلك المنطقة والمصنفة "جـ" بحسب اتفاق أوسلو، وبهذا يرفض الاحتلال أياً من المشاريع التنموية الخاصة بتطوير المنطقة سياحياً.
لمحة تاريخية عن سبسطية
أخذت "سبسطية" اسمها من "سباستي" والتي تعني باليونانية "أغوستا" أثناء حكم أولوس غابنوس لها في عام 30 قبل الميلاد.
وبحسب مركز رواق يعود تاريخ بلدة سبسطية الى القرن التاسع قبل الميلاد حين بنى "الملك عمري" مدينة السامرة في تلك المنطقة، لتأتي بعدها السلطة الآشورية فيما بعد، ولكنها دمرت بعد أعوام من الحروب.
وفي القرن الثاني بعد الميلاد تم تشييد المدينة مجددا حسب الطابع الروماني من قبل الإمبراطور "سبتيموس سفيروس"، وتعود الآثار الموجودة حالياً إلى تلك الفترة.
ويسرد تاريخياً أن "رفات" سيدنا يحيى -عليه السلام- مدفونةً في سبسطية بعد أن قتله الحاكم الروماني هيرودوس، وأن كنيسة بيزنطية أقيمت فوق ضريحه في فترة الحروب الصليبية، ولكن القائد صلاح الدين الأيوبي بنى بجانبها مسجداً دون أن يهدمها في عام 1187، وهو الأمر الذي يبين احترام الدين الإسلامي للديانات الأخرى، كما أضاف السلطان العثماني عبد الحميد جزءاً للمسجد وأقام له مئذنة.
ولعل ما يميز سبسطية أيضا البازيلكيا (البيادر) وتعود للفترة الرومانية وهي عبارة عن ساحة مستطيلة مبلطة بالحجر وما يظهر منها حاليا هو صف الأعمدة الثماني المنتصب، وكانت أرضية الممرات جانبية من الفسيفساء.
وهناك "مقبرة الملوك" والتي دفن فيها أحد ملوك الرومان، ويشير مظهر المقبرة الخارجي إلى عظمة العمارة ودقتها في تلك الفترة التاريخية، وذلك من خلال دقة نقش التماثيل على القبور.
وهناك المسرح الذي يقع في منتصف طريق البازيلكيا ومعبد أغسطس ويحتوي القسم السفلي منه على 14 صف من المقاعد الحجرية.
وهناك برج الدفاع الهيليني وهو جزء من النظام الدفاعي الأول للمدينة يعود للقرن الرابع قبل الميلاد،
وهناك معبد أغسطس والذي يعود للقرن الثاني الميلادي، ولا تزال هناك أجزاء من الأعمدة موجودة بين أشجار الزيتون وعلى مسافة أكثر من 800 متر وتعود لنهاية القرن الثاني الميلادي.
نفايات وقاذورات تدلل على مدى الاهتمام الفلسطيني الرسمي والشعبي بـ "آثار سبسطية" !!!
لكن يبقى السؤال الآن: في ظل الاستهداف الإسرائيلي الواضح للمناطق التاريخية في فلسطين بشكل عام وبلدة سبسطية الأثرية بشكل خاص، فهناك ضعف في الدور الرسمي الفلسطيني المطلوب للحفاظ على المناطق التاريخية او حتى على مستوى الترويج لها إعلامياً!
وللأسف الشديد، منطقة سبسطية الأثرية تستحق الاهتمام الواسع وليس فقط الاهتمام الشكلي بمجرد مرور حافلة مدرسية لبعض الوقت دون إطلاع الطلبة على تاريخ المنطقة وطبيعة الآثار الفريدة التي تتميز بها.
وخلال تجول مجلة " آفاق" في أروقة بلدة سبسطية لفت الانتباه وجود عدد كبير من النفايات التي تملأ أروقة المناطق الأثرية بشكل يندب له الجبين، ودون أي رقابة أو اهتمام يذكر.
والأخطر من هذا كله، وجود قطع أثرية فريدة كالتابوت الملوكي المنحوت من الصخر بالإضافة الى أعمدة مصنوعة من الجرانيت، وجميعها ملقى على جانب الطريق، ما يحتم عليها أن تلقى مصير الخراب او الاستهداف اسرائيلياً عبر سرقتها.
|
|
معبد أغسطس الروماني في سبسطية |
مقبرة الملوك في سبسطية ويظهر فيها دقة نقش التماثيل على القبور |
مناطق جـ شماعة الجهات الرسمية
حول هذا الموضوع توجهنا بالسؤال الى السيد محمد الكايد العضو في بلدية سبسطية الذي اكد من ناحيته " ان المناطق التاريخية في سبسطية لا سيطرة للمجلس البلدي عليها بصفتها منطقة سياحية وأثرية".
ومن جهتنا " مجلة آفاق" نعقب على هذا الرد المقتضب جدا: هل هذا يعني ان ازالة القمامة عن تلك المواقع الفريدة ليس من صلاحيات المجلس؟ وهل هذا يعني إعفاء المجلس من أي التزامات تجاه تلك المنطقة والتي تعكس العبق التاريخي الحقيقي للقرية؟
وعند التوجه الى السيد محمد جردات من وزارة السياحة والآثار للاستفسار اكثر عن هذا الموضوع اكد بدوره ان تلك المنطقة مصنفة "جـ" حسب اتفاق أوسلو ولا يمتلكون أي قرار في تنفيذ أي مشاريع عليها حتى على مستوى ازالة القمامة فلا يمتلكون أي قرار في ذلك، بحجة ان الاحتلال هو المسؤول المباشر عنها، باستثناء بعض المواقع الأثرية القليلة مثل منطقة "التفسير" فقد تم تنفيذ بعض المشاريع التطويرية عليها بصفة المنطقة تقع ضمن أطار " ب" التابع للسلطة الفلسطينية.
وتبقى سبسطية كغيرها من المناطق عرضة للاستهداف من قبل الاحتلال الإسرائيلي بالتزامن مع التراخي في الإشراف والدفاع عن الحق الفلسطيني فيها من قبل الجهات الرسمية، ما يجعلها عرضة للسرقة والتهويد.