وكانت موجة سابقة من الإستثمارات الأجنبية في الأراضي الزراعية الأفريقية أثارت أعمالا عدائية محلية أو إتفاقات في بعض المشروعات حيث اعتبر معارضوها أنها استيلاء على الأراضي وتلتهم الإحتياجات الغذائية للسكان المحليين.
وتقول حكومات دول من بينها زامبيا وغانا انه يمكن أن يستفيد الجميع من تلك الإستثمارات شريطة أن يتم تنظيمها بشكل سليم. وحملت الدولتان رسالتهما إلى منتدى زراعي عالمي عقد مؤخرا في الإمارات العربية المتحدة وعرضتا اتفاقات لتأجير الأراضي وتقاسم الإنتاج تهدف إلى جمع أموال لمساعدة صغار المزارعين لديهما وتوفير الغذاء للسكان المحليين.
وقال وزير الزراعة الزامبي، روبرت سيتشنغا على هامش المنتدى في أبوظبي "جئنا إلى هنا لأننا نريد جذب بعض هؤلاء المستثمرين للإستثمار في زامبيا. لا يوجد حتى الآن أي اهتمام من الشرق الأوسط رغم أننا وجهة مهمة".
وبدأت دول الخليج، التي تعتمد على الواردات في تلبية ما بين 80 و90% تقريبا من إحتياجاتها الغذائية، في ضخ إستثمارات كبيرة في الأراضي الزراعية في الخارج منذ عام 2008 في إطار جهودها الرامية للبحث عن الأمن الغذائي.
وإرتفعت أسعار العقود الآجلة للحبوب آنذاك بسبب: سوء الأحوال الجوية في عدد من كبار الدول المنتجة للغذاء، والإستخدام المتزايد للأراضي في زراعة المحاصيل المستخدمة في إنتاج الوقود الحيوي، إلى جانب القيود التي فرضتها بعض الحكومات على الصادرات الزراعية، وهو ما دفع دول الخليج إلى إنفاق مليارات الدولارات لضمان توفير إنتاج كبير من الغذاء.
وتضمنت الإستثمارات أراضٍ لزراعة محاصيل مثل القمح والأرز والذرة في دول منها السودان واثيوبيا وناميبيا، لكن دولا أفريقية اُخرى لم يكن لها نصيب من تلك الإستثمارات حتى الآن.
وقال سيتشنغا ان إتفاقات تأجير الأراضي يمكن أن توفر أموالا ضرورية للإنتقال بقطاع الزراعة في زامبيا إلى مستوى أعلى من التنمية.
وتتطلع غانا أيضا – وهي ثاني أكبر منتج للكاكاو في العالم – إلى إبرام إتفاقات في قطاعها الزراعي الذي يساهم بأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي.
وقال راشد بلبو وزير الدولة لتنمية القطاع الخاص في غانا "الحكومة وحدها لا تستطيع تلبية إحتياجات القطاع ومن ثم نحتاج إلى جذب إستثمارات أجنبية مباشرة".
وتريد حكومة غانا أن تؤسس للمستثمرين بنكا للأراضي. وتشمل جهودها أيضا عرض بعض الأراضي التي تملكها مصلحة السجون على المستثمرين مجانا.
وقال بلبو "نتطلع إلى تأجير الأراضي ونسعد بالعمل مع الناس. في الوقت الراهن لدينا أراض مجانية يمكن أن نعطيها للناس من خلال مصلحة السجون التي تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي غير المستغلة، ويمكن للمستثمرين إقامة شراكة معها".
وفي أكرا قال إبراهيم محمد نائب وزير الإعلام الغاني ان السجناء المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة غالبا ما يعملون في مزارع السجون. وتستخدم محاصيل هذه المزارع لتوفير الغذاء للنزلاء. لكنه أوضح انه لا توجد لغاية اللآن سياسة سارية تتضمن عرض أراضي السجون على المستثمرين، على حد علمه.
وتعرض غانا أيضا ترتيبات معفاة من الضرائب لإستثمارات زراعية في المنطقة الشمالية من البلاد. وفي المقابل سيتم تقاسم إنتاج المشروعات الزراعية حيث يخصص جزء للسوق المحلية بالنسبة للمحاصيل التي تستهلك محليا ويصدر المستثمرون الباقي.
وتشتد الحاجة إلى الموارد لتطوير قطاع الزراعة المحدود في أفريقيا. وقال سيتشنغا ان زامبيا ليس لديها سوى 500 مزرعة تجارية مقابل نحو 1.5 مليون مزارع صغير.
ولا تزرع زامبيا سوى 14%من أراضيها الصالحة للزراعة التي تبلغ مساحتها 70 مليون هكتار، لكنها مكتفية ذاتيا من معظم المحاصيل وتصدر الغذاء إلى جيرانها.
وقال سيتشنغا "الإستثمار الأجنبي المباشر سيساعدنا على دخول المزيد من أسواق التصدير". ورغم ذلك فقد أوقعت الإستثمارات الأجنبية في الأراضي الزراعية بعض المستثمرين الخليجيين في مشكلات سياسية وإجتماعية، ويقول بعض معارضي هذه الإستثمارات ان مشروعات هؤلاء المستثمرين يصعب تنفيذها.
ففي أثيوبيا حيث تم تأجير أراض زراعية في منطقة غامبيلا للملياردير السعودي محمد العَمودي قتل خمسة أشخاص في نيسان 2012 حين نصبت جماعة مسلحة كمينا لموظفي الشركة.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان انها تعتقد أن الهجوم مرتبط بإجراءات الحكومة الرامية لإعادة توطين سكان القرى من أجل إفساح المجال أمام مشروعات زراعية تجارية. غير أن شركة العَمودي إستمرت في مشروعها.
وهذا الهجوم ما هو إلا مثال يوضح كيف أن صفقات الأراضي يمكن أن تسبب مشكلات أكثر من أن تقدم حلولا في أفريقيا، لكن بعض المراقبين يعتقدون أن الأمر كله يتوقف على نوع الإتفاقات التي يتم التفاوض عليها.
وقال روي ستاينر، نائب مدير التنمية الزراعية في مؤسسة بيل ومليندا غيتس، ان المشروعات ينبغي أن تعود بالنفع على البلد المضيف من خلال مساعدة صغار المزارعين في تطوير مشروعاتهم.
وذكرت مؤسسة "أوكسفام" الخيرية المعنية بالمساعدات والتنمية ان ملكية 90% من الأراضي في منطقة أفريقيا جنوبي الصحراء غير مسجلة. وقالت كيت جيري المستشارة المختصة في شؤون الأراضي لدى "اُوكسفام" ان السكان معرضون للطرد من أراضيهم لإفساح المجال أمام المشروعات الكبرى.
وقالت أيضا "غالبا ما يترك الفقراء بلا منازل أو أراض أو تعويضات… وأي غذاء يزرع ينقل آلاف الأميال". وأضافت "الإستثمار الإيجابي في مجال الزراعة – الذي يعزز حقوق الناس في الموارد ويحسن قدرتهم على دخول الأسواق ويدعم حقوق المرأة – أمر حيوي".
وتقول شركة الظاهرة الزراعية الخاصة في أبوظبي التي تزرع أراضي في أوروبا والأمريكتين وأفريقيا انها لم تواجه أي مشكلات، لأنها تقتسم الإنتاج مناصفة مع البلد المضيف، وتوفر فرص عمل في المشروعات التي تستثمر فيها.
وقال خديم الدرعي، نائب رئيس الشركة "نهتم بالأمن الغذائي في كلا البلدين – في بلدنا والبلد المضيف الذي نستثمر فيه – ونتبنى إستراتيجية تقاسم (الإنتاج) مناصفة في جميع الحالات تقريبا".
والدول الأفريقية على ثقة بأن القوانين والقواعد التنظيمية ستحول دون وقوع مشكلات هذه المرة. وقال بلبو "لن نواجه ذلك النوع من المشاكل. إذا جاء المستثمرون الأجانب سيتفقون مع ملاك الأراضي على الطريقة التي يريدون المشاركة، بها وما إذا كانوا يريدون الحصول على نسبة مئوية معينة وما إلى ذلك".
وقالت زامبيا أيضا انها ستبدأ في منح المستثمرين عقود تأجير لفترة لا تزيد على 25 عاما، وستلغي العقد إذا وجدت أن المستثمر يسيء استخدام الأرض.
وقال سيتشنغا "ستكون هناك شروط للإستثمار، وإذا كانت هناك سوق محلية للمحاصيل المنتجة فلن يسمح في معظم الحالات إلا بتصدير ما يصل إلى 50%".