|
حبيب معلوف |
نسفت دراسة اميركية جديدة أي أمل للغاز الطبيعي او الصخري لكي يكون "صديقاً" لقضية تغير المناخ. فبعد ان طال الحديث في السنوات الأخيرة بأن الغاز هو "الأقل تلويثاً" بين كل انواع الوقود الأحفوري، وأن استخدامه على نطاق واسع بدلا عن الفحم الحجري والنفط، سيخفف من انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون المسببة بتغير المناخ... أظهرت دراسة اميركية جديدة ان استخراج الغاز يتسبب بتسرب غاز الميثان (CH4) الذي يتسبب بدوره بتسخين الارض وتغير المناخ اكثر من ثاني أوكسيد الكربون بـ34 مرة!
كما أظهرت الدراسة ان انبعاثات غاز الميثان من الولايات المتحدة الاميركية من مصادر التنقيب والاستخراج والنقل والتخزين للغاز الصخري (وغير الصخري) والغاز المصاحب ومن مصادر حيوانية هي اكبر من التقديرات السابقة باكثر من 170%، وهي تتخطى التقديرات السابقة ما بين 4 و8 مرات!
اما الخلاصة المدوية التي يخرج بها التقرير، أن الغاز لم يعد مصدر الطاقة الانتقالي (نحو الطاقات المتجددة) فهو مصدر كارثي بالنسبة الى قضية تغير المناخ.
من المتوقع ان تنسف هذه الدراسة كل المقولات التي سادت في الفترة الأخيرة والتي اعتبرت أننا دخلنا في "عصر الغاز". مع العلم ان المروجين الأساسيين لهذه المقولة، ليس وزير الطاقة عندنا بالطبع، بل مجموعة كبيرة من الخبراء الأميركيين، الذين بشروا بعصر الغاز، بعد اكتشاف طرق جديدة للوصول الى الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأميركية، وإن كانت هذه الطرق التي تعتمد التكسير الهيدروليكي ملوثة جداً... الى درجة ان الاتحاد الأوروبي لا يزال يحرّمها حتى إشعار آخر، بالرغم من إصرار دولة مثل بولندا على السير بها، بدوافع اقتصادية وبحجج كانت تؤكد ان الغاز هو أفضل من الفحم الحجري ومن الطاقة النووية.
تعيد هذه الدراسة خلط الأوراق على المستوى الدولي، ليس بالنسبة الى الخيار الجديد للولايات المتحدة الاميركية في سياستها للاستقلال الطاقوي، بل عند الكثير من سياسات الدول الرئيسية والكبرى في العالم كروسيا وألمانيا. فحاجة الكثير من الدول (لا سيما الاتحاد الاوروبي) الى الغاز الروسي، أعاد هذا البلد الى مصاف الدول الكبرى في العالم.
كما ان تعهد المانيا للخروج من النووي العام 2022 لم يكن ليكون لولا اعتماد المانيا على استيراد الغاز من روسيا لسد الحاجة المتأتية عن إقفال مفاعلاتها النووية اكثر من اعتمادها على الطاقات المتجددة.
كما سيعيد اكتشاف الدور السلبي للغاز في قضية تغير المناخ حسابات الدول التي وضعت البرامج البعيدة المدى لتخفيض انبعاثاتها المتسببة بتغير المناخ، لا سيما على ابواب اقرار اتفاق عالمي جديد وملزم العام 2015 في باريس... مما سيحتم على دول العالم اعادة النظر بالمراهنة على الغاز كمنقذ وكبديل.
امام هذه الوقائع والمخاطر، كيف سيتعامل لبنان اللاهث وراء رائحة النفط والغاز؟ والذي بدأ يختنق من الانبعاثات قبل ان يبدأ في التنقيب، وهو الذي حلم بتشغيل محطات إنتاج الطاقة وبالتوسع في استخدامه في قطاع النقل ايضاً؟
صحيح انه يمكن القول أنْ لا جديد في هذا الاكتشاف سوى في تصحيح التقديرات من انبعاثات الغاز المضرة بقضية تغير المناخ، وان هذا الموضوع (الاكتشاف) لا يغير شيئاً في إبقاء الغاز أقل تلويثاً على المستوى الداخلي والوطني... وأن انبعاثاته اقل ضرراً على الصحة العامة من انبعاثات الفيول والفحم الحجري والديزل (المازوت) والبنزين... إلا ان المشاكل الإضافية التي ستتسبب بها قضية تغير المناخ باتت اكبر بكثير من قضايا "الصحة العامة" واكبر من ان تعالج بإجراءات عادية. والعالم مقبل على اتخاذ إجراءات والتزامات أكثر تشددا، كلما غرق أكثر وأكثر في الفيضانات وكلما تعرض أكثر وأكثر للأعاصير والى زيادات في درجات حرارة الغلاف الجوي وزيادة في الجفاف وشح المياه وأزمات في الغذاء وزيادة في الأمراض المعروفة وغير المعروفة...الخ.
وفي الحصيلة، سيكون لهذا الاكتشاف اثر كبير على سياسات الطاقة العالمية، وسيفرض حتما تغييرا في الاستراتيجيات البعيدة المدى. واذ لا يزال لبنان من دون استراتيجية، عليه ان يأخذ بالاعتبار على الأقل هذه المعطيات الجديدة، وأن يعيد النظر بكل سياساته الطاقوية، نحو الاستثمار بما هو معطى من الطبيعة اللبنانية من طبيعة وشمس وهواء وماء، من دون المغامرة في التنقيب والاستثمار في "موارد ملعونة".