"مصاري" ... خواطر .. من وحي الهندسة والحياة !
صحيح أنني أعشق زيارة الضفّة .. وأسواقها، إلا أنني أصاب بالـ "مرض" وأنا اشاهد الارض مفروشة بالأكياس كأنها مهيئة خصوصاً لاستقبال أعصابي، حتى تشعرني أن الحضارة لم تدخل بلادنا ابداً. بل إن منظرها يُذكرني كثيراً بوقفتي على الطابور في (السوبرماركت) في المانيا. حيث يشعر الواحد منّا بالذنب لو وصل ناسياً أكياسه .. فيضطّر لشراء كيس .. احياناً اشعر ان الأكياس في فلسطين يجب ان تكون أغلى منها في المانيا. حتى نتأدب قليلاً. وليت المُشكلة هُنا. كارثتنا أكبر، فمن يُسافر في شوارعنا سيرى بعض الشوارع مُزيّنة بالنفايات على اختلاف أشكالها وألوانها لماذا؟ لأننا "مجانين" ، كيف؟
هذا الأسبوع تفكّرت كثيراً بمحاضرة زُرتها حول نظام لتنظيم نفايات المغلفات في المانيا يُدعى Duales System وكانت النُكتة .. انه إحدى الشركات إحتكرت لنفسها هذه الوظيفة حوالي 10 اعوام .. مما أدى إلى نشوب مشاكل واعتراضات ضد هذا الأمر ( احتكار النفايات )، حتى دخلت عام 2003 حوالي 10 شركات لتتنافس ( نعم نعم تتنافس ) على نفايات المُغلفات !! ولماذا ؟ هل لأن الألمان أصدقاء للبيئة؟ رُبما، ولكنني لا اظن ان هذا هو السبب الوحيد، الناس جميعاً تُفكّر في البيزنس، حتى هُنا، هذه الشركات لا تعمل لوجه الله تعالى، هي تعمل ولو لم تجنِ ارباحاً مُحترمة لأغلقت ابوابها، ثم ليت الأمر ينحصر هُنا ..!
تخيّلوا ان مُعظم نفايات الورق في ألمانيا، تُباع إلى الصين، هذا غير إستغلال مياه الصرف الصحي بعد مُعالجتها وغير النفايات البلاستيكية التي تُعتبر كمصدر طاقة والزجاج الذي يعود "كما كان" بعد تدويره، رُبما الأمور ليست سهلة كما عبّرت عنها هُنا. ولكن الأكيد ان الخُطوة التي قامت بها الحكومة الألمانية عام 1996 هي التي صنعت الفرق. كانت بسيطة جداً. وهي تعبّر عن الفرق بيننا وبينهم، وهي عندما بدأوا بالنظر للقمامة والنفايات على انها مادّة خام بالألمانية يعني Sekundärrohstoff بالنسبة لرجال الأعمال لم يكن هذا يعني مُجرد عنوان رنّان لحماية البيئة والكوكب. كان هذا يعني مصدر رزق مميز. بل مصدر ربح. يعني نقود. ويعني بالفلسطيني "مصاري"!! فما بالنا نُبدع في تقبيح بلادنا. وفوق ذلك، نحرق النقود من فوق أيدينا!
للأمانة: ذات يوم كُنت في زيارة إلى مصنع بلاستيك في كُفر قاسم وفوجئت انهم يستخدمون الأكياس (النايلون) في صناعة البلاستيك .. وفوجئت اكثر ان صاحب المصنع من قريتي. فكُل الإحترام.