خاص بآفاق البيئة والتنمية
"أنتهى الكابوس" هكذا يقول ويأمل أهالي خربة جبارة، وهي إحدى قرى الكفريات السبع جنوب محافظة طولكرم، وذلك بعد أن حمل المحتل عتاد القهر والذل راحلاً في شهر أيار من العام الفائت، مبعداً الجدار الشائك ومزيلاً الحاجز العسكري وما يتضمنه من أبراج مراقبة وكتل إسمنتية ودفيئات للجنود وخزانات مياه.
وجاء الاندحار الاسرائيلي بعد ان انتصرت الدعاوى المرفوعة من قبل اهالي القرية والحقوقيين الفلسطينيين ضد حاجز جبارة حيث تم توثيق عشرات الانتهاكات على الحاجز والأضرار الكبيرة على المزارعين بفعل الجدار.
ولكن وعلى الرغم من تمكن أهالي القرية والقرى المحيطة من الدخول والخروج من جبارة بسلاسة بعد منتصف العام الماضي، إلا ان الجدار أُبعد من مكانه ولم يُزل، ليعزل قرية جبارة بشكل كامل عن الداخل الفلسطيني المحتل وخاصة بلدة الطيبة القريبة من حدود القرية.
قصة جبارة
 |
إعادة تأهيل وإعمار أراضي جبارة الزراعية |
ومثل عديدٍ من القرى القريبة من الخط الأخضر، كانت جبارة على موعد مع سياسات الضم والتوسع الاسرائيلي بعيد الانتفاضة الثانية، حيث تم اقتطاع أجزاء كبيرة منها بجدار من السلك الشائك الممتد من قرية جبارة في الشمال حتى اراضي كفر جمال في الجنوب، حاصرها من الجهات الشمالية والشرقية والجنوبية وبالتالي عزلها بشكل كامل عن الأراضي الفلسطينية وقد تم نصب حاجز عسكري على مدخلها، ما وضع أهل جبارة أمام حياة جديدة من التفتيش والإذلال اليومي، حارماً المزارعين من غير سكان جبارة بفلاحة أراضيهم. عوامل أوقفت زمن جبارة مقارنة بالقرى المحيطة لأكثر من عقدٍ كاملٍ.
وقد بلغ طول الجدار من قرية جبارة وحتى أراضي كفر جمال حوالي 14 كم وبعرض يتراوح من 50-120 م وقد ضم بداخله قرية جبارة إضافة الى ضم 30 ألف دونم تعد من أخصب الأراضي الزراعية المشجرة بالحمضيات والخضروات والزيتون وعشرات البيوت البلاستيكية والمياه الجوفية، وغني عن القول تأثيره على المجال التعليمي والصحي والاجتماعي... الخ
الأرض تعود لأصحابها
من أمام حقل مزروع بالذرة، تحدث السيد مصطفى العبوشي العضو في اللجنة الزراعية لجبارة والتي تشكلت حديثاً فور ازالة الجدار: "انتصارنا على المحتل بمشيئة الله أنقذ أراضي جبارة قبل أن تصبح بوراً، حيث كانت الزراعة حكراً على أهالي جبارة بسبب معوقات دخول المزارعين من غير سكانها".
يثمن العبوشي مساهمة وزارة الزراعة والمؤسسات الأهلية ومنها مركز معا في دعم المزارعين في جبارة بعد العزلة التي حدثت بسبب الاحتلال، وذلك عبر توزيع شتلات لمختلف أنواع الأشجار، وتأهيل الأراضي وبناء دفيئات زراعية لما يزيد عن خمسين دونماً حتى الآن.
وعن الذكريات التي "تنذكر وما تنعاد" تحدث العبوشي: "عانى كل من الشيوخ والنساء والأطفال على وجه الخصوص من حاجز جبارة، وكان طلبة المدارس يخضعون للتفتيش ليدخلوا ويخرجوا من قريتهم، حتى الأموات كانوا يفتشون في أكفانهم، والمرضى تسوء صحتهم من الانتظار،..."
"لن ينسى أهالي جبارة أبداً حالة الوفاة التي سببها الحاجز لرجل أصيب بجلطة قلبية، حيث ساهم تأخيره على الحاجز في القضاء عليه". يقول العبوشي.
العودة إلى الأرض بحماسة
ومن بعيد يمكن مشاهدة اسوداد جذوع زيتون محترقة، عن هذا ا لأمر أفاد العبوشي بأن الاحتلال سعى لحماية مستعمراته القريبة من جبارة، بإحراق عشراتٍ من اشجار الزيتون لمنع اقتراب المزارعين منها.
"يجب استصلاح الاراضي المحروقة وبناء آبار تجميع مياه أمطار لإعادة الزراعة إلى سابق عهدها". شدّد العبوشي وأضاف بأن كل المزارعين متحمسون لإعادة احياء الواقع الزراعي في جبارة. "يريدون شتلات، تأهيل أراضي، طرق زراعية، حفر آبار، يريدون اللحاق بركب القرى الأخرى بعد مسيرة تأخرت عشر سنوات".
إحياء آلاف الدونمات
ومع ذلك فالهدوء والسلام ما زالا مترددين بعض الشيء في ظل احتلالٍ لا يتوانى عن التضييق على أهل القرى المتشبثين بأرضهم، فالبناء ممنوع في جزء كبير من جبارة لوقوعها ضمن مناطق جـ، وهناك اخطارات هدم تهدد استقرار عدة اسر فيها.
ومن على بعد مائتي متر من الجدار الشائك الذي يفصل جبارة عن الداخل الفلسطيني، تحدث المزارع محمد عوض -رئيس اللجنة الزراعية وصاحب بقالة مونة في القرية- تحدث كيف تضرر مادياً جراء الحاجز الذي سبب اتلاف وإرجاع العديد من البضائع التي كانت تصل البوابة ثم يمنع ادخالها دون مبرر.
"تصوروا ..البوظة كانت تذوب على حاجز جبارة بانتظار الاذن لها بالدخول، ما كان يسبب تلفها". قال عوض وأضاف عوض بأن إزالة الجدار ساهمت بإحياء 2000 دونم، فنظراً لأن تشغيل مياه الري عبر المولدات يحتاج الى وقود، فقد كان ادخال الوقود وكذلك السماد والمبيد الزراعي بشروط وقيود، ما حدا بكثير من المزارعين الى هجر اراضيهم. ولكن بعد أن أزيلت الشوكة من الحلق، القرية آخذة بالانتعاش.
 |
 |
بئر جبارة الارتوازي بمحاذاة ما يسمى الخط الأخضر |
حرق القوات الإسرائيلية لشجر الزيتون بهدف حماية المستعمرين |
عشر سنوات من العذاب
نقلاً عن بيانات صحفية وزعت على مواقع اعلامية مختلفة فقد كان للجدار والحاجز الآثار التالية: دمر الجدار ما يزيد عن 150 دونماً من أراضي قرية جبارة تحت موقع الجدار العنصري، عزل 500 شخصٍ خلف الجدار محولاً حياتهم إلى جحيم لا يطاق. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت عملية تقديم الخدمات الأساسية لسكان قرية جبارة صعبة للغاية حيث تحتاج الأطقم الطبية بالإضافة إلى أيٍ من مؤسسات المجتمع المدني إلى تنسيق أمني مسبق للسماح لها بالعبور عبر البوابات الرئيسية إلى قرية جبارة.
بالنسبة إلى القطاع الزراعي فالضرر الأكبر كان يتركز على هذا القطاع، حيث أدى الجدار العنصري إلى تدمير قطاع الدواجن حيث انخفضت مزارع الدواجن بشكل كبير، بالإضافة إلى تضرر قطاع الزراعة المحمية بسبب الإغلاق الذي فرض على القرية حيث أدى إلى صعوبة تسويق المنتجات الزراعية إلى داخل أسواق الضفة الغربية، ما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة والفقر في قرية جبارة.
 |
 |
خربة جبارة |
هنا كان حاجز جبارة الاحتلالي |
جبارة في سطور
وبنبذة سريعة عن خربة جبارة "نقلاً عن الموسوعة الإلكترونية "الوكيبيديا" فتقع جنوب مدينة طولكرم على بعد 6 كم داخل الجدار الفاصل، ويبلغ عدد سكان القرية نحو 300 نسمة، حيث يعود أصول سكان القرية بالأصل (85% إلى قرية الراس المجاورة، 15% إلى مدينة الطيبة المحتلة منذ عام 1948)، ويقدر عمر القرية بستين عاما حيث أنها حديثة النشأة.
وتعد قرية جبارة من أصغر التجمعات الريفية على مستوى محافظة طولكرم، وتشتهر بتربية الدواجن، حيث كان فيها أكثر من 15 مزرعة لتربية الدواجن، بالإضافة إلى وجود نحو أربعين دونماً مزروعة بالمزروعات المحمية. كان اعتماد أصحابها المزارعين في تسويق منتجاتهم إلى داخل الخط الأخضر بالإضافة إلى أسواق الضفة الغربية
الأراضي السهلية الخضراء الواسعة هي عامل مبشر اليوم في جبارة، وعلى الرغم من اشتكاء اللجنة الزراعية من قطعان الخنازير التي يطلقها الاحتلال ومستوطنة سعليت التي تبدو بمبانيها الشاهقة مفارقةً لطابع القرية البسيط، إلا ان الزراعة تزدهر بلا شك في جبارة، وخاصة مع تراجع السيطرة الاسرائيلية على شريان جبارة والقرى المجاورة "البئر الارتوازي" الذي يقع مقابل معبر جبارة الحدودي.
وأمام ما تبقى من آثار للحاجز ما بين جبارة والراس، شاهدت آفاق بصمات مركز معاً على أرض الواقع عبر استصلاح 6 دونمات "كبدايةٍ" بزراعة عشرات الأشتال من الزيتون، كما ينوي استصلاح المزيد من الأراضي وبناء آبار تجميع مياه، واضعاً نصب عينيه المساهمة في إحياء الكثير من الأراضي المحررة مستبدلاً ذكريات الاستبداد بأخرى من خيرات الأرض الفلسطينية ورمزها الأهم "الزيتونة".