خاص بآفاق البيئة والتنمية
صدر مؤخرا التقرير الأول من نوعه الذي يستخدم صور الأقمار الصناعية لتتبع التغيرات في استخدام الأراضي والنمو الحضري وتقلص المسطحات المائية. وبحسب التقرير، فإن وتيرة التغير البيئي في المنطقة العربية قد تكون أسرع مما هي عليه في بقية أنحاء العالم، نظراً للنمو السكاني وزيادة الضغوط البيئية.
وبدعم من هيئة البيئة - أبوظبي (EAD)، أصدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) ومبادرة أبوظبي العالمية للبيانات البيئية (AGEDI) التقرير المعنون: "المنطقة العربية: أطلس بيئتنا المتغيرة". ويدرس الأطلس التغيرات البيئية التي حدثت في أكثر من ثمانين موقعا في جميع أنحاء المنطقة العربية، وذلك باستخدام مزيج من صور المواقع الأرضية والصور الفضائية الحالية والتاريخية، مع سرد يستند إلى أدلة علمية واسعة النطاق.
الدراسات في الأطلس معروضة على شكل "قبل وبعد"، تظهر بوضوح وتيرة التنمية في المنطقة، وتقدم أمثلة دامغة للتغير البيئي واسع النطاق، بما في ذلك تغير استخدام الأراضي، النمو الحضري، تدهور المناطق البحرية والساحلية، تغير الهيدرولوجيا، تقلص المسطحات المائية، وفقدان الموائل وتأثيرات تغير المناخ.
صور الأطلس تفيد في تسليط الضوء على الظروف والتحديات البيئية المميزة التي تواجهها المنطقة العربية، وتحديدا موارد المياه العذبة المحدودة، التحضر السريع، نضوب الموارد الطبيعية، سرعة تأثر العديد من التجمعات العربية والمخاطر البيئية والكوارث الطبيعية.
على سبيل المثال، تشكل ندرة المياه قضية بيئية رئيسية في 19 من 22 بلدا. الهطول المطري السنوي المنخفض جدا وشديد التباين يجعل المنطقة عرضة لآثار تغير المناخ؛ ومن المتوقع أن ينخفض توافر المياه للفرد إلى النصف بحلول عام 2050. وإلى جانب الزيادات في درجات الحرارة، فإن هذه التغييرات ستكثف الضغوط على النظم الطبيعية والمادية.
التصحر وتدهور الأراضي اللذان يصيبا 17 من البلدان العربية، يعرضان الأراضي الصالحة للزراعة المحدودة أصلا لمزيد من المخاطر (14.5% من إجمالي مساحة الأراضي صالحة للزراعة)، الأمر الذي قد يثير قضايا عابرة للحدود مثل انعدام الأمن الغذائي والهجرة البشرية.
التنوع البيولوجي آخذ في الانخفاض بسبب تدهور الموائل وضياعها. ويبلغ إجمالي عدد الأنواع المهددة المعروفة في المنطقة 1,746، علما أن غالبيتها مهددة بالانقراض.
العديد من هذه القضايا الكبرى مترابطة، ومعظمها نتيجة مباشرة لزيادة السكان والظروف البيئية المرتبطة بتغير المناخ.
علاوة على ذلك، تخضع المنطقة العربية لمجموعة متنوعة من المخاطر الطبيعية؛ فالمناخ الجاف والجاف جدا يفسح المجال لموجات متكررة من الجفاف، ما يشكل الخطر الطبيعي الأشد إلحاحا في المنطقة.
بين عامي 1980 و2008، أثرت حالات الجفاف والزلازل والفيضانات والعواصف على أكثر من 37 مليون نسمة في المنطقة، ما تسبب في أضرار تقدر بنحو 20 مليار دولار أميركي.
في السنوات الخمس وعشرين الماضية، واجهت المنطقة العربية 276 حدثاً كارثيا، وقع أكثر من 40% من هذه الكوارث الطبيعية خلال السنوات الخمس الماضية.
ويلقي الأطلس الضوء على حالات تعبر عن التغيرات البيئية، من خلال الصور التي تظهر أدلة مرئية للتغيرات التي تجري على الأرض والمياه والغلاف الجوي، ويغطي القضايا العابرة للحدود مثل أحواض الأنهار والمناطق المحمية العابرة للحدود والملوثات. كما أنه يوضح كيف أن الناس غيروا سلبا أو إيجابا المناطق المحيطة بهم وما زالوا يحدثون تغييرات ملحوظة وقابلة للقياس في المنطقة العربية وبيئتها.
وعلى الرغم من أن التحديات التي يبينها الأطلس مؤثرة، إلا أن الأخير يتناول أيضا الفرص التي تطرحها هذه التحديات، وكذلك بعض الردود المبتكرة التي يجري تنفيذها في المنطقة.
على سبيل المثال، أقامت العديد من الدول العربية مؤسسات خاصة للإدارة البيئية والتنمية المستدامة، كما أن التحسن الذي طرأ على الصحة والتعليم يسهم في بناء القدرات من أجل تسريع هذه التنمية المستدامة.
ويسلط الأطلس الضوء على القضايا البيئية الفريدة التي يواجهها كل بلد، ويتتبع التقدم الذي أحرزته كل دولة من أجل تحقيق الهدف المتمثل في ضمان الاستدامة البيئية، وذلك كجزء من الأهداف الإنمائية للألفية التي حددتها الأمم المتحدة.
الأطلس الذي يستهدف صانعي السياسات البيئية والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص والأكاديميين والمعلمين والجمهور عموما، يلفت الانتباه إلى التغيرات التي تطرأ على المستوى المحلي، ويدعم تحسين عملية صنع القرار وصياغة السياسات من أجل مستقبل أكثر استدامة.
ويعد هذا الأطلس أحدث إضافة إلى سلسلة الأطالس التي أشرف عليها برنامج الأمم المتحدة للبيئة، والتي بدأت عام 2005 مع إطلاق الأطلس العالمي: "كوكب واحد وشعوب كثيرة". الأطلس الجديد يعتبر إضافة هامة إلى مجموعة متنامية من أطالس برنامج الأمم المتحدة للبيئة، والتي تهدف إلى المساهمة في فهم أفضل لديناميات التغير البيئي.
تتبع التقدم المحرز نحو الاستدامة البيئية
لقد تم تتبع مقاييس التقدم نحو تحقيق الاستدامة البيئية في إطار الأهداف الإنمائية للألفية منذ عام 1990 وحتى اليوم، وذلك باستخدام خمسة مؤشرات: نسبة الأراضي الحرجية، عدد سكان الأحياء الفقيرة في المناطق الحضرية، مدى الحصولعلى مصادر المياه المحسنة، مدى توفر خدمة صرف صحي ونسبة المناطق المحمية.
وعلى الرغم من إحراز تقدم نحو تحقيق الأهداف المحددة لبعض هذه المؤشرات، إلا أن هذا التقدم كان بطيئا ومتفاوتا في مختلف أنحاء الدول العربية. وتعتبر أوجه القصور في المعونة أو المساعدة من أهم العقبات التي تحول دون تحقيق الأهداف، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية والظروف البيئية المحلية التي تسبب بها تغير المناخ والافتقار إلى الحكم الفعال.
صور من بيئتنا المتغيرة
وبالاستعانة بنحو 140 صورة مقارنة من الأقمار الصناعية تظهر التغير الحاصل على مر الزمن في كل بلد من البلدان العربية، يقدم الأطلس أدلة مرئية حول التغيرات الجذرية في بعض الأحيان التي حدثت في المنطقة خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا.
وتشمل التغيرات في المشاهد الطبيعية الجديرة بالملاحظة والمشتركة لكثير من البلدان ما يلي: تخضير الصحراء وزيادة الزراعة المروية؛ التوسع في حقول النفط؛ إزالة الغابات وفقدان الغطاء النباتي، تفشي الحشرات، جمع الخشب للوقود، التحضر غير المتحكم به، تطوير المناطق الساحلية والآثار الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرفة:
· تطور عدد لا يحصى من المدن الكبيرة في المنطقة العربية يعد أحد الأمور الأكثر إثارة للدهشة التي يقدمها الأطلس؛ فمدن مثل القاهرة، الجزائر، بيروت، الدار البيضاء، عمان، صنعاء، والرياض شهدت مناطقهم الحضرية تنمية واسعة وسريعة.
· التطورات الساحلية في مناطق مثل مدينة مسيعيد الصناعية في قطر، وعدن (اليمن)، والقطيف وجزر تاروت (المملكة العربية السعودية)، قد جَرَّت على البيئات الساحلية والبحرية، في بعض الأحيان، عواقب وخيمة مثل التلوث النفطي، وتدمير النظم الإيكولوجية الخاصة بالشعاب المرجانية وأشجار المنغروف والأعشاب البحرية.
· تخضير الصحراء كما هو موضح في منطقة العين (في الإمارات العربية المتحدة) والحدود الفاصلة بين الكويت والعراق، يشكل دليلا على الجهود المبذولة في المنطقة لتحسين الظروف البيئية والحفاظ على الموارد المائية.
· مزارع "الوفرة" في الكويت وسعت إنتاجها الغذائي ليشمل الاستزراع المائي، وتحديدا اسماك البلطي النيلي؛ وذلك من أجل استكمال قطاع الأسماك. كما أقامت الدفيئات الزراعية لتحسين إنتاج المحاصيل. وقد تم تنفيذ زراعات الدفيئة على نطاق واسع في سوريا، علما بأن نمو هذا النمط الزراعي المتحكم به كان بسبب تكرار موجات الجفاف، والحاجة إلى تحسين الكفاءة الزراعية وتلبية الطلبات المتزايدة لإنتاج الغذاء في الداخل والخارج، وذلك رغم الأثر البيئي المحتمل.
· مشروع "تبارورا" في صفاقس (تونس)، هو مثال مؤثر للمشاريع التي أطلقت في المنطقة لإحياء المناطق الحضرية وإعادة دمج سواحلها.
· ربما القصة الأكثر إثارة للتغير البيئي هو تنشيط أهوار بلاد ما بين النهرين، والتي عانت من خسائر مأساوية في الأراضي الرطبة منذ عام 1950 ومرورا بالتسعينيات؛ ومع ذلك، يشكل مواكبة التطور الإيجابي تحديا.
· صور القصف الإسرائيلي لمحطة توليد الكهرباء اللبنانية في الجية عام 2006 وما نتج عن ذلك من تسرب كبير للنفط في البحر اللبناني والشرق متوسطي، وحرائق النفط في الكويت نتيجة دخول القوات العراقية عام 1990 إلى الكويت؛ يظهر بوضوح الآثار البيئية الناجمة عن الصراعات السياسية.