خاص بآفاق البيئة والتنمية
شهدت الأراضي الفلسطينية منذ بداية العام الحالي تصعيداً غير مسبوق من قبل الاحتلال الاسرائيلي ومستوطنيه على حد سواء، وذلك عبر استهداف شجرة الزيتون المباركة، من خلال استخدام أساليب وطرق تتنافى مع مبادئ الإنسانية من قطع وتخريب لمساحات واسعة مزروعة بأشجار الزيتون، لدرجةٍ بات فيها "العام الحالي" يوصف بالأعنف من حيث عمليات استهداف الزيتون مقارنة بتلك الفترة من الأعوام السبعة الماضية.
فحسب معطيات مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (OCHA) فقد بلغ مجموع أشجار الزيتون التي تم استهدافها من قبل سلطة الاحتلال الاسرائيلي والمستوطنين خلال شهر كانون الثاني الماضي قرابة 1429 شجرة زيتون تم قطعها بشكل كلي، ما يعني ارتفاعاً تجاوز 60% مقارنة بنفس الفترة خلال العام الماضي 2013، وقد تم سرقة السواد الأعظم من تلك الغراس المستهدفة عبر نقلها بشاحنات خاصة الى داخل المستعمرات المجاورة.
همجية الاحتلال لم ترحم حتى الزيتون الفلسطيني
تواطؤ اسرائيلي في التغطية على جرائم المستوطنين
يذكر ان عمليات الاستهداف تنوعت من حيث الشكل والأسلوب والمكان، ولعل ما تميز به بداية هذا العام هو ما حدث في منطقة وادي قانا شمال مدينة سلفيت من استهداف لغراس الزيتون من قبل سلطة حماية الطبيعية الاسرائيلية وتقطيع 1000 غرسة للزيتون بعمر ثلاث سنوات في العاشر من شهر كانون الثاني الماضي، ومن ثم نقل الغراس المستهدفة الى مستوطنة " كرني شمرون" المجاورة. وقد بررت سلطة حماية الطبيعة هذا الإجراء في حينه بأن هذه الغراس زرعت دون ترخيص في منطقة وادي قانا، والتي تم تصنيفها اسرائيلياً بأنها محمية طبيعية.
يشار في نفس السياق، أن الاحتلال الاسرائيلي ممثلاً بسلطة حماية الطبيعية الاسرائيلية في الوقت الذي يمنع سكان المنطقة الأصليين من فلاحة أراضيهم في وادي قانا والتي ورثوها عن أجدادهم منذ مئات السنين، يشّرع لنفسه حق تجريف الأرض وتوسعة الاستيطان، بل وتدمير التنوع البيئي الفريد الذي تمتاز به المنطقة. ففي منطقة وادي قانا يوجد سبع مستوطنات اسرائيلية تسيطر على رؤوس الجبال والموارد الطبيعية في الوادي وتدمر البيئة في المنطقة.
والى الشمال من مدينة رام الله حيث بلدتي ترمسعيا وسنجل لم يكن الوضع بأحسن حال، فقد تم تسجيل لحظة إعداد هذا التقرير -في أواسط شهر شباط الحالي- اقتلاع وسرقة 700 غرسة زيتون في بلدة ترمسعيا، ناهيك عن تسجيل اقتلاع ما لا يقل عن 3000 غرسة زيتون من قبل مستوطني مستوطنة " شيلو" والبؤرة الاستيطانية "عادي عاد" في أواخر شهر كانون الثاني الماضي، حيث تم قطع وتخريب 2300 غرسة زيتون في بلدة سنجل على ثلاث مراحل متتالية خلال شهر واحد في المنطقة المعروفة باسم "الرفيد" وتم نقل السواد الأعظم الى داخل مستوطنة " شيلو"، نفس الأمر تكرر في بلدة ترمسعيا عبر قطع ما لا يقل عن 540 غرسة زيتون ومن ثم نقلها الى مستعمرة عادي عاد.
ومن الجدير بالذكر هنا، انه وبحسب ما أفاد به رئيس ترمسعيا السيد وديع علقم، فإن المزارعين في بلدته قد تقدموا بعددٍ من الشكاوي الى شرطة الاحتلال الاسرائيلي في مركز " بنيامين"، ولكن لم تكن هناك أي متابعة حقيقة من قبل الشرطة الاسرائيلية على الرغم من توفر الأدلة لديهم، وهذا يعكس تبادل الأدوار بين مؤسسة الاحتلال وذراعها المستوطنين.
ولعل المزارع طلال سويد (63 عاما) من بلدة سنجل يعد مثالاً واضحاً على تواطؤ شرطة الاحتلال مع المستوطنين في ما يخص استهداف شجرة الزيتون، فقد تم خلال العام المنصرم قطع أشجاره في منطقة " اللحف" شرق بلدة سنجل، وتقدم حينها بشكوى ضد المستوطنين لشرطة الاحتلال، الا ان الشرطة قد اكتفت فقط بأخذ الإفادة من المزارع المتضرر دون أن تحرك ساكناً. وفي هذا العام اقدمت نفس المجموعة من المستوطنين على تنفيذ نفس الاعتداء وفي نفس المكان، وقد تم تقديم شكوى مجددا للشرطة، إلا ان شرطة الاحتلال لم تفعل شيئاً يذكر بل على العكس أخذت الشرطة الاسرائيلية على عاتقها قلب الحقائق وطلب أمور تعجيزية من المزارع المتضرر بهدف إضاعة القضية وفرض سياسة الأمر الواقع.
يذكر ان هذه الأحداث وغيرها من التي تتعلق باستهداف شجرة الزيتون باتت مألوفة في الريف الفلسطيني من قطع للأشجار ومماطلة من شرطة الاحتلال في ملاحقة المستوطنين، ما انعكس بشكل سلبي على الواقع الزراعي في الضفة الغربية.
تخريب المستوطنين الإسرائيليين لأشجار الزيتون الفلسطينية
غياب آلية فعالة لمواجهة تخريب المستوطنين للأراضي الزراعية
يذكر انه في الوقت الذي يسّرع فيه الاحتلال من وتيرة سرقة الأرض وتوسعة الاستيطان، ناهيك عن العمليات المنظمة التي يقوم يها المستوطنون من قطع وتخريب للأشجار والاعتداء على المزارعين، نرى في الجهة المقابلة ان هناك "تباطؤاً" في تنفيذ المشاريع الزراعية الإنمائية من قبل المؤسسات الرسمية والأهلية خاصة في المناطق المحاذية للمستوطنات الاسرائيلية والاكتفاء ببعض النشاطات الاغاثية كتعويض الغراس بدل تلك التي تم استهدافها.
في هذا السياق، اكد السيد رائد أبداح من اتحاد جمعيات المزارعين الفلسطينيين لمجلة " آفاق" أن القضية ليست بتعويض المزارعين بالغراس التي تم قطعها وسرقتها كما تقوم وزارة الزراعة الفلسطينية، ولكن يجب ان يكون هناك مخططات تنموية للمناطق المستهدفة تتمثل في شق العديد من الطرق الزراعية التي تخدم المنطقة بالإضافة الى مشاريع الاستصلاح هناك، وهذا بدوره يكون محفزاً للمزيد من العطاء وحماية الأرض من المستوطنين.
وتساءل السيد ابداح: "ما فائدة تعويض المزارعين بالغراس دون ان يكون هناك آلية تثبت وجودهم بالأرض وحمايتها".
ومن هنا يجب ان يكون هناك خطة تنموية واضحة تشترك فيها جميع مؤسسات المجتمع المدني عبر إنشاء بنك معلومات وطني مشترك يخدم القطاع الزراعي والخطط التنموية المستقبلية، بحيث تشترك الجهات الرسمية والأهلية والبلديات في إعداد هذا البنك ويكون مصدراً للمعلومات أو المعطيات لأي عملية تنموية في المحافظات الفلسطينية.