خاص بآفاق البيئة والتنمية
كما طوّر الإنسانُ الكثيرَ من الاستراتيجيات الفعّالة وامتلكَ وسائلَ مواجهةٍ دفاعية متعددة للبقاء على قيد الحياة ، تعدَّدت أيضًا آلياتُ ووسائلُ وأنظمةُ الدفاع والمواجهة عند النباتات والأشجار التي طوّرتها عبرَ ملايين السنين؛ لتحسينِ قدرتِها على البقاء والتكاثر وكي تبقى محصّنة ضدّ أعدائِها الطبيعيين من خلال تقليلِ تأثيرِ المفترسات أو تقليلِ استساغة تلك الحيوانات لها وكذلك إبعاد الإنسان عنها، وبعضُ النباتات والأشجار لديها وسائلُ دفاعية متنوعة في مواجهةِ الضرر الذي تسببُه الحشرات، وهي الحيواناتُ العاشبة الأكثرُ أهمية، إضافةً إلى الفقاريات من الطيور والثدييات، ويمكن أن تكون هذه الدفاعات كيميائية طاردة، أو سامّة، أو فخاخاً للحشراتِ الضارّة وسموماً لقتلِ المعتدي، أو حتى كي تبدو تلك النباتات كريهةَ المنظر والرائحة. إنّ ما وصل إلينا اليوم من استعمالٍ لهذه النباتات وتخصيصها لمرض معين دون سواه أو استعمالٍ داخلي أو خارجي، إنما هو خلاصةُ تجارِب أجدادِنا ممن سبقونا آلافَ السنين وتناقلَها الأولادُ والأحفاد، وحفظوها لنا إلى أن وصلتنا، وهي بحق تجارب يُشهد لها وهو ما يدرَّس اليوم في الجامعات تحت تخصصٍ يُدعى الطبُ البديل.
|
 |
أزهار جميلة لشجيرة الدفلة السامة |
تتعدد السلوكياتُ والتقنياتُ والاستراتيجياتُ التي تعتمدُها الكائنات الحية بشكلٍ عام، الصغيرة منها والكبيرة للبقاء على قيدِ الحياة، وقد عملت هذه الكائناتُ على تطويرِ سلوكياتٍ أساسية وأساليبَ متنوعة لكي تتغذى وتتكاثر، وتتكيف مع الظروفِ التي غالبًا ما تكون عدائيةً في محاولةٍ من هذه الكائنات لبناء استراتيجيات البقاء والتكيُّف مع البيئةِ المحيطة.
وكما طوّر الإنسانُ الكثيرَ من الاستراتيجيات الفعّالة وامتلكَ وسائلَ مواجهةٍ دفاعية متعددة للبقاء على قيد الحياة، تعدَّدت أيضًا آلياتُ ووسائلُ وأنظمةُ الدفاع والمواجهة عند النباتات والأشجار التي طوّرتها عبرَ ملايين السنين؛ لتحسينِ قدرتِها على البقاء والتكاثر وكي تبقى محصّنة ضدّ أعدائِها الطبيعيين من خلال تقليلِ تأثيرِ المفترسات أو تقليلِ استساغة تلك الحيوانات لها وكذلك إبعاد الإنسان عنها، وبعضُ النباتات والأشجار لديها وسائلُ دفاعية متنوعة في مواجهةِ الضرر الذي تسببُه الحشرات، وهي الحيواناتُ العاشبة الأكثرُ أهمية، إضافةً إلى الفقاريات من الطيور والثدييات، ويمكن أن تكون هذه الدفاعات كيميائية طاردة، أو سامّة، أو فخاخاً للحشراتِ الضارّة وسموماً لقتلِ المعتدي، أو حتى كي تبدو تلك النباتات كريهةَ المنظر والرائحة.

أزهار شجيرة الدفلة السامة
أنظمة الدفاع والحماية لدى النباتات
يشار إلى أنّ أنظمةَ الحماية والدفاع تنقسم إلى: وسائل حماية موجودة طيلةَ الوقت وبشكلٍ دائم في جسم النبات، ووسائل أنظمة مُسْتحَثّة، أيّ أنّ النباتات تستعملُها كردِ فعلٍ على الكائِنِ الضّار فقط، وهي غيرُ موجودةٍ دائماً في النبات. وقد وجد العلماءُ حديثاً أن بعضَ النباتاتِ تفرزُ مادةً سامة أو روائحَ كريهةً لإبعادِ الخطر عنها، وذلك عندما تأتي الحشراتُ لتأكلَ من أوراقها، فمثلًا نبتةُ الخبيزة أو الجيرانيوم"Geranium" وهي نبتة خارجية ومعمّرة، وإحدى النباتاتِ المنزليّة المفضّلة عالميًا، تنتجُ مركّبًا كيميائيًا فريدًا في بتلاتِ أزهارها للدفاعِ عن نفسها ضدَّ الخنافس، حيث يشلُ المركبُ الكيميائي الحشرة بعد فترةٍ وجيزة من تناولِه. في حين أنّه يزولُ تأثيرُ هذا المركب عادةً بعد بضعِ ساعات، وغالبًا ما تُلتهم تلك الخنفساء أثناءَ ذلك من قبل مفترساتِها.
تستخدِمُ النباتاتُ للدفاعِ عن نفسِها موادَ كيمياويةً تجعلُها كريهةَ المنظر أو سامّة بالنسبة لأعدائِها كاستراتيجيةٍ دفاعية ذاتِ جدوى، وتلعبُ دورًا وقائيًا هامًا في الكفاح المرير من أجل النمو الطبيعي والاستمرارية، وغزارةُ السموم التي تفرزُها هذه النباتات تبرهنُ على أنّ الترسانةَ النباتية مليئةً بالسلاح.
ونذكر من بينِ المواد الأكثر شهرةً في هذا المجال" الشَوكَران"، وهي عشبةٌ طبيةٌ سامة توجد بها مادةُ الأستركنين"strychnine" عديمةُ اللون، تمتازُ بسميّتِها العالية وتأثيرِها الصحي الشديد، وتُستخدم كمبيدٍ للآفات والحشرات، وخاصةً لقتلِ الفقارياتِ الصغيرة، ويتسببُ الإستركنين عند استنشاقِه أو ابتلاعِه أو امتصاصِه من خلال العين أو الفم، في حدوثِ تسممٍ يؤدي إلى تشنجاتٍ عضلية، وفي النهاية الوفاة من خلالِ الاختناق، والإستركنين مادةٌ استعملها هنودُ أمريكا قديمًا لتسميم السهام والكلابِ المسعورة.
المهندس منتصر شحادة–المدير السابق لدائرة الحدائق في بلدية غزة- يقول: "من طرق حمايةِ النباتات لنفسِها وجودُ سمومٍ بهذه النباتات او الشجيرات تشتمُ رائحتَها الحيواناتُ فتبتعد عنها". وتختلف درجةُ سمّية هذه النباتات من صنفِ نباتٍ لآخر، فعلى سبيل المثال نبات "الدَّفْلِــة، Neriu oleander"من النباتاتِ السامة للإنسان والحيوان، حيثُ توجد هذه السمومُ في الأوراق وجميعُ أجزاء النبتة، فالبهائمُ والحيوانات لا تأكلُ أوراقَ هذه النبتة مرةِ المذاق، فهي تحتوي على السموم في جميع أجزائها".

نبات الدفنباخيا الإستوائي
ويضيف شحادة: ومن النباتات السامّة أيضا نبات"الدفنباخيا، Dieffenbachia" إحدى نباتاتِ الظل الاستوائية، والزينة الداخلية، وهي من النباتات السامّة جدًا والتي يجب إبعادُ الأطفال عنها، فعند مضغِ أجزاءٍ من النبات، يحدث في الحال تورمٌ في اللسان وأغشيةِ الفمِ المخاطية، وتصبح حمراء اللون، وينتج عنها ألمٌ شديدٌ وحرقةٌ في الفم، مع تجمعٍ لكمياتٍ كبيرة من اللُعاب وصعوبة في البلع. أما عند تناول كمياتٍ كبيرة منها، فقد يحدث فقدانٌ للقدرة على الكلام لعدةِ أيام، ومن هنا فقد سمّيت بـ "شوكولا الأخرس" حيث استخدمت قديمًا لتعذيبِ الشهود ومنعِهم من الكلام".

قصة الفتى عيسة السلفيتي وشجيرة الدفلة
قصة الفتى عيسى السلفيتي وشجرة الدَّفْلِــة
لا زلنا نتذكر قصةَ الفتى الفلسطيني فادي عيسى السلفيتي (13 عامًا) من سكان حي بَيت حنينا بالقدس العربية قبل أربعةِ أعوام، والذي مكث مدةَ أسبوعين في حالِ الخطر الشديد فاقدًا للوعي، وتدهورٍ حادٍ وخطير في عملِ القلب نتيجةَ قيامِه بمضغ أوراقِ نبات الدَّفْلِــة السامة في ساحةِ المدرسة التي يتعلم فيها. واستنادًا إلى المراجع والأدبياتِ العلمية، فإنَّ تأثيرات مضغِ أوراقِ الدَّفْلِــة تشبهُ إلى حدٍ بعيد التأثيراتِ الكيماوية الكائنة في الدواء المسمى "ديغوكسين،Digoxin" الذي يشوشُ نشاطَ القلب، وهو كفيلٌ بالتسبب بالضرر للقلبِ وللجهازِ العصبي للإنسان.
استراتيجيّات الحماية والدفاع
هنالك عدّةُ استراتيجيّات حماية لدى النباتات لتقليلِ أضرارِ الكائنات الحيّة التي تهاجمُها، ومنها: استراتيجيةُ تجنّبِ الكائنِ الضار أو التهرّب منه، مثل النمو في مناطقَ يصعُبُ على الحيوان إيجادُها، أو إنتاج ونثرِ البذور لفترةٍ طويلة من الزمن حتى في الأوقاتِ التي لا ينشط فيها الحيوانُ آكلُ البذور. وهناك استراتيجيةٌ تحمّلَ الكائن الضار أيضًا، بحيث يتغذّى على أجزاءٍ غيرِ حيويّةٍ من جسم النبات، أو تطويرِ آليّاتٍ سريعة لإصلاحِ الأضرار التي يخلّفُها الكائنُ الحي.

الجندب الأسود وعصارة جنبة العُشَرِ
يرتبط تطورُ وسائلِ الدفاع لدى النباتات ارتباطاً وثيقًا بتطورِ الحشرات، وهناك ترابطٌ قوي بين تطوّر النباتات على اليابسة وتطوّرِ الحشرات، لأن النباتات هي مصدرُ الغذاءِ الرئيسي للحشرات الملقِّحة الرئيسيّة للنباتات الزهريّة، في حين أن معظم دفاعاتِ النباتات موجّهة ضد الحشرات والقلّة منها ضدَّ الكائناتِ الحيّة الأخرى، حيث طورت هذه النباتاتُ دفاعاتٍ أخرى موجهة ضد الحيواناتِ العاشبة الفقارية، فمثلًا بعضُ النباتات تحسُ عندما تُلمَس، وبعض الأنواع تمتلك دروعاً واقية مثل الأشواك والتي تعمل على صدِّ الحيوانات العاشبة (آكلاتِ العشب)، وأنواع أخرى تكون مُحمَلة بالسموم لصدِّ الحيوانات أو قتلِها.
يقولُ الخبيرُ البيئي خالد حمودة وصاحبُ مشوار للرحلاتِ البيئية: "النباتاتُ السامة هي إحدى طرق الوقاية أو الدفاع عن النفس التي تتخذها بعض العائلات النباتية أو بعض أصناف النباتات لحمايتِها أو حماية أجزاءٍ منها، حيث تنتجُ فيها الموادُ السامة، وتتنوع تراكيبُ المواد السامة وطرقُ تأثيرها ومدى فاعليتِها بحسب النبات، فمنها ما يكون شديدُ السمّية وتأثيرُها قاتل للإنسان، ومنها ما يؤدّي إلى مغصٍ أو غثيانٍ أو هذيانٍ أو هلوسة".
ويضيف حمودة: "ما يميز هذه النباتات عدمُ استساغة طعمِها المر أو اللاذع أو المقرف، وفي بعض الأحيان تؤدي ملامستُها إلى هيجانِ الجلد أو احمرارٍ أو لسعات. واستطاع الإنسانُ خلال آلافِ السنين بالتجربة الصحيحة أو الخاطئة التعرفَ على هذه النباتات وكيفيةِ استعمالِها واستغلالِها بعد عمليةِ فرزٍ قام بها بطرقٍ مختلفة لهذه المواد الفاعلة، لخدمتِه في الطب والاستشفاء من الأمراض أو الوقاية أو زيادة مناعةِ الجسم أو مكافحة الآفاتِ من الكائناتِ الضارة".
ومن أبرز آليات ووسائلِ الدفاع عن النفس والحماية للنباتات والأشجار في فلسطين:

أزهار جنبة العُشَرِ السامه
السموم-Poisons:
الجميع يعرف أنّ بعض النباتات سامّة، ولكن ما نعتبرُه مادة سامة لكائنٍ حي، قد يكونُ مركباً خاملاً لكائنٍ آخر، وتعتبر جنبة (العُشَرِ) من الشجيراتِ السامة، خصوصاً العصارة اللبنية الموجودة في جميع أجزاءِ النبات، وإذا أصابت العصارةُ اللبنية العين فقد تتسببُ في فقدانِ البصر، أمّا ابتلاع العصارة أو أي جزءٍ من النبات فيسببُ تهيّجاً في الجهاز الهضمي وألماً في المعدة مصحوباً بغثيانِ وقيْءٍ وإسهالٍ وبطءٍ في النبض وزوغان في البصر وضعفٍ عام، وتبلغ خطورةُ العصارة اللبنية لشجيرة (العُشَرِ) إلى حدِّ أنها كانت تستخدم لتسميمِ الرماح.
الجندب اﻷسود وجنبة العُشَرِ
يعتبر الجندبُ الأسود في منطقة أريحا والأغوار مثالاً على عدم انزعاجِه من العصارة اللبنية لشجيرة العُشَرِ أو العشار، وهي عصارة لبنية سامّة تنتجُها شجيرةُ العشار، كذلك يبدو أنّه يحب هذه العصارة الموجودة في كل أجزاءِ الشجيرة، ويقوم الجندبُ الأسود بقضم أوراقِ العشار والاستفادة من العصارة التي ينتجُها النبات في أنسجتِه وجلدِه، مما يجعلُه سامًا للحيواناتِ الأخرى.

شجرة الشعار في اريحا
خلال جولتِه البيئية في وادي السدر بعين جدي قربَ البحرِ الميت يقول الخبيرُ البيئي خالد حموده: "يُعتبر الجندب الأسود حشرةً سامة من رتبةِ الجندبيات، يعيشُ على جنبةِ العُشَرِ ويقتاتُ منها رَغم أنها سامّة ولا يأكل منها أيُ حيوانٍ عاشبٍ آخر، فهي تحتوي على سائلٍ لبني أبيض سام، إﻻّ أن الجندبَ اﻷسود ﻻ يتأثرُ بها، بل يستخلصُ هذه المادة ويختزنُها في جسمِه (كما تظهر في الصورة)، وعندما يتمُ مهاجمته يستطيع أن ينفثَ السمَّ لعدةِ سنتميترات، مما يسبب اﻷذى للحيوانِ المهاجم، ولهذا فعادةً ما تبتعد عنه بسبب لونهِا ﻷسود مع النقاطِ الصفراء، فهي الوانُ تحذيرٍ بارزة يجب تجنبُها".

نبات الشوكران السام
مواد النباتات الطبيعية السامة
النباتُ السام هو نوعٌ نباتي قد يسبب للإنسان والحيوانات المختلفة عند التغذي عليها أعراضاً مرضية مصحوبةً بتهيجِ وتوعك أو تحسسٍ جلدي، قد ينتجُ عنها عواقبَ صحية مختلفة، تظهر مباشرةً أو بعد فترة، نتيجةَ تراكمِ المواد السامة في أنسجةِ الكائنِ الحي، وتختلف سمّية النباتات السامّة اختلافاً بيناً، فبعضُها شديدُ السمية كنبات الشوكران الذي يحتوي على كمياتٍ قاتلة من مادة الكونيينConiine، وهو سمٌ عصبي يعطّل الجهازَ العصبي عند البشر ولدى جميع أنواعِ المواشي، استعمله الإغريقُ لإعدام المجرمين والسياسيين المعارضين، ويُعتقد أن سقراط أُعدم بإعطائِه عصيرَ نبات الشوكران في 399 ق.م. وكذلك مادة النيكوتين Nicotine المستخرجة من دخانِ التبغ، وهي مادة سامة للإنسان، ويرتبط بجزيئاتِ القطران عند دخولِها الجسمَ عن طريق الرئتين، كما أنّ هذه المادة السامّة يستعملها نبات التبغ كوسيلةٍ للدفاعِ عن النفس ضد الحشرات، لذا لا نشاهد أيَ حشرةٍ على نبات التبغ.
والأمرُ نفسه بالنسبةِ لنبات االدَّفْلِــة أو الورد الكاذب الذي كان وراءَ موتِ عددٍ كبير من جنود نابليون بونابرت بعد احتلالِهم لقرية إسبانية واستعمالِهم أغصانَها لشكِ اللحم وأخشابَه لشوائِه، فكما ورد سابقًا هذا النبات يحتوي على السموم في جميعِ أجزائه وبمجرد تناول أي جزء منه يُسبب الوفاة، وفي حال استنشاق الدخان المتصاعد من الدَّفْلِــة في حالِ أحراقها فإنّ ردودَ الأفعال تصبح حادة.

نبات البقلة او الفرفحينه
وبعضُ النباتات مثل نبات البقلة أو الرجلة الحمقى أو الفرفحينة، يستعملُها الناس بكميةٍ قليلة في السلطات، ولكنّ التغذي بكميةٍ كبيرة منه ولفترة طويلة قد يؤدي إلى التسمم الذي يظهر على شكل رجفِ العضلات، وعدم القدرة على الحركة.
بالطبع، قام البشرُ بتحويلِ جميع أنواعِ السموم النباتية لأغراضٍ طبية، كمادةِ بايريثرينPyrethrin المستخلصة من نباتِ الأقحوان والتي استخدمت كمبيداتٍ حشرية، إضافةً الى معالجةِ القمل، كما تتمتّع زهرةُ الأقحوان بخصائصَ مضادّةٍ للجراثيم والفطريات؛ لأنها تحتوي على مادّتي الكاروتينCarotene والصابونينSaponin اللتين تُنشّطان جهازَ المناعة.
يمكن إيجادُ مركّبات الكاروتين في النباتات فقط، وهي المسؤولة عن اللونِ البرتقالي والأحمر والأصفر وتدرجاتِها في الخضروات، كالجزر والمشمش والبطاطا الحلوة والقرع والمانجا والخضروات الورقية الداكنة كالسبانخ، وتتواجد أيضاً في الزيوتِ النباتية كزيتِ النخيل.
كما أنَّ مادةَ الصابونين شديدةَ المرارة وتتواجد في كثيرٍ من المواد العشبية البقولية، كالفول والترمس. فيجب توخي الحذر منها بالرَغم من ذلك، ولا يُنصح بتناولِ كمياتٍ كبيرة من تلك النباتات وبذورِها المحتوية على موادِ الصابونين. ورَغم سميتها الضئيلة والمحدودة للإنسان، إلّا أنها تعتبر شديدةُ السمّية للأسماك.

ثمار واوراق شجرة الخروع
وكذلك الأمر مع مادة الريسين Ricin، هذه المفردة هي التي أكسبَت نباتَ الخروع سمعتَه كأشدِّ النباتات سُميّة في العالم وهي عبارة عن بروتين سام وقاتل عند التعرض لها بشتى الطرق، فقد تحوَّل من زيتٍ نباتي إلى سلاحٍ فتاك وقاتل، وهذه المادة موجودة بشكلٍ طبيعي في حبوبِ الخردل، وعند تناولِ أو مضغِ حبوب الخردل وابتلاعِها يمكن أن يؤدي ذلك إلى التسمم.
كما يمكن استخلاصُ مادة الريسين أيضًا من نباتِ الخروع Castor oil plant، وتُعتبر بذورُ وأوراقُ نباتِ الخروع سامة جداً، وتحتوي ثمارُه على لوزةٍ زيتية عصارية يخرجُ منها زيتٌ مشهور غيرُ سام، أصفرُ اللون ويحضَّر من البذور ويذوب في الماء ولا يذوبُ في الزيت. وهو مادة يعرفُها كلُ من يريدُ تنظيفَ معدتِه وأمعائِه في عجالة. وما يجعل الريسين من السموم بالغةِ الخطورة هو سرعةُ انتشارِه في الجسم وتأثيرِه الشديد على جهازِ المناعة.
أمّا نباتُ الداتور االسامnightshade، والذي نشاهدُه في حدائق المنازل وحولِها في الوديان، وعلى جوانب الطرقات وأطرافِ الحقول، وفي المراعي والغابات، ويحتوى على قلويدات سكوبولامينScopolamine وأتروبين Atropen وقد استخدمت الداتورا كنباتٍ وعقارٍ للهلوسة من قبلِ السكان الأصليين للأميريكتين وبعضِ المناطق الأخرى. والجرعاتُ غير الصحيحة يمكن أن تؤدي إلى الوفاة. ووفقًا لخبراءِ الأدوية، فإن السكوبولامين يستخدم أيضًا لمنعِ الغثيان من التخدير، ويساعد في تهدئة عضلاتِ المعدة، لكنّه يكونُ مصحوباً بآثارٍ جانبية، منها: تشوشُ الرؤية أو فقدانُ الذاكرة أو تغييراتٌ في نبضات القلب. أمّا ألأتروبين فهو مركبٌ شبهُ قلوي، ويصنّف من مضاداتِ المخدرات التي يمكن أن تكون قاتلة، ويستمدُ اسمها من أتروبسAtropos وفقًا لما ذكرته الأساطيرُ اليونانية.
يقول الخبير البيئي خالد حموده: "إنّ أشهرَ العائلات النباتية سمّية في البلاد هي العائلة الباذنجانية، ومنها البندورة خاصة عندما تكون ثمارُها خضراء، وكذلك البطاطا الخضراء، ومنها الدخان وعنب الدب وعنب الأفاعي والسجوة الزيتية، وهناك الحنظل من العائلة القرعية، والذي يعتبر النبات الأم للبطيخ الذي نأكلُه اليوم، ومنها فقوس الحمار أو قثاء الحمار، حيثُإنّ المادة الهلامية المتناثرة من الثمار المنفجرة سامّة جدًا وخطرة، ونظراً لسمية النبات فإنه يجب استشارةُ مختصين قبل التعاملُ معها واستخدامها.

ثمار قثاء او فقوس الحمير
ويتابع حموده: "ولي تجرِبة مع صديقٍ استعمل ثمارَ قثاء الحمير دون الرجوع لشخصٍ مختص فكاد أن يفقد حياته، وهذا يدلّل على سميةِ النبات وضرورة التعامل معه بحذر، ومنَ الأفضل أن يتمَ التعاملُ معه من قبل خبير".
وعن استخدامات بعض النباتات في التاريخ الفلسطيني يقول حموده: "البصيل أو بصل الفأر أو ذات الحمار، تحتوي أوراقُه إضافةً إلى البصلة على مواد لاسعة، لذا تتجنبُه الحيوانات ولا تأكله، كما استعمله الفلاحون لتعليمِ الحدود بين قطعِ الأراضي، كون البصلة تعمّر ما يقاربُ الخمسةَ والعشرين عامًا، كما أنها تُغرس فوق القبور لإظهارِها، أما البصلة فقد صنع منها الفلاحُ الفلسطيني سمًا للفئران بإضافةِ العجين إليها، وأما الأوراق فكانوا يفركون بها الجروح التي تصيبُ الدواب لعلاجِها، كونها تحتوي على مضادٍ حيوي".
التمويه-Crypsis:
نبات ميموزابوديكاMimosa Pudica وهو نباتٌ حساس يطلقُ عليه شعبيًا اسم الخجولة أو المستحية أو المنكمشة وهي أسماءٌ شائعة، وتُسمى أيضًا اسم النبتة الحساسة، وتعتبر من النباتات العشبية الزاحفة والسنوية، تنطوي أوراقها المركبة على نفسها وتتدلى وتُغلق عند تعرضِها للملامسة أو الاهتزاز أو الحرارة، فتبدو وكأنّها ميتة، حيث تستجيبُ الأوراق للمؤثِرات الخارجية كنوعٍ من الدفاع عن النفس تجاه المفترسات وإبعاد الحشرات المؤذية، مما يجعلُها غيرَ مغريةٍ بالنسبة للأعداء.
يقولُ الخبير الزراعي بلال ذياب معالي: "من طرق الحماية لدى النباتات هو التمويه، وهو ما يحدث في نباتِ الست المستحية التي تشتمل على القلويد السام المشهور باسم ميوزينMyosin ، والمعروف بتأثيرِه المضاد للتكاثر والقاتل للخلايا الحية، كما أنّ الخلاصة المستخرجة من النبات قادرة على شلِّ يرقة الدودةِ الأسطوانية في أقلَ من ساعة، ومع ذلك فعند أيِّ ملامسةٍ لنباتِ "المستحية " تغلقُ أوراقَها فتبدو وكأنها ميتة، بحيث لا يعيرُها الأعداءُ أية أهمية".
الزوائد الشعيرية :Trichome
تمتلك بعضُ النباتات زوائدَ دقيقة مثل الشعيرات البارزة على جسمها لتوفر لنفسها الحماية، ولها القدرة على تحفيز الألم في حال ملامستِه من قبل الأعداء، فوجودُ شعيرات قاسية على سطح الأوراق والسيقان يصعِّب على الحشرة وضعَ بيوضِها، كما أنَّ اليرقات لا تستطيعُ أن تتحرّك بحريّة. وتحتوي شعيراتُ بعضِ أنواع النباتات على موادَ سامّة تساهم في منع الحيوانات من الاقتراب منها، ووجودُ أشواك حادّة على الساق والأوراق يجعلُ أكلَها بواسطة الحيوانات، خاصّة الثدييّات، أمراً صعبًا.

صبار الرجل العجوز
ومثالُ ذلك صبّارُ الرجلِ العجوز ونباتُ القُرَّيْــــص اللاسع أو الحُرَّيْق، حيثُ يمتلك هذا النبات الذي يخافُ منه الصغار ويتجنبُه الكبار، غددًا تقوم بحقنِ السم في الجروح التي سبّبتها، وتعمل على تهيّجِ الأعصاب. والقُرَّيْــــص نباتٌ عشبي طبي حَولي له أوراقٌ كثيفة معنّقة، وتغطي الأوراقَ شعيراتٌ تُحدِث تهيجًا للجلد عند ملامستها إياه، وله أزهارٌ صغيرة جداً رائحتُها قوية عطرية. ينتشر القُرَّيْــــص كثيرًا في منطقةِ البحر المتوسط ومن ضمنِها فلسطين، وفي أغلب الأمكنة حتى في حدائقِ المنازل بشكلٍ مزعج، كعشبٍ غيرِ مرغوبٍ فيه ويصعب التخلصُ منه.

نبات االقُرَّيْــــص او الحُرَّيْق
تقول الدكتورة الصيدلانية سامية ترزي: "إنَ لنباتِ القُرَّيْــــص شعيراتٍ دقيقة تتواجد على الأوراق والساق، وعند ملامستِها لأيِ جسمٍ غريب تحدثُ بعضُ الآلام، وهو بالمناسبةِ نباتٌ مضادٌ للأكسدة يحتوي على حمضِ النمليك (الفورميك) Formic acid والهستامين Histamine، إضافة إلى السيريتونين Serotonin، حيث إن اجتماعَ هذه الموَاد الفعالة ينشّطُ الدورةَ الدموية في الجلد، ثم يؤدي إلى تخديرِه بعد حين، لذا كان يُستخدم من قبل مرضى الروماتيزم المفصلي، وذلك بضَربِ المفاصِل المؤلمة بعيدان القُرَّيْــــص الخضراء التي تحتوي على هذه الموّاد في أشواكها، والتي تُلهب وتهيّج الجلد لتنشيطِ الدورةِ الدموية counter irritant".
الأشواك Spine:
تمتلك العديدُ من النباتات على تراكيبَ شوكيةٍ قاسية ذاتِ نهاية حادة، والعديدَ من الأشواك، ولكن الأكثر شهرةً ووفرة هو نباتُ الصبار، والأشواكُ هي في الأساس فروعٌ ونتوءاتٌ مدبّبة أو سيقان، ووظيفتُها لا تقتصر فقط على حمايةِ سيقان الصبّار النضِرة من الحيواناتِ المفترسة، بل أيضًا توفر لها الظلَّ من شمسِ الصحراءِ القاسية.
يقول عبد السلام حبيه وهو باحثٌ بيئي مهتم بالنباتات البرية: " إن بعضَ أشواك النباتات تحتوي على أشواكٍ مجهرية داخلية، قد يكون لها خصائصُ كيميائية تسهّل وجود البكتيريا، وعلاوةً على ذلك هناك احتمال أنَّ الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في أشواكِ النبات تفرز السمومَ أثناءَ تكاثرِها على النبات، وأن هذه السموم يمكن أن تضرَّ بالحيواناتِ العاشبة. وتعمل هذه الأشواك الحادّة المختلفة عن طريق جرحِ وإدخالِ الكائنات الحية الدقيقة المسبِبة للأمراض (البكتيريا والفطريات) في جسمِ العواشب كنوعٍ من الحقن الطبيعي".
ويضيفُ حبيه: "تمكّن هذه الإصابة الكائناتِ الحية الدقيقة من اجتيازِ خط الدفاع الأول للحيوان (الجلد)، مما يؤدي إلى التهيّج والالتهاب، وهي أشبه بحربٍ بيولوجية طبيعية تقومُ بها النباتات الشائكة ضدّ آكلاتِ العشب، ولا يستطيعُ أيُ حيوان من الاقترابِ منه إلّا الجمل، فالجمل حيوانٌ صحراوي مُتكيّف لأكلِ النباتات الشوكية، ويستطيع أكلَه مع أشواكِه، ثم يستخرجُها لاحقًا من فمه، لذلك نسمع أنه في منطقة النقب عند البدو، حين تنغرز شوكةٌ في جسمِ طفلٍ أو أي شخص، يأخذون ريقًا من الجمل ويمسحون بها الجلدَ لتذوب.

أزهار شجيرة مسك الليل
إشارات ومواد كيميائية-Chemical signs
النباتات التي تتعرض للهجوم من قبل الآفاتِ الحشرية أو التي تتعرض لظروفٍ مرهقة مثل الجفاف أو العدوى الميكروبية قد تحذّر النباتاتِ الأخرى من الأزماتِ الوشيكة عن طريقِ إطلاقِ المركّبات العضوية المتطايرة، فهناك الموادُ القاتلة للحشرات، وتوجد هذه المواد بكثرةٍ في أوراقِ وأزهارِ بعضِ أصنافِ الأقحوان وأوراقِ الطيون بسبب نجاعتِها في قتلِ الحشرات، كما تُستعمل هذه المواد في صناعةِ المبيدات الحشريّة، وتحتوي عشبةُ الطيون على نسبةٍ من السميات، وهو مُدرج تحت النباتات متوسطةِ السمية، ويجب الحذرُ من استعمالِ زيتِ الطيون في حالِ إصابةِ البشرة بالحساسية أو وجودِ تسلخات.

نبات الطيون
وتُنتج شجيرةُ "مسك الليل" الدائمةُ الخضرة، كتلاً من الزهور ذاتِ الرائحة الفوّاحة، وتطلقُ النبتة أريجَها في المساء عندما تتفتح أزهارُها. البعض يلجأُ لزراعةِ مسكِ الليل في حديقتِه الخاصة، لدورِها في محاربةِ وطردِ البعوض والناموس من الشوارع والبيوت، وينتشر في المناطق ذاتِ الخُضرة خلال أجواءِ الصيفِ الحارة. ولكن على الرغم من مزاياها، عليك الحذر عند زراعتِها والتعامل معها خاصةً في حالِ وجودِ أطفال، فمسكُ الليل ذاتُ العطرِ الفوّاح والمظهر الآسر، شجرةٌ سامة من جذورِها وحتى أوراقِها وبذورِها الصغيرة. فلا يجب على أطفالكَ اللعب فيها أو تناولُ أيِ شيءٍ منها عن طريق الفم، وعليك أنت أيضًا الحذر عند لمسِها أثناءَ الغرس أو السقي أو النقل، بارتداءِ قُفازات واقية أو غسلِ وتعقيم الأيدي جيدًا، وعدم لمسِ الوجه قبل تنظيفِ الأيدي.
ويُعتبر السولانين-Solanine وهو مركبٌ سام من المواد الكيميائية التي تنتجُها بعضُ النباتات من نباتاتِ الفصيلة الباذنجانية مثل البطاطا والبندورة والباذنجان وعنبِ الديب في أوراقِها أو ثمارِها أو درناتِها، وذلك لمقاومةِ الفطريات والحشرات التي قد تتطفّل عليها، وللدفاعِ عن نفسِها من الحيوانات التي قد تتناولها، ولا تتناول الحيوانات بشكلٍ فطري النباتات التي قد تسببُ لها التسمم.
كذلك يحتوي الصمغُ الذي تكوِّنه أغصانُ وسيقانُ الأشجار المخروطيّة مثل الصنوبر على موادَ قاتلة للحشرات، وهناك أيضًا الموادُ الطاردة للحشرات كالزيوت المتطايرة التي تكوِّنها نباتات كثيرة مثل: الميراميّة، النعناع، الريحان وغيرها. لذا تعمَدُ العديدُ من ربّاتِ البيوت لزراعة هذه الأصناف في حديقةِ البيت لطردِ الحشرات، حيث تقوم هذه النباتات بفرزِ الزيوت المتطايرة بعدَ أن تبدأَ الحشرةُ بالتّغذي عليها. وتقوم هذه الزيوت بجذبِ الحشرات المفترسة والطفيليّات التي تُبيد الحشرات الضارّة بالنباتات، أي أنّ الزيوت المتطايرة في هذه النباتات لا تقومُ بإبعادِ الحشرات الضارّة، وإنّما تجذبُ أعداءَها الطبيعيين ليقضوا عليها.
يقول المهندسُ الزراعي نور الدين اشتية: "تتعدد وسائلُ الحماية التي يستخدمُها النبات للدفاع عن نفسِه ضدَ أي هجوم من الحشرات، وقد لفتَ هذا انتباهي في عملنا في المزرعة العضوية التابعة لمركزِ العملِ التنموي/ معا، ونحن نبحث في عملِنا بشكلٍ دائم عن كلِّ الطرق الطبيعية في الأعشابِ الطبية واستخدامِها في الزراعاتِ المتداخلة كأحد طرقِ الحماية في الزراعة العضوية دون استخدامِ أيِ موادٍ كيماوية لمكافحةِ الآفات الزراعية".
ويضيف اشتيه : "منذُ مئاتِ السنين استخدم الإنسانُ السمسم في الدورةِ الزراعية كجزءٍ أساسي في مكافحة النيماتودا، حيث أن السمسم يحتوي مادة تسمى سيسامين (عبارة عن مادة طبيعية تعمل على الحد من انتشار النيماتودا من خلال منعِ إفرازِ موادَ من الجذور تجلب النيماتودا، بالإضافة إلى تكوينِ نموَّاتٍ جذريةٍ جديدة)، وأصبح لدينا هناك مبيدٌ عضوي في مكافحةِ النيماتودا اسمه (سيسامين)، كما أن أحدَ الوسائل في مكافحةِ الحشرات هي مادةُ بايريثوم pyrethrum التي تفرزُها أزهارُ الأقحوان Chrysanthemum، والآن تُستخدم بشكلٍ تجاري وواسع لمكافحةِ الإصابة الحشرية على النباتات.
ويختتم خالد حموده بالقول: "إنّ ما وصل إلينا اليوم من استعمالٍ لهذه النباتات وتخصيصها لمرض معين دون سواه أو استعمالٍ داخلي أو خارجي، إنما هو خلاصةُ تجارِب أجدادِنا ممن سبقونا آلافَ السنين وتناقلَها الأولادُ والأحفاد، وحفظوها لنا إلى أن وصلتنا، وهي بحق تجارب يُشهد لها وهو ما يدرَّس اليوم في الجامعات تحت تخصصٍ يُدعى الطبُ البديل".