النخيل في فلسطين
عرفت زراعة النخيل في فلسطين منذ آلاف السنين، ولها منزلة دينية عظيمة فهي تعتبر شجرة الأديان السماوية، فقد تعدد ذكر النخلة في أكثر من آية وأكثر من سورة في القران الكريم: فقد ذكرت النخلة في 20 آية من 16 سورة. كان اليهود يطلقون على بناتهم اسم (تامار) – من التمر – تشبيه لهن بالنخلة، لتمتع النخلة بالخصوبة والقوام الممشوق، والطعم الحلو ... وفي المسيحية كان للنخلة حظ وافر من التقدير، فقد ولد السيد المسيح عليه السلام تحتها. وتنتشر زراعة النخيل في الأراضي الفلسطينية في منطقة أريحا والأغوار وقطاع غزة لاسيما في مدينتي: دير البلح، وخان يونس. ومن المعروف أن مدينة أريحا تاريخيا أطلق عليها اسم (مدينة النخيل) لكثرة مزارع النخيل فيها.
ميزات شجرة النخيل أنها اقل الزراعات حاجة إلى الأيدي العاملة، واقل الزراعات للكلفة المادية والتشغيلية، وهي شجرة ذات قيمة اقتصادية كبيرة ومنزلة دينية عظيمة تعيش مئات السنين، وتتحمل العديد من الظروف المناخية، بالإضافة إلى قدرتها على النمو في التربة المالحة لذا تعتبر شجرة النخيل شجرة العرب لأنها تعيش في الصحراء، وتحتاج الشجرة حتى تثمر 3 سنوات فقط، وتصل بعد 6 سنوات إلى الذروة.
التمر الفلسطيني تقدمه دارا إبراهيم في اليوم الفلسطيني، في المخيم الصيفي الدولي في أوكرانيا (آرتك) صيف 2013 نظمته جمعية الصداقة الفلسطينية الأوكرانية في مدينة جورزو.
أهم أصناف النخيل وتمورها المزروعة في فلسطين:
- تمور المجهول: وهو أحد أجود أنواع التمور المنتجة فلسطينيا وإقليميا وعالمياً، لأنه يزرع في مناطق دون مستوى سطح البحر تزيد فيها نسبة الأكسجين مما يعطيه نكهة ولونا مميزين، ولون الثمار اصفر برتقالي تعلوه خطوط رفيعة ذوات لون بني محمر في طول البسر، يتحول اللون العنبري عند تمام النضج (الرطب)، إلى بني محمر مغطى بطبقة شمعية خفيفة، القشرة متوسطة السمك ملتصقة باللحم، تنكمش مكونة تجاعيد كثيرة خشنة، لينة القوام قليلة الألياف، لذيذة الطعم.
- تمور البرحي: من أشهر أصناف التمور التي تتميز بحلاوة الطعم وغزارة الإنتاج وهي من الأنواع ذات الجودة الاقتصادية العالية، وتمتاز ثمار البرحي باحتوائها على سعرات حرارية اقل من غيرها، فهي مثالية لمرضى السكري.
- تمور الحياني: الثمرة متوسطة الحجم يبلغ طولها من 4-5 سم، ولونها احمر داكن عند اكتمال النمو، شكلها اسطواني وقمتها مخروطية، قوام اللحم لين قليل الألياف، وهي سوداء عند النضج (رطب) وفي هذا الطور تنفصل القشرة بسهولة عن اللحم.
تمور أريحا
(من كتاب أريحا تاريخ حي عشرة آلاف سنة من الحضارة، للدكتور حمدان طه)
التمر في المعتقد الشعبي والوجدان الفلسطيني:
تلعب شجرة النخيل دورا هاماً في الحياة اليومية للفلسطينيين ومما لا شك فيه أبدا أن ذلك من آثار الماضي البعيد وفي رأي الدكتور توفيق كنعان، انه في يومنا هذا يعتبر الفلسطيني شجرة النخيل الجميلة والدائمة الخضرة والمنتصبة النمو (شجرة الحياة) وهذا التعبير نفسه غير مستعمل الآن، ولكن تحليل الأساطير والمعتقدات والعادات المرتبطة بشجرة النخيل تقودنا إلى هذه النتيجة.
هناك معتقد شعبي بأن سبب حب المسيح لأمه ناتج عن البلح الذي كان غذاءه الرئيسي. ولذلك يسقى الأطفال حديثو الولادة بضعة نقط من نقيع البلح. ويتناول كثير من المسلمين كالطعام الأول عند (الإفطار) في شهر رمضان وأوقات الصيام، ويروى أيضا بأن البلح كان غذاء النبي الأساسي. وأن الطفل الذي يشرب باستمرار عصير البلح يحصل على موهبة الحديث الساحر والجذاب.
وفي كل هذه الحالات فان بلح مكة هو المفضل. وتبرز اليد وأغصان النخيل والثعابين في زخارف المعابد الإسلامية. وأول اثنتين تشاهدان أكثر. وحتى في زخرفة جدران الغرفة تبرز أغصان النخيل وفي المعابد والبيوت تجد زخارف من أوعية الزهور والآيات القرآنية أيضا. وتظهر الرسومات المستمدة من شجرة النخيل أيضا في تطريز الفلاحين المسيحيين في بيت لحم ورام الله. وتعتقد كثير من النساء اللواتي ينتسبن إلى الكنيسة الأرثوذكسية بأنه يمكن معالجة العقم بتناول البلح من شجرة النخيل في مار سابا والاسم العامي لمقدمة عضو الذكر الجنسي هو تمره (مشتقة من ثمرة). ثمرة (شجرة الحياة) تخلق الحياة في المرأة العاقر.
ويحمل المسلمون أغصان النخيل في مقدمة موكب الجنازة ومن ثم يضعونها على القبر وقد رأيت عدة قبور مزخرفة بأغصان النخيل عند مقابر المدن في المناطق الساحلية. وتغرس أغصان النخيل أيضا حول القبر من اربع جهات بحيث تلتقي رؤوس الأغصان. وكثيرا ما تعلق هذه الأزهار على هذه الغصون. وهناك معتقد شعبي بأن الميت يستطيع أن يشكر الله ويستغفره ليكفر عن ذنوبه ما دامت هذه الأغصان خضراء وكثيرا ما تكون حجارة القبور منحوت عليها أشكال النخيل، وهناك معتقد إسلامي بأن الله خلق شجرة النخيل من الطين الذي بقي بعد خلق الإنسان، وهكذا يقال بأنها تحتوي على نفس (عصارة الحياة) الموجودة في الإنسان. ويظن أن النبي (ص) قال هذا الحديث: "أكرموا عماتكم أي أشجار النخيل" واعتمادا على هذا الأصل المشترك لكل من الإنسان وشجرة النخيل ساد الاعتقاد بتشابه شجرة النخيل والإنسان في انتصاب القامة وفي الصفات البارزة للشجرة المذكرة وبالأمراض التي تصيب كليهما، وكذلك يكون فقدان الإنسان والنخلة لحياتهما عندما يفقدان الرأس أو التاج، وعلى المائدة التي أرسلها الله لعيسى من السماء، كان هناك 5 حبات من البلح من فاكهة الجنة. وتبعا لذلك يعتقد إن المريض يشفى بسرعة إذا تناول البلح. وهناك معتقد مشهور بأن الصخرة المشرفة في القدس تجثم على شجرة نخل نامية بجانب احد جدران الجنة، وتمتص ماء الحياة منها باستمرار.
وبعد تفحصنا لهذه الأدلة نتساءل لماذا ارتبطت كل هذه المعتقدات بشجرة النخيل رغم ندرة وجودها في فلسطين؟ وعدم اقترانها بأي نبي وعدم ورودها في الكتب المقدسة التي اقتصرت على ذكر الكروم وأشجار الزيتون؟ ورجوعا للتعاليم الإسلامية لأن الله نفسه قد اتخذ قسما على نفسه بشجرة الزيتون.
وتحليلا لمعتقدات الأمم الشرقية القديمة تبين أن شجرة النخيل لعبت عندهم أيضا دورا مهما. فهي تكرم على أنها (شجرة الحياة) وتشاهد على الأعمدة البابلية كرمزٍ للنصر كما تشاهد على الخرائط المجسمة الأشورية في القصور الملكية وعلى الآنية والأدوات الفخارية والكنعانية. ومن المحتمل أن تكون فكرة (شجرة الحياة) هذه وهي علامة الخلود، أساس المعتقدات التي يمارسها الفلسطينيون في الوقت الحاضر، ومما يدل على ذلك الاعتقاد بأن الله خلق شجرة النخيل من نفس الطين الذي خلق منه آدم الخالد حيث ان ادم أصبح فانيا بعد وقوعه في الخطيئة.
وفي المزارات الإسلامية نجد تصورين للحياة: شجرة النخيل والثعبان أي الحيه، وهي مأخوذة من كلمة حياة وتكتسب أهم المزايا الروحية والأخلاقية كالحكمة والحب، والورع والحديث الجذاب بتناول ثمار (شجرة الحياة) المذكورة في (سفر الرؤيا 22:2 ،4) كما كتب د.توفيق كنعان.
العلم لقب التمر بأنه (منجم) غني بالمعادن:
إن أول صفات سكان الصحراء هي القوة، وبعض صفاتهم الأخرى الرشاقة والطول والمناعة ضد الأمراض، ومن المؤكد أن الغذاء الرئيسي الذي يتناولونه هو التمر له اكبر الفضل في ذلك، لأنه يعد غذاء كاملا بكل ما للكلمة من معنى، رغم رخص ثمنه وتوفره الدائم في الأسواق مما يجعل منه فاكهة الشتاء الأولى بغير منازع. وفي تاريخ العرب وقصص حياتهم وحروبهم ما يفسر قدرتهم على فتح البلاد والأمصار ومقاتلة الدول والجيوش وليس في جوف المقاتل العربي سوى بضع تمرات.
حسب إحصائيات وزارة الزراعة فإن السوق المحلية الفلسطينية تستهلك ما كميته 4 ألاف طن من التمور في الضفة الغربية وقطاع غزة سنويا، أي أن ما نسبته 85% من الإنتاج الفلسطيني يذهب إلى السوق المحلي، وفقط 15% من الإنتاج يتم تصديره.
يؤكل التمر طازجا في موسمه ويؤكل محفوظا وعلى شكل عجوة طوال السنة. والتمر يستعمل حشوة لذيذة في الكعك والمعمول ويرفق أيضا مع المكسرات كما يحشى التمر باللوز بدل النواة ويصنع من التمر في الدول العربية خاصة الغنية بالتمور كالعراق والخليج العربي خل التمر المفيد، ودبس التمر يخلط بالطحينة ويؤكل كما نأكل دبس العنب ودبس الخروب.
التمر فاكهة الشتاء الأولى بغير منازع، وهو غذاء كامل بكل ما في الكلمة من معنى منذ القدم.
التمر في الطب الشعبي القديم:
وصف التمر في الطب القديم بأنه مقوٍ للكبد، مليّن للطبع، يبرئ من خشونة الحلق، ومن لم يعتده – كأهل البلاد الباردة – فإنه يورث لهم السدد، يؤذي الأسنان، ويهيج الصداع .. ودفع ضرره باللوز والخشخاش .. وهو من أكثر الثمار تغذية للجسم، وأكله على الريق يقتل الدود .. وهو فاكهة، وغذاء، ودواء، وشراب، وحلوى. ومن الأطباء من ميز بين البلح والتمر، وقال عن البلح: انه يقوى اللثة والمعدة، ويوقف الإسهال وسيلان الرحم، ويقطع دم البواسير، ويلزق الجراحات ضماداً، وينفخ اذا شرب الماء على أثره، ويدفع ضرره اذا شرب الزنجبيل بعده ومربي العسل.
اما عن التمر، فإنه يقوى الكبد ويلين الطبع، ويزيد في القوة الجنسية مع الحليب والقرفة، ويخصب البدن ويسخنه، وينفع الصدر والرئة، ويحسن اللون، وهو عسر الانهضام، ويحدث الكثير منه صداعاً، وأحسن أكله في وقت البرد.
التمر في الطب الشعبي الحديث:
اما في الطب الحديث، فقد ثبت ان كل مائة جرام من التمر – بدون النوى – تحتوى على: 65 مل جرام من الحديد .. وهذه الأملاح المعدنية القلوية تساعد الدم على التخلص من حموضته الزائدة والسموم المتراكمة .. ويمكن لكل مائة جرام من التمر – بدون النوى – ان تعطى 353 سعرا حراريا.
كما ثبت ان التمر مصدر طيب لفيتامين (أ)، ومصدر لا بأس به لفيتامين (ب) .. ويمكن حفظ التمر أكثر من عام محتفظا بكل خواصه الغذائية.
هذا وقد ثبت ان البلح يحتوي على 14.4% ماء، 70.6% مواد سكرية، 2% مواد بروتينية، 3% مواد دهنية، 10% ألياف.
ولما كانت المواد الدهنية والروتينية في البلح بسيطة، فقد فضل العرب قديما أكله باللبن .. وهو بهذا يعتبر غذاء كاملا يغنى عما سواه من الأطعمة الأخرى.
أما نواة البلح التي ترمى ولا يستفاد منها، فإنها تحتوى على نسبة من المواد الدهنية تصل إلى 8.5% من وزنها.
التمر ملين طبيعي ممتاز، يستطيع من اعتاد تناوله يوميا ان ينجو من حالات القبض المزمن. عموما فقد ثبت ان التمر: مقوٍ للعضلات والأعصاب، مؤخر لمظاهر الشيخوخة، وإذا أضيف إليه الحليب كان من أحسن الأغذية بخاصة لمن كان جهازه الهضمي ضعيفا، إن القيمة الغذائية في التمر تضارع بعض ما لأنواع اللحوم، وثلاثة أمثال ما للسمك من قيمة غذائية، وهو يفيد المصابين بفقر الدم، والأمراض الصدرية، ويعطى على شكل عجينة أو منقوع يغلى ويشرب على دفعات، وهو يفيد – خاصة – الأطفال، والرياضيين، والعمال، والنساء الحاملات وهو يزيد في وزن الأطفال.
ونظرا لغناه بفيتامين (أ) فهو يحفظ رطوبة العين وبريقها، ويمنع جحوظها، ويكافح الغشاوة، ويقوى الرؤية وأعصاب السمع. ويهدئ الأعصاب، وينشط الغدة الدرقية، ويشيع السكينة والهدوء في النفس بتناوله صباحا مع كأس من الحليب، ويلين الأوعية الدموية، ويرطب الأمعاء ويحفظها من الضعف والالتهاب، يكافح الدوخة وزوغان البصر والتراخي والكسل عن الصائمين، ولذلك كان رسول الله (ص) يفطر على رطبات قبل ان يصلى، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء ..
والتمر سهل الهضم، سريع التأثير في تنشيط الجسم، يدر البول، وينظف الكبد، ويغسل الكلى.
وقد وصف التمر كعلاج للسعال والبلغم والتهاب القصبة الهوائية، وذلك بعمل شراب مكون من: 50 جراما من التمر، 50 جراما من الزبيب، 50 جراما من التين المجفف، 50 جراما من العناب المجفف، يوضع كل ذلك في لتر من الماء، ثم يغلى على النار.