مظاهر وسلوكيات تتسم باللامبالاة وقلة الوعي تؤدي لحدوث حرائق وكوارث بيئية خطرة قد تقضي على أحراش كاملة، كأن يترك المتنزهون أماكن تنزههم دون التأكد من إطفاء النار بشكل سليم، أو رمي أعقاب السجائر بجانب الأعشاب الجافة على جوانب الطرقات. طواقم الدفاع المدني الفلسطيني سجلت 6430 حالة تدّخل لإطفاء الحرائق في 70 يوما في الضفة الغربية خلال (شهري نيسان وأيار والأيام الأولى من شهر حزيران). الحرائق تؤثر على درجات الحرارة ونوعية التربة ومكوناتها، وعلى الغطاء النباتي والتنوع البيولوجي، وتلوث الجو وتدهور الغطاء النباتي، وأيضا التسبب بانجراف التربة.
خاص بآفاق البيئة والتنمية
غروب للشمس قبل مغيبها بسويعات... هذا ما بدا عليه المشهد عندما وقفت سيدة عند شباك منزلها في حي الطيرة بمدينة رام الله لتتأمل الطبيعة والأفق الأخضر، لكن ما رأته كان مشهداً مغايراً ومزعجاً.
تقول السيدة منى نمورة: "رأيت الشاب الذي أشعل الحريق وأنا متأكدة أنه اشعلها متعمدا، دون مراعاة لوجود بعض الأشجار على حافة الرصيف والتي زرعها الجيران لتضفي للمنطقة جمالاً ورونقاً".
كتبت نمورة على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك): "الطيرة ستحترق.. ولن يبقى فيها شجر ولا غطاءٌ أخضر".
وأضافت: "هؤلاء الأشخاص لا يفقهون شيئا، إنهم يحرقون الأرض والشجر دون تفكير، لا انتماء لديهم ولا أخلاق".
تشير نمورة إلى أن الحريق وقع آخر يوم في شهر رمضان المبارك قبل الإفطار بأقل من ساعة، ما حدا برجال الإطفاء إلى قضاء وقت الإفطار (الذي يفترض أن ينهوا صيامهم فيه ويتناولوا طعامهم) في إخماد الحريق الذي امتد ليصل إلى العمارات المجاورة.
وتستطرد "رائحة الحرق الكريهة بقيت تفوح بالمنطقة ثلاثة أيام متواصلة، الأمر الذي سبب أضرارا صحية واختناقاً لدى العديد من الأطفال وكبار السن، خاصة مع اشتداد درجات الحرارة، كما لم يراعِ فاعل الحريق وجود أسلاك الكهرباء والهاتف وخطورة وصول النار إليها".
هذه المظاهر والسلوكيات تؤدي لحدوث كوارث بيئية خطرة قد تقضي على أحراش كاملة، كأن يترك المتنزهون أماكن تنزههم دون التأكد من إطفاء النار بشكل سليم، أو رمي أعقاب السجائر بجانب الأعشاب الجافة على جوانب الطرقات.
أرقام واحصائيات
طواقم الدفاع المدني سجلت 6430 حالة تدّخل لإطفاء الحرائق في 70 يوما في الضفة الغربية خلال (شهري نيسان وأيار والأيام الأولى من شهر حزيران).
وتركزت التدخلات بالتوازي مع ارتفاع درجات الحرارة وبداية فصل الصيف وجفاف الأعشاب، وكانت معظم الحرائق في الأعشاب والأشجار، حيث بلغت حرائق الأعشاب 4218 حريقا بنسبة وصلت إلى 66% من تدخلات الدفاع المدني.
فيما بلغت عدد الحرائق بسبب الإهمال 2794 حريقا بنسبة 43.5% من مجمل التدخلات.
وامتدت حرائق الأعشاب لتتسبب في 238 حريقاً لأشجار حرجية وأخرى مثمرة، نتج عنها خسارة أكثر من 10 آلاف شجرة ما بين احتراق كلي وجزئي، وبلغت نسبة حرائق الأشجار 3.7% من مجمل الحرائق، بحسب الدفاع المدني.
وبلغ عدد حرائق المحاصيل الحقلية 50 حريقا، و259 حريقا بالعمد، أدت لاحتراق عشرات الأشجار بنسبة 4% من مجموع الحرائق.
فيما بلغت حالات الحرائق بسبب عبث الأطفال بمسببات الحريق دون وجود مرافق، 135 حريقا بنسبة 2% من المجموع الكلي.
وتربعت محافظة رام الله والبيرة على عرش أعلى المحافظات تسجيلا لتدخلات الدفاع المدني حيث بلغ عددها 1020 تدخلا، وفي الخليل 1001، وجنين 869 تدخلا، وبيت لحم 560، وطولكرم 557، والقدس 463، ونابلس 367، وطوباس 220، وقلقيلية 207، وسلفيت 182، وأريحا الأقل بـ110 تدخلا خلال الفترة ذاتها.
انتشار الحرائق في مختلف الأنحاء الفلسطينية
الحرائق المشتعلة في مختلف الأنحاء الفلسطينية خلال شهري أيار وحزيران أصبحت مشهدا مألوفا
الحرائق والغطاء النباتي
مدير عام المصادر الطبيعية في سلطة جودة البيئة عيسى موسى يقول: "إن معظم الحرائق على مستوى العالم تكون مفتعلة بشكل متعمد من قبل البشر، أو بسبب الإهمال أو الأخطاء البشرية".
وللحرائق تأثير مباشر وغير مباشر على التنوع الحيوي والبيئي، يشير موسى إلى أن الحرائق تؤثر على درجات الحرارة ونوعية التربة ومكوناتها، وعلى الغطاء النباتي والتنوع البيولوجي، وتلوث الجو وتدهور الغطاء النباتي، وأيضا التسبب بانجراف التربة.
ويعتبر الغطاء النباتي المصدر الأساسي للتزود بالأكسجين، والذي يتمثّل بالغابات والمحميات الطبيعية والأشجار، وعندما يقل الغطاء النباتي فهذا يؤثر على كمية الأكسجين في الجو وعلى نقائه، فتزيد كمية ثاني أكسيد الكربون، وتتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري ويتلوث الجو وتنخفض جودة الهواء.
كما أن هذه الحرائق إذا وصلت للأشجار؛ فستقضي على مصادر تنقية الأجواء وتتسبب بانجرافات للتربة، إضافة إلى المضار على صحة الإنسان، وستؤدي كذلك إلى نزوح الطيور أو الحيوانات من هذه المناطق التي تعرضت للحريق، يوضح موسى.
ويتابع إن الغطاء النباتي يؤثر على خصوبة التربة وجودتها، ويعمل على فلترة المياه قبل وصولها إلى المياه الجوفية وتنقيتها، وفي حال حرق هذا الغطاء، فإن ما يحدث هو فقدان التربة لخصوبتها وتحولها لمتصحرة، خاصة أن التصحر ليس فقط في الصحراء كما يظن البعض، بل يعني قلة خصوبة التربة وإنتاجيتها.
ويضيف موسى: "عندما يقل الغطاء النباتي فإنه يزيد من انجراف التربة في فصل الشتاء نتيجة عدم وجود ما يمسك بالتربة، وهذا يؤدي إلى تدهور وتصحر الأراضي، إضافة إلى ضياع العديد من الكائنات الحية وتقليل تنوع الغطاء النباتي".
ويؤكد موسى أن التوعية حول الأضرار البيئية والصحية والاقتصادية التي تنتج عن الحرائق ضرورية، كما يجب على كل مواطن يريد حرق الأعشاب في محيط منزله أن يملك المعرفة بكيفية التعامل مع النيران.
وينتج عن الحرائق رماد، يتكون على سطح الأرض بعد حرق الأعشاب الجافة ويعمل على تلوث التربة وتكوين غطاء عليها، فيمنعها من التنفس ومن امتصاص المياه، ويقتل البيئة الحيوانية والنباتية عليها.
ويشير موسى إلى أن الطريقة الصحيحة للتخلص من الأعشاب هو تعشيبها باستمرار وقبل جفافها، واستخدامها كسماد طبيعي داخل الحديقة المنزلية.
دمار المساحات المفتوحة بسبب الحرائق
افتعال الحرائق والعقوبة القانونية
المادة 44 من قانون رقم (7) لسنة 1999 بشأن البيئة تنص على: "يحظر على أي شخص القيام بأي أعمال أو تصرفات أو أنشطة تؤدي إلى الإضرار بالمحميات الطبيعية أو المناطق الحرجية أو المتنزهات العامة أو المواقع الأثرية والتاريخية، أو المساس بالمستوى الجمالي لهذه المناطق".
وجاءت المادة 72 لنفس القانون لتجرم مرتكبي الإضرار بالمحميات الطبيعية حيث نصت على: "كل من يخالف أحكام المادة (44) من هذا القانون يعاقب بغرامة مالية لا تقل عن عشرين دينارا أردنيا ولا تزيد على مائتي دينار، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونا، وبالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أيام ولا تزيد على شهر أو بإحدى هاتين العقوبتين".
حرائق متتالية في قضاء رام الله
الحرائق والتنوع الحيوي
من جهته، يقول المدير التنفيذي لجمعية الحياة البرية في فلسطين عماد الأطرش، إن الحرائق تؤثر على التنوع الحيوي والبيئي في فلسطين مثل أعشاش الطيور ومأوى الحيوانات والمغر، والحيوانات التي تعيش في هذه المناطق والغابات والسهول، وهناك تأثير غير مباشر للحرق على الكائنات الحية.
ويشير إلى أنه من الطبيعي تواجد الأعشاب في المناطق الطبيعية والمحميات والأراضي، لأنها ضمن النظام البيئي الطبيعي، وإذا تم التخلص منها فسيساعد ذلك بجعل المنطقة تتجه نحو التصحر، وسيحدُث خللٌ في النظام البيئي، ما يساعد في انجراف التربة وتقليل الخضرة، ويؤثر تباعاً على الحصاد المائي في المنطقة.
ودعا الأطرش المواطنين لتوخي الحذر والحيطة من إشعال النيران بالأعشاب وضرورة تنظيف أماكن الشواء بعد الانتهاء من الرحلة، وتنظيف الأعشاب يدويا باستمرار بدلا من الحرق، ودعا وزارة الزراعة لفتح طرق زراعية احتياطية بشكل منظم، للحد من اشتعال الحرائق وامتدادها.
وأضاف الأطرش: "تعطي الحرائق في بعض المناطق مجالا للنباتات الضارة النائمة التي تترك بذورها في الأرض بأن تستيقظ وتنمو، خاصة أن من طبيعة بعض النباتات ترك بذورها بالأرض لمدة تتراوح من عشرة إلى عشرين عاما، وعند تتوفر ظروف ملائمة لنموها مثل الحرارة العالية؛ تخرج إلى سطح الأرض مثل نبات الهالوك وهو نبات متطفل ضار بالطبيعة".
القص وليس الحرق
من ناحيته، يقول الخبير الزراعي المهندس سعد داغر إن الأساس أن يتم قص الأعشاب على جوانب الطرق من قبل الجهات المختصة وتنظيفها مبكرا، وأكثر من مرة قبل جفافها.
ويشير داغر إلى أن الحرائق تكون أكثر بجانب الطرق الداخلية التي تكثر على حوافها الأعشاب الجافة، وفي الأراضي التي يغيب عنها مالكوها، ولا يوجد من يعتني بها نتيجة عدم تنظيفها من الأعشاب والقش قبل جفافها.
ويرى أن هذه الحرائق تؤثر نوعا ما على الحياة البرية، خاصة إذا كانت حرائق كبيرة تمتد إلى أعشاش الطيور والحيوانات، وتحرق جزءاً من بذور النباتات والأشجار التي تحتاج إلى سنوات لتجديدها.
تحديات إطفاء الحرائق
"تستنزف مكافحة حرائق الأعشاب والأشجار وقتا وجهدا كبيرا لدى طواقم الدفاع المدني، لاسيما أنه يكون في المناطق الجبلية والوعرة التي يصعب الوصول إليها في مركبات الإطفاء، وبالتالي تكون السيطرة على الحريق بالمعدات اليدوية، ما يحتاج إلى ساعات طويلة" يقول مدير إدارة الإعلام والعلاقات العامة في الدفاع المدني نائل العزة.
ويضيف العزة: "هناك صعوبة تواجه عمل طواقم الدفاع المدني تتمثل في قلة الإمكانيات سواء بالكادر البشري أو المعدات والأدوات".
ويشير إلى أن البعض يقدم على إشعال النيران في الأعشاب الجافة عمدا، وهذا العمل سيتم متابعته قانونيا مع الجهات المختصة، حيث أن الدفاع المدني لم يتقدم بشكوى على مفتعلي الحرائق في الفترة السابقة، لكن في الأيام المقبلة سيتم متابعة متسببي الحرائق وملاحقتهم قانونيا".